أبرز عمليات الإخلاء من المناطق المحاصرة في سوريا

TT

أبرز عمليات الإخلاء من المناطق المحاصرة في سوريا

أصبح نقل السكان مألوفا في الحرب السورية الدائرة منذ أكثر من سبع سنوات، لكن أغلب عمليات النقل شملت خصوم الرئيس بشار الأسد. وجرى نقل مقاتلين ومدنيين بالحافلات من بلداتهم إلى أراض تسيطر عليها المعارضة في الشمال مع تقدم القوات الحكومية مدعومة من روسيا وإيران.
وتصف المعارضة ذلك بأنه تهجير قسري ممنهج أو «تغيير ديموغرافي» يهدف للتخلص من خصومه. واتخذ الصراع منحى طائفيا بعدما بدأ باحتجاجات على حكم الأسد في عام 2011، وجاء مقاتلون شيعة مدعومون من إيران من مختلف أرجاء المنطقة لمساعدة دمشق في مواجهة مقاتلي المعارضة.
وسبق عملية الإجلاء لاثنتين من المناطق الموالية لدمشق (الفوعة وكفريا بمحافظة إدلب) كثير من العمليات المماثلة لكن معظمها كانت حالات تتعلق بمدن معارضة كان يحاصرها النظام. وكانت عملية إجلاء متبادلة في أبريل (نيسان) 2017 شملت الآلاف من سكان هاتين البلدتين الشيعيتين وبلدتي الزبداني ومضايا قربة دمشق، اللتين كانت تخضعان لحصار فرضه النظام.
وتم استخدام الحصار كإحدى وسائل الحرب، وخصوصا من قبل النظام. فقد راهن هذا الأخير في عدد من المناطق على اتفاقات «مصالحة» أدت إلى إجلاء مقاتلين مع عائلاتهم سلكوا خصوصا طريق محافظة إدلب بشمال غربي البلاد مقابل وقف القصف وعمليات الحصار.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، اعتبرت منظمة العفو الدولية في تقرير حمل عنوان «الرحيل أو الموت»، أن إرغام السكان على الرحيل بموجب هذه الاتفاقات يرقى إلى «جريمة ضد الإنسانية».
في مايو (أيار) 2014، وافق مقاتلو الفصائل المعارضة على مغادرة معقلهم في البلدة القديمة في حمص (وسط)، ثالث أكبر المدن السورية التي كانت توصف بـ«عاصمة الثورة»، بعد حصار استمر عامين وبعدما أدى القصف والمعارك إلى دمار كبير في المنطقة. وكان هذا الاتفاق الأول من نوعه بين النظام ومقاتلي المعارضة منذ بداية النزاع في مارس (آذار) 2011، وتم التفاوض عليه بين الأمم المتحدة والنظام السوري. وبين منتصف مارس ومايو 2017، خرج الآلاف من حي الوعر، آخر مناطق سيطرة فصائل المعارضة في حمص، ما أفسح المجال لقوات النظام لاستعادة السيطرة الكاملة على المدينة.
في أغسطس (آب) 2016، غادرت فصائل المعارضة داريا في محافظة دمشق بموجب اتفاق أنهى أربعة أعوام من القصف والحصار الذي فرضه النظام على المدينة. وتم نقل مقاتلي المعارضة وعائلاتهم إلى محافظة إدلب في شمال غربي سوريا بينما سيطر الجيش على داريا.
بعد حصار خانق وقصف مكثف بالبراميل المتفجرة والصواريخ والغارات الجوية التي أثارت ردود فعل دولية غاضبة ودمرت شرق المدينة، سيطر الجيش السوري في ديسمبر (كانون الأول) 2016 بالكامل على مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية.
وحصل ذلك بعدما تم إجلاء عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة والمدنيين بموجب اتفاق رعته كل من إيران وروسيا وتركيا.
في الغوطة الشرقية وبعد عملية عسكرية استمرت أسابيع، بدأ النظام السوري وحليفته روسيا بإبرام اتفاقات إجلاء لإخراج فصائل المعارضة. ووصل أكثر من 46 ألف شخص ربعهم من المقاتلين إلى إدلب، وفق أرقام رسمية أحصتها وكالة الصحافة الفرنسية. وتم نقل آلاف آخرين بينهم عناصر من جيش الإسلام ومدنيين من دوما إلى محافظة حلب الشمالية.
في مايو 2017، أبرم النظام اتفاق «مصالحة» لأحياء برزة والقابون وتشرين الخاضعة لسيطرة المعارضة في دمشق. وخرج بموجبه آلاف المدنيين والمقاتلين متجهين نحو إدلب ما سمح للنظام بالسيطرة على الأحياء الثلاثة بشكل كامل.
واستعادت قوات النظام بلدة الضمير في أبريل، ويلدا في العاشر من مايو، فضلا عن بلدات بيبلا وبيت سحم ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في 21 و22 مايو.
في 15 يوليو (تموز) الحالي، تم إجلاء مئات من المقاتلين والمدنيين من مدينة درعا الجنوبية إلى شمال سوريا.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم