أهالي «معابر التهريب» في لبنان يتوعدون بالرد على وقف رزقهم

«الشرق الأوسط» تستطلع المنطقة التي أغلقتها القوات الروسية من الطرف السوري

لبنانيون يعبرون الساتر الترابي في القصر سيراً على الأقدام للوصول إلى الضفة الثانية من الحدود («الشرق الأوسط»)
لبنانيون يعبرون الساتر الترابي في القصر سيراً على الأقدام للوصول إلى الضفة الثانية من الحدود («الشرق الأوسط»)
TT

أهالي «معابر التهريب» في لبنان يتوعدون بالرد على وقف رزقهم

لبنانيون يعبرون الساتر الترابي في القصر سيراً على الأقدام للوصول إلى الضفة الثانية من الحدود («الشرق الأوسط»)
لبنانيون يعبرون الساتر الترابي في القصر سيراً على الأقدام للوصول إلى الضفة الثانية من الحدود («الشرق الأوسط»)

أمتار قليلة تفصل العسكري السوري النظامي عن عاملين لبنانيين يستقلان جراراً زراعياً داخل الأراضي اللبنانية. خلافاً لجلبة المحرك الزراعي، لا ضوضاء في المنطقة الحدودية الواقعة في أقصى شمال شرقي لبنان. وحدهم عناصر الفرقة 11 في الجيش السوري التابع لإمرة روسية، يشغلون السواتر الترابية بمعدل أربعة عسكريين يرابضون في نقطة حدودية، تبعد عن الأخرى 150 متر تقريباً. أما في الداخل اللبناني، فلا يملك السكان إلا النقمة والاعتراض: «أرزاقنا مهددة، ونعيش في حصار»، يقول لبناني في بلدة القصر الحدودية، ويضيف آخر: «لم نقدم 128 شهيداً ليخنقنا الروس»، مضيفاً بلهجة قاسية تتضمن عبارات الوعيد: «إذا لم تُفتح الحدود، لن نتردد في مقاومة من يمنعنا عن أرزاقنا».
وكان أهالي المنطقة الحدودية مع سوريا فوجئوا، ومن غير سابق إنذار، الأسبوع الماضي، بعناصر سورية تحت إمرة روسية، يزرعون الأسلاك الشائكة على السواتر الترابية الحدودية مع سوريا، ويزرعون الألغام المضادة للمشاة. وهي خطوة، أراد منها الروس ضبط الحدود مع لبنان، وإقفال المعابر غير الشرعية، وإغلاق ممرات التهريب مع سوريا، قبل أن يبلغ الأهالي في المنطقة الروس عبر قنوات غير مباشرة، أن الخطوة غير مرحب بها، وغير مرغوب بهم في المنطقة، كما يقول السكان، فانسحب الروس وأبقوا عناصر سورية تابعة للفرقة 11 في الجيش السوري، والتي تؤتمر من قيادة القوات الروسية في سوريا، تبعتها خطوة بعد يومين، قضت بإزالة الأسلاك الشائكة والألغام، والإبقاء على عناصر انتشرت على مسافة تتعدى الـ30 كيلومتر.
ولا يخفي السكان أن إقفال المعابر الحدودية غير الشرعية مع لبنان، قضى على حركة الدخول والخروج الاعتيادية منذ السبعينيات من القرن الماضي، ورسم قواعد اشتباك جديدة، تقضي بفصل «الشعبين» في «الدولتين»، وإلزام اللبنانيين بالسير 70 كيلومتراً للمرور عبر معبر جوسيه الشرعي، لقاء الوصول إلى أراضيهم الزراعية المقابلة على مسافة مائتي متر خلف الساتر الترابي. وأقفلت 8 معابر غير شرعية كانت تمر السيارات والآليات عبر العبور فوق ترعات مياه من متفرعات نهر العاصي، بينما يقع أقرب معبر شرعي، في بلدة القاع المحاذي لجوسيه السورية بريف حمص الجنوبي.
والواقع أن الحرب السورية منذ سبع سنوات، لم تمنع آلاف اللبنانيين القاطنين في المنطقة الحدودية مع ريف حمص الجنوبي الغربي، من ارتياد الأراضي السورية. يقول سكان بلدة القصر، البالغ تعدادهم أكثر من 15 ألف شخص، بأن اللبنانيين يمتلكون أراضي زراعية في الداخل السوري في قرى ريف القصير، فضلاً عن وجود 30 ألف لبناني يعيشون في قرى وبلدان بلدات مطربة، وزيتا، والفاضلية، وحاويك، وجرماش، ووادي العرايش والسماقيات، وهي بلدات سورية يقطنها لبنانيون، تدخل «حزب الله» في العام 2013 في الحرب السورية بدافع «حمايتهم» كما أعلن الحزب آنذاك. انتهت الحرب في المنطقة في صيف 2013. وعادت لسيطرة النظام السوري، ولم تقبل المعابر مع لبنان «تسهيلاً لدخول اللبنانيين وخروجهم إلى أرزاقهم»، قبل أن تتخذ روسيا القرار في الأسبوع الماضي.
