الفلسطينيون والإسرائيليون.. سيناريوهات ما بعد السلام

تدحرج سريع للأحداث بما لا تشتهي السفن.. والخيارات مفتوحة

الفلسطينيون والإسرائيليون.. سيناريوهات ما بعد السلام
TT

الفلسطينيون والإسرائيليون.. سيناريوهات ما بعد السلام

الفلسطينيون والإسرائيليون.. سيناريوهات ما بعد السلام

لا أحد في فلسطين أو إسرائيل يستطيع أن يرسم خريطة طريق واضحة، يمكن لها أن تجيب على الأقل عن سؤال واحد بسيط، إذا ما كانت الأحداث على الأرض تتجه نحو حرب جديدة أو تهدئة طويلة.
وحتى أولئك الذين يفترض أنهم يمسكون زمام القرار، يبدو كأن الأحداث فلتت من بين أيديهم، فلا هم قادرون على إعلان حرب ولا هم قادرون على وضع تهدئة، وما عملية {الجرف الصامد} التي أطلقتها إسرائيل بشكل مفاجئ ضد غزة فجر الثلاثاء، إلا دليل واضح على ذلك، إذ تركز إسرائيل على ضربات جوية وتحذر من حرب برية وتنشد تهدئة مصرية، وينسحب هذا أيضا على حماس التي قصفت مواقع في إسرائيل وتحذر من ضرب مدن أبعد وعينها على الهدوء.
وعلى الرغم من أن حلقة التصعيد الحالية، ضمن سلسلة حلقات متجددة، لكنها تبدو الأخطر إذ جاءت بعد تدحرج مثير للأحداث، منذ أعلنت إسرائيل في 13 من يونيو (حزيران) الماضي، اختفاء ثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية، واتهمت حماس بخطفهم.
منذ ذلك الوقت، تبدل وجه الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من دبلوماسي إلى دموي، وزاد من دمويته العثور لاحقا على جثث المستوطنين الثلاثة مدفونة قرب الخليل جنوب الضفة الغربية، ومن ثم اختطاف مستوطنين لفتى فلسطيني من القدس وإحراقه حيا في أبشع انتقام ممكن.
لم يسكت الإسرائيليون على قتل مستوطنيهم ولم يسكت الفلسطينيون على قتل فتاهم وآخرين، فتفجرت مواجهات في كل الضفة ولحقتها مواجهات في إسرائيل نفسها قبل أن تنتقل المعركة إلى قطاع غزة.
وزاد من الطين بلة أن كل هذه التطورات جاءت فيما انهارت جهود الولايات المتحدة لتحقيق اتفاق سلام بين الطرفين، وسط اتهامات متبادلة بينهما بالتصعيد والتخريب واختيار المواجهة.
قد تبدو المواجهات الحالية الآن رد فعل منطقيا في غياب الأمل، لكنها ليست خيارا نهائيا للأطراف كما يبدو. وعلى مدار الشهرين الماضيين اجتمع الكابينت (المجلس الأمني والسياسي الإسرائيلي المصغر) الذي يقرر السياسة الأمنية الإسرائيلية أكثر من مرة، وبقيت القيادة الفلسطينية في رام الله في حالة انعقاد دائم، فيما أعلنت حماس وفصائل فلسطينية في القطاع الاستنفار والجهوزية التامة، لكن أي منهم على الإطلاق لم يعرف ماذا سيفعل في اليوم التالي.
ويمكن القول إن الجميع كان يبحث عن الانتقام وتحقيق إنجازات سريعة، لكن من دون أن يتورطوا في حرب، وبدت هذه مسألة معقدة خارج السيطرة، إذ تبين لاحقا أن الانتقام والحرب لا ينفصلان.
استغلت إسرائيل عملية قتل المستوطنين واتهمت حماس بها، وطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من الرئيس الفلسطيني محمود عباس فك الشراكة مع الحركة الإسلامية، وأمر قواته بشن حرب على بنيتها التحتية في الضفة فأعادت قواته اعتقال محرري صفقة تبادل الأسرى {شاليط} وأغلقت مؤسسات وصادرت أموالا.
نددت السلطة بالهجمات الإسرائيلية وطلبت حماية دولية ثم لوحت بالذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية.
تبرأت حماس من عملية خطف وقتل المستوطنين لكنها باركت العملية وقالت إنها سترد على أي استهداف لها.
كان الجميع يهدد الجميع، وحتى قبل ساعة من إطلاق إسرائيل عمليتها في غزة، ظل الوضع يتبدل من حال إلى حال في كل ساعة.
يعيش اليهود ساعة آمنة ثم تسقط الصواريخ فجأة مقبلة من غزة، يفطر أهالي غزة على أخبار التهدئة ثم يتلقون ضربات تودي بحياة أبنائهم قبل السحور، تسيطر السلطة الفلسطينية على الشارع ساعة الظهر، وتتحول المدن إلى ملتهبة في الليل، وسط تحليلات موسعة حول إمكانية اندلاع انتفاضة جديدة أو لا، وبدء حرب على غزة أو لا.
ومع استمرار إسرائيل في عمليتها الجوية على غزة، بدت جميع الخيارات مفتوحة في ظل انقسام واضح في الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية، حول مستقبل الضفة والقطاع معا، إذ يطلب اليمين الإسرائيلي ضرب حماس بيد من حديد وإعادة احتلال القطاع، ويرفض ذلك الجيش الإسرائيلي، وتطلب حماس انتفاضة فلسطينية واسعة في الضفة وإسرائيل وترفض ذلك السلطة. ويرى مراقبون أن خيارات الفلسطينيين والإسرائيليين أصبحت تائهة ومفتوحة في نفس الوقت. وقالت مصادر فلسطينية رفيعة لـ{الشرق الأوسط}، إن الرئيس الفلسطيني يفكر جديا في الانضمام إلى مؤسسات دولية جديدة ومن بينها محكمة الجنايات من أجل محاسبة إسرائيل، لكنه يعرف أن ذلك قد يعني الخطوة الأخيرة إذ يمكن أن ترد إسرائيل بشكل غير مسبوق على السلطة، كما أن الولايات المتحدة قد تقاطع السلطة سياسيا وماليا، ولذلك سينتظر حتى اللحظة الأخيرة قبل اتخاذ خطوة من هذا القبيل.
وبعد الاتفاق السابق بين السلطة وحماس، ظل خيار المحكمة الدولية أحد أهم خيارات عباس المتبقية، إلا إذا أراد مواجهة إسرائيل هو ما يعني الانتحار بالنسبة له. لكن عدم اتخاذ عباس أي خطوات يبدو انتحارا شعبيا كذلك، إذ تعرض الرجل لأوسع حملة انتقادات في حقه بسبب عجز السلطة عن رد العدوان غلى الضفة.
وقال عباس إنه يملك خيارات وسيفعلها لأن من حقه أن يحمي شعبه وإن من يخشى المحاكم الدولية عليه أن يوقف جرائمه.
لم تأبه إسرائيل لتهديدات عباس، وبعد ساعات فقط شنت هجوما على القطاع لكن لسان حالها يقول إنها لا تريد لملايين من مواطنيها أن يعيشوا تحت صواريخ حماس.
أما حماس، فحافظت على صورتها راعية المقاومة، ووجدت نفسها مضطرة للرد على الاستهدافات الإسرائيلية لكنها تفكر في نفس الوقت في تجنب حرب جديدة. وبدا التردد في خيارات كل طرف واضحا، في الخطابين السياسي والأمني.
وقال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، يتسحاق اهارونوفيتش، إن المستوى السياسي أعطى الجيش الإسرائيلي كامل حرية العمل لضرب حركة حماس، وإن احتمال توسيع العملية العسكرية منوط بحماس نفسها وليس بإسرائيل.
وردت حماس متوعدة بتوسيع نطاق أهدافها في إسرائيل. واتهم القيادي في الحركة، حسام بدران إسرائيل باختراق التهدئة مرارا وتكرارا، مما دفع حماس وبقية فصائل المقاومة إلى الالتزام بحق الرد. وأضاف بدران، {إن المطلوب من أي جهة إقليمية أو دولية تريد أن يكون هناك نوع من الاستقرار في هذه المنطقة، أن توجه ضغوطها على إسرائيل}.
ومن جهته، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بوقف التصعيد العسكري والالتزام بالهدنة التي جرى التوصل إليها بين الجانبين في 2012.
ودعا عباس في بيان بثته وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية بعد موجة من الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة التي أطلق منها عشرات الصواريخ باتجاه بلدات إسرائيلية إلى {وقف التصعيد فورا}.
ودعا المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري والعاجل لوقف هذا التصعيد الخطير الذي سيجر المنطقة إلى مزيد من الدمار وعدم الاستقرار. وحذرت الرئاسة الفلسطينية من أنها ستتخذ خطوات مصيرية إذا استمر العدوان. إذن كل طرف ترك الباب مفتوحا لخطوات جديدة وتركه مواربا للتراجع عنها.
وقد يكون خيار الحرب على غزة مرتبطا بالجبهة الداخلية الإسرائيلية أكثر من أي شيء آخر، كمن أراد أن يمسك العصا من المنتصف. وأوضح المحلل السياسي الإسرائيلي، تسفي يحزيكلي، أن اجتماعات المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل {الكابينت} كانت تمتد لساعات طويلة وتعقد يوميا على مدار أيام متتالية دون أن تخرج بنتائج وتشهد جدالا حول القرارات الممكن اتخاذها لمواجهة كل الجبهات.
وأشار إلى أن وزراء اليمين المتطرف من أحزاب البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا كانت تضغط بقوة للدخول في عملية عسكرية ضد حماس فيما يعارض نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون ومسؤولون من المؤسسة الأمنية من بينهم رئيس الأركان بيني غانتز ذلك ويفضلون ضبط النفس.
وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن مشادة كلامية حادة وقعت بين نتنياهو وليبرمان خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأحد بسبب الموقف من غزة، أدت لاحقا إلى فك ليبرمان الشراكة مع نتنياهو.
ولمحت الصحيفة إلى أن نتنياهو يشعر بأن وزراءه يستغلون الأوضاع للمزايدة عليه بهدف مصالحهم الشخصية سياسيا وأن ذلك كان واضحا من خلال المشادة الكلامية مع ليبرمان.
ويرى المحلل العسكري للقناة العبرية العاشرة، ألون بن دافيد، أن إسرائيل لا تريد التورط في جبهة مفتوحة مع حركة حماس في غزة، في الوقت الذي تخشى فيه انتفاضة ثالثة في الضفة قد تطيح برؤوس سياسية أبرزها نتنياهو.
ولفت بن دافيد إلى أن إسرائيل أصبحت أمام ثلاث جبهات في الضفة والقدس والوسط العربي، وهي الآن ليست بحاجة إلى معركة جديدة طويلة مع حماس التي قد تلجأ لاستخدام أسلحة استراتيجية تعطل الحياة في مدن حساسة مثل تل أبيب والقدس ومدن أخرى.
لكن كيف فلتت الأمور من بين يدي نتنياهو؟
قبل ساعات من الهجوم على غزة، دوت صفارات الإنذار في القدس، ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن انفجارات في مستوطنة بيت شيمش بين القدس وتل أبيب ومن ثم سحبت الخبر.
وحتى الآن لم يعرف على وجه الدقة إذا ما كان صاروخ من غزة انفجر فعلا في بيت شيمش أو مكان آخر، لكن بالنسبة للإسرائيليين، فإن ضرب القدس ومحيطها خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وهذا ما قاد إلى هجوم على غزة. أما لماذا ضربت حماس محيط القدس، فلأن غارة إسرائيلية على نفق في القطاع أودت بحياة 7 من عناصرها كانوا بداخله، فلم تستطع الحركة تجاوز الأمر. ويرى المختص في الشؤون الإسرائيلية، عدنان أبو عامر، أن حماس وإسرائيل في طريقهما لعملية متدحرجة ستصل في نهاية المطاف إلى معركة مفتوحة رغم أن الجانبين لم يقررا بعد خياراتهما ولا يرغب أي منهما في فتح باب المعركة.
وقال أبو عامر لـ{الشرق الأوسط} إن {إسرائيل لا ترغب في ذلك في ظل وجود أكثر من جبهة وتخوفا من قدرات المقاومة، وحماس تريد إرسال رسائل لكافة الأطراف في ظل اشتداد الحصار عليها وتعثر الكثير من الملفات العالقة وأبرزها المصالحة دون أن تدخل معركة مفتوحة وتحقق في الوقت ذاته مطالبها من دون أن تتورط في الحرب}.
وأضاف {الخيارات الإسرائيلية تسير بين مكلفة وأقل تكلفة إما بالوصول لمرحلة الاستقرار أو المواجهة المفتوحة، أما في غزة فالأوضاع عبارة عن رمال متحركة تتغير كل حين}.
ويعتقد أبو عامر أن المنطقة أكثر قابلية نحو تفاهمات مبدئية إذا ما حققت حماس مطالبها.
وحدد الناطق باسم حماس الدكتور سامي أبو زهري طلبات حماس من أجل تهدئة، فهي بالإضافة إلى وقف العدوان فورا، {التزام إسرائيل بالاتفاق السابق للتهدئة، وأن تفرج عن الأسرى المحررين في صفقة شاليط الذين أعيد اعتقالهم مؤخرا ورفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة بما في ذلك فتح معبر رفح أمام المواطنين}.
