قراءة وترجمة معاصرتان لديوان «ترجمان الأشواق»

ندوة بريطانية عن أشعار محيي الدين بن عربي

جانب من الندوة
جانب من الندوة
TT

قراءة وترجمة معاصرتان لديوان «ترجمان الأشواق»

جانب من الندوة
جانب من الندوة

نظمت جمعية ابن عربي البريطانية أخيراً ندوتها السنوية لهذا العام عن أشعار محيي الدين بن عربي التي شكّل ديوانه ترجمان الأشواق أهم إنجاز شعري له. وفي هذه الندوة تحدث مايكل سيلز، أستاذ التاريخ والأدب الإسلاميين بكلية جون هنري باروز، في جامعة شيكاغو، عن تجربته في ترجمة ديوان «ترجمان الأشواق» بالدرجة الأولى وتراجمه الأخرى للشعر الجاهلي وقصائد الغزل العربية في العصور الوسطى. وسلط الضوء في محاضرته على التقنيات التي اتبعها في ترجمة قصائد ترجمان الأشواق إلى قصائد إنجليزية مكتوبة بلغة معاصرة وببناء حر متحرر من بناء القصيدة العمودية التي اتبعها المستشرق البريطاني رينولد نيكلسون للديوان نفسه والتي صدرت طبعته الأولى عام 1911 وفيها استخدم اللغة الإنجليزية الكلاسيكية والتزم بالبناء العمودي الكلاسيكي لقصائد الديوان، بينما تبنى البروفسور مايكل سيلز البناء الحديث للقصيدة مع التزامه الوزن الشعري الإنجليزي. وأوضح سيلز كيف كان عليه أن يصوغ الجملة الشعرية لقصيدة ابن عربي بما يقابلها في الإنجليزية وكيف صاغ المقاطع الشعرية والأماكن التي كان عليه أن يكسر البناء ويبدأ بمقطع جديد. وقد أخذ في ترجمته الجديدة لديوان «ترجمان الأشواق» شروحات ابن عربي التي همّشَ بها قصائده باعتبارها بعدا آخر للقصائد مختلفا عن البعد الحسي الأول الذي يعبر فيه ابن عربي (1164 - 1240م) عن عاطفته تجاه «النظام» ابنة أستاذه في مكة أبو شجاع ظاهر بن رستم، بينما هناك البعد العرفاني الذي رافق أبيات الشعر عبر كل قصائد الديوان.
وسبق للبروفسور مايكل سيلز أن ترجم ست قصائد من الشعر الجاهلي بلغة عصرية وببناء قصيدة الشعر الحر، وأصدر هذه المختارات وشروحها في كتاب عنوانه «تقصيات الصحراء» Desert Tracings حيث ضمت قصائد لعلقمة، والشنفرة، ولبيد وعنترة والأعشى وذو الرُّمة. كذلك صدر له كتاب عن جامعة كمبردج عن تاريخ الأدب العربي بعنوان The Cambridge History of Arabic Literature وغيرها. في كل تراجمه يتلمس القارئ المعاصر باللغة