غلاء المعيشة يقتل الشعب اليمني ببطء... والسبب ثراء الحوثيين

عناصر الميليشيات يتصدرون قائمة «حديثي النعم»

أطفال نازحون من الحديدة إلى صنعاء (رويترز)
أطفال نازحون من الحديدة إلى صنعاء (رويترز)
TT

غلاء المعيشة يقتل الشعب اليمني ببطء... والسبب ثراء الحوثيين

أطفال نازحون من الحديدة إلى صنعاء (رويترز)
أطفال نازحون من الحديدة إلى صنعاء (رويترز)

يعيش اليمنيون القاطنون في مناطق سيطرة ميليشيات الانقلاب الحوثية عموماً وفي العاصمة المختطفة صنعاء خصوصاً، حالة إنسانية ومعيشية مأساوية تتجاوز واقعياً وصف المنظمات الدولية التي وصفتها بأنها الأسوأ على مستوى العالم، حيث يعانون مرارة إرهاب الميليشيات المعنوي والمادي من خلال الاضطهاد الفكري والنفسي والقتل بدمٍ بارد، والاختطاف والإخفاء القسري خارج القانون، وبعيداً عن المؤسسات المختصة، أضف إلى ذلك استمراءها التفنن في سياسة تجويع المجتمع لإجباره على القبول بما تعطيه له من فتات مقابل القبول بها والقتال في صفوفها.
يقول المواطن صالح المقيم في صنعاء «تعددت أساليب الميليشيات في تجويع المواطنين فاستغلَّت نقل الحكومة الشرعية للبنك المركزي إلى عدن، وامتنعت عن صرف المرتبات وتنصلت عن واجباتها نحو الموظفين في مناطق سيطرتها، إلا من نصف راتب على رأس كل خمسة أشهر تقريباً».
ومع مرور الأيام تزداد معاناة الناس في مناطق سيطرة الميليشيات، وممَّا زاد الوضع الإنساني مأساويةً انخفاض قيمة الريال اليمني أمام العملات الأخرى، الذي سجَّل في هذا الأسبوع أدنى مستوى قياسي في تاريخه بحدود 500 ريال يمني للدولار الواحد، مما ضاعف الأسعار أكثر وأكثر، بالإضافة إلى فرض الميليشيات جبايات وإتاوات على تجار الاستيراد، التي يضيفها على القيمة الشرائية للسلعة ويتحملها المواطن الذي أمسى غير قادر على العيش في أدنى مستوى ممكن للحياة.
وأوضح المواطن عبد الواسع أنه مع سيطرة التحالف والشرعية لأغلب المنافذ الجمركية للبلاد فتحت الميليشيات منافذ على مداخل مناطق سيطرتها تستغلُّها أبشع استغلال، حتى وصل بها الحال لفرض جمارك بنسب كبيرة تتجاوز 100 في المائة لبعض السلع، بالإضافة إلى حالة الابتزاز الذي تمارسه ضد التجار في محلاتهم الكبيرة والصغيرة وحتى على مستوى البسطات، وفرضها جمارك وضرائب وغرامات وإتاوات تُضاف كلها على أسعار السلع ليثرى من ورائها مجموعة من الفسدة والاستغلاليين كالمشرفين، فيما يذهب جزء كبير من تلك المبالغ إلى صناديق ومصارف خاصة بالحركة الحوثية لتمويل جبهات حربها، وكذا زيادة مخزونها النقدي في أماكن سرية بصعدة.
وقال: «أكبر دليل على استمراء الحوثيين في تجويع المجتمع هو ما ظهر أخيراً من فساد منقطع النظير في قطاعات حيوية تلامس حاجة الناس، وتؤثر على كل السلع والحاجات الضرورية لمعيشة الناس، وهي المحروقات من مواد بترولية أو غاز منزلي حيث وصلت قيمة مادة البنزين إلى سعر قياسي، وبلغ سعر اللتر الواحد لمادتي البترول والديزل 380 ريالاً يمنياً، كما أن مادة الغاز ظلت هي الأخرى بؤرة فساد كبرى جنى من ورائها تجار الميليشيات مليارات الريالات طوال الفترة الماضية حتى صارت كل جهة من جهات فسادهم تفضح الأخرى، حيث وصلت أسعار دبة الغاز المنزلي في السوق السوداء إلى 6000 ريال يمني وأكثر».
وأضاف: «توقف صرف المرتبات وانعدام السيولة النقدية الكافية في متناول الناس، ولهث الجماعة لجمع المزيد والمزيد من الأموال لصالح مشروعها الظلامي الكهنوتي التدميري وسياسة الإفقار الإجبارية لشرائح واسعة من موظفي الدولة، وحرمان الناس من أبسط مقومات العيش بكرامة، وكذا انتشار الأمراض والأوبئة، كل هذه العوامل حولت المجتمع داخل مناطق سيطرة الحوثيين إلى حالة من الموت البطيء، وزادت مع هذا الوضع الإنساني المأساوي ظاهرة الجريمة المدنية من السرقة بالإكراه والنهب والسلب والقتل العمد».
من جهته، رأى محمد المقرمي رئيس مركز سكوب للدراسات والإعلام الإنساني أن الميليشيات قبل اقتحامها للعاصمة صنعاء حاولت تضليل الرأي العام بأن هدفها من إسقاط الحكومة في صنعاء تخفيض أسعار المشتقات النفطية وهي ذريعة من ذرائع التضليل التي نهجتها الميليشيات لاستعطاف الرأي العام قبل انكشاف أهدافها الإيرانية أمام الشعب اليمني والعالم، ومن غبائها وجهلها في إدارة الدولة والمؤسسات وحقدها على اليمنيين بدأت بممارسة العقاب الجماعي على الشعب، فأصدرت أول قرار، وهو تعويم المشتقات النفطية فارتفعت الأسعار بشكل جنوني دون أي ضوابط وعدت وكالات التوزيع للمشرفين الحوثيين، وبدأ الناس يلحظون الثراء الفاحش لكل مسؤوليها عبر شرائهم للفيلات الضخمة في العاصمة صنعاء، الأمر الذي لفت أنظار الجميع في الوقت الذي تجرَّع فيه الشعب اليمني مآسي الأزمات، وارتفاع الأسعار للمواد الغذائية نتيجة لارتباط أسعار مصانع الأغذية بأسعار مادة الديزل، وكذلك أجور النقليات.
وأوضح أن ما تقوم به الميليشيات هو نوع من أنواع الانتهاكات التي مارستها بحق الشعب اليمني وهو العقاب الجماعي وتجويع الشعب لتركيعه كما كان يفعل النظام السابق ليظل الشعب يبحث عن لقمة العيش بعيدا عن السياسة، وما يدور من أهداف شيطانية تمارسها الميليشيات عبر فكرها الدخيل الذي استوردته من إيران ويرفضه الشعب اليمني جملةً وتفصيلاً.
وذهب إلى أن ارتفاع الأسعار في مناطق سيطرة الميليشيات إلى نسبة تجاوزت 300 في المائة في ظل انقطاع المرتبات للقطاع العام بعد نهب الميليشيات المخزون الذي كان في البنك المركزي وتوقف 70 في المائة من مؤسسات القطاع الخاص بسبب الحرب والرسوم الضريبية التي فرضتها الميليشيات على التجار، مما أدى إلى نزوح جماعي لرجال المال والأعمال وللأسر المتضررة وغير القادرة على البقاء، في ظل سياسة الحوثي التي فرضتها على الشعب المدني بمختلف فئاته.
ولفت إلى أن كل الأهداف التي تمارسها الميليشيات اليوم في تجويع الشعب وتوظيفها الملف الإنساني للحصول على مكاسب سياسية تستدعي تضامن المنظمات الدولي لإيقاف الحرب مراعاة للوضع الإنساني، وهي في حقيقة الأمر تسعى في توظيف هذا الملف لإيقاف الحرب والعودة للسلطة بعد أن لفظهم الشعب اليمني.
وقال المقرمي: «ارتفاع سعر الدولار من 200 ريال يمني قبل 2014 إلى 500 ريال يمني اليوم بعد إفراغ الميليشيات لخزينة الدولة وإفلاس البنك المركزي الذي بقي في صنعاء خلال العامين 2015 و2016 أدى إلى انهيار الاقتصاد والعمل اليمينية بشكل بدت نتائجه، لولا تدخل المملكة بدعم البنك بملياري دولار كوديعة للبنك المركزي لإنعاش الاقتصاد».