وشدد أبو زهري في حديث لـ{الشرق الأوسط} على أن حماس وبجانبها فصائل المقاومة لا تقبل بتهدئة مجانية دون تحقيق المطالب الفلسطينية التي كان من المفترض أن يجري تنفيذها في أعقاب اتفاق معركة حجارة السجيل (عامود سحاب.. الحرب الإسرائيلية على غزة 2012).
وأكد أبو زهري أن فصائل المقاومة تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي الشامل في كافة الأراضي الفلسطينية قبل الحديث عن أي تهدئة، وليس فقط في غزة.
وأبقى أبو زهري الباب مفتوحا لأي خيارات {نحن مستعدون للتعامل مع كل الخيارات}.
ومن وجهة نظر أبو عامر فإن السلطة الفلسطينية أكثر الأطراف الخاسرة الآن، على خلفية تصاعد المواجهات في الضفة وغزة، ومن وجهة نظره فإن {السلطة تحاول امتصاص الموجة الحالية حتى لا تصل لموجة مفتوحة، ولا تملك سوى انتظار ما قد تسفر عنه الأحداث الحالية}.
ولا يرى المحلل السياسي والمختص في الشؤون الإسرائيلية أكرم عطا الله، أن المنطقة قد تذهب إلى حرب في وقت قصير. وقال عطا الله، لـ{الشرق الأوسط} إن «الوضع في المنطقة كله معقد والخيارات ستبقى محدودة أمام الجميع}. وأضاف {الكل في عنق الزجاجة الآن}.
وتابع {كافة الأطراف تعيش حالة عجز عن الفعل والجميع يحاول الابتعاد عن الهاجس الذي يشعر به}. مبينا أنه في حال اندفعت المنطقة للعنف فلا يمكن لأحد السيطرة عليها. ويعتقد عطا الله أن الخيارات الفلسطينية صعبة جدا، قائلا إن أكثرها احتمالا هو خيار الذهاب في انتفاضة شعبية في ظل الإجماع الوطني عليها وخشية إسرائيل منها لعدم استطاعتها مواجهتها والوقوف عاجزة أمام كل الجبهات. كما يرى عطا الله أن خيارات إسرائيل كذلك صعبة، {إسرائيل علاقاتها مع العالم على شفا الهاوية ولم يعد ينظر العالم لها وكأنها ضحية ويأخذ براويتها، خاصة بعد أن وجهت إسرائيل صفعة للعالم بضربها جهود السلام}.
أما عن خيارات حماس، فيرى عطا الله أنها أفضل من غيرها. وقال عطا الله إنها {ستحاول من خلال التصعيد فتح آفاق جديدة للخروج من الوضع الصعب الذي تعيشه وتعمل جاهدة لفرض اشتراطاتها وألا تفوت الفرصة على نفسها لتوجيه رسائل مختلفة لإسرائيل وللسلطات المصرية وأيضا لقيادة السلطة الفلسطينية}. وفي خضم الحرب الحالية تحاول كل جهة لوم الأخرى.
وأصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليماته إلى الجيش الإسرائيلي بتكثيف النشاط العسكري ضد حركة حماس في قطاع غزة، وقال بعد اجتماعات أمنية الثلاثاء، {حماس هي التي اختارت هذا التصعيد فلتتحمل تبعاته}.
وشنت إسرائيل في اليوم الأول للحرب على غزة أكثر من 100 ضربة جوية، وقال المتحدث العسكري اللفتنانت كولونيل بيتر ليرنر في تغريدة على تويتر {عملية الجرف الصامد جارية وتستهدف قدرات حماس التي تروع إسرائيل}.
وتوعدت حماس بمفاجأة إسرائيل خلال الحرب الحالية بما لا تتوقعه.
لكن لا يبدو الأمر رهن بقرار صادر عن مكتب نتنياهو أو قيادة القسام وحسب، إنه رهن بالتطورات على الأرض قبل كل شيء، بمن يمكن أن تقتل صواريخ إسرائيل في غزة؟ وإلى أين يمكن أن تصل صواريخ حماس في إسرائيل؟ وكيف ستتصاعد أو تهدأ الانتفاضة في الضفة الغربية والداخل؟ وماذا يريد الشبان الغاضبون في القدس وبيت لحم والناصرة ورام الله والمثلث؟ وماذا يريد المستوطنون المنفلتون من عقالهم؟ وما مدى قوة المصريين في إقناع الأطراف بوقف التصعيد؟.
