الموصل... خشية من خسارة السلام بعد كسب الحرب

شكوى من تنامي نفوذ إيران في سهل نينوى

TT

الموصل... خشية من خسارة السلام بعد كسب الحرب

مر أكثر من عام على تحرير مدينة الموصل وبقية المناطق في محافظة نينوى، لكن ما زالت إمكانية خسارة السلام قائمة في مقابل ربح الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، نظرا للتحديات الكبيرة التي يعاني منها الناس في ثالث محافظة عراقية من حيث عدد السكان الذي يتجاوز سقف الـ3 ملايين نسمة. وتظهر الحصيلة التي يمكن الخروج بها من مجموعة أحاديث وشهادات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من السكان المحليين والعاملين في منظمات المجتمع المدني بالمحافظة أن الجهود التي قامت بها الحكومة العراقية ومن ورائها التحالف الدولي لكسب الحرب ضد «داعش»، لم تقابلها جهود مماثلة لكسب معركة الإعمار ومواجهة تحدي السلام.
صحيح أن الموصليين وأهالي نينوى بشكل عام ما زالوا يشعرون بالارتياح لخلاصهم من «داعش»، لكنهم يخشون أيضا من «صعود جماعات تطرف بمسميات جديدة نتيجة الإهمال وتلكؤ إعادة الإعمار وتعسف الإجراءات الأمنية، كما يقول لـ«الشرق الأوسط» الصحافي يونس أحمد. ويكاد يتفق الجميع على أن «التصاريح الأمنية» واحدة من بين أهم الإجراءات التي تثير استياء وغضب السكان.
ويقول أحمد: «لا توجد حالة اجتماعية أو مالية إلا ويتطلب من المواطن الحصول على تصريح أمني بشأنها، تسجيل بيان الولادة بحاجة لتصريح، السفر أيضا، سحب مبلغ مالي من المصرف كذلك، وحتى دفن الأموات».
وينقل أحمد حادثة وقعت منذ أشهر، مفادها أن «امرأة مسنة يناهز عمرها التسعين عاما ومصابة بمرض السرطان توفيت عام 2015، أيام سيطرة (داعش)، فدفنت في فناء منزلها وعندما أرادت عائلتها نقلها إلى مقبرة المدينة استغرق التصريح الأمني لدفنها نحو 3 أشهر».
التصاريح الأمنية، وبشهادة الجميع تقريبا، تجاوزت هدفها المتمثل بالتحقق من الأشخاص الذين تعاملوا في السابق مع «داعش»، وأدت إلى تعقيد حياة الناس وتعاملاتهم الرسمية وغير الرسمية وسمحت للفاسدين في دوائر الدولة والأجهزة الأمنية بابتزاز الناس والحصول على مبالغ مالية منهم في مقابل تسريع إجراءات الحصول عليها.
ويتفق عضو المؤسسة العراقية للتنمية، إياد صالح، على أن التصاريح الأمنية والمخبر السري من بين أهم القضايا التي تثير حفيظة سكان نينوى، إذ إنها أضافت المزيد من الأعباء الحياتية عليهم، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من حيث المبدأ الاهتمام بالجانب الأمني وملاحقة عناصر (داعش) شيء إيجابي، لكن الأمور زادت عن حدها كثيراً، بحيث لاحقت التصاريح الأمنية جميع الفئات والأعمار».
وحول بقية المشكلات التي يعاني منها سكان نينوى، يؤكد صالح وهو من العاملين في مجال المنظمات الإنسانية أن «المخبر السري مصدر قلق متواصل لأنه يعتمد في أحيان كثيرة على الوشاية الناتجة عن تعارض المصالح وليس الوقائع على الأرض وقد ذهب كثيرون ضحية لذلك، كما أن بعض الجهات الأمنية رجعت إلى الأساليب المتعسفة التي كانت شائعة قبل 2014». ويضيف: «هناك مشكلة الخدمات المتفاقمة وخلو المستشفيات من الأدوية والمستلزمات الطبية».
وعن الجهود الحكومية والدولية في مجال إعادة الإعمار وتقديم المساعدات، يؤكد إياد صالح أنه «لا وجود لجهد واضحة من السلطات، أغلب الأعمال تقوم بها المنظمات الإنسانية، لاحظ أن هناك أكثر من 6 آلاف جثة تحت الأنقاض في الجانب الأيمن من الموصل تفوح منها روائح قاتلة بحيث لا يستطيع الناس الاقتراب منها، ومع ذلك لم تبادر السلطات إلى معالجة الأمر». ويميل صالح إلى الاعتقاد بأن «الحكومة والمجتمع الدولي لم يكن لديهما أية خطة لمرحلة ما بعد القضاء على (داعش)».
