ترمب يثير جدلاً جديداً حول «الناتو»... ويلمح إلى لقاء آخر مع بوتين

قال إنه يتطلع إلى تفاهم مع موسكو حول قضايا تشمل «مكافحة الإرهاب وأمن إسرائيل»

بوتين وترمب قبل انطلاق قمتهما المشتركة بحضور مترجمة الرئيس الأميركي في هلسنكي الاثنين (إ.ب.أ)
بوتين وترمب قبل انطلاق قمتهما المشتركة بحضور مترجمة الرئيس الأميركي في هلسنكي الاثنين (إ.ب.أ)
TT

ترمب يثير جدلاً جديداً حول «الناتو»... ويلمح إلى لقاء آخر مع بوتين

بوتين وترمب قبل انطلاق قمتهما المشتركة بحضور مترجمة الرئيس الأميركي في هلسنكي الاثنين (إ.ب.أ)
بوتين وترمب قبل انطلاق قمتهما المشتركة بحضور مترجمة الرئيس الأميركي في هلسنكي الاثنين (إ.ب.أ)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه يتطلع إلى لقاء آخر مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهاجم وسائل الإعلام متهما إياها بتجاهل «النجاح الكبير» للقمة.
وغرد الرئيس الأميركي أمس بأن «القمة مع روسيا كانت نجاحا كبيرا إلا لعدو الشعب الفعلي، وسائل الإعلام الكاذب»، مكررا عبارة سبق أن استخدمها في 2017. وأضاف: «أتطلع إلى لقائنا الثاني لنتمكن من بدء تنفيذ بعض الأمور التي تحدثنا عنها». وأشار ترمب إلى «مكافحة الإرهاب» و«أمن إسرائيل» و«الهجمات الإلكترونية» و«التبادل التجاري» و«أوكرانيا والسلام في الشرق الأوسط» وكوريا الشمالية، معتبرا أنه «يمكن حل كل» هذه المشاكل. وقبل بضع ساعات من هذه التغريدة، دان بوتين الانتقادات التي طالت مؤتمره الصحافي مع ترمب. وندد بـ«قوى» في الولايات المتحدة «مستعدة للتضحية بالعلاقات الروسية - الأميركية لخدمة طموحاتها».
ويبدو أن القضايا الجدلية تتوالى على البيت الأبيض، ففي الوقت الذي لا تزال فيه تداعيات المؤتمر الصحافي المشترك بين بوتين وترمب تثير جدلا في واشنطن، أدلى الرئيس الأميركي بتصريحات جديدة هاجم فيها الاتحاد الأوروبي وشكك في ماهية توسيع حلف شمال الأطلسي ليشمل مونتينيغرو.
وحمل ترمب، أمس، على الاتحاد الأوروبي بسبب فرضه غرامة ضخمة على شركة «غوغل» بتهمة الاحتكار في استخدام أنظمة أندرويد الخاصة بالهواتف والألواح المحمولة. وقال ترمب في تغريدة إن «الاتحاد الأوروبي فرض غرامة بخمسة مليارات دولار على إحدى أكبر شركاتنا غوغل (...). لقد استغلوا فعلا الولايات المتحدة، لكن ذلك لن يستمر».
وفرض الاتحاد الأوروبي الأربعاء غرامة قياسية بقيمة 4.3 مليار يورو (نحو 5.1 مليار دولار) على شركة غوغل بتهمة الاحتكار في ملف نظام أندرويد، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. واتهم الاتحاد الشركة باستغلال نظام التشغيل الخاص بها للهواتف الذكية والمستخدم من 80 في المائة من أجهزة الهواتف الذكية والألواح في أوروبا، من أجل تكريس تفوق محركها للبحث على الإنترنت. وقالت المفوضة الأوروبية لشؤون المنافسة، مارغريت فيستاغر، في بروكسل: «لجأت غوغل إلى ممارسات غير مشروعة لترسيخ موقعها المهيمن في مجال البحث على الإنترنت».
على صعيد متصل، يواجه الرئيس الأميركي حملة جديدة لتشكيكه في المبدأ الأساسي لحلف شمال الأطلسي ولمهاجمته دولة مونتينيغرو «الصغيرة» التي أثار انضمامها إلى الحلف غضب موسكو. وجاءت تصريحات ترمب في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، ردا على سؤال حول المادة الخامسة للدفاع المشترك داخل الأطلسي التي تنص على أن الهجوم على أي دولة يعتبر هجوما على جميع الدول.
وسأل المذيع تاكر كارلسون ترمب: «إذا تعرضت مونتينيغرو لهجوم مثلا، لماذا يتوجب على ابني أن يذهب إلى مونتينيغرو للدفاع عنها؟». وأجاب ترمب «أتفهم ما تقوله وطرحت السؤال نفسه». وأضاف أن «مونتينيغرو بلد صغير جدا يضم أناسا أقوياء جدا، وعدوانيين جدا»، وصولا إلى التلميح إلى أن هذه العدائية يمكن أن تشعل «حربا عالمية ثالثة» إذا تولى الأعضاء الآخرون في الحلف الدفاع عن مونتينيغرو.
وردت مونتينيغرو بتأكيدها على أنها تساهم «في الاستقرار والسلام ليس في القارة الأوروبية وحدها»، بل «في العالم أجمع». وفي بيان باللغتين المونتنيغرية والإنجليزية، دافعت حكومة الجبل الأسود عن تاريخها في «السياسة السلمية». وقالت إن البلاد «ساهمت في سلام واستقرار ليس فقط القارة الأوروبية بل العالم أجمع»، وتعمل إلى «جانب القوات الأميركية في أفغانستان». وأضافت أنها لعبت دور «قوة الاستقرار» في المنطقة التي شهدت حروبا خلال تفكك يوغسلافيا السابقة في تسعينات القرن الماضي.
