نائب طالباني في الحزب يدعو إلى الحذر في الدعوات إلى انفصال كردستان

محللون: تلويح بارزاني بالاستقلال قد يكون ورقة ضغط للحصول على تنازلات

رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني لدى وصوله إلى مبنى برلمان الإقليم في أربيل الخميس الماضي (أ.ف.ب)
رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني لدى وصوله إلى مبنى برلمان الإقليم في أربيل الخميس الماضي (أ.ف.ب)
TT

نائب طالباني في الحزب يدعو إلى الحذر في الدعوات إلى انفصال كردستان

رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني لدى وصوله إلى مبنى برلمان الإقليم في أربيل الخميس الماضي (أ.ف.ب)
رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني لدى وصوله إلى مبنى برلمان الإقليم في أربيل الخميس الماضي (أ.ف.ب)

يرى محللون أن عقبات كثيرة تقف أمام محاولة أكراد العراق الانفصال، غير أن التهديد بالمضي في استفتاء على الاستقلال وسط الفوضى التي تعيشها البلاد قد ينتزع تنازلات من بغداد.
وسيطر الأكراد منذ بداية الهجوم الكاسح الذي يشنه مسلحون يقودهم تنظيم الدولة الإسلامية منذ نحو شهر، على مناطق متنازع عليها مع بغداد بعد انسحاب القوات العراقية منها، وعلى رأسها مدينة كركوك (240 كلم شمال بغداد) الغنية بالنفط.
وعلى ضوء هذا التمدد، وضع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني الأكراد على طريق الانفصال بعدما طلب الاستعداد لتنظيم استفتاء على حق تقرير المصير، في تحد إضافي لوحدة هذا البلد الذي ينازع في مواجهة مسلحين يسيطرون على أجزاء واسعة منه. وقال بارزاني في خطاب في البرلمان المحلي للإقليم الكردي: «أقترح عليكم الاستعجال في المصادقة على قانون تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لكردستان لأن هذه هي الخطوة الأولى، وثانيا إجراء الاستعدادات للبدء بتنظيم استفتاء حول حق تقرير المصير». وأكد بارزاني أن هذا الأمر «سيقوي موقفنا وسيكون بيدنا سلاح قوي ويجب عليكم دراسة المسألة وكيفية إجراء هذا الاستفتاء».
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإنه رغم أن الإقليم الكردي يتمتع بحكم ذاتي منذ بداية التسعينات، فإن الانفصال يمثل مجازفة سياسية واقتصادية خطيرة بالنسبة إلى الأكراد، والتهديد بالاستفتاء يبدو على ضوء ذلك أقرب إلى وسيلة ضغط منه إلى المضي فعلا بإجراءات الانفصال عن العراق.
وتمثل القدرة المالية للإقليم أحد أكبر تحديات الانفصال، إذ إن عائدات النفط التي يجنيها حاليا أقل مما تحتاج إليه سلطاته لدفع مرتبات الموظفين الحكوميين، في وقت يحيط فيه الغموض بمستقبل قطاع النفط في ظل الخلافات المتواصلة مع بغداد.
ويشوب العلاقة بين بغداد والإقليم الكردي الذي يملك قوات عسكرية وتأشيرات وعلما خاصا به، توتر يتعلق أساسا بالمناطق المتنازع عليها وبعائدات النفط وصادراته، إذ تقوم الحكومة المحلية في الإقليم بتوقيع عقود مع شركات أجنبية من دون الرجوع إلى الحكومة الفيدرالية التي قررت بسبب ذلك عدم دفع حصة الإقليم من الموازنة السنوية التي تبلغ نحو 17 مليارا.
ويقول أيهم كامل، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة «أوروسيا» الاستشارية، إن «الوضع المالي لإقليم كردستان ضعيف وتصدير النفط عبر ميناء جيهان (التركي) صعب حاليا»، مضيفا: «ليس هناك من حل قصير الأمد للأكراد الذي يبحثون عن بنية تمويلية بديلة لما يحصلون عليه من بغداد».
وبينما يعاني الأكراد من نقص الأموال، فهم يمولون رغم ذلك حملة عسكرية ضخمة تهدف إلى حماية حدود الإقليم من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية الذي يسيطر منذ نحو شهر مع تنظيمات أخرى على مناطق واسعة محاذية لإقليم كردستان غادرتها القوات العراقية.