ويتحدث أبناء بلدة القصر لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الفرقة 11 التابعة للجيش السوري: «وصلت إلى المنطقة في الأسبوع الماضي، وأقفلت الحدود وكل المعابر والطرقات غير الشرعية، وزرعت الألغام والشريط الشائك على طول الحدود». اعترض الأهالي، وأبلغوا الروس باعتراضهم. ويشيرون إلى أنه «تم إبلاغ القوات السورية بالاعتراض على إقفال المنافذ الحدودية كاملة». وقال مصدر بارز في البلدة: «أخذت الدولة السورية الاعتراض بعين الاعتبار، وتواصلت دمشق مع الروس. وبعدها بيومين فقط، بدأت القوات السورية بإزالة الألغام والشريط الشائك، وبقي الجيش السوري منتشراً، واضطر إلى فتح معبر صغير للمشاة يدخل عبره اللبنانيون إلى قرى ريف القصير، حيث يستقلون سيارات أجرة سورية للوصول إلى أرزاقهم في القرى السورية».
ويعد هذا الإجراء الثاني الذي تتخذه القيادة العسكرية الروسية في المنطقة، بعد اتخاذها قراراً في مطلع الشهر الماضي بالانتشار على طول الحدود مع لبنان، قبل أن يعترض «حزب الله» على «الخطوة غير المنسقة»، ويُحلّ الخلاف بوساطة دمشق عندما سيطر جنود من قوات النظام على ثلاثة مواقع انتشر فيها الروس قرب بلدة القصير في منطقة حمص.
لكن الإجراء الأخير يطال بشكل صريح، مصالح اللبنانيين وخطوط التهريب والعبور غير الشرعي مع لبنان، علما بأن المعبر الشرعي الوحيد يقع في بلدة القاع اللبنانية إلى الشرق من الهرمل، وتبعد عن بلدة القصر مسافة 30 كيلومتراً، ما يعني أن أصحاب الأراضي يتعين عليهم العبور مسافة 70 كيلومتراً، منها 40 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، للوصول إلى ممتلكاتهم.
مقاربتان للاعتراض
غير أن الأسباب التي تقف وراء هذا الاعتراض، تتخطى وجود ممتلكات للبنانيين في سوريا. فالسكان هنا، يقدمون مقاربتين مختلفتين، أولاهما الاعتبار بأن إقفال الحدود له هدف سياسي روسي، يسعى لإقفال منافذ العبور التابعة لسلاح «حزب الله» من سوريا، وإقفال منافذ التهريب، بالنظر إلى سهولته في هذه المنطقة السهلية على ضفاف نهر العاصي، خلافاً لمناطق شرق بعلبك الجبلية التي تصعب فيها عمليات التهريب، وهي مناطق لم ينتشر الروس أو القوات السورية الحليفة لهم فيها. ويقول السكان: «ذرائع الروس حول دخول الإرهابيين والسيارات المفخخة، غير صحيحة. فالمنطقة آمنة منذ 2014. وبالتالي، لا إرهابيين هنا».
أما المقاربة الثانية للاعتراض، فهي اقتصادية بحتة، يعبر عنها السكان بالقول: «لن نسمح بخنقنا، ولن نسمح بتحويلنا إلى منطقة معزولة ومحاصرة». وتنطلق هذه المقاربة من كون اللبنانيين، يعيشون في منطقة نائية تفتقد للخدمات، ووجد السكان منفذاً لذلك بالتوجه إلى سوريا لشراء حاجياتهم، وللطبابة، كونها أقرب، وأقل سعراً. يقول أحد سكان القصر: «كنت أتزود بحاجات البيت من سوريا بقيمة 2000 ليرة سورية، أستطيع أن أشتري حاجاتنا من الخضار والفواكه، بينما أحتاج إلى نحو 30 دولارا لشرائها من لبنان»، مضيفاً: «إذا مرض طفلي، أنقله إلى حمص عبر السير مسافة ثلث ساعة، بينما أحتاج لأكثر من ساعة ونصف الساعة للوصول إلى بعلبك، فضلاً عن أن الكشف عليه عند طبيب يكلفني في سوريا 500 ليرة سورية (دولار ونصف الدولار) بينما أدفع في لبنان نحو 50 دولارا». ويختم: «لقد خنقونا».
منفذ لتخفيف الاحتقان
فيما تتضاءل الحركة في البلدة، يطالب السكان الآن الدولة اللبنانية بحل المشكلة وتحريك العجلة الاقتصادية، عبر استحداث معبر شرعي في المنطقة مع ريف القصير. يتناقل هؤلاء أن وجهاء البلدة أبدوا استعدادهم لتقديم قطعة من الأرض تصلح لتشييد معبر شرعي عليها. ويقول أحد السكان: «لا نعارض ضبط الحدود، ونحن نرغب في وجود الدولة في منطقتنا، لكننا نطالب بمعبر شرعي. كان التنقل مسموحاً قبل الأزمة السورية. الآن ماذا تغير؟ حضر الروس ليضايقونا، كذلك تضايقنا الدولة السورية الآن رغم وجود أملاك لنا في الداخل السوري. ثمة بيوت ومزارع وأراضٍ لنا هناك. ماذا نفعل؟» ويقول: «نحن لا نحتمل خنقنا، ولن نسمح به. إذا لم تتحرك الدولة اللبنانية، يجب على دمشق أن تحل المشكلة. وإذا لم تُحل، فإننا سنقاوم من يعمل على حصارنا، وهذا ما يجمع عليه أبناء المنطقة»، مضيفاً: «لم نقدم 128 شهيداً بسبب الحرب السورية لنُخنق بعدها»، في إشارة إلى القتلى الذين سقطوا في المعارك مع فصائل المعارضة وانخراط بعضهم في القتال إلى جانب «حزب الله» في منطقة القصير، إضافة إلى تعرض البلدة لصواريخ وقذائف من الداخل السوري بين العامين 2012 و2014.



العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
TT

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، على رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة في بلاده، أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، مؤكداً أن حماية المركز القانوني للدولة، ووحدة القرار السياسي تمثلان أولوية وطنية لا تقبل المساومة.

وفي إشارة إلى تصعيد مجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة، حذّر العليمي من أن أي مساس بوحدة الدولة سيقود إلى فراغات أمنية خطيرة، ويقوض جهود الاستقرار، ليس في اليمن فحسب، بل على أحد أهم خطوط الملاحة الدولية.

جاءت تصريحات العليمي خلال استقباله في الرياض، الأربعاء، سفيرة فرنسا لدى اليمن كاترين قرم كمون، حيث جرى بحث مستجدات الأوضاع المحلية، وفي المقدمة التطورات في المحافظات الشرقية، والدور المعول على المجتمع الدولي في دعم جهود التهدئة التي تقودها السعودية، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة.

وأشاد العليمي - حسب الإعلام الرسمي - بالدور الفرنسي الداعم لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، وبموقف باريس الثابت إلى جانب وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، على النحو الوارد في بيان مجلس الأمن الدولي الصادر، الثلاثاء. كما جدّد تقديره للعلاقات التاريخية بين البلدين، معرباً عن ثقته باستمرار الدعم الفرنسي المتسق مع مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وتطرق اللقاء - وفق ما أوردته وكالة «سبأ» الحكومية - إلى التحديات المتشابكة التي تواجهها القوى الوطنية في مسار استعادة الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، في ظل الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج الأطر الدستورية ومرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

تحذير من المخاطر

أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الدولة ستقوم بواجباتها كاملة في حماية مركزها القانوني، مشدداً على أن هذا المسار يتطلب موقفاً دولياً أكثر وضوحاً لدعم الإجراءات الدستورية والقانونية التي تتخذها مؤسسات الشرعية. وأشاد في هذا السياق بالتوصيف المُقدَّم للأزمة اليمنية الوارد في إحاطة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

وحذّر العليمي من أن أي تفكك داخلي سيعزز نفوذ الجماعات المتطرفة، ويخلق بيئات رخوة للجريمة المنظمة، مؤكداً أن أمن البحر الأحمر وخليج عدن يبدأ من استقرار الدولة اليمنية، وليس من شرعنة كيانات موازية أو مكافأة أطراف منقلبة على التوافق الوطني.

