العوامل السياسية للتعرية والتآكل الفكري العربي

قبل قرن ونصف القرن من الإصلاح الفكري

ابن خلدون
ابن خلدون
TT

العوامل السياسية للتعرية والتآكل الفكري العربي

ابن خلدون
ابن خلدون

قبل الخوض بعد قرن ونصف من ظهور حركة الإصلاح الفكري في العالم العربي-الإسلامي، فإنه يجب علينا التفكر في أسباب التخلف الفكري المقارن والتهاوي النسبي للعالم العربي-الإسلامي مقارنةً بالكثير من دول العالم وبخاصة في الغرب. وليس مستغرباً أن تتواتر الأطروحة العابثة والمتكررة والتي تنعت الدين الإسلامي باعتباره قاطرة الرجعية في عالمه، والتي لها جذورها في تيارات بعض المستشرقين وطيور الإغراض السياسي والديني على مدار أكثر من ثلاثة قرون. وحقيقة الأمر أن هناك فساداً استدلالياً صريحاً لهذه المقولة والتي يمكن تشبيهها بمن يدّعي أن الكهرباء طاقة قاتلة للإنسان لأنها قد تصعقه في الوقت التي تكون فيه عماد التمدن وشرارة الانطلاقة. وفي كل الأحوال فقد أصبح علينا اليوم تأكيد أهمية الفصل القاطع بين الإسلام كعقيدة وبين سلوك المسلمين التاريخي. وهنا لا بد لنا من وقفة مع الذات حتى لا نبرِّئ تاريخنا من عوامل الهبوط الفكري والاهتزاز الحضاري، اللذين لهما جذورهما وأسبابهما في تاريخنا السياسي في الأساس بعيداً عن الإسلام كعقيدة، وفي هذا الإطار أطرح ما يلي:
أولاً: لا يساورني أدنى شك في أننا كأمة عربية-إسلامية لدينا أزمة متصاعدة زمنياً ومتشعبة فكرياً في «مفهوم الشرعية» أدت إلى مصائب مترامية الأطراف على مدار تاريخنا منذ بداية الدولة الإسلامية الأممية ممثَّلة في مؤسسة الخلافة حتى ألغاها «أتاتورك» في 1924. فمنذ البداية انتشرت أفكار تحولت إلى عقائد سياسية بُنيت عليها رؤى لأسس شرعية الحكم والتي على أساسها تستقر الأنظمة السياسية وتفتح المجال أمام التقدم الفكري والعلمي والحضاري المطرد، فمنذ بوادر الفتنة الكبرى صارت هناك ثلاثة مفاهيم للشرعية، الأولى منها والأعم والأشمل وهي المبنية على فكر السُّنة خصوصاً منذ تثبيت الخلافة الأموية، ثم مفاهيم التشيع، ثم البزوغ والقفول المتكرر لفرق الخوارج وما تبعهم من خط سياسي عنيف متشدد ما زلنا نعاني من شراذمه إلى اليوم. وقد أدى تطاحن هذه التوجهات الثلاثة إلى إضعاف مؤسسات الخلافات تباعاً، وحتى مع انتقال الخلافة إلى العباسيين سرعان ما اندلعت الصراعات مع فرق الشيعة، بينما استمر عامل الخوارج وما شابههم في انكسار نسبي، وهو ما يعكس جزئياً أسباب تفشي ظاهرة الحركات الانفصالية والحروب الأهلية، والتي أغامر اليوم وأقول: إن الخلافتين الأموية والعباسية تمثلان أكثر نماذج الدول الأممية التي عانت من الحروب الأهلية في تاريخ الدول، ولعل هذا أدى إلى كسر استمرارية حركة التطور الفكري والعلمي.
