كيف ستكون صورة الأدب في المستقبل؟

من ملحمتي جلجامش والإلياذة إلى هاري بوتر

إننا نعيش اليوم في عالم هاري بوتر رغم كل التقدم التكنولوجي الذي أحرزناه
إننا نعيش اليوم في عالم هاري بوتر رغم كل التقدم التكنولوجي الذي أحرزناه
TT

كيف ستكون صورة الأدب في المستقبل؟

إننا نعيش اليوم في عالم هاري بوتر رغم كل التقدم التكنولوجي الذي أحرزناه
إننا نعيش اليوم في عالم هاري بوتر رغم كل التقدم التكنولوجي الذي أحرزناه

من ألواح الطين إلى المطبعة، من القلم الرصاص إلى الإنترنت، من ملحمة جلجامش البابلية إلى روايات هاري بوتر. أو فلنقل من عام 4000 ق.م إلى عام 2017: هذه هي الرقعة الزمنية التي يغطيها كتاب صدر في العام الماضي، كتاب «العالم المكتوب: كيف شكل الأدب التاريخ» (الناشر جرانتا، لندن 2017، 411 صفحة) من تأليف مارتن بتشنر، وهو أستاذ للدراما والأدب الإنجليزي والأدب المقارن بجامعة هارفارد، له كتب في الفلسفة والفنون، ومحرر كتاب «منتخبات نورتون من الأدب العالمي» في ستة أجزاء.
يبين الكتاب كيف أن النصوص والتقنيات الكبرى شكلت الثقافات والحضارات، وغيّرت مجرى التاريخ الإنساني، ويروي قصة الإبداع الأدبي وكيف أن القصص التي يبدعها الأدباء تتقاطع مع تقنيات الكتابة: على ألواح الطين أو الحجر، أو لفائف الرق أو الورق، أو آلة الطباعة أو الآلة الكاتبة أو الحاسوب. لقد كان الأدب دائماً يقع في الصميم من تطور الأديان والحركات السياسية وتاريخ الأمم، بل هو يغير من حياة الأفراد والجماعات.
إن قصة الأدب، كما يرويها الكتاب، تمكننا من رؤية التاريخ الإنساني من منظور جديد. فاختراع الصين ورق الكتابة، ثم اختراع جوتنبرغ الألماني لآلة الطباعة، ثم الشبكة العنكبوتية العالمية كانت كلها علامات على الطريق ومؤثرات حاسمة في تسجيل الأعمال الأدبية والانتقال من المرحلة الشفاهية إلى المرحلة الكتابية، والحفاظ على إبداعات الكتاب والشعراء والفلاسفة من الضياع. لكن هذه الاختراعات التقنية لم تكن هي العامل المؤثر الوحيد: فهناك أدوار (لا نكاد نعرف عنها شيئاً) لعبها – في حفظ التراث - القواد العسكريون الأغارقة، وسيدات البلاط الياباني، والمغامرون الإسبان، والمغنون الإيطاليون في مدينة ميلانو، ورواد الفضاء الأميركيون. وهدف الكتاب هو بيان هذه الأدوار عبر التاريخ.
من المحطات التي يتوقف عندها الناقد الأميركي مؤلف الكتاب: ملحمة هوميروس «الإلياذة» التي كانت الكتاب المفضل للإسكندر الأكبر، ملحمة جلجامش، معلمو الإنسانية في القرن الخامس ق.م: بوذا وكنفوشيوس وسقراط، موراساكي، وهي سيدة بلاط وأديبة يابانية ألّفت «حكاية جنجي» التي تعد أول رواية نثرية عظيمة في تاريخ الأدب، كتاب «ألف ليلة وليلة» اختراع جوتنبرغ للمطبعة في منتصف القرن الخامس عشر، رواية «دون كيشوت» للأديب الإسباني ثربنتس جوته وانفتاحه على الأدب العالمي، وقوف آنا أخماتوفا وألكسندر سولنغتسين في وجه الطغيان الشيوعي، أدباء غرب أفريقيا، وأخيراً أدب ما بعد الكولونيالية ومن أمثلته شاعر منطقة البحر الكاريبي ديريك والكوت الحاصل على جائزة نوبل للأدب في 1992.
والكتاب محلى بصور لموضوعات مختلفة: عملة إغريقية قديمة من فئة الأربع دراخمات عليها نقش يصور الإسكندر الأكبر، رسم ثور له رأس إنسان عثر عليه في حفائر مدينة نينوى، نقش مسماري (خط آشوري قديم) عثر عليه في قصر آشور بانيبال، شارع به سوق في قاهرة العصور الوسطى، لوحة جدارية من المكسيك، خريطة لطرق البريد في العالم القديم، المفكران الفرنسيان ديدرو ودالمبير يصفّان حروف «الموسوعة» التي كانت من رموز عصر التنوير في القرن الثامن عشر، إعادة بناء لجولات البطل الإغريقي يوليسيز (أوديسيوس)، صورة تخطيطية لآنا أخماتوفا رسمها الفنان موديلياني في 1911، آلة كاتبة قديمة الطراز، قافلة متجهة إلى الحج في مكة المكرمة، تمثال نصفي لديريك والكوت في مسقط رأسه بسانت لوتشيا في جزر الهند الغربية.
ويختم المؤلف كتابه بقوله، إننا نعيش اليوم في عالم هاري بوتر، الساحر الصغير الذي أبدعته الروائية الإنجليزية المعاصرة ج. ك. رولنج. إنه - رغم كل التقدم التكنولوجي الذي أحرزناه – عالم أشبه بالعالم الخيالي لقصص الجنيات والحكايات الخرافية. نحن – بعبارة أخرى – ما زلنا نعيش في عالم «ألف ليلة وليلة» أو على الأقل نحن إلى ما فيه من عجائب وخوارق. ويثير هذا سؤالاً جوهرياً: كيف ستكون صورة الأدب في المستقبل؟ هل سيختفي الكتاب المطبوع ويحل محله الكتاب الإلكتروني؟ هل تتحول المكتبات الضخمة متعددة الطوابق، وما تحويه من آلاف الأرفف التي تصطف عليها تلال من الكتب والمجلات والصحف والمطبوعات والخرائط إلى حجرة واحدة تضم محتويات هذا كله على شاشة صغيرة؟ هل تصبح أجهزة الحاسوب الحالية مجرد آثار متخلفة من الماضي مع كل تقدم تحققه الأجيال الجديدة منها؟ هذه كلها أسئلة يطرحها الكتاب، داعياً القارئ إلى إمعان النظر فيها والخروج منها بما يراه من إجابات.


مقالات ذات صلة

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
كتب بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة

ندى حطيط

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
TT

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام
العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، 19 دولة عربية و12 أجنبية.

ويحلّ الأردن «ضيف شرف» على المعرض هذا العام. في حين أعلن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب اختيار العالم الجغرافي والمحقق اللغوي والمترجم الكويتي عبد الله الغنيم ليكون «شخصية المعرض».

وقال مدير المعرض، خليفة الرباح، إن اختيار الغنيم «جاء تقديراً لإسهاماته الكبيرة في الثقافتين المحلية والعربية، وهو ما تَجسَّد في حصوله على (وسام الاستقلال من الدرجة الأولى) من الأردن عام 2013 لدوره في إثراء قاموس القرآن الكريم، بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي».

شغل الغنيم منصب وزير التربية خلال الفترة بين 1990 و1991، ووزير التربية والتعليم العالي بين 1996 و1998، ورئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية من 1992 حتى الآن، كما عمل أستاذاً ورئيس قسم الجغرافيا في جامعة الكويت بين 1976 و1985، وعضو مجمع اللغة العربية في سوريا ومصر، وعضو المجلس الأكاديمي الدولي لمركز الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد.

وذكرت عائشة المحمود، الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أن المعرض يقام هذا العام تحت شعار «العالم في كتاب» ليكون تعبيراً عن أهمية الكتاب ودوره في تقديم الثقافة للمجتمع.

وأضافت أن النشاط الثقافي المصاحب للمعرض يقام عبر 3 منصات مختلفة، هي «الرواق الثقافي» التي تم استحداثها العام الماضي بطابع شبابي، ومنصة «المقهى الثقافي» التي تقدم أنشطة بالتعاون مع مؤسسات النفع العام والمؤسسات الأهلية والجهات الحكومية، و«زاوية كاتب وكتاب» التي استُحدثت هذا العام لربط القارئ بالكتاب بطريقة مباشرة، وتتضمّن أمسيات لعدد من الروائيين.

وأشارت إلى أن مجموع الأنشطة المصاحبة للمعرض، الممتد حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) بأرض المعارض في منطقة مشرف، يتجاوز 90 نشاطاً بما فيها الاحتفاء بالرموز الثقافية الكويتية والعربية.

وعدّ وزير الثقافة الأردني مصطفى الرواشدة، أن مشاركة الأردن في معرض الكويت الدولي للكتاب «تُعدّ تتويجاً للعلاقات الثقافية بين البلدين».

وأعرب، في بيان، عن شكره لدولة الكويت بمناسبة اختيار الأردن «ضيف شرف» للمعرض، مؤكداً أن «دولة الكويت كانت ولا تزال منارةً للمثقف العربي بتجربتها في الإصدارات الرائدة».

وأوضح الرواشدة أن المشاركة الأردنية تتمثل في هذا المعرض من خلال الجناح الذي صُمِّم هندسياً ليعبِّر عن النمط المعماري الحضاري والتراثي الأردني، بما يضمه من مفردات تتصل بثقافة الإنسان، إضافة إلى الرموز التاريخية والثقافية المتنوعة.

وأضاف أن المشارَكة في معرض الكويت الدولي للكتاب «تمثل ثمرةً تشاركيةً بين المؤسسات الثقافية الأردنية؛ لتقديم صورة مشرقة للمشهد الثقافي الأردني في تعدده وتنوعه وثراء حقوله الإبداعية».