ويتشاطر عبد العزيز الجربا ذات القناعة مع إياد صالح بشأن الإهمال الحكومي والدولي لنينوى بعد تحريرها من «داعش» ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كأن العالم كله وبمجرد طرد (داعش) من جميع المناطق سواء في نينوى أو بقية المحافظات نسي الموضوع وباتت تلك المحافظات أقل أهمية وكأن القصة تتعلق بالعمل العسكري فقط».
ويرى عبد العزيز، وهو سليل مشيخة شمر الشهيرة في العراق ورئيس «جمعية التحرير للتنمية» أنه «لا وجود لوقفة حقيقية مع مشكلات المناطق المتضررة، وهذا أمر بالغ الأهمية، فـ(داعش) استغل مجموعة من العوامل وتمكن من احتلال الأراضي». ويتفق الجربا مع الشكوى المتكررة بشأن التصاريح الأمنية والمخبر السري، ويعتقد بوجود عوامل أخرى لا تقل خطورة وقد تسهم بصعود موجة جديدة من التطرف وإن بأسماء وأشكال مختلفة ومنها «عدم توفر الموارد والصراعات السياسية في المناطق المتنازع عليها وتعامل القوات الأمنية مع المدنيين، إضافة إلى التشظي في القرارات الأمنية نتيجة وجود قوات وجهات أمنية متعددة». ويضيف الجربا عاملين آخرين لا يساعدان برأيه على إحراز التقدم المطلوب في مجال إعادة إعمار وتأهيل نينوى من جديد وهما «ضعف وفساد الإدارة المحلية والتنافس بين أحزابها المختلفة والفساد المرافق لعمل المنظمات الدولية».
وبسؤاله عن عزوف الموصليين عن الاحتجاجات التي يقوم بها نظرائهم في محافظات الوسط والجنوب، أجاب: «الناس عانوا الكثير خلال 3 سنوات متواصلة من احتلال (داعش)، ثم إنهم سئموا من فكرة معاداة الدولة التي بدأت مع حلول عام 2003، العام الذي أطيح فيه بنظام صدام حسين».
وعلى بعد نحو 30 كيلومترا عن مدينة الموصل وفي قضاء الحمدانية الذي تسكنه خليط من أقليات مسيحية وشبكية وإيزيدية، تتكرر المعاناة ذاتها بشأن موضوع التصاريح الأمنية، وينحى عضو مجلس قضاء الحمدانية لويس مرقص باللائمة على السلطات العراقية التي لا تؤمن بمفهوم «التمييز الإيجابي» للأقليات، وعن هذا المفهوم يتحدث مرقص لـ«الشرق الأوسط» ويقول: «الأقليات في سهل نينوى عانت الأمرين من (داعش)، وكان على السلطات أن تأخذ ذلك بنظر الاعتبار ولا تكبل حياتهم بالتصاريح الأمنية، لأنهم ببساطة لا يلتقون مع (داعش) عند أي نقطة، سواء عقائدية أو فكرية، لذلك كان على السلطات تمييز ذلك، لكنها لم تفعل مع الأسف».
إلى جانب معضلة التصاريح الأمنية، يؤكد مرقص «تعرض المكون المسيحي إلى خسارة قاسية بعد أن هاجر 60 في المائة من مواطنيه وانحصر وجوده في الحمدانية إلى نحو 23 ألف مواطن بعد أن كان يزيد على الـ45 ألفا قبل احتلال (داعش)». ويشير مرقص إلى مشكلة أخرى تعاني منها الأقليات في سهل نينوى وتتمثل في «تنامي الدور الإيراني هناك، ومثلما لدى إيران أدواتها في محافظات الوسط والجنوب، لديها أيضا بعض الجهات من الأقلية الشبكية التي باتت تهيمن على أغلب مناطق سهل نينوى في مقابل تراجع نفوذ وأعداد بقية المكونات».
بيد أن مرقص لا يقلل من أهمية ما تعاني منه الأقلية الإيزيدية في سجنار وبعض القرى العربية في الأنحاء الفاصلة بين أربيل ونينوى، ويضيف: «ما زال الجانب الأيمن من سنجار مدمراً تماماً، شأن الجانب الأيمن في مدينة الموصل، وهناك نحو 15 قريبة عربية تسكن على خط الخارز الفاصل بين أربيل ونينوى لم يسمح لسكانها بالعودة إلى مناطقهم حتى الآن».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.