ورغم الإعلان عن الاستعداد لتنظيم استفتاء على حق تقرير المصير، فإن السياسيين الأكراد ما زالوا يلعبون دورا أساسيا في العملية السياسية في العراق ويشاركون في المفاوضات الهادفة إلى التوافق حول الرئاسات الثلاث، علما بأن العرف السياسي المتبع في العراق ينص على أن يكون الرئيس كرديا منذ 2006.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري: «إنها ببساطة وسيلة ضغط على الحكومة في بغداد، والدليل أنهم ما زالوا ينافسون للحصول على منصب رئيس العراق ومناصب أخرى على الخريطة السياسية».
من جهته، يرى توبي دودج، مدير مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، أن الاستراتيجية التي يتبعها الأكراد قد تعود بنتائج عكسية عليهم، خصوصا أن الشعب الكردي يتطلع إلى انفصال فعلي. ويوضح: «قد يلوح بهذا السيف أمام بغداد لكن شعبه ملتزم فعليا بفكرة الاستقلال وقد مر بفترات الإحباط في أوقات سابقة جراء عدم تقدمهم نحو تحقيق ذلك». ويتابع: «لا أعتقد أنه (بارزاني) يستطيع أن يجامل شعبه هكذا من دون أن يعود عليه ذلك بنتائج عكسية إذا لم يحقق ما يطمح هؤلاء إلى أن يحققه لهم».
وعبرت الولايات المتحدة التي يرى فيها الأكراد أحد أبرز حلفائهم، عن معارضتها للدعوة التي وجهها رئيس إقليم كردستان للاستعداد لتنظيم الاستفتاء، فيما من المستبعد أيضا أن توافق إيران التي تدعم السلطات الشيعية في العراق على تقسيم هذا البلد المجاور.
وفي ظل الدعم غير المؤكد، والمأزق المالي، واقتراب المسلحين المتطرفين من الحدود، والتوتر في المناطق العربية التي تسيطر عليها قوات الإقليم الكردي، فإنه يصعب، بحسب المحللين، توقع ولادة وشيكة لدولة كردية. ويقول الشمري: «ستكون دولة ميتة بلا شك».
ومن شأن عوامل الاقتصاد والضغوط الخارجية من بغداد ومن حلفاء منافسين في تركيا وإيران وواشنطن، أن تمنع القادة الأكراد من المجازفة بالانفصال نهائيا في القريب العاجل. وفي هذا السياق نقلت وكالة رويترز عن كوسرت رسول علي، نائب رئيس إقليم كردستان ونائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني: «كل الشعب الكردي يؤيده (الاستقلال) لكن على القيادة أن تفكر فيما إذا كان الوقت مناسبا أم لا». وأضاف: «إذا لم يكن المناخ السياسي مواتيا فربما نضطر للانتظار سنوات. وإلا فستكون بلية».
إقليميا، ربما لم يعد العداء من جانب تركيا التي واجهت انتفاضة كردية على أراضيها لعشرات السنين العقبة الكبيرة التي ظلت تحول دون الاستقلال الكامل لإقليم كردستان العراقي. وعملت تركيا مع أكراد العراق على حماية نفسها من الفوضى التي يشهدها العراق، وأصبحت تشتري النفط من إقليم كردستان، وذلك رغم أنها ظلت تخشى أثر هذه الفوضى على الأقلية الكردية التي تعيش على أراضيها وبقيت على موقفها الرسمي من الالتزام بوحدة العراق. ويبدي كثير من القادة الأكراد ثقتهم في أن أنقرة لن تعرقل استقلالهم عن العراق.
في المقابل، قد تكون إيران مصدرا للمشاكل؛ إذ إنها تؤيد الأحزاب الشيعية التي تتولى السلطة في بغداد حاليا والتي ترى أن استقلال الأكراد محاولة للخروج بنصيب أكبر من ثروة العراق. ومنذ مدة طويلة تؤيد طهران وأنقرة فصائل متنافسة في إقليم كردستان العراقي. وقد خاضت هذه الفصائل حربا أهلية مريرة بمجرد تحررها من سيطرة صدام عام 1991.
وتفسر المصالح المتباينة لكل من إيران وتركيا التوترات في الحياة السياسية الكردية التي تؤثر على المواقف من الاستقلال. ويسيطر كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يميل نحو تركيا وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الأقرب إلى إيران، على وحدات منفصلة من قوات البيشمركة وعلى مناطق مختلفة داخل كردستان العراق. ويقول مسؤول رفيع في حزب طالباني: «إذا لم تحرص على موازنة العلاقة بين إيران وتركيا فبوسعهما إفساد كل شيء».
وفي علامة على العداء تجاه الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني اتهم آية الله محمود هاشمي شهرودي، وهو مسؤول إيراني من رجال الدين ولد في العراق، الحزب بأنه جزء من مؤامرة سنية تشمل تركيا تأييدا لهجوم تنظيم الدولة الإسلامية. وقال في تعليقات نشرتها وكالة أنباء إيرانية أن هذه المؤامرة جزء من خطة للحزب وأنقرة لتفتيت العراق.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».