تنتظر سوق العقارات المصرية ارتفاعا جديدا في الأسعار في أعقاب رفع أسعار الوقود خلال الشهر الماضي، وكان القطاع العقاري يتوقع أن يرتفع السعر خلال شهر يوليو (تموز) الحالي، لكن ثبات أسعار الإسمنت والحديد، أدى إلى تأجيل الزيادة المنتظرة شهرا آخر، ووفقا لخبراء التسويق العقاري فإن تأثير أي زيادة في أسعار مستلزمات البناء من المفترض ألا تظهر فعليا في أسعار العقارات إلا بعد مرور 6 أشهر، وفي ظل الارتفاع المتسارع في أسعار العقارات المصرية، وزيادة المعروض عن الطلب، بدأ خبراء التسويق العقاري يحذرون من «فقاعة عقارية»، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة المصرية إيجاد حلول للمشكلة أبرزها تصدير العقار للأجانب.
وأكد أحمد إمبابي، مستثمر عقاري، ورئيس مجلس إدارة شركة معمار مكة للاستثمار العقاري، لـ«الشرق الأوسط»، أن «أي زيادة في أسعار العقارات لا تحدث إلا بعد 6 شهور من زيادة أسعار مواد البناء، نظرا لأن الشركات عادة ما يكون لديها مخزون من مستلزمات البناء يكفي هذه المدة»، مشيرا إلى أن «مقاولي البناء عادة ما يستغلون هذه الفترة في طرح الوحدات السكنية بأسعار تنافسية بهدف توفير تمويل كاف لشراء مستلزمات البناء فيما بعد، فيما يعرف بلغة السوق بـ(حرق السعر)».
وقال إمبابي إنه «رغم تضاعف سعر الدولار الأميركي مقارنة بالجنيه المصري منذ عام 2015، وهو ما أثر على أسعار مستلزمات البناء، فإن أسعار العقارات في مصر لم ترتفع بالنسبة نفسها، وبلغت نسبة الزيادة حتى الآن نحو 50 في المائة فقط، لأن هناك حدا أقصى لإمكانية زيادة الأسعار لتتناسب مع القدرة الشرائية للمصريين».
ورغم أن الزيادة في الأسعار ليست متناسبة مع حجم الزيادة في أسعار مستلزمات البناء وسعر الصرف، فإن هذه الزيادة ما زالت تعتبر كبيرة جدا بالنسبة لغالبية المصريين، الذين يجدون صعوبة الآن في شراء وحدات سكنية، خاصة أن معظم الوحدات المعروضة هي من نوع الإسكان الفاخر في مجمعات سكنية مغلقة «كمبوند»، التي يقدر ثمنها بملايين الجنيهات، مما يطرح تساؤلات كثيرة عمن لديه القدرة على شراء هذه الوحدات السكنية، التي تمتلئ شوارع القاهرة بإعلاناتها بينما يعيش غالبية المصريين ظروفا معيشية صعبة في ظل قرارات إصلاح اقتصادي تصفها الحكومة بأنها «مؤلمة».
وقال إمبابي إن «السوق الرئيسية الآن لبيع هذا النوع من الوحدات السكنية الفاخرة هو المصريون المقيمون في الخارج، الذين يجدون هذه الأسعار منخفضة مقارنة بفرق العملة وأسعار الصرف، فنحن لا نعتمد اليوم على السوق المحلية»، مشيرا إلى أنه «نظرا للارتفاع الكبير في الأسعار مقارنة بقدرة المواطن المصري الشرائية فإن شركات التسويق والاستثمار العقاري وضعت أنظمة لتسهيل السداد، تتضمن تقسيط ثمن الوحدة السكنية لمدة قد تصل إلى 7 سنوات».
وفي هذا السياق عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصري، مؤخرا، اجتماعين خلال أسبوع واحد مع عدد من المستثمرين والمطورين العقاريين لبحث كيفية ترويج العقارات المصرية وتسويقها للأجانب، وتشجيع شركات العقارات على المشاركة في بناء مساكن لمحدودي ومتوسطي الدخل.
وتسعى الحكومة المصرية إلى وضع العقار المصري على الخريطة العالمية من خلال المشاركة في المعارض الدولية، وتدرس وزارة الإسكان حاليا إقامة معرض دائم للعقار المصري في معظم الدول العربية، إلى جانب إطلاق حملة دعائية للعقار المصري، وتشجيع الاستثمار في المجال العقاري.
وقال إمبابي إن «هذه الخطوة ناجحة في الترويج للعقارات المصرية في الدول العربية، فالمعارض تنجح بنسبة كبيرة عند إقامتها في دول الخليج العربي مثلا، نظرا لوجود نسبة كبيرة من المصريين المقيمين هناك»، مشيرا إلى أن «الأجيال الجديدة من العرب عادة ما يفضلون شراء العقارات في دول مثل إسبانيا أو لندن وتركيا، أما من يرغب منهم في شراء عقارات في مصر فهم ممن لديهم ارتباط خاص بمصر، أو بمعنى آخر الأجيال الأكبر سنا».