حشد في عدن من مؤيدي المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي إلى الانفصال عن شمال اليمن (رويترز)

وأوضح أن ضبط النفس الذي مارسته القيادة خلال السنوات الماضية لم يكن تعبيراً عن ضعف، بل كان التزاماً وطنياً ومسؤولية سياسية لتجنُّب مزيد من العنف، وعدم مضاعفة معاناة الشعب اليمني، واحتراماً لجهود الأشقاء والأصدقاء الرامية إلى خفض التصعيد.

وجدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي التزام المجلس بحل عادل للقضية الجنوبية، يستند إلى الإرادة الشعبية، والانفتاح على الشراكات السياسية، وخيارات السلام، مع التأكيد على الرفض القاطع لتفكيك الدولة أو فرض الأمر الواقع بالقوة.

وفي سياق متصل، جدّد الاتحاد الأوروبي التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، ودعمه لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية. وأعلن الاتحاد، في بيان، الأربعاء، تأييده للبيان الصادر عن أعضاء مجلس الأمن، مؤكداً دعمه لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن، والعمل من أجل سلام مستدام وازدهار دائم للشعب اليمني.

ودعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى خفض التصعيد، وتعزيز الجهود الدبلوماسية، مرحباً بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في مسقط بشأن مرحلة جديدة لإطلاق سراح المحتجزين.

كما أدان الاتحاد الأوروبي بشدة استمرار احتجاز الحوثيين لموظفين أمميين وعاملين في منظمات إنسانية ودبلوماسية، مطالباً بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.


«اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
TT

«اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الجماعة الحوثية لتبادل نحو 2900 أسير ومحتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق أحد أكثر الملفات الإنسانية تعقيداً، بعد سنوات من التعثر والفشل.

فعلى الرغم من الترحيب الواسع بالاتفاق محلياً ودولياً، فإنه لا تزال الشكوك تحيط بآليات التنفيذ، في ظل غياب القوائم النهائية، واستمرار الغموض حول مصير القيادي في حزب «الإصلاح» محمد قحطان، المختطف منذ قرابة عشرة أعوام.

وحسب مصادر قريبة من المحادثات، فإن الاتفاق الذي رعاه مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، وبمساندة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لا يتجاوز في هذه المرحلة كونه اتفاقاً مبدئياً، يفترض تنفيذه خلال فترة لا تتجاوز شهراً.

العبء الأكبر يقع على الوسطاء لإنجاح الصفقة اليمنية لتبادل الأسرى (إعلام حكومي)

وأوضحت جهات مطلعة على مسار التفاوض لـ«الشرق الأوسط» أن البند الأول من الاتفاق يقتصر على إطلاق سراح أسرى تابعين لتحالف دعم الشرعية، إضافة إلى القيادي محمد قحطان، فيما لا تزال بقية تفاصيل الصفقة، وأسماء المشمولين بها، خاضعة لمقايضات ومفاوضات لاحقة بين الأطراف والوسطاء.

وأشارت المعطيات ذاتها إلى أن ما تم التوصل إليه حتى الآن لا يعني حسم الملف، إذ لطالما ارتبطت جولات التفاوض السابقة بمطالب حوثية معقدة، شملت إدراج أسماء مقاتلين مفقودين في الجبهات، تزعم الجماعة أنهم أسرى لدى الحكومة، من دون تقديم أدلة على ذلك، فضلاً عن رفضها المتكرر إدراج أسماء مختطفين مدنيين بحجة أنهم «قيد القضاء».

تغيّر المفاوضين

رأت الأوساط القريبة من المفاوضات أن ترؤس ممثل الحوثيين في اللجنة العسكرية، يحيى الرزامي، لفريق المفاوضين عن الجماعة، بدلاً من عبد القادر المرتضى، أسهم في تهيئة الأجواء للتوصل إلى هذا الاتفاق المبدئي.

وذكرت أن المرتضى، المتهم بالتورط في تعذيب بعض المعتقلين، كان سبباً رئيسياً في إفشال عدة جولات تفاوض سابقة، بسبب تشدده وإصراره على شروط وصفت بغير الواقعية.

مخاوف حكومية يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

وأضافت تلك الأوساط أن وجود الرزامي على رأس فريق الحوثيين سهّل النقاشات، ومهّد للاتفاق على مبدأ تبادل شامل للأسرى والمعتقلين من الطرفين، وإن كان ذلك لا يزال مشروطاً بمدى التزام الحوثيين بتعهداتهم، وصدق نواياهم في تقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول المحتجزين.

في المقابل، أبدت الحكومة اليمنية، وفق التقديرات نفسها، مخاوف جدية من سعي الحوثيين إلى إفراغ الاتفاق من مضمونه الإنساني، عبر المماطلة، أو إعادة طرح الشروط ذاتها التي أفشلت محاولات سابقة.

وتؤكد هذه المعطيات أن نجاح الصفقة مرهون بجدية الحوثيين في الوفاء بالتزاماتهم، والكشف الكامل عن مصير جميع المختطفين، وفي مقدمتهم محمد قحطان.

قحطان وعقدة الثقة

يظل مصير القيادي في حزب «الإصلاح» محمد قحطان من أبرز العوائق أمام المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق. فعلى الرغم من إدراج اسمه ضمن المرحلة الأولى من الصفقة، فإن مصيره لا يزال مجهولاً منذ اعتقاله في عام 2015 من إحدى النقاط الأمنية عند مدخل مدينة إب. وحتى اليوم، لم يفصح الحوثيون عما إذا كان الرجل لا يزال على قيد الحياة أم لا.

وحسب المصادر، فإن هذا الغموض قوض تفاهمات سابقة، وأدى إلى إفشال جولات تفاوض سابقة، بعد أن اشترط الحوثيون الحصول على ثلاثين أسيراً في حال كان قحطان حياً، أو ثلاثين جثة إذا ثبت مقتله.

وترى الجهات المعنية بالملف أن هذا السلوك يثير شكوكاً كبيرة حول مصير الرجل، بعد أكثر من عشر سنوات وثمانية أشهر على إخفائه قسراً، ويضعف فرص بناء الثقة اللازمة لإنجاح بقية مراحل اتفاق التبادل.

وتؤكد المصادر أن نجاح أي صفقة تبادل لا يمكن أن يتحقق دون معالجة ملف قحطان بوضوح وشفافية، بوصفه قضية إنسانية وسياسية في آن واحد، واختباراً حقيقياً لمدى التزام الحوثيين بالقانون الدولي الإنساني.

مراحل التنفيذ

وفقاً للتفاهمات المعلنة، فقد جرى الاتفاق على تنفيذ الصفقة عبر ثلاث مراحل رئيسية. المرحلة الأولى تشمل إطلاق سراح أسرى تحالف دعم الشرعية، إضافة إلى القيادي محمد قحطان. وفي المرحلة الثانية، التي تبدأ بعد نحو أسبوع، سيتم تشكيل لجنة مشتركة للقيام بزيارات ميدانية إلى أماكن الاحتجاز، وتوثيق أسماء جميع المحتجزين على ذمة الصراع.

وبعد ذلك، ترفع اللجنة القوائم التي تم التحقق منها إلى مكتب المبعوث الأممي الخاص باليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ليجري اعتمادها رسمياً والشروع في تنفيذ عملية التبادل. أما المرحلة الثالثة، فستُخصص لملف «الجثامين»، وتشمل تبادل جثامين القتلى، والبحث عن رفات المفقودين في مناطق المواجهات، وصولاً إلى إغلاق هذا الملف المؤلم.

وتشير المصادر إلى أنه تم الاتفاق على عدد المشمولين بالصفقة من الطرفين، على أن يتم التوافق على أسمائهم خلال شهر، إضافة إلى انتشال جميع الجثامين من مختلف الجبهات وتسليمها عبر الصليب الأحمر. كما اتُفق على تشكيل لجان لزيارة السجون بعد تنفيذ الصفقة، وحصر من تبقى من الأسرى، تمهيداً لإطلاقهم.

وسيكون العبء الأكبر، حسب المصادر، على الوسطاء الدوليين، وفي مقدمتهم مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لضمان تنفيذ الاتفاق، ومنع أي طرف من الالتفاف عليه، ووضع آلية زمنية واضحة تبدأ بتجميع الأسرى والمختطفين في نقاط محددة، ومطابقة القوائم، وتحديد يوم البدء بعملية التبادل.


ترحيب عربي وإسلامي واسع بالاتفاق اليمني لتبادل المحتجزين

أسرى يمنيون أفرج عنهم على متن طائرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (أرشيفية - رويترز)
أسرى يمنيون أفرج عنهم على متن طائرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (أرشيفية - رويترز)
TT

ترحيب عربي وإسلامي واسع بالاتفاق اليمني لتبادل المحتجزين

أسرى يمنيون أفرج عنهم على متن طائرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (أرشيفية - رويترز)
أسرى يمنيون أفرج عنهم على متن طائرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (أرشيفية - رويترز)

توالت بيانات الترحيب العربية والإسلامية غداة الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية في العاصمة العُمانية مسقط، بشأن تبادل الأسرى والمحتجزين، في صفقة تعد هي الكبرى منذ اندلاع الحرب التي أشعلها الحوثيون، وسط آمال بأن تشكل هذه الخطوة الإنسانية مدخلاً لكسر الجمود السياسي وتهيئة الأجواء أمام مسار سلام أوسع في اليمن.

وفي هذا السياق، رحبت دولة الكويت بالاتفاق، ووصفت التوقيع عليه بأنه خطوة مهمة وإيجابية نحو بناء الثقة وتعزيز مسار السلام والاستقرار في اليمن.

وأكدت وزارة الخارجية الكويتية تقديرها للجهود والمساعي الحميدة التي بذلتها عُمان والسعودية، إلى جانب الدور الذي قام به مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

كما أعلنت البحرين ترحيبها بتوقيع الاتفاق، عادّةً إياه خطوة إيجابية ومهمة في مسار معالجة الأوضاع الإنسانية، ودعم جهود التسوية السلمية الشاملة.

جانب من اجتماعات سابقة بين وفدي الحكومة اليمنية والحوثيين بشأن المحتجزين (إكس)

وجددت المنامة موقفها الداعم لكل الجهود الدولية والإقليمية الرامية للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم في اليمن، وفقاً للمرجعيات المعتمدة، وبما يحفظ وحدة اليمن وسيادته ويلبي تطلعات شعبه في الأمن والاستقرار.

من جهتها، رحبت مصر بالاتفاق، عادّةً إياه خطوة إنسانية مهمة تسهم في تخفيف معاناة الشعب اليمني، الذي يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان، إن القاهرة ترى في هذا الاتفاق «بارقة أمل نحو توحيد الصف اليمني، وصياغة رؤية وطنية جامعة تُمكّن من إطلاق عملية سياسية جادة تنهي معاناة الشعب اليمني، وتلبي تطلعاته المشروعة في الأمن والاستقرار والتنمية».

وثمنت مصر الجهود الصادقة التي بذلتها سلطنة عُمان في استضافة وتيسير المباحثات، إلى جانب الدور الذي اضطلع به مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكل الأطراف التي شاركت في إنجاح هذه المفاوضات، مؤكدة دعمها الكامل لكل المساعي الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية بالوسائل السلمية.

خطوة إنسانية

رحبت الأمانة العامة لمنظمة «التعاون الإسلامي» بالاتفاق اليمني في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين، وعدّته خطوة إنسانية مهمة تسهم في تخفيف المعاناة وتعزيز فرص بناء الثقة بين الأطراف اليمنية.

وجددت المنظمة في بيان لها، موقفها الثابت والداعم لكل الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في اليمن، بما يلبي تطلعات شعبه، مشيدة بالجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، إلى جانب مساعي مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وأعربت المنظمة عن أملها في أن يسهم هذا الاتفاق في تعزيز مسار السلام والاستقرار، وفتح آفاق جديدة أمام تسوية سياسية شاملة تُنهي سنوات من الصراع.

بدوره، رحب البرلمان العربي بالاتفاق الموقع في مسقط، مشيداً بالجهود التي بذلتها سلطنة عُمان في رعاية المباحثات، وبالدعم الذي قدمته الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، للوصول إلى هذا الاتفاق. كما ثمّن البرلمان العربي الدور الذي اضطلعت به السعودية في دعم ومساندة الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل شامل ونهائي للأزمة اليمنية.

وجدد البرلمان العربي دعمه الكامل لكل المبادرات التي تهدف إلى تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في اليمن، وبما يلبي تطلعات الشعب اليمني في العيش الكريم بعد سنوات من الحرب والمعاناة.

وجاء اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين الذي توصلت إليه الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية في العاصمة العُمانية مسقط، في إطار الجولة العاشرة من المشاورات الإنسانية برعاية الأمم المتحدة، وبمشاركة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ليشكّل أكبر اختراق في هذا الملف منذ سنوات.

وينص الاتفاق على الإفراج عن نحو 2700 محتجز من الطرفين، في خطوة تهدف إلى تخفيف المعاناة الإنسانية لآلاف الأسر اليمنية، بعد تعثر جولات سابقة بسبب الخلافات حول مبدأ «الكل مقابل الكل» وآليات التنفيذ.