مقالات ذات صلة

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 في وقفة تحدٍ لتحالف الازدهار (غيتي)

تحالف حقوقي يكشف عن وسائل الحوثيين لاستقطاب القاصرين

يكشف تحالف حقوقي يمني من خلال قصة طفل تم تجنيده وقتل في المعارك، عن وسائل الجماعة الحوثية لاستدراج الأطفال للتجنيد، بالتزامن مع إنشائها معسكراً جديداً بالحديدة.

وضاح الجليل (عدن)
شؤون إقليمية أرشيفية لبقايا صاروخ بالستي قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق من اليمن وسقط بالقرب من مستوطنة تسور هداسا (إعلام إسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي في ساعة مبكرة من صباح اليوم (السبت)، إن الدفاعات الجوية الإسرائيلية اعترضت صاروخاً أطلق من اليمن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)

الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)

أطلقت الجماعة الحوثية التي تختطف العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات أخرى في شمال البلاد، وعداً بسداد جزء من الدين الداخلي لصغار المودعين على أن يتم دفع هذه المبالغ خلال مدة زمنية قد تصل إلى نحو 17 عاماً، وذلك بعد أن صادرت الأرباح التي تكونت خلال 20 عاماً، وقامت بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية.

وتضمنت رسالة موجهة من فواز قاسم البناء، وكيل قطاع الرقابة والإشراف على المؤسسات المالية في فرع البنك المركزي بصنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة، ما أسماه آلية تسديد الدين العام المحلي لصغار المودعين فقط.

