أميركا تتجه لاستئناف مساعدات عسكرية مجمدة إلى مصر

مصدر لـ «الشرق الأوسط»: واشنطن تدرك دور القاهرة في استقرار المنطقة

TT

أميركا تتجه لاستئناف مساعدات عسكرية مجمدة إلى مصر

تتجه واشنطن لاستئناف مساعدات عسكرية إلى مصر، قيمتها 195 مليون دولار أميركي، كانت مجمَّدة بسبب بعض المخاوف بشأن حقوق الإنسان.
وقال دبلوماسي مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن «القاهرة أُبلغت بقرار استئناف تلك المساعدات، في انتظار أمور إجرائية تقليدية»، مشيراً إلى أن «الاتفاق يسير في الاتجاه الصحيح ودون أي معوقات، في ظل إدراك واشنطن لأهمية الدور المصري في استقرار منطقة الشرق الأوسط بالكامل».
وكانت الإدارة الأميركية قد جمدت في أغسطس (آب) العام الماضي 195 مليون دولار من المعونات العسكرية لمصر، وذلك بسبب ما اعتبرته «إخفاق مصر في إحراز تقدُّم في ملفَّيْ احترام حقوق الإنسان والديمقراطية». وقد أثار هذا القرار ردود فعل غاضبة في مصر، وتلويحاً بانعكاسات سلبية على العلاقات بين البلدين.
وتلقى سامح شكري، وزير الخارجية المصري، مساء أول من أمس، اتصالاً من نظيره الأميركي مايك بومبيو، تناول مختلف جوانب العلاقات المصرية - الأميركية في شقيها السياسي والاقتصادي، فضلاً عن التشاور حول عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك.
وقال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، في بيان، إن وزير الخارجية الأميركي أكد خلال الاتصال «حرص الولايات المتحدة الكامل على تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع مصر، والتزامها بدعم مصر سياسياً واقتصادياً وتنموياً، من خلال آليات التعاون القائمة بين البلدين، بما في ذلك برنامج المساعدات الأميركي لمصر بشقيه الاقتصادي والعسكري، وبما يعزز القدرات المصرية في مواجهة التحديات الأمنية، ويعزز الاستقرار الإقليمي».
ولم يتحدث البيان صراحة عن استئناف المساعدات المجمدة. لكنه أشار إلى أن «الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الدعم الأميركي لمصر، والتوجه نحو إزالة أية معوقات في هذا الشأن».
غير أن مصدراً دبلوماسياً مصرياً أوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «تم الاتفاق على استئناف الـ195 مليون دولار من المعونة العسكرية المجمدة إلى مصر»، موضحاً أن «الأمور باتت تتحرك في الاتجاه الصحيح، في انتظار بعض الإجراءات التقليدية».
وأشار المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن «تغير الموقف الأميركي جاء إثر تحركات مصرية رفيعة باتجاه إعادة تقييم الإدارة الأميركية للأوضاع المصرية، خصوصاً في ملفَّي حقوق الإنسان، وجهود محاربة الإرهاب، إضافة للموقف الاستراتيجي في المنطقة بشكل عام».
وذكرت الخارجية المصرية أن بومبيو ثمّن خلال الاتصال الجهود المصرية في مجال تحقيق المصالحة الفلسطينية والتعامل مع قضايا المنطقة، من أجل تعزيز الاستقرار. كما أعرب عن تطلعه لاستقبال وزير الخارجية المصري في واشنطن خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس المقبل، قصد مواصلة التشاور والتنسيق بشأن مسار العلاقات بين البلدين، وسبل تعزيزها، والتشاور بشأن التطورات في منطقة الشرق الأوسط، وعدد من القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
من جهته، أعرب الوزير شكري عن تطلعه لتلك الزيارة. كما أكد الاهتمام الخاص الذي توليه مصر لدعم وتعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة، وحرصها على متابعة التواصل والتنسيق والتشاور مع الولايات المتحدة بشأن التطورات الحالية في منطقة الشرق الأوسط، وسبل تعزيز السلام والاستقرار، ومواجهة التحديات المختلفة في المنطقة.
بدوره، قال السفير محمد العرابي، عضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان المصري، ووزير الخارجية الأسبق، لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات المصرية - الأميركية شهدت في الفترات الماضية فترة من السكون في العلاقة بين البلدين، وكان ملف حقوق الإنسان في مصر من عوامل هذا السكون»، مشيراً إلى أن مصر أجرت أخيراً عدة زيارات إلى الولايات المتحدة، منها وفد عسكري رفيع شرح الموقف المصري الاستراتيجي للمنطقة، ودور مصر بشكل عام، مبرزاً أنه يجب أن يكون هناك إعادة لتقييم الأوضاع.
كما نوه وزير الخارجية الأسبق بدور مصر في استقرار وأمن المنطقة وجهودها في مكافحة الإرهاب، وهو أمر تعيه جيداً واشنطن، التي تعتبر أن «أي نقص في قدرات مصر العسكرية ليس في مصلحة المنطقة ككل، وليس مصر فقط».
وحول دور وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو في تحسن العلاقات بين البلدين، قال العرابي إن «بومبيو له علاقات قديمة مع مصر قبل أن يكون وزيراً، وهو يتحدث بشكل جيد عن مصر، كما زارها عدة مرات حتى قبل عمله في (سي آي إيه)»، منوهاً بأن العلاقات المصرية مع وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين «تسير دائماً بشكل قوي للغاية، وهذا يعد محركاً رئيسياً في الأمر».
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أكد خلال لقاء نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن بلاده تدرس إعادة استئناف بعض المساعدات العسكرية المجمدة إلى مصر. وقال: «إننا ننظر في هذا الأمر بالتأكيد».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.