عندما جاء المدير الفني الإيطالي كلاوديو رانييري للعمل للمرة الأولى في الدوري الإنجليزي الممتاز تسبب في حالة من الجدل بسبب عدم قدرته على التحدث باللغة الإنجليزية لوسائل الإعلام. وعندما خسر فريقه تشيلسي أمام إيفرتون في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2000، كان العنوان الرئيسي لصحيفة الغارديان هو: «رانييري يواجه صعوبة في الترجمة»، وهو ما يعكس صعوبة المهمة بالنسبة للمدير الفني الإيطالي خلال أيامه الأولى كمدير فني أجنبي في بلد غريب ينظر إلى كل شيء بعين الشك والريبة.
ورغم تألق رانييري في الدوري الإنجليزي الممتاز وقيادته لنادي ليستر سيتي بعد ذلك للحصول على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز فيما يشبه المعجزة الكروية، لم يكن المدير الفني الإيطالي قادرا على التواصل مع اللاعبين والمشجعين، وهو الأمر الذي زاد الشعور بالغضب. لكن على الأقل فإن إصرار رانييري على التحدث لوسائل الإعلام باللغة الإيطالية قد أضفى جوا من المرح في كثير من المواقف، فمثلا ظل رانييري يتحدث باللغة الإيطالية بالتفصيل الممل لمدة ثلاث دقائق، ثم رأينا مترجمه يهز رأسه ويترجم كل هذه المدة بعبارة واحدة فقط باللغة الإنجليزية قائلا: «إنها مباراة من شوطين».
وقدم ساري نفسه لوسائل الإعلام الإنجليزية باللغة الإيطالية، تماما كما فعل رانييري، لكن مترجم ساري قد ارتكب خطأ أو خطأين في الترجمة إلى اللغة الإنجليزية. وقع الخطأ الأول عندما قال المترجم إن المدير الفني الإيطالي يريد أن يضيف «قليلا من الجودة» على خط الدفاع، لكنه في حقيقة الأمر كان يتحدث عن وسط الملعب وليس الدفاع. أما الخطأ الثاني فقد حدث عندما قال المترجم إن ساري يقول إنه يفضل الهزيمة واللعب بشكل ممتع عن الفوز واللعب بشكل ممل. ويعد هذا في حقيقة الأمر مثالا قويا على أن ذلة لسان بسيطة أو خطأ في التفسير يمكن أن يغير انطباعنا عن أي مدير فني حتى قبل أن يتسلم مهام منصبه.
ما كان يقصده ساري بالضبط هو أن الفوز في المباريات يجب أن يكون مقترنا بالأداء الممتع. وفي الحقيقة، اضطررت عدة مرات لفحص السماعات الموجودة في أذني لكي أتأكد مما إذا كان ما أسمعه صحيحا أم لا، خاصة عندما أعلن ساري أن سوق انتقالات اللاعبين تجعله يشعر بالملل وأشار إلى أنه يفضل أن يطور اللاعبين الموجودين بالفعل في فريقه من خلال التدريبات بدلا من التعاقد مع لاعبين جدد. وعندما حاولت التأكد من الأمر من المسؤول الإعلامي لنادي تشيلسي أخبرني بأن المدير الفني السابق لنادي نابولي لم يطلب من مالك النادي الروسي رومان أبراموفيتش ضم نيمار مقابل 500 مليون جنيه إسترليني وزوجا من الأحذية الذهبية!
في الحقيقة، يمكن القول إن ساري مدير فني مختلف عن الآخرين، فهو يبلغ من العمر 59 عاما وكان يعمل في السابق كمصرفي ولم يلعب كرة القدم على المستوى الاحترافي مطلقا. ورغم أن لم يفز بأية بطولة من قبل، فهناك سبب جعله يمتلك علاقات صداقة قوية مع جوسيب غوارديولا وأريجو ساكي. وقال ساري: «أي شخص يمارس أي لعبة يبدأ في ذلك وهو طفل من أجل المتعة، ويجب رعاية الطفل الذي في داخلنا لأن هذا غالبا ما يجعلنا أفضل. أن تقوم بصناعة اللعب فهذا شيء ممتع، وهو بداية الطريق لكي تلعب بطريقتك المميزة مع فريق ينافس على أعلى المستويات».
