غارات مكثفة على «مثلث الموت»... ومعارك عنيفة في تل استراتيجي

قوات النظام السوري تستهدف موقع الحارة... وتهجير مئات المعارضين إلى إدلب

دخان يتصاعد من تل الحارة الاستراتيجي في ريف درعا أمس (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من تل الحارة الاستراتيجي في ريف درعا أمس (أ.ف.ب)
TT

غارات مكثفة على «مثلث الموت»... ومعارك عنيفة في تل استراتيجي

دخان يتصاعد من تل الحارة الاستراتيجي في ريف درعا أمس (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من تل الحارة الاستراتيجي في ريف درعا أمس (أ.ف.ب)

استمرت المعارك بين قوات النظام السوري ومعارضين على تل الحارة الاستراتيجي في ريف درعا، في وقت شنت طائرات روسية وسورية مئات الغارات على «مثلث الموت» بين درعا والقنيطرة.
ويأتي ذلك غداة قصف اتهمت دمشقُ إسرائيل بتنفيذه استهدف أحد المواقع العسكرية في شمال البلاد موقعاً قتلى في صفوف مقاتلين موالين للنظام.
وتسعى قوات النظام السوري منذ أسابيع لاستعادة كامل محافظة درعا ثم القنيطرة المجاورة في جنوب البلاد، حيث لا تزال هناك فصائل معارضة فضلاً عن متطرفين. وإثر عملية عسكرية بدأتها في 19 الشهر الماضي ثم اتفاق تسوية أبرمته روسيا مع فصائل معارضة، تمكنت قوات النظام من استعادة نحو 90% من محافظة درعا، ولا يزال بعض الفصائل يوجد بشكل أساسي في ريفها الغربي.
وتنضم بلدات الريف الغربي تباعاً إلى الاتفاق الذي ينص على دخول مؤسسات الدولة وتسليم المقاتلين أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة. كما خرج بموجبه الأحد مئات المقاتلين والمدنيين من مدينة درعا، مركز المحافظة ومهد حركة الاحتجاجات ضد النظام في عام 2011 قبل أن تتحول إلى نزاع دامٍ.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن: «سيطرت قوات النظام، الاثنين، على بلدات عدة في ريف درعا الغربي بعضها بعد معارك مع مقاتلين رافضين للتسوية وأخرى بعد موافقة الفصائل المعارضة على الانضمام إلى الاتفاق».
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري استعادة الجيش بعض القرى «بعد القضاء على أعداد كبيرة من المسلحين وتدمير أسلحتهم وعتادهم».
ورفضت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) الموجودة في الريف الغربي، الاتفاق، وخاض مقاتلوها خلال الأيام الماضية معارك عنيفة مع قوات النظام في تل الحارة الاستراتيجي الذي استهدفه قصف جوي سوري وروسي عنيف.
وقال مصدر عسكري، أمس (الاثنين)، وفق «سانا»، إن الجيش سيطر على التل «أهم النقاط الحاكمة في الجبهة الجنوبية بريف درعا».
وأسفر القصف الجوي على التل منذ أول من أمس (الأحد)، وفق المرصد، عن مقتل أكثر من 30 عنصراً من الهيئة. كما قُتل 12 عنصراً من قوات النظام في كمين نصبه مقاتلو الهيئة، أمس.
وأوضح المرصد لاحقاً: «تتواصل الاشتباكات بوتيرة مرتفعة في محور تل الحارة الاستراتيجي في منطقة مثلث الموت شمال غربي درعا، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من طرف، وهيئة تحرير الشام من طرف آخر، حيث رصد تراجع قوات النظام من التل التي سيطرت عليه بعد وقوعها في كمائن عدة أسفرت عن قتلى بصفوفها، وتم توثيق مقتل ما لا يقل عن 12 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها بينهم ضابط على الأقل، لتعاود عقبها الطائرات الحربية قصفها المكثف على التلة الاستراتيجية».
كما أشار إلى مواصلة الطائرات الحربية استهدافها قرى الهجة وكوك الباشا ونبع الصخر وتل مسحرة الواقعة في القطاع الأوسط من ريف القنيطرة الأوسط، ونشر المرصد أن «مثلث الموت يشهد عملية تقدم متسارعة من قبل قوات النظام وحلفائها، حيث رصد تمكّن قوات النظام من تحقيق تقدم كبير في مثلث الموت بشكل شبه كامل، عبر السيطرة العسكرية على المنطقة».
وعلم المرصد أن قوات النظام تمكنت من فرض سيطرتها على مدينة الحارة وتلّتها التي هي الأعلى في محافظة درعا، وعلى كل من بلدات سملين والطيحة وزمرين، كما تمكنت قوات النظام من خلال هذا التقدم من محاصرة قرية المال وبلدة عقربا، بشكل كامل، عبر التقدم في البلدات آنفة الذكر ونتيجة التقدم الذي جرى، أمس، عبر سيطرة النظام على بلدة مسحرة، والتي تزامنت مع قصف مكثف من قبل قوات النظام والطائرات المروحية والحربية بنحو 1350 غارة وقذيفة وبرميل متفجر من ضمنها أكثر من 250 غارة وبرميلاً استهدفت مثلث الموت في ريفي درعا الشمالي الغربي وريف القنيطرة الأوسط.
وتجري مفاوضات حالياً لانضمام مدينة نوى في الريف الغربي إلى الاتفاق، والتي يعيش فيها عشرات الآلاف من السكان والنازحين الفارين من المعارك، حسب المرصد.
وبعد استعادة كل المناطق التي كانت تسيطر عليها الفصائل المعارضة في محافظة درعا، يبقى أمام الجيش جيب صغير في الريف الجنوبي الغربي حيث فصيل «جيش خالد بن الوليد» المبايع لتنظيم داعش.
وبالتزامن مع المراحل النهائية للسيطرة على محافظة درعا، تشن القوات الحكومية منذ صباح أول من أمس، حملة قصف عنيف على مواقع سيطرة الفصائل المعارضة في محافظة القنيطرة.
وتستهدف طائرات حربية سورية وروسية، وفق المرصد، مواقع الفصائل، التي تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة القنيطرة وضمنه القسم الأكبر من المنطقة العازلة في هضبة الجولان.
وأفاد الإعلام الرسمي بتقدم ميداني للجيش السوري في ريف القنيطرة.
ويرى محللون أن العملية العسكرية في محافظة القنيطرة صعبة ومعقدة لقربها من إسرائيل، التي هدد رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، الشهر الماضي، دمشق قائلاً: «على سوريا أن تفهم أن إسرائيل لن تسمح بتمركز عسكري إيراني في سوريا ضد إسرائيل. ولن تقتصر تبعات ذلك على القوات الإيرانية بل على نظام الأسد أيضاً».
وكان مئات من مقاتلي المعارضة السورية وأسرهم في مدينة درعا، أول من أمس، قد غادروا على متن حافلات تنقلهم إلى مناطق تحت سيطرة المعارضة في الشمال بموجب اتفاق استسلام تم التوصل إليه الأسبوع الماضي.
واستقل المقاتلون الحافلات حاملين أمتعتهم الشخصية لمغادرة درعا، مهد الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.