وكانت مونتينيغرو أحد بلدين يوغسلافيين سابقين وحيدين لم يتسبب قرارهما الخروج من الاتحاد في حرب، رغم أن جنودها قاتلوا في إطار الجيش اليوغسلافي ضد حرب الاستقلال الكرواتية في التسعينات. والدولة الثانية هي مقدونيا. وأكد البيان أن التحالف مع الولايات المتحدة لا يزال «قويا ودائما».
وانضمت مونتينيغرو، الجمهورية اليوغسلافية السابقة البالغ عدد سكانها 630 ألف نسمة، إلى حلف شمال الأطلسي العام الماضي لتصبح العضو الـ29 فيه. ولا يتعدى تعداد جيشها الألفي جندي. والمرة الأولى التي تم فيها تفعيل المادة الخامسة كانت من جانب الولايات المتحدة بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول).
وكتب نيكولاس بيرنز، الذي كان سفير الولايات المتحدة في الحلف بعد 11 سبتمبر 2001. على «تويتر» إن «ترمب يثير الشكوك مجددا حول ما إذا كانت الولايات المتحدة، في ظل رئاسته، ستساعد حلفاءنا. إنها هدية أخرى لبوتين».
أما السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي وصف قمة ترمب مع بوتين في هلسنكي الاثنين بأنها «غلطة مأساوية»، فقال إن ما يفعله ترمب «يصب تماما في مصلحة كل يريده بوتين». وأضاف أن «شعب مونتينيغرو قاوم بشجاعة الضغط الذي مارسته روسيا (برئاسة) بوتين ليتبنى الديمقراطية»، و«مجلس الشيوخ صوّت (بغالبية) 97 مقابل 2 دعما لانضمامه إلى الحلف الأطلسي».
غير أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر ناورت، رفضت التعليق مباشرة على تصريحات ترمب، قائلة إن الرئيس «أكد من جديد الأسبوع الماضي التزامنا القوي بالدفاع الجماعي داخل حلف الأطلسي». وشدّدت على أن البيان الذي صدر في ختام قمة بروكسل «ينصّ بوضوح على أن أي هجوم ضد حليف سيعتبر هجوما على الجميع».
وتدهورت العلاقات بين مونتينيغرو وروسيا في السنوات الأخيرة، مع توجه الدولة الصغيرة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وتأمل مونتينيغرو في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ما يغضب بوتين الذي يرى أن الغرب يتمدّد ليصل إلى حدود روسيا.
واتهمت موسكو بالتدخل في انتخابات مونتينيغرو وفي الانقلاب الفاشل في 2016 الذي يشتبه بأن موالين لروسيا يقفون وراءه. وانتقد رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، ريتشارد هاس، بدوره تصريحات ترمب، وقال عبر تغريدة في «تويتر»: «لم يكتف الرئيس بالانتقاد الحاد لمونتينيغرو، بل إنه يجعل التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي مشروطا ويوضح استياءه من المادة الخامسة والأمن المشترك الذي يعتبر جوهر التحالف».
ولم يتضح لماذا وصف ترمب شعب مونتينيغرو بأنه «عدواني جدا»، رغم أن جيش البلاد صغير جدا. وعاد رواد مواقع التواصل الاجتماعي نشر تسجيل فيديو التقط خلال القمة السابقة للحلف الأطلسي، يظهر فيه ترمب وهو يزيح رئيس وزراء مونتينيغرو من مكانه بخشونة أثناء التقاط صورة.
ويقول الباحث في معهد «ليبريتاريان كاتو»، دوغ باندو، إن تصريحات ترمب تعكس على الأرجح غضبه من الحلف الأطلسي، أكثر مما تعكس مخاوف روسية بشأن مونتينيغرو، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. وكان ترمب قد أعرب مرارا عن غضبه من الحلف، واتّهم أعضاءه بأنهم لا يقدمون التمويل الكافي لجيوشهم المشاركة في الحلف ويعتمدون بشكل مفرط على الولايات المتحدة. وأضاف باندو: «لا أفهم فكرة أن شعب مونتينيغرو عدواني إلى درجة أنه بجيشه الذي لا يتجاوز ألفي عسكري يمكن أن يطلق حربا عالمية ثالثة». كما أشار إلى أن مونتينيغرو انضمت إلى حلف شمال الأطلسي خلال رئاسة ترمب، قائلا إن «هذا الرئيس سمح لذلك أن يحدث العام الماضي. فإذا سمح بذلك لم يشتك الآن؟».
وإن لم تكن كل هذه القضايا كافية، فإن نوابا ديمقراطيين طالبوا الكونغرس، الأربعاء، باستدعاء مترجمة الرئيس الأميركي للاستماع إليها، وسط تنامي الجدل حول قمة هلسنكي. وعقد الرئيسان الأميركي والروسي محادثات خلف أبواب مغلقة لمدة ساعتين من دون وجود أي مسؤول آخر، ما عدا مترجميهما. ويقول الديمقراطيون إن المرأة التي ترجمت لترمب والملاحظات التي يعتقد أنها دونتها خلال الاجتماع قد توفر معلومات هامة حول ما تبادله الرئيسان.
وقال السيناتور الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب مينيديز، في حديث تلفزيوني: «نريد أن تمثل المترجمة أمام اللجنة. نريد أن نرى الملاحظات المدونة». وأضاف: «سوف يتعين علينا بذل جهود هائلة لمحاولة معرفة ما حصل».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