في الواقع، لم يدل ساري بهذه التصريحات من أجل الاستهلاك الإعلامي، لكنه يعني كل كلمة يقولها ويقدم دليلا على أنه لا يخاف من الانتقادات لأنه يقوم بالشيء الذي يحبه ومقتنع به. لقد كان المدير الفني السابق لتشيلسي أنطونيو كونتي يتحدث دائما عن «الحاجة إلى العمل بكل جد»، أما خليفته فهو يتحدث دائما عن «المتعة». ويجب الإشارة هنا إلى أن الطريقة التي يعمل بها ساري وإيمانه الراسخ باللعب من أجل المتعة سوف يجعله يواجه الكثير من الضغوط، وخصوصا في البداية، وقد يتعرض للإقالة من منصبه سريعا إذا لم يحقق نتائج جيدة. ويتعين علينا أن نتذكر جميعا الانتقادات التي تعرض لها المدير الفني لنادي مانشستر سيتي جوسييب غوارديولا بعد أول موسم له في إنجلترا!
وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كان ساري بطريقته المعروفة سوف ينجح في تهدئة الأجواء في «ستامفورد بريدج» أم لا. فمن جهة، يمكن لساري أن يكون مصدر إلهام للاعبين في الفريق وينجح في رفع الضغوط من على كاهلهم ويساعدهم على تقديم أفضل ما لديهم، لكن من جهة أخرى يمكن أن تتفوق عليه الصعوبات والمشكلات لنكتب بعد ستة أشهر من الآن مقالاتنا المعتادة عن كيف سارت الأمور بشكل سيء مع المدير الفني الإيطالي، وننقل عن مصادر داخلية بنادي تشيلسي عن أن «الابتسامة لم تكن تفارق وجه ماوريسيو ساري كل يوم في البداية، لكنه سرعان ما فقد إرادته وعزيمته عندما واصل مدافع الفريق ديفيد لويز الرد على كل ما قاله عن طريق وضع أصابعه في أذنيه وترديد كلمات الأغنية التي يسمعها غير مهتم بأي تعليمات من المدير الفني الإيطالي».
ويجب على تشيلسي، الذي يواجه حالة من الشك وعدم اليقين خلال الصيف الحالي، أن يدرك أن ساري سيكون بحاجة إلى بعض الوقت من أجل تطبيق أفكاره ونقل فلسفته إلى اللاعبين. ولعل الأمر المشجع في هذا الإطار هو أن طريقة الحديث قد تغيرت داخل النادي، وتوارت الشكوك وأصبحت هناك رغبة في تطبيق أفكار جديدة.
والأهم من كل هذا هو أن رد الفعل على مسيرة المنتخب الإنجليزي في كأس العالم 2018 بروسيا قد أثبت أن الجمهور بات مشتاقا للتواصل مع الفرق التي يشجعها. وبعد مرور ما يقرب من عشرين عاماً على الضحكات في المؤتمرات الصحافية التي كان يتحدث فيها رانييري باللغة الإيطالية، تستعد كرة القدم الإنجليزية لطريقة جديدة للحديث يجب أن نستمع إليها باهتمام كبير عسى أن تساعدنا على الابتسام.
ساري يواجه مهمة صعبة في تهدئة الأجواء التي خلفها كونتي في تشيلسي
يجب على الفريق الإنجليزي إدراك أن المدرب الجديد في حاجة إلى وقت لتطبيق أفكاره
ساري يواجه مهمة صعبة في تهدئة الأجواء التي خلفها كونتي في تشيلسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة