قمة هلسنكي لم تتوسع في القضايا الساخنة

قراءة في فحوى محادثات ترمب ـ بوتين

قمة هلسنكي لم تتوسع في القضايا الساخنة
TT

قمة هلسنكي لم تتوسع في القضايا الساخنة

قمة هلسنكي لم تتوسع في القضايا الساخنة

استحقت القمة التي جمعت الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترمب في العاصمة الفنلندية هلسنكي، أخيراً، وصف «الحدث الأبرز في الموسم السياسي» الذي أطلقه سفير روسيا لدى واشنطن أناتولي أنطونوف. فهي ستدخل في تاريخ العلاقات الروسية – الأميركية كواحدة من القمم الأكثر إثارة للجدل، مع أنها «لم تكن تقليدية» وفقاً لتعليق أكثر من متابع روسي؛ إذ إنها عُقدت من دون جدول أعمال واضح، وترك الحوار فيها ليسير وفقاً لمزاج الرئيسين ورغبتهما الشخصية. وكذلك، لم يصدر في ختامها وثيقة مشتركة، على الرغم من أن العمل على إعدادها استغرق بعض الوقت - من الجانب الروسي على الأقل - كما اتضح لاحقاً، لكن لم يوضح الطرفان سبب تجاهلها. أما العنصر الأهم، فهو أن القمة لم تخرج بقرارات أو اتفاقيات موثقة، وهذا أمر كان متوقعاً بعدما خفض الطرفان سقف التوقعات خلال الأيام التي سبقتها.
هي قمة «تاريخية» بسبب ملابسات انعقادها بعد طول انتظار، وبسبب الأداء اللافت للرئيسين في المؤتمر الصحافي الختامي، الذي أثار زوبعة لم تهدأ في الأوساط الأميركية، ولأنها فتحت نافذة أمل في وضع «خريطة طريق» لتطبيع العلاقات، على الرغم من كل التعقيدات التي تحيط بعلاقة البلدين وتراكم الملفات الخلافية بينهما.

عندما أعلن الكرملين قبل القمة الأميركية - الروسية في هلسنكي مباشرة، أن الجانب الروسي يتطلع لتبادل الآراء في الملفات الخلافية، ومحاولة فهم حقيقة مواقف كل طرف بشكل أفضل؛ بهدف وضع آليات مشتركة للحوار، كان يحدد بدقة السقف الروسي المطلوب من هذا اللقاء.
لذا؛ انصب تركيز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الاستماع بدقة لتقويمات نظيره الرئيس دونالد ترمب لعدد من الملفات العالقة، وسرّبت وسائل إعلام روسية ومقربون من الكرملين بعض التفاصيل التي رافقت مسار المحادثات في الجلسة المغلقة أولاً، ثم في الإطار الأوسع بعد انضمام فريقي الرئيسين إلى المحادثات. ووفقاً للمصادر، فإن الرئيس الأميركي لم يبدِ اهتماماً كبيراً بالتوسع في ملفات ساخنة، مثل سوريا وأوكرانيا، وتناول الأولى بحديث سريع ركز على مواصلة التنسيق الأمني والعسكري وضمان أمن إسرائيل، متجاهلاً الخوض في تفاصيل الرؤية الأميركية للتسوية السياسية الممكنة. وفي ملف أوكرانيا تجاهل ملف القرم تماماً، وتحدث بعبارات عامة عن «إطار مينسك» ومتطلبات تثبيت وقف النار. وتوسع أكثر، في المقابل، في الحديث عن الصين بصفتها «التحدي المشترك» أمام روسيا والولايات المتحدة، وتناول ملف العلاقة مع الاتحاد الأوروبي من زاوية التنافس التجاري.
وفي الملف الإيراني، كان ترمب أكثر وضوحاً وقوة، وتكلم عن «خطر» السياسات الإقليمية الإيرانية، و«التهديد» الذي تشكله قدرات إيران النووية والصاروخية. وفي وقت لاحق برزت إشارات إلى أن الرئيسين بحثا مسألة منع وقوع مواجهة إسرائيلية - إيرانية بشيء من التوسع. في حين غاب ملف التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية نهائياً. وأفرد الزعيمان مساحة لمناقشة العلاقة الثنائية وآليات تجاوز المرحلة الصعبة وانعدام الحوار، كما تطرق الحديث بشيء من الإسهاب إلى ملف الأمن الاستراتيجي ومسائل سباق التسلح.
إذا صحت التسريبات أو على الأقل جزء منها، فإن الحوار تجنّب إثارة ملفات خلافية كبرى، مثل التدخل الروسي في انتخابات الولايات المتحدة والاتهامات لنشاط أجهزة الاستخبارات الروسية في بريطانيا وأوروبا، والموقف من التصعيد المتواصل عسكرياً بين روسيا وحلف الأطلسي في المناطق الحدودية، بالإضافة إلى سياسات روسيا في الفضاء السوفياتي السابق، وخصوصاً جورجيا وأوكرانيا. واللافت في هذه التسريبات أنها اقتصرت على مواقف ترمب حيال بعض القضايا، ولم تتناول الآراء التي طرحها بوتين في المقابل.

