مادلين أولبرايت {المتفائلة} قلقة من حال أميركا ترمب

وزيرة الخارجية الأميركية السابقة تحذر في كتابها الجديد من عودة الفاشية

مادلين أولبرايت
مادلين أولبرايت
TT

مادلين أولبرايت {المتفائلة} قلقة من حال أميركا ترمب

مادلين أولبرايت
مادلين أولبرايت

خدمت مادلين أولبرايت (مواليد 1937) في إدارة الرئيس بيل كلينتون وزيرة للخارجية الأميركيّة بين 1997 و2001، كما أنها دعمت حملة ترشح هيلاري كلينتون للانتخابات الأخيرة، ولذا فإنه ليس مستغرباً وقوفها في مربّع المنتقدين - المتمدد أبداً - لمرحلة الرئيس دونالد ترمب، سواء تجاه ما يمثله الرجل في الحاصل الانتخابي بداية بوصفه سياسياً شعبوياً صعد أدراج السلطة من خلال اللعب على التفاوتات المجتمعيّة، أو لناحية سياساته الإقصائيّة رئيساً وهجماته القاسيّة على كل مؤسسات المنظومة الليبراليّة وهيكيليات العولمة التي كانت الكلينتونيّة السياسيّة - فريق أولبرايت السياسي - في القلب منها خلال عقد التسعينيات. لكن السيّدة التي خبرت أروقة الدبلوماسية لعقود - وما زالت من خلال مكتبها الاستشاري المرموق - والمنحدرة من أسرة يهوديّة عاشت مرحلة صعود الفاشيات والحرب العالميّة الثانية في قلب أوروبا قبل هجرتها إلى الولايات المتحدة ولمّا تتجاوز الـ11 عاماً، تمتلك صلاحيات ربما أكثر من غيرها لتقييم الاتجاه المتأزّم الذي تأخذه الأمور على جانبي الأطلسي منذ انتخاب ترمب رئيساً عام 2015، والمآلات التي يجد العالم نفسه في مواجهتها نتيجة لما تكشّف عنه ذلك الاتجاه. وهي أودعت خلاصة موقفها حول ذلك طيّات كتابها الأحدث – بالتعاون مع بيل وودوورد - الذي عنونته ببساطة: «الفاشيّة: تحذير، Fascism: A Warning»، وصدر بالإنجليزيّة والألمانيّة بوقت متزامن.
وجهة نظر أولبرايت في «تحذير» تذهب إلى أن الفاشيّة ليست بالتجربة المنعزلة أو الفريدة عبر مجمل التاريخ البشري - وإن أخذت أعلى تمثلاتها في إيطاليا موسيلليني وألمانيا هتلر بداية من عشرينيات القرن الماضي وحتى مأساة الحرب العالميّة الثانية، فهي تعتبر أن الفاشيّة ابنة التجربة السياسيّة الإنسانيّة وأنه ليس هنالك بالفعل ما يمنع تدحرج الأمور إلى تلك الهوّة المظلمة مجددا. وهي تنطلق من هذا التصوّر لتسجّل حقيقة تجل تعددي لافت لأوجه التماثل بين الأجواء التي أنتجت تجربة القرن العشرين الفاشيّة القاسية وما يشهده الغرب هذه الأيّام من انقسامات عالية الاستقطاب بين فئات المجتمع، وتفاوتات اقتصاديّة تتزايد دون أفق بإمكان تقليصها حتى على المدى المتوسط، وفوق ذلك كلّه موجة السياسيين الشعبويين - ليس في أميركا وحدها بل عدد متزايد من الدّول عبر المعمورة - ممن يصعدون إلى مواقع السلطة والتأثير عبر التلاعب الاحتيالي على تلك التفاوتات، وتوجيه غضب الطبقات العاملة نحو عدو متخيّل دون توفرهم على أي حلول حقيقيّة للمشاكل البنيويّة العميقة التي أصابت تلك المجتمعات.
وبالرّغم أن أولبرايت تُشيح بوجهها عن مسؤوليّة المنظومة الليبرالية – التي كانت هي ذاتها من حكمائها إبان عملها ضمن الطاقم الكلينتوني – لناحية خلق الفضاء الذي أنتج معالم الأزمة الحاليّة، فإنها تنقل اللّوم إلى تأثيرات العولمة زاعمة أنها رغم كل إيجابياتها، قد تسببت في تهديد إحساس الأفراد بالهويّة، وتركت معسكرين متقابلين من الرابحين والخاسرين في كل مجتمع.
تُصرّف أولبرايت جُزءاً معتبراً من الكتاب لسرد تاريخ صعود وسقوط الحركة الفاشيّة في أوروبا القرن العشرين، لا سيّما السلوك السياسي للدوتشي بينيتو موسيلليني - رئيس وزراء إيطاليا 1922 إلى 1943 – الذي تبحث فيه عن نقاط بارزة محددة يمكن ربطها لاحقاً بالرئيس الحالي للولايات المتحدة – الذي تصفه بأنه «أول رئيس معادٍ للديمقراطيّة في التاريخ الأميركي كلّه». لكن نقاط الرّبط هذه بين الزعيمين تبدو شكليّة أو أقله مبالغاً بها على نحو أن الدوتشي كان زعيماً ذا هالة شخصيّة مغناطيسيّة وكاريزما مسرحية، صعد إلى قمّة السلطة على كتف التفاوتات في المجتمع واعدا الجميع باستعادة عظمة إيطاليا من جديد، وأن الفوهرر الألماني أدولف هتلر اتبع