بلجيكا: الاستخبارات تستخدم نظاماً جديداً لمكافحة التطرف الرقمي

يتيح حصد المعلومات بشكل أسرع وأدق

TT

بلجيكا: الاستخبارات تستخدم نظاماً جديداً لمكافحة التطرف الرقمي

حصلت أجهزة الاستخبارات الأمنية والعسكرية في بلجيكا، على نظام جديد «سوفت وير» يضم برامج تقنية جديدة، تجعلها قادرة على الوصول إلى تفاصيل دقيقة بشأن معلومات في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أظهرت الملفات ذات الصلة بالإرهاب خلال السنوات الأخيرة، أن تلك المواقع كان لها دور كبير في تطرف الأشخاص وتسهيل اتصالات بين المتورطين في قضايا الإرهاب والتطرف وذلك وفق ما جاء في دراسة أجرتها جامعة غنت بالتعاون مع جامعة لوفان وهما في بلجيكا».
وقالت أنغريد فان دايلي المتحدثة باسم جهاز أمن الدولة البلجيكي، إن «البرامج الجديدة ستسهل البحث والوصول إلى المعلومات بشكل أكثر كفاءة حيث سيتم عبر البرامج الجديدة تصفية حركة المرور عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام وتويتر واستخلاص المعلومات منها وخاصة أن الكثير من المتطرفين كانوا يستخدمون هذه الشبكات للتواصل فيما بينهم».
وأوضحت أنه «على سبيل المثال عندما يتم الإعلان عن تبني هجمات يمكن التعرف بسرعة على من ينشر هذا الأمر، وذلك بشكل أسرع من قبل عندما كانت عملية البحث تستغرق وقتا طويلا. وقد سعت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية إلى الحصول على هذه البرامج بعد بضعة أشهر من وقوع تفجيرات بروكسل في مارس (آذار) 2016 والتي أسفرت عن مقتل 32 شخصا وإصابة 300 آخرين وبعد أن حصلت عليها أجهزة الاستخبارات الأمنية الداخلية والشرطة الفيدرالية وجهاز الاستخبارات العسكرية، وجرت عمليات التدريب للمتخصصين في التطبيقات المختلفة، استغرق الأمر فترة لحصول الأجهزة على أدوات والية جديدة للبحث والتوصل إلى أدق التفاصيل التي تتعلق ببعض المواقع وبحركة التواصل الاجتماعي».
وبلغت تكلفة إتمام هذا النظام الجديد 20 مليون يورو ومنها جزء مخصص لصيانة الأجهزة على مدى أربع سنوات وتحملت أجهزة الاستخبارات العسكرية 11 مليون يورو من المبلغ والمبلغ الآخر موزع على أمن الدولة ولشرطة الفيدرالية.
ولا تقتصر محاربة «داعش» على الأرض، فحسب، من خلال التحركات الأمنية وعمليات الاستنفار التي شهدتها عده عواصم أوروبية، في أعقاب هجمات ضربت أوروبا منذ هجمات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 وبعدها تفجيرات بروكسل في مارس 2016. وتلتها هجمات في نيس الفرنسية وبرلين بألمانيا واستوكهولم في السويد وغيرها. ولا أيضا من الجو عبر طلعات جوية كانت تنفذها طائرات التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة الولايات المتحدة فوق مواقع قد يوجد فيها عناصر «داعش» في سوريا والعراق.
وقد انتقلت الحرب ضد «داعش» إلى عالم الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. وصدرت تصريحات من قيادات أوروبية وأيضا على المستوى الشعبي تحذر من خطورة الإنترنت على الشباب والانجراف إلى عالم التطرف، وأمنيا، وفي مايو (أيار) من العام الماضي أجرت وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) تحقيقا في إمكان أن يكون تنظيم داعش ومنظمات إرهابية أخرى في مرحلة إنشاء شبكة تواصل اجتماعية خاصة بهم ينوون استخدامها لأغراض الدعاية والتمويل ليكونوا بذلك في مأمن من عمليات التفتيش الأمنية.
وفي يناير (كانون الثاني) من العام الحالي قالت المفوضية الأوروبية في بروكسل، إن اجتماعا انعقد وضم عددا من أعضاء الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي مع ممثلي المنابر الإلكترونية، لمناقشة التقدم المحرز في معالجة انتشار المحتوى غير القانوني عبر الإنترنت، بما في ذلك الدعاية الإرهابية على الشبكة العنكبوتية وكراهية الأجانب والعنصرية أو الكراهية فضلا عن انتهاكات الملكية الفكرية.
وقال ماغريتس شيناس المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، خلال مؤتمر صحافي، إن الاجتماع شكل فرصة جيدة لتبادل صريح ومفتوح للآراء حول التقدم المحرز والدروس المستفادة في هذا العمل. وصدر بيان عن المفوضية باسم أندروس أنسيب نائب رئيس المفوضية، وعدد من الأعضاء، وجاء فيه، أن المفوضية تعتمد على المنصات الإلكترونية، لتسريع جهودها لمعالجة هذه التهديدات وبسرعة وبشكل شامل، بما في ذلك التعاون الوثيق مع السلطات الوطنية، وسلطات إنفاذ القانون، وزيادة تقاسم التجارب التقنية بين المساهمين عبر الإنترنت، واتخاذ المزيد من الإجراءات، ضد ظهور المحتوى غير القانوني.
وجاء في البيان الأوروبي أيضا أن المفوضية ستواصل التعاون مع شركات وسائط التواصل الاجتماعي للكشف عن الإرهابيين وإزالتهم مع أي محتوى آخر غير قانوني عبر الإنترنت، وإذا لزم الأمر اقتراح تشريعات لاستكمال الإطار التنظيمي القائم.
وصدر عقب الاجتماع المبادئ التوجيهية للمفوضية والمبادئ الخاصة بممثلي المنصات الإلكترونية، التي جرى مناقشتها في سبتمبر (أيلول) الماضي، لزيادة الوقاية من محتوى غير قانوني واكتشافه وإزالته عبر الإنترنت. ومنذ فترة يلجأ تنظيم داعش إلى بعض المواقع على شبكات التواصل الاجتماعي للدعاية والإعلان عن عملياته التي يقوم بها ويروج لأفكاره ويدعو المزيد من الشباب للانضمام إليه أو تنفيذ عمليات في المدن والدول التي يقيمون فيها سواء في أوروبا أو خارجها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