ثانياً: ووفقاً لأطروحة العلامة ابن خلدون، فإن العوامل الزمنية المرتبطة بالتعرية السياسية والاجتماعية والثقافية أخذت مجراها، وهو ما أدى إلى فقدان السلطة المركزية للخلافة العباسية لصالح الأطراف من الدويلات والأقاليم المفتوحة، فمن الناحية الثقافية أهمل العباسيون السياسة الأموية للإبقاء على الهوية والرونق العربيين للدولة، وهذا كان له أكبر الأثر في تخفيف هوية الدولة، فسرعان ما اتَّحد هذا العامل مع الاضمحلال السياسي بعد عصر المأمون ليلد لنا خريطة مشوَّهة سياسياً في الأساس مهتزة ثقافياً وفكرياً في الشكل، فبدأ المركز يتحول نحو مصر بظهور الدولة الطولونية 868م، ثم الإخشيدية ثم الفاطمية والأيوبية والمماليك إلى أن آلت الخلافة رسمياً إلى العنصر التركي بعد توغل سياسي نخبوي ثم عسكري واسع النطاق في لبّ مركزية الدولة الإسلامية.
ثالثاً: منذ زوال الدولة العباسية الأولى أصبحت هناك علامات استفهام ليس حول فكرة الخلافة ومشروعيتها ولكن حول التطبيقات الواقعية لمفهوم عمل هذه المؤسسة ومدى سلطتها وفرض إرادتها وفكرها وثقافتها، ولكن ليس حول المفهوم الوجودي لها، فعلى الرغم من التفتت الفعلي لمشروع الأممية ممثلاً في إضعاف ثم تهميش هذه المؤسسة، فإن تطبيقاتها أصبحت رمزية الفاعلية على أحسن تقدير ومع ذلك ظل المسلمون يتمسحون فيها بلا محاولة لإيجاد البديل المبنيّ على الفكر الوطني أو العرقي أو حتى الفكر الحر.
رابعاً: فتحت كل هذه العوامل الباب أمام اضطرابات ممتدة وصلت لمرحلة جعل العالم العربي-الإسلامي مجالاً خصباً للأطماع العسكرية للغرب والشرق على حد سواء، وهو ما أثر على الحركة الثقافية والفكرية بطبيعة الحال وحوّلها من مرحلة تقدم وازدهار إلى تدنٍّ تدريجي حتى وقعت البلاد في براثن أنظمة حكم أدخلت العالم الإسلامي في دوامة تخلف ثقافي تجلّى في تخلفه مع تثبيت الدولة العثمانية التي فرضت حالة من العزلة شبه التامة على مراكز الثقل في العالم العربي، وهو ما قضى على أي فرص للتطور الفكري والثقافي والعلمي إلى أن جاءت الاستفاقة من الثبات الفكري بحملة استعمارية على مصر والشام يقودها «نابليون» والتي كانت بمثابة الشرارة التي وضعت العالم العربي-الإسلامي أمام الحاجة إلى الإدراك الفوري لمدى الانحطاط الذي وصلنا إليه وضرورة إعادة ترتيب أوراقنا الفكرية، بل إعادة صياغة هذه الأوراق على أسس المدنية الحديثة وبما لا يتناقض مع عقيدتنا، وهو ما مثَّل لُبّ حركة الإصلاح كما سنرى.
لا خلاف على أن عوامل الاهتزاز الفكري والثقافي والحضاري بدأت في التقدير بالانهيار السياسي والعسكري للدولة بصفة عامة، فالمؤسسية باتت مفقودة والاستقرار يهتز زمنياً، والظهور الفكري أصبح فردي الطابع مختزَلاً في نتوءات من العبقرية المتناثرة التي ترتبط بأصحابها وفي مناسبات أخرى بالحكام المتبنين لها، وفي كل الأحوال أصبحت الأمة بحاجة إلى فكر جديد بعد القبوع في ظلمات التخلف السياسي العثماني كما سنرى.



البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
TT

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

أعلنت «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» انتهاء المرحلة الأولى من عملية التحكيم للقائمة الطويلة التي شارك فيها 1967 مشاركاً من 49 دولة حول العالم، وبدء المرحلة الثانية للجائزة لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر (كانون الأول) قبل إعلان الفائزين في فبراير (شباط) المقبل.

وأكد الدكتور سعد البازعي، رئيس الجائزة خلال مؤتمر صحافي عقده الاثنين في الرياض، أن أرقام المشاركات التي تلقتها اللجنة مبشّرة وتعطي سمة عالمية من حيث عدد الدول التي جاءت منها المشاركات، مبيناً أن «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» تربط بين الرواية والسينما، وهو أمر لم نعتد على رؤيته من قبل، على حد تعبيره.

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

وكانت هيئة الترفيه السعودية أطلقت في سبتمبر (أيلول) الماضي «جائزة القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً»، التي تركز على الأعمال الروائية الأكثر قابلية للتّحويل أعمالاً سينمائية، بمجموع جوائز يصل لـ740 ألف دولار، وإنتاجات سينمائية لعدد من الأعمال الفائزة.

وعدّ المستشار تركي آل الشيخ، حينها، الجائزة فرصة لظهور جيل جديد من الكتاب باللغة العربية، والمساهمة في الوصول إلى بنك متكامل من الروايات والمحتوى العربي، الذي يتواكب مع الإنتاجات السعودية والعربية الضّخمة.

وأوضح البازعي في رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بأن الجائزة قد تدعم مستقبلاً ترجمة أعمال عربية إلى لغات أخرى، دعماً للأدب العربي، وقال: «إذا كان هناك حضور للأدب العربي عالمياً لا يمكن أن يكون إلا من خلال الترجمة، وتحويله عملاً سينمائياً وترجمته، الأعمال السينمائية والروائية التي حققت قدراً من العالمية كانت مترجمة، نحن في حاجة إلى دعم الأدب العربي بالتأكيد، وأعتقد أن الترجمة مهمة ويُحمَد للجائزة أنها تدعم الترجمة، وربما في المستقبل ندعم ترجمة الأعمال العربية إلى لغات أخرى، هذا قد يكون من التطورات المطلوبة التي أتمنى أن تحصل».

المستشار تركي آل الشيخ يتحدث خلال المؤتمر الصحافي للجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

انتهاء المرحلة الأولى

استهل الدكتور سعد حديثه بإعطاء لمحة عن مراحل الجائزة الأساسية التي بدأت في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأضاف: «الجائزة أنهت المرحلة الأولى من التحكيم التي انتهت من القائمة الطويلة كما هو معلن، وبدأت المرحلة الثانية والعمل على القائمة الطويلة للخروج بالقائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر، ومن ثم إعلان الفائزين في فبراير المقبل».

انتهت المرحلة الأولى للتحكيم على أن تبدأ مرحلة اختيار القائمة القصيرة قبل إعلان الفائزين فبراير المقبل (جائزة القلم الذهبي)

جائزة متفردة

ذكر رئيس جائزة القلم الذهبي مزايا عدة للجائزة تجعل منها متفردة وتصل للعالمية، من أبرزها التأكيد على الشفافية، وتوخي الحياد في التحكيم، إلى جانب السماح للأفراد بالمشاركة، ودعم العلاقة بين الرواية والسينما.

وفنَّد ذلك بقوله: «الأعمال تُرسَل رقمياً لكل المحكمين ولا يعرفون مَن هو مؤلف العمل، كذلك من المسائل التي اختلفت بها الجائزة عن غيرها أنها تسمح للأفراد بتقديم أعمالهم، والأكثر تفرداً للجائزة أنها تدعم العلاقة بين الرواية والسينما، حيث تكافئ الأعمال الكبرى بأربع جوائز تحولها أفلاماً سينمائية، اثنتان رواية واثنتان سيناريو».

د. سعد البازعي رئيس الجائزة يستعرض تفاصيلها خلال إطلاق الجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

وعدّ البازعي قيمة الجائزة الكبيرة المقدرة بـ740 ألف دولار بأنه ليس الرقم النهائي، حيث يتطلب تحويل الأعمال الفائزة أفلاماً سينمائية إلى ملايين، وقال: «الهيئة العامة للترفية التزمت بتحويل هذه الأعمال أفلاماً سينمائية، بما في ذلك من تكلفة إضافية ستجعل من الجائزة الأعلى من نوعها بالمطلق». وتابع: «نحن أمام تكريم نوعين بينهما علاقة وثيقة لم نعتد رؤية جائزة تربط بينهما الرواية والسينما، وهذا فيه خدمة كبيرة لصناعة السينما السعودية، التي ظل صناعها يشتكون من قلة النصوص لسنوات طويلة، الآن نتمنى أن تتوفر لأن من شروط قبول الرواية أن تكون صالحة لتحويلها فيلماً».

1969 مشاركة من 49 دولة

الأرقام التي وصلت للجائزة - بحسب الدكتور سعد البازعي - بلغت 1967 مشاركة من 49 دولة، يضيف بقوله: «هذه سمة عالمية للجائزة، نحن أمام جائزة عالمية بمعنى الكلمة، هناك مشاركات من أميركا، أستراليا، الأردن، السعودية وغيرها». تصنيفات الجائزة تشير إلى أن عدد المشاركين الذكور بلغ 69.7 في المائة، في حين حظيت مشاركة الإناث بنحو 30 في المائة، وشاركت 1347 رواية أصلية، 508 روايات مترجمة، إلى جانب 93 عمل سيناريو. وأشار البازعي كذلك إلى أن هنالك جوائز أخرى لم تفز بالجوائز الكبرى، لكنها تفوز بالتصنيف، مثل الكوميديا، الرعب، التشويق، الروايات التاريخية، الرومانسية، الغموض والجريمة، التشويق والإثارة، الفنتازيا، والواقعية.

القائمة الطويلة

أوضح رئيس لجنة القلم الذهبي أن اللجان فرزت نحو 2000 عمل للقائمة الطويلة، حيث تم اختيار 30 رواية، 7 روايات مترجمة، 10 أعمال سيناريو، بالإجمالي 47 عملاً. وأضاف: «معظم النصوص التي أُرسِلت لا علاقة لها بالسرد أو الرواية، وكان على اللجنة الاحتفاظ بالأعمال الجديرة، وأن يكون لها ترقيم دولي، وحقوق نشر، وإذا كانت مترجمة فحقوق ترجمة، كذلك كان على اللجنة مواجهة احتمالات التلاعب، سواء إدخال عمل لا يستحق أو الرقم الدولي غير صحيح، وعملية التأكد هذه أخذت وقتاً وجهداً».

القائمة الطويلة شملت 47 عملاً بين رواية ورواية مترجمة وسيناريو (جائزة القلم الذهبي)

القائمة القصيرة

سيتعين على لجنة التحكيم خلال الفترة المقبلة العمل على تحديد القائمة القصيرة من الأعمال التي تم اختيارها وعدد 47 عملاً، وفقاً للدكتور البازعي، الذي أوضح أن العدد لم يحدد بعد، ويعتمد ذلك على متغيرات كثيرة، منها عدد الأعمال الجيدة التي سيتم اختيارها، على حد تعبيره. وقال: «لو كان عدد الأعمال الجيدة 20 عملاً مثلاً، سنرفع عدد القائمة وتصبح قائمة طويلة، هناك مرونة». وتضم لجنة تحكيم «جائزة القلم الذهبي» روائيين ونقاداً ومخرجين وكتاب سينما، إلى جانب منتجين؛ وهو ما يجعلها قادرة على التعامل مع مختلف الأعمال المشاركة بشكل احترافي وشفاف، وفقاً للدكتور سعد البازعي. وفي رده على سؤال بشأن أبرز التحديات التي واجهت اللجان، أشار البازعي إلى أن ورود أعمال لا علاقة لها بالجائزة، وحدوث ازدواجية بين دور النشر والكتاب عبر إرسال العمل مرتين كانت من أبرز الصعوبات.

جائزة رقمية

وأكد الدكتور سعد البازعي أن «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» تعدّ رقمية وغير ورقية، وهي الفكرة التي ابتكرها المستشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، وقال: «الأعمال تصل بنسخة (PDF)، وتصنف بأرقام دون ذكر اسم المؤلف ويقرأها أكثر من شخص، وفي النهاية يظهر من حصل على أكبر عدد من الترشيحات».

لأول مرة تتيح «جائزة القلم الذهبي» مشاركة الأفراد بأعمال أدبية (جائزة القلم الذهبي)

دعم صناعة السينما السعودية

ومن المتوقع أن يكون لـ«جائزة القلم الذهبي» تأثير إيجابي على المشهد الثقافي السعودي، لا سيما صناعة السينما، وفقاً للبازعي الذي أردف بقوله: «هذه الجائزة سيكون لها تأثير نوعي؛ لأنها تدعم الأدب الروائي، والأدب السينمائي، تدعم صناعة السينما، تأثيرها سيكون كبيراً، إذا أنتجت محلياً 4 أفلام رئيسة من روايات عربية معروفة هذا إنجاز كبير، الجوائز بصفة عامة تشجع الإنتاج وتحفّز الآخرين عليه».

وفي الختام، كشف الدكتور سعد، عن أن هنالك جائزةً ستكون مخصصة للجمهور ضمن القائمة الطويلة، حيث سيُفتح المجال للجمهور للتصويت، مشيراً إلى أن ذلك «فرصة للجمهور لكي يقول رأيه وجائزة مرصودة لعمل يفوز نتيجة التصويت الجمهور».

اقرأ أيضاً