ذات الأسلوب مقدماً اتجاهاً محدداً لمجتمع كان سياسيوه غير قادرين على تحديده بعد هزيمة الحرب العالميّة الأولى القاسية وما ترتب عنها من عقوبات وتنازلات. وتُعيد أولبرايت على مسامعنا بأن الفاشيّة حينها لم تكن مقتصرة على إيطاليا أو ألمانيا، بل كانت تياراً سياسيا قوياً يتمتع بجاذبيّة شعبيّة داخل العديد من دول الغرب بما فيها بريطانيا والولايات المتحدة نفسها، وأن زعيماً غربياً مثل رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل عبّر عن إعجابه الشديد بالفوهرر الألماني بعد اجتماعه به عام 1935، ملمحة بذلك إلى التعدد الحالي لجيوب تيّارات اليمين الشعبوي عبر دول الغرب جميعها تقريباً. لكنّها تُجْمِل أنظمة حاليّة مختلفة فيما تصنّفها بالدّول الفاشيّة من روسيا إلى مصر ومن الفلّبين إلى فنزويلا ومن هنغاريا إلى تركيّا، وهي مقاربة غير دقيقة سوى ربمّا لناحيّة تولي قادة الهرم السياسي فيها سلطات متزايدة، مع اختلافٍ شاسع في السّياقات الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة بينها. بل إن ترمب نفسه ليس فاشيا بالمعنى الأكاديمي للكلمة، ووجْه التشابه بينه وبين موسيلليني لا يتجاوز المستوى الشّخصي المحض - ربما لناحية علاقاتهما النسائيّة المتعددة وولعهما بالاستعراض والمواقف الاستفزازيّة - . فالرّئيس يمثّل النظام الأميركي الذي يسمح بتداول السلطة بين الحزبين، وهناك عدّة تقاطعات بين مؤسسات النظام لمنع التفرّد باتخاذ القرارات الأساسيّة، وهو للحقيقة يتمتع بتأييد متزايد بين الناخبين الأميركيين – وفق استطلاعات الرأي - ولديه قاعدة صلبة منهم تتجاوز ثلثهم على أسوأ التقديرات.
ولذلك يمكن القول بأن أولبرايت في «الفاشيّة: تحذير» ليست قلقة بالفعل من عودة الفاشيّة بقدر ما هي مستاءة من ذلك السقوط المدوي للتجربة الليبرالية التي تسببت بفقدان واسع للثقة بالحكومات، وتفاوتات اقتصاديّة حادة أغضبت القطاع الأوسع من المواطنين العاديين في الغرب. وهي تتوقع أن التصدي للظواهر المستجدة والمماثلة للفاشيّة ربما سيؤدي بالضرورة إلى استعادة مقاليد السلطة من قبل فريقها السياسي، دون أن تشرح كيف سيقوم هذا الفريق بإدارة أكفأ من تلك التي قدّمها إبّان توليه مقاليد الأمور، وهي التجربة التي أوصلت الولايات المتحدة والعالم معها إلى هذا المقطع التاريخي الخطر الذي نحن فيه، طارحة اقتراحاً غامضاً حول عقد اجتماعي جديد بين السلطة والمواطنين مع استبعاد كلي لأي طريق ثالثة.
مادلين أولبرايت التي تصف نفسها بمتفائلة تستشعر القلق من تحولات الأمور، ويزعجها تحديداً أن الولايات المتحدة التي كانت عندها بمثابة ضمانة العالم الوحيدة لمنع تسلط الفاشيات على أوروبا خلال القرن الماضي – بعد موافقة الأفرقاء الأوروبيين في مؤتمر ميونيخ 1938 على منح هتلر المناطق الحيوية التي أرادها ومنها نصف تشيكوسلوفاكيا، حيث تنتمي أسرة أولبرايت - تبدو وكأنها أقرب اليوم إلى تزعّم الفاشيات الجديدة منها أن تتصدى لها.
«الفاشيّة: تحذير» ربما يكون صرخة منفعلة للتخويف من الذئب الذي لم يأتِ بعد، لكن الشروع مبكراً باتخاذ التدابير لمواجهته لحظة وصوله ربما سيجنّب البشريّة حرباً عالمية ثالثة - وأخيرة هذه المرّة فيما إذا أُصيب أحد زعماء الفاشيات النووية الجديدة بلحظة جنون - . السّيدة أولبرايت من برجها الاستشرافي حذّرتنا بالفعل. لكنه من الجلي أن خطة المواجهة الفاعلة ليست في كتابها ولا أي كتاب آخر بعد، وهنا مكمن الخطر على مستقبل البشريّة: فالأرض ما تزال مشرعة للذئاب.


مقالات ذات صلة

ملتقى دولي في الرياض يعزز التبادل الفكري بين قراء العالم

يوميات الشرق يجمع «ملتقى لقراءة» محبي أندية القراءة والمهتمين بها لتعزيز العادات والممارسات القرائية (هيئة المكتبات)

ملتقى دولي في الرياض يعزز التبادل الفكري بين قراء العالم

تنظم هيئة المكتبات «ملتقى القراءة الدولي» الهادف لتعزيز العادات القرائية، من 19 إلى 21 ديسمبر (كانون الأول) بقاعة المؤتمرات في «مركز الملك عبد الله المالي».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.