- نتائج محدودة... لكن مهمة
رغم ذلك، أوحت تصريحات الرئيسين خلال المؤتمر الصحافي المشترك في ختام القمة، بأن الحوار كان أكثر شمولية وعمقاً مما أوحت به التسريبات الإعلامية، مع أنها ثبتت الانطباع بأن المحادثات لم تكن «صعبة ومعقدة» خلافاً لتوقعات بعض الأطراف في السابق. وأظهر الرئيسان ارتياحاً واضحاً لمسار المباحثات، وقال بوتين، إنها انعقدت في أجواء «بنّاءة وإيجابية»، معتبراً أنها مثلت الخطوة الأولى في «إزالة الأنقاض» عن العلاقات بين البلدين. وشدد بوتين أيضاً على ضرورة توحيد روسيا والولايات المتحدة جهودهما الرامية لمواجهة التهديدات المشتركة بالنسبة لهما، مشيراً إلى أن أبرزها «الانعدام الخطير لتوازن آليات الأمن الدولي والاستقرار، والأزمات الإقليمية، وتمدد التهديدات النابعة عن الإرهاب والجرائم العابرة للقارات، وزيادة مشكلات الاقتصاد العالمي، والمخاطر البيئية وغيرها». وقال، إن المحادثات، عكست «رغبتنا المشتركة مع الرئيس ترمب في إصلاح الوضع السلبي في علاقاتنا الثنائية، ورسم الخطوات الأولى لمعالجتها وإعادتهما إلى الدرجة المقبولة من الثقة، والعودة إلى المستوى السابق للتعاون بشأن جميع القضايا التي تمثل اهتماماً مشتركاً». وقد تكون النتيجة الأبرز التوافق على تشكيل «لجنة خبراء» معنية بتطبيع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، تضم خبراء في السياسة من روسيا والولايات وعلماء ودبلوماسيين سابقين، و«من شأن تلك اللجنة العمل على إيجاد القواسم المشتركة والتفكير في اقتياد التعاون إلى طريق التقدم الإيجابي المستدام».
أيضاً، أكد بوتين ضرورة أن يضع الطرفان على طاولة البحث رزمة الملفات المتعلقة بالأمن الاستراتيجي ومسائل تقليص التسلح، موضحاً أن الرؤية الروسية تقوم على جمع مسائل تمديد سريان معاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية، وعملية نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا، والاتفاق حول تقليص الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، ومسألة نشر السلاح في الفضاء في رزمة واحدة لمعالجتها من خلال حوار مفتوح بين الجانبين. كذلك، شدد الرئيس الروسي على أهمية تعزيز التعاون الأمني الاستخباراتي الثنائي، وذكر أن روسيا اقترحت على الولايات المتحدة إعادة تشكيل فريق عمل مشترك لمكافحة الإرهاب؛ بهدف «وضع الاتصالات بين جهازي الاستخبارات على أساس منظم».
في المقابل، حديث ترمب ما كان بعيداً في جوهره عن إشارات بوتين إلى آليات مشتركة للعمل، مع أنه اختار أن يبدأ حديثه في المؤتمر الصحافي بشن هجوم على «وسائل الإعلام والديمقراطيين» الذين «يريدون تدمير فرص الحوار المهم لقضايا العالم»، وتعهد بفعل ما يرى أنه «يصب في مصلحة الولايات المتحدة والعالم رغم الانتقادات». وقال ترمب، إنه بحث مع بوتين مجموعة من القضايا الملحة المختلفة، ذات الأهمية بالنسبة لكلا البلدين، و«أجرينا حواراً منفتحاً ومثمراً». وشدد على أن «الحوار البنّاء بين الولايات المتحدة وروسيا يعطي فرصة لتمهيد الطريق نحو السلام والاستقرار في العالم»، وأردف موضحاً «الخلافات بين بلدينا معروفة، وناقشتها بشكل مفصل مع الرئيس بوتين».
هذا، ويرى خبراء روس أن تأكيد الرئيسين على الحوار والاقتراحات التي قدّمت حول إنشاء لجان ومجموعات عمل مشتركة - رغم أنها تواجه تعقيدات في الولايات المتحدة - تشكل نتيجة مهمة للقمة. لكن، مقابل الارتياح الواسع الذي برز لدى المعلقين الروس لنتائج القمة الأولى بين الرئيسين، والتأكيد على حاجة الطرفين إلى التقدم على أكثر من محور لتثبيت الأجواء الإيجابية، ومواجهة الاعتراضات القوية أميركياً وأوروبياً وأطلسياً، شككت مصادر روسية في قدرة الرئيسين على القيام بتنفيذ سريع لاتفاقاتهما بشأن فتح أوسع حوار ممكن بين الطرفين على المستويات الدبلوماسية، والعسكرية، والأمنية، وأوساط رجال المال والأعمال.