وحددت الرسالة المستحقين لذلك بأنهم من استثمروا أموالهم في أذون الخزانة، ولا تتجاوز ودائع أو استثمارات أي منهم ما يعادل مبلغ عشرين مليون ريال يمني (40 ألف دولار)، بحسب أرصدتهم الظاهرة بتاريخ 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

وسيتم الصرف - بحسب الرسالة - لمن تقدم من صغار المودعين بطلب استعادة أمواله بالعملة المحلية، وبما لا يتجاوز مبلغ نحو 200 دولار شهرياً للمودع الواحد، وهو ما يعني أن السداد سوف يستغرق 16 عاماً وثمانية أشهر، مع أن الجماعة سبق أن اتخذت قراراً بتصفير أرباح أذون الخزانة قبل أن تعود وتصدر قراراً بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية، ما يعني حرمان المودعين من الأرباح.

جملة شروط

حدد الحوثيون في رسالتهم التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» موعد تقديم طلب الاستعاضة بدءاً من شهر فبراير (شباط) المقبل، وبشرط الالتزام بالتعليمات، وإرفاق المودع البيانات والتقارير المطلوبة، وضرورة أن يتضمن الطلب التزام البنوك الكامل بتنفيذ التعليمات الصادرة من إدارة فرع البنك المركزي.

وهددت الجماعة بإيقاف الاستعاضة في حال المخالفة، وحمّلوا أي بنك يخالف تعليماتهم كامل المسؤولية والنتائج والآثار المترتبة على عدم الالتزام.

صورة ضوئية لتوجيهات الحوثيين بشأن تعويض صغار المودعين

ووفق الشروط التي وضعتها الجماعة، سيتم فتح حساب خاص للخزينة في الإدارة العامة للبنك لتقييد المبالغ المستلمة من الحساب، ويكون حساب الخزينة منفصلاً عن حسابات الخزينة العامة الأخرى، كما سيتم فتح حسابات خزائن فرعية مماثلة لها في الفروع، على أن تتم تغذيتها من الحساب الخاص للخزينة في الإدارة العامة.

ومنعت الجماعة الحوثية قيد أي عملية دائنة بأرصدة غير نقدية إلى حسابات العملاء بعد تاريخ 30 نوفمبر، إلا بموافقة خطية مسبقة من قبل فرع البنك المركزي بصنعاء.

ويشترط البنك الخاضع للحوثيين تسليمه التقارير والبيانات اللازمة شهرياً أو عند الطلب، بما في ذلك التغيرات في أرصدة العملاء والمركز المالي، وأي بيانات أخرى يطلبها قطاع الرقابة، خلال فترة لا تتجاوز خمسة أيام عمل من بداية كل شهر أو من تاريخ الطلب، مع استمرار الفصل الكامل بين أرصدة العملاء غير النقدية والأرصدة النقدية، وعدم صرف الإيداعات النقدية للعملاء لسداد أرصدة غير نقدية.

ومع ذلك، استثنى قرار التعويض صغار المودعين المدينين للبنك أو الذين عليهم أي التزامات أخرى له.

1.2 مليون مودع

وفق مصادر اقتصادية، يبلغ إجمالي المودعين مليوناً ومئتي ألف مودع لدى البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، في حين تقدر عائداتهم بثلاثة مليارات دولار، وهي فوائد الدين الداخلي، لكن الجماعة الحوثية تصر على مصادرة هذه الأرباح بحجة منع الربا في المعاملات التجارية والقروض.

الحوثيون حولوا مقر البنك المركزي في صنعاء إلى موقع للفعاليات الطائفية (إعلام حوثي)

وبحسب المصادر، فإن هذه الخطوة تأتي محاولةً من الجماعة الحوثية للتخفيف من آثار قرارهم بمصادرة أرباح المودعين بحجة محاربة الربا، حيث يعيش القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين حالة شلل تام بسبب التنفيذ القسري لقانون منع التعاملات الربوية، والذي قضى على مصداقية وثقة البنوك تجاه المودعين والمقترضين، كما ألغى العوائد المتراكمة لودائع المدخرين لدى البنوك، وعلى الفوائد المتراكمة لدى المقترضين من البنوك.

وأدى قرار الحوثيين بشطب الفوائد المتراكمة على أذون الخزانة والسندات الحكومية إلى تفاقم مشكلة ندرة السيولة في القطاع المصرفي؛ إذ تقدر قيمة أذون الخزانة والسندات الحكومية والفوائد المتراكمة عليها لأكثر من 20 سنة بأكثر من 5 تريليونات ريال يمني، وهو ما يعادل نحو 9 مليارات دولار، حيث تفرض الجماعة سعراً للدولار في مناطق سيطرتها يساوي 535 ريالاً.

كما جعل ذلك القرار البنوك في تلك المناطق غير قادرة على استرداد قروضها لدى المستثمرين، والتي تقدر بنحو تريليوني ريال يمني، والتي كانت تحصل على عوائد منها بما يقارب مليار دولار، والتي تبخرت بسبب قانون منع التعاملات الربوية.