وحذر إمبابي من إمكانية حدوث ما يسمى «الفقاعة العقارية»، نتيجة زيادة حجم المعروض عن الطلب، وقال إن «معظم المصريين يتعاملون مع العقار باعتباره نوعا من الاستثمار، وبالتالي فهم يشترون وحدات سكنية على أمل ارتفاع أسعارها وبيعها»، مشيرا إلى أنه «مع ارتفاع الأسعار، وانخفاض القدرة الشرائية للمصريين من المتوقع أن يهرع كثير من هؤلاء لطرح ما اشتروه من عقارات للبيع في وقت واحد، ويتوقفون عن سداد الأقساط لشركات الاستثمار العقاري مما قد يتسبب في فقاعة عقارية».
وأكد إمبابي أن «الشركات المنفذة لمشروعات (الكمبوند) عادة ما ترفع أسعار الوحدات لديها بشكل وهمي، لتشجيع الناس على شراء أو حجز وحدات سكنية جديدة، على أمل بيعها بأسعار أعلى في المستقبل، ولكن الحقيقة تقول إن عملية إعادة البيع صعبة جدا»، وقال: «السوق المصرية تعتمد على الإشاعة، ومن خلال نشر شائعات بأن أسعار العقارات سترتفع في منطقة معينة خلال الفترة المقبلة، يهرع كثير من المصريين لوضع مدخراتهم في هذه العقارات».
ويعتبر الاستثمار في العقارات نوعا من الاستثمار الآمن لغالبية المصريين، بعيدا عن مخاطر انخفاض قيمة العملة عند إيداع أموال في البنوك بغرض الادخار أو الدخول في مشروعات إنتاجية عرضة للمكسب والخسارة، حيث يلجأ كثير من المصريين لوضع جميع مدخراتهم في عقارات أو أراض بهدف بيعها في المستقبل عند زيادة سعرها، وتساهم شركات الاستثمار العقاري في تعزيز هذه النزعة لدى المصريين بطريقة ترويجها للوحدات السكنية الموجودة لديها حيث تعرضها كل شهر بسعر مختلف، ودائما ما تدعو المواطنين لشرائها بسرعة قبل ارتفاع السعر في الشهر المقبل، ووفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2017 فإن هناك 12 مليون وحدة سكنية مغلقة وفارغة في مصر.
ولا يعني هذا العدد الكبير من الوحدات السكنية عدم وجود أزمة إسكان في مصر، بل على العكس، هناك كثير من الفئات لا تستطيع دفع ثمن هذا النوع من الوحدات السكنية المعروضة، ويلجأ كثير من الشباب للإيجار أو شراء وحدات سكنية عشوائية في مناطق شعبية بعيدة عن المدن الجديدة، مما يزيد من ازدحام القاهرة بالعشوائيات، في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة المصرية بناء وحدات سكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل لا تكفي حجم الطلب.
وفي هذا الإطار بحث الدكتور مصطفى مدبولي خلال اجتماعه مع المستثمرين العقاريين إشراك شركات الاستثمار العقاري في تنفيذ وحدات سكنية لمتوسطي الدخل لا تتجاوز مساحتها 120 مترا مربعا، بأسعار مناسبة، من خلال تخصيص جزء من أراضي الدولة لهذا الغرض، على أن يحصل المطورون العقاريون على أرض أخرى للاستثمار في مناطق تحددها الوزارة.
وعلق إمبابي على هذه الفكرة بأنها «أمر جيد جدا سيساهم في تنمية سوق العقارات المصرية»، وقال إن «الفترة المقبلة ستشهد ازدهارا في بيع الوحدات السكنية في المناطق القديمة أو المأهولة بالسكان في التجمعات العمرانية الجديدة، وتنفيذ وحدات لمتوسطي الدخل سيساهم في حل أزمة الإسكان كما سيزيد من المبيعات داخل السوق المصرية نفسها».
وأضاف: «هذا النوع من العقارات سوق رائجة جدا محليا، وسماح الدولة بالاستثمار فيه سيفتح فرصا للشركات الصغيرة لزيادة استثماراتها».
وفي الإطار نفسه يعد التمويل العقاري أحد الحلول التي تطرحها الحكومة المصرية لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار العقارات، ويرى المطورون العقاريون هذا بمثابة الحل الأمثل والأهم لمواجهة المشكلة على أن يتم توفيره بشروط وفائدة مناسبة، خاصة أن الشروط الحالية لنظام التمويل العقاري تجعله غير مناسب لكثير من فئات الشعب.
وخلال اجتماعهم مع وزير الإسكان طالب المطورون العقاريون بإنشاء صندوق لدعم الفائدة للشرائح العقارية المختلفة، على أن يكون الدعم متغيرا وفقا لثمن الوحدة، فالوحدة التي يقل سعرها عن مليون جنيه تحصل على نسبة دعم أعلى من تلك الوحدات الأعلى سعرا، واقترحوا أن يتم تمويل هذا الصندوق من خلال المؤسسات المرتبطة بالاستثمار العقاري، وأن يكون الرسم المقترح لتنفيذية الصندوق 2 في المائة من المبيعات سنوياً.
لكن إمبابي يتمسك برأيه في أن تشجيع الإسكان المتوسط والمساحات الصغيرة هو الحل الأمثل لتنشيط السوق العقارية، خاصة مع زيادة المعروض من الوحدات السكنية الفاخرة التي لا يقدر على ثمنها كثيرون.
توقعات بارتفاع أسعار عقارات مصر وسط مخاوف من «فقاعة»
الحكومة تلجأ إلى «الإسكان المتوسط»... والمستثمرون يطالبون بدعم التمويل
توقعات بارتفاع أسعار عقارات مصر وسط مخاوف من «فقاعة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة