هدنة في غزة تقرر مصيرها الطائرات الورقية والبالونات الحارقة

صمدت تهدئة أخرى توصلت إليها مصر بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في قطاع غزة، لكنها بدت هشّة، مع خلاف حول ما إذا كانت تشمل الطائرات الورقية والبالونات الحارقة. وساد الهدوء في غزة ومحيطها، أمس، بعد يوم شهد أخطر تصعيد، منذ حرب صيف 2014 التي استمرت 51 يوماً.
وأعلنت إسرائيل، وكذلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي، عن وقف إطلاق النار في القطاع، لكن مع التهديد المستمر بأن الأوضاع على الأرض هي التي ستحسم الأمر في النهاية. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، إن الهدنة بالنسبة إلى إسرائيل، تشمل وقف إطلاق الطائرات الورقية، موضحاً في مستهل جلسة حكومته: «سمعت ما قيل من أن إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار بما يسمح باستمرار إرهاب النيران الذي يتمثل بإطلاق البلالين والطائرات الورقية الحارقة، هذا ليس صحيحاً. لن نقبل بأي هجمات علينا، وسنرد عليها بشكل مناسب».
وأضاف نتنياهو لوزرائه: «ضربنا (حماس) يوم السبت بشكل ملموس وقاسٍ. سياستنا واضحة: من يمس بنا نمس به وبقوة كبيرة. هذا ما قمنا به أمس. الجيش سدد إلى (حماس) أقسى ضربة تكبدتها هذه الحركة الإرهابية منذ عملية الجرف الصامد. آمل أن (حماس) استوعبت رسالتنا، وإن لم تفهمها فهي ستفهمها لاحقاً».
وجاءت تصريحات نتنياهو بعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، وهو ثاني وقف لإطلاق النار بين الجانبين ترعاه مصر في غضون شهرين. لكنّ حركتي حماس والجهاد، نفتا أن يكون الاتفاق يشمل وقف إطلاق الطائرات الورقية. وقال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»: «إن المقاومة الفلسطينية لن تسمح للاحتلال بفرض قواعد اشتباك جديدة».
وأضاف، في أثناء تشييع الطفلين أمير النمر ولؤي كحيل، اللذين سقطا في هجوم إسرائيلي متأخر يوم السبت: «المقاومة هي التي فرضت شروطها».
وأكد هنية أن مسيرات العودة ستستمر، متعهداً بمسيرات أشد وأعظم. ويشير حديث هنية إلى نية «حماس» الاستمرار في إشعال منطقة الحدود، عبر مسيرات تشهد عادةً إطلاق الطائرات الورقية الحارقة، التي سببت الكثير من الضغط والانتقاد للحكومة الإسرائيلية ولننتياهو شخصياً. وثمة تقديرات في إسرائيل أن هذه الطائرات تسببت في إحراق 28 ألف دونم في غضون 4 أشهر.
وقررت إسرائيل تشديد الحصار على غزة، كنوع من العقاب، وأغلقت معبر كرم أبو سالم للبضائع، وقلصت مساحات الصيادين، قبل أن تعلن أن الطائرات الورقية دخلت في اتفاق وقف النار. لكن القيادي في «الجهاد الإسلامي» أحمد المدلل، أعلن بشكل واضح: «إن عودة الهدوء إلى القطاع لا يشمل فاعليات المسيرات، وعلى رأسها إطلاق الطائرات الورقية الحارقة».
وسألت «الشرق الأوسط» مصادر مطلعة عن تفاصيل المباحثات، فأكدت أن مسألة الطائرات الورقية لم تُطرح للنقاش مع مصر.
وقالت المصادر: «الدليل أن الناشطين استمروا، أمس، في إطلاق طائراتهم من غزة. الذي توقف فقط هي الصواريخ والقذائف».
وفي تأكيد لعدم وجود اتفاق حول المسألة، أطلقت مجموعتان ناشطتان على الأقل، طائرات ورقية تجاه إسرائيل، أمس، وردّت طائرات إسرائيلية بقصف تحذيري ضد إحدى المجموعتين، مخترقة اتفاق وقف النار، وأصابت 2 بجراح في شمال قطاع غزة. ويعد هذا القصف من قبل طائرات من دون طيار، أول خرق عملي للتهدئة التي أعقبت يوماً من تبادل مكثف للهجمات.