لا أحد يعرف كيف ستتطور الأحداث بعد ساعة واحدة.

* كيف تطورت الأحداث

* في 13 من يونيو (حزيران) الماضي أعلنت إسرائيل عن اختفاء 3 مستوطنين هم ايال يفراح 19 عاما، ونفتالي فرنكال 16 عاما، وجلعاد شاعير 16 عاما، من مكان قرب مستوطنة غوش عتصيون القريبة من الخليل جنوب الضفة الغربية.
* بعد يوم واحد اتهمت إسرائيل حماس بتنفيذ العملية لكن حماس لم تعقب.
* في 15 يونيو عزلت إسرائيل جنوب الضفة الغربية، وأرسلت لواء كاملا من المظليين وقوات خاصة إلى مدينة الخليل المغلقة للبحث عن المستوطنين الثلاثة، وقالت إسرائيل إنها تعمل وفق فرضية أنهم على قيد الحياة.
* بعد يوم واحد في 16 يونيو اتهم نتنياهو عباس بالمسؤولية عن خطف الشبان عبر شراكته مع حماس ولأن الحادثة وقعت في الضفة الغربية، لكنه في نفس اليوم اتصل به وطلب المساعدة في إيجاد الشبان المخطوفين.
* بعد أيام من البحث في الخليل قرر وزير الدفاع الإسرائيلي توسيع نطاق العمليات إلى كل مدن الضفة الغربية.
* على مدار أيام طويلة لاحقة، اجتاح الجيش الإسرائيلي مدن الضفة الغربية وأخذ يعتقل قيادات وناشطين من حماس ويداهم منازل ومؤسسات وجمعيات ومدارس وجامعات.
* أثناء عملية البحث أغلق الجيش الإسرائيلي، جميع المعابر مع قطاع غزة القريبة من الخليل، وشنت الطيارات غارات على غزة.
* استمرت عملية البحث 18 يوما وقتل الجيش الإسرائيلي 8 فلسطينيين واعتقل نحو 600 في الضفة الغربية.
* في 30 يونيو أعلن الجيش الإسرائيلي عثوره على جثث الشبان الثلاثة، في منطقة حلحول شمال الخليل وكانت نقطة تحول مهمة.
* أغلق الجيش الإسرائيلي الخليل بالكامل وتعهد نتنياهو بانتقام لم يخلقه الشيطان.
* انتقم الجيش فورا بتفجير منزلي مروان القواسمي وعامر أبو عيشة، وهما شابان من الخليل ينتميان لحماس وتتهمهما إسرائيل بخطف وقتل المستوطنين.
* بعد يوم واحد خرج المستوطنون إلى شوارع الضفة الغربية في محاولة للانتقام من فلسطينيين.
* في 2 من يوليو (تموز) الحالي، اختطف مستوطنون الفتى محمد أبو خضير (16 عاما) من أمام منزله في حي شعفاط في القدس ووجدت جثته محترقة بعد ساعات في غابة المدينة.
* فتحت حادثة تعذيب وإحراق أبو خضير الباب لتصعيد كبير في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ تمددت المواجهات العنيفة بين الفلسطينيين الغاضبين والجيش الإسرائيلي إلى أنحاء واسعة في مدينة القدس.
* أظهر التشريح أن محمد أحرق وهو حي، فتفجر غضب واسع في وادي عارة وقلنسوة والطيبة وجلجولية وأم الفحم وباقة الغربية والناصرة في إسرائيل، في تطور نوعي ولافت ومقلق لأجهزة الأمن الإسرائيلية التي لا تريد وصول الأوضاع إلى حرب عربية يهودية في الداخل.
* أكد والد الفتى حسين أبو خضير لـ{الشرق الأوسط} أن ولده أحرق وهو حي يقاوم واتهم النازيين الجدد بحرقه.
* ندد عباس وطلب تحقيقا دوليا وهدد بالتوجه إلى الجنايات الدولية.
* في 7 يوليو أعلنت حماس عن مقتل 7 من عناصرها بقصف إسرائيلي على نفق وردت بإطلاق وابل من الصواريخ يعتقد أن واحدا منها وصل إلى أطراف القدس.
* بعد يوم واحد في 8 يوليو دوت صفارات الإنذار في القدس، منبئة بصاروخ من غزة وبعد ساعات شنت إسرائيل فجرا عملية {الجرف الصامد} ضد القطاع.



خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.