- هاجس التدخل الروسي
من جانب آخر، لم تخرج ردود الفعل لدى النخب الأميركية على نتائج القمة عن التوقعات التي سبقتها. إذ كان الشعور المسيطر لدى النخب الروسية بأن خصوم ترمب سيعملون على عرقلة كل محاولاته للتقدم تجاه روسيا. ولا تخفي أوساط روسية أن أداء ترمب وتعليقاته اللاذعة ضد خصومه في المؤتمر الصحافي المشترك مع بوتين لعبت دوراً في مفاقمة الموقف وتأجيج حال الاستياء، ولا سيما أنه تجنب الإشارة إلى أي ملف خلافي مع بوتين، ودافع عن فكرة «عدم تدخل» روسيا في مسار انتخابات 2016. وأدى التراجع السريع لترمب عن بعض أقواله بعد عودته إلى واشنطن إلى تقليص سقف توقعات الكرملين، على الأقل خلال المرحلة القصيرة المقبلة، مع أن أوساط الكرملين ما زالت تعوّل على قدرة الرئيس الأميركي على تجاوز السجالات الحالية والشروع بتثبيت مواقفه. ولقد جاء حديث أناتولي أنطونوف، السفير الروسي لدى واشنطن، عن أنه سيكون من الصعب على ترمب، تنفيذ الاتفاقيات التي توصل إليها مع نظيره الروسي بسبب «المقاومة الشديدة التي سيجدها من قبل المؤسسة السياسية ووسائل الإعلام الأميركية» ليؤكد أن روسيا ليست متعجلة لتثبيت النتائج النهائية للقمة.
وقال السفير للصحافيين «علينا عند تقييم الآفاق، أن نكون دقيقين وحذرين للغاية، وأكرر كلمة للغاية». وتابع، إنه بسبب «المزاج القوي» لدى بعض الأوساط ضد سياسات ترمب حيال روسيا بات يخشى قول أي شيء إيجابي عن الرئيس الأميركي.
عكست هذه العبارات بدقة الآلية التي تسعى موسكو لتنفيذها في مواجهة الحملة القوية ضد نتائج القمة. ومع أن بوتين خرج خلال لقاء مع الدبلوماسيين الروس بعد القمة عن المألوف، ووجّه عبارات نارية ضد النخب الديمقراطية في الولايات المتحدة، واتهمها بـ«ترويج الأكاذيب والتضحية بمصالح ملايين الأميركيين لحسابات سياسية ضيقة»، فإن موسكو ما زالت تتوقع تراجعاً تدريجياً في عاصفة الانتقادات، وترى أن ترمب بصفته رأس السلطة التنفيذية سيكون قادراً على مواجهة هجوم الكونغرس وبعض وسائل الإعلام، والشروع بتنفيذ جزء على الأقل من التفاهمات توصل إليها مع بوتين. وفعلاً، من وجهة النظر الروسية، حملت الإشارات التي أعقبت القمة ما يؤكد صحة هذا الرهان، وبينها إعلان وزارة الدفاع الأميركية استعداد الوزير جيمس ماتيس للقاء نظيره الروسي سيرغي شويغو، وهو سيكون الأول منذ سنوات على هذا المستوى. بالإضافة إلى إعلان البيت الأبيض أنه يدرس إمكانية السماح لمحققين روس باستجواب مواطنين أميركيين على الأراضي الأميركية، تشتبه موسكو في أنهم على علاقة بنشاطات غير مشروعة في روسيا، وفقاً لما قالته المتحدثة باسم الإدارة الأميركية سارة ساندرز، التي أضافت إنه «نوقش هذا الموضوع خلال قمة بوتين ترمب، لكن لم تُقدم أي تعهدات أو التزامات من جانب الولايات المتحدة. ويعمل الرئيس مع فريقه في هذا المجال». ويذكر أن بوتين كان اقترح السماح لمحققين أميركيين بالتحقيق مع شخصيات روسية متهمة بالتدخل في الانتخابات الأميركية مقابل السماح للمحققين الروس بإجراء تحقيق مماثل مع شخصيات أميركية وجهت ضدها موسكو اتهامات.

- {الأطلسي} والاتحاد الأوروبي
التعليقات الأولى الصادرة عن أطراف أوروبية، بينها شخصيات حكومية في بولندا وغيرها من البلدان التي تنتقد التقارب مع موسكو، عكست استياءً شديداً بسبب إحجام ترمب عن طرح موقف علني واضح ضد السياسيات الروسية في أوروبا، وتحركات القوات الروسية على الحدود مع عدد من هذه البلدان. وجاءت تصريحات ترمب عن أن قمته مع بوتين «كانت أنجح من قمة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)» لتصب الزيت على النار في هذا الاتجاه. إذ سرعان ما برزت تصريحات نارية حول «تقويض التضامن الأورو - أطلسي» وتجاهل ترمب مخاوف جدية بالنسبة إلى الأمن الأوروبي والأطلسي.
وهنا، ذكرت أوساط روسية، أن أزمة العلاقة مع «ناتو» والتوتر في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لم يكن من المنتظر أن تجد حلاً مباشراً خلال القمة الروسية - الأميركية، وهذا مع إقرار بأن ما أعلنه ترمب وبوتين بعد محادثاتهما لم يتطرق إلى عمق الأزمة الروسية – الأطلسية، باستثناء إشارات عابرة إلى مناقشة ملف الأمن الاستراتيجي. وهذا أمر يثير قلق بعض البلدان الأوروبية التي تخشى من تراجع واشنطن عن نشر قوات وأنظمة صاروخية في بلدان مثل بولندا ورومانيا من دون الحصول على ضمانات كافية من الكرملين الذي يقوم بتعزيز الدفاعات الصاروخية في غرب روسيا. وتوقعت أوساط روسية أن تظل هذه المشكلة من التعقيدات الأساسية أمام العلاقة الروسية – الأطلسية. ثم إن المرور سريعاً على ملف أوكرانيا وإغفال موضوع ضم القرم يثير بدوره مخاوف إضافية من أن التوتر في عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة، - وخصوصاً أوكرانيا وجورجيا ومولدافيا - وتوتر العلاقة بسبب ذلك بين موسكو وبروكسل، سيلحظ في معدلات نمو بدلاً من التراجع. وكان لافتاً أن بوتين صرح بعد القمة مباشرة بأنه «غير مقبول قيام (ناتو) بضم جورجيا» متعهداً بأن بلاده ستتخذ «تدابير للدفاع عن مصالحها وأمنها في حال تم تنفيذ هذه الخطوة» التي كان «ناتو» تعهد بها في قمته الأخيرة.

- إيران... ملف خلافي
وحول الملف النووي الإيراني، أقر الرئيسان بأن الخلاف ما زال قائماً، ولم تبرز خلال القمة إشارات إلى آليات يمكن أن يقوم بها الطرفان لتقريب وجهات النظر في هذا الشأن. ومقابل تأكيد بوتين وجهة نظر بلاده بخطأ انسحاب واشنطن من الصفقة النووية مع طهران بحجة أن «هذه الصفقة وضعت إيران تحت أفضل رقابة دولية لأنشطتها النووية باعتراف المنظمات الدولية» ربط ترمب الملف النووي مع سياسات إيران الإقليمية، وأشار إلى «حملة نشر العنف من جانب طهران في المنطقة».
وحافظت مواقف الطرفين على تباعد واسع، رغم التفاهم المحدود - كما ظهر لاحقاً - على منع وقوع مواجهة بين إيران وإسرائيل. ووفقاً لتأكيد مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية أندريه كورتونوف، فإن الرئيسين بوتين وترمب اتفقا خلال قمتهما في هلسنكي على «منع وقوع أي صدام مباشر بين إيران وإسرائيل في سوريا». واعتبر أن هذه واحدة من النتائج العملية للقمة، مشيراً إلى اتفاق «غير معلن» تم التوصل إليه، ويقضي «على الأرجح بإعلان منطقة عازلة في هضبة الجولان، والاستعاضة عن القوات الموالية لإيران بوحدات تابعة للحكومة في دمشق». وإذا صح هذا التفاهم فهو يتعلق بجانب واحد من جوانب الخلاف بين موسكو وواشنطن على آليات إدارة العلاقة مع طهران وهو المتعلق بالوضع في سوريا. بيد أن التباين الواسع حول السياسات الإقليمية لطهران ومصير الاتفاق النووي، والخلاف الكبير حول البرامج الصاروخية الإيرانية... كلها عناصر لا يبدو أنها وجدت فرصة لنقاش موسع خلال القمة، أو على الأقل لم تنعكس في تصريحات الطرفين لاحقاً.

- القمم الروسية ـ الأميركية السابقة
منذ أسدل الستار على «الحرب الباردة» في آخر القمم السوفياتية - الأميركية التي جمعت الرئيسين جورج بوش الأب وميخائيل غورباتشوف في مالطة، وأسفرت عن فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين بعد انهيار «جدار برلين»، عقد رؤساء روسيا «الوريثة الرسمية» للمعاهدات والاتفاقيات التي عقدها الاتحاد المنحل، ستة لقاءات قمة، إضافة إلى عدد آخر من اللقاءات التي جمعت الطرفين في مناسبات وفعاليات دولية.
واللافت، أن كل القمم الروسية - الأميركية منذ اللقاء الرسمي الأول الذي جمع في عام 1993 الرئيسين جورج بوش الأب مع الرئيس الروسي (آنذاك) بوريس يلتسين ركزت على ملف خفض التسلح الذي كاد يكون العنصر الأبرز الذي سيطر على علاقات البلدين لفترة طويلة. فهو كان على رأس دائرة الاهتمام خلال القمة التي جمعت الرئيس بيل كلينتون مع يلتسين في 1997 في هلسنكي. وسيطر الملف على الحوار في لقاء بوتين عام 2001 في سلوفينيا مع جورج بوش الابن، وكان بوتين تسلم مقاليد السلطة قبل ذلك بسنة واحدة، إضافة إلى ملف خلافي تعلق بنيات الأطلسي التوسع شرقاً، وأحرز الرئيسان في تلك القمة تقدماً طفيفاً؛ إذ حصلت موسكو على التزام شفهي بعدم تقدم الحلف قرب الأراضي الروسية.
لكن هذه المسائل عادت لتشغل الحيز الأكبر من الاهتمام في قمتين لاحقتين جمعتا بوتين وبوش الابن، الأولى في 2002 في موسكو والأخرى في 2005 في براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا. وفي 2010 حقق البلدان تقدماً نوعياً بإبرام معاهدة «ستارت3» خلال قمة جمعت الرئيسين باراك أوباما وديمتري مدفيديف في العاصمة التشيكية براغ. وتميزت علاقات أوباما بالتوتر مع بوتين الذي عاد إلى السلطة في 2012، وفشلت القمة الوحيدة التي جمعتهما في 2013 على هامش قمة «مجموعة الثمانية الكبار» في تقريب مواقف الطرفين حيال الملفات المطروحة. ومنذ ذلك الوقت تدهورت العلاقات بين البلدين، خصوصاً، بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية في العام التالي، ووصلت - وفقاً لتصريحات الطرفين - إلى «أسوأ مراحلها في التاريخ».


مقالات ذات صلة

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة جوية لمدينة هرجيسا (من منصة أكس)

«أرض الصومال»... إقليم «استراتيجي» يبحث عن هدف صعب

بين ليلة وضحاها، غزا إقليم «أرض الصومال» - «الصومال البريطاني» سابقاً - عناوين الأخبار، ودقّ ذاكرة المتابعين، إثر إعلان توقيعه مذكرة تفاهم تمنح إثيوبيا منفذاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.