وكانت إسرائيل قد شنت، أول من أمس (السبت)، سلسلة طويلة من الهجمات العنيفة ضد قطاع غزة مستهدفةً مواقع عسكرية للفصائل الفلسطينية، وقتلت فتيين وأصابت نحو 18 فلسطينياً، وردّت الفصائل بعشرات الهجمات الصاروخية ضد بلدات ومستوطنات إسرائيلية في محيط القطاع، وأصابت 3 إسرائيليين. واستمر القصف المتبادل طيلة فجر ويوم السبت، على الرغم من التدخلات المصرية القوية لإنقاذ الهدنة. وأصرت إسرائيل على قصف غزة، وهددت بتوسيع دائرة النار إذا استمرت الفصائل بإطلاق صواريخ من القطاع، مقابل إصرار فلسطيني على الرد على كل قصف بقصف، قبل أن تنجح مصر في تبريد الرؤوس، والاتفاق على خفض حجم النار حتى وقفه. ونجحت مصر بعد اتصالات طويلة ومعقدة، دخل على خطها مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام نيكولاي ميلادينوف، بتثبيت اتفاق لوقف النار دخل حيز التنفيذ، فجر أمس (الأحد).
وعادت الحياة إلى طبيعتها في قطاع غزة، وكذلك في البلدات الإسرائيلية القريبة من القطاع.
وسحبت قيادة الجبهة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي جميع التقييدات التي فرضتها على البلدات المحيطة بقطاع غزة، وتضمنت البقاء بالقرب من الملاجئ في حال وقوع هجمات صاروخية، وتقييد حجم التجمعات العامة.
وسُمح أيضاً للمزارعين، الذين طُلب منهم تنسيق تحركاتهم مع كتيبة عسكرية محلية، بالعمل في حقولهم بحرّية. وقال ناطق عسكري إسرائيلي: «إنها عودة كاملة للأوضاع العادية».
لكن الاتفاق لم يعجب العديد من وزراء إسرائيل. فقال وزير شؤون الاستخبارات يسرائيل كاتس، إنه يجب على إسرائيل اعتماد أحد خيارين: «إما تقويض (حماس) والإجهاز على الإرهاب، وإما عدم تحمل أي مسؤولية مدنية تجاه القطاع، وترسيم خط حدودي، واتباع سياسة رادعة مثلما يحدث مع سوريا ولبنان».
وعَكَس اقتراح كاتس الكثير من الغضب ضد نتنياهو، الذي تعرض لانتقادات كبيرة بسبب إدارته العلاقة مع قطاع غزة.
وقال وزير التعليم نفتالي بينيت: «بعد مرور شهرين تعرض فيهما مواطنو إسرائيل لمئات الصواريخ، أصبحت تمثل الصيغة التي تفرض بموجبها (حماس) شروط وقف النار خطأ فادحاً». وأضاف: «أوضحت قبل شهرين: التساهل يؤدي إلى التصعيد. مَن يتساهل إزاء خرق سيادته ولا يتخذ خطوة أساسية، يفرض علينا خوض حرب استنزاف مستمرة. يجب إصدار الأوامر للجيش الإسرائيلي للعمل بقوة، بذكاء، وبشكل أساسي».
كما حظي نتيناهو بانتقاد من آفي غاباي، رئيس حزب العمل الإسرائيلي، إذ قال عن نتنياهو: «إنه لم يزر البلدات التي تتعرض لصواريخ (حماس) أبداً، وبدلاً من هذا سافر لحضور المونديال في روسيا. إذا كان رئيس الحكومة غير قادر على زيارة هذه المنطقة فسنظل هنا. واضح أن هناك حاجة إلى قيادة من نوع آخر».
وهاجم عضو الكنيست نحمان شاي (من حزب العمل)، وقف إطلاق النيران قائلاً: «لا تقرر (حماس) متى يبدأ وقف إطلاق النيران وما الخطوة التي تليه، بل على دولة إسرائيل اتخاذ مثل هذه القرارات».
والتأم، أمس، المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية «الكابنيت»، لمناقشة قضية غزة، وسط خلافات حول النتائج.
وكلف «الكابنيت» الجيش الإسرائيلي الرد على كل طائرة ورقية حارقة تطلَق من غزة. وقال مصدر: «سيتم استهداف مطلقي تلك الطائرات».
وقال عضو المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية، الوزير يوفال شتاينتس، اليوم.
سنعمل بقوة ضد نشاطات كهذه وكل ضرر يلحق بأراضي إسرائيل، ومواطنيها، أو ممتلكاتها»، مضيفاً: «إذا لم يكن خيار أمامنا، فسيصبح رد فعلنا أقوى، وقد نشنّ حملة عسكرية ونُسقط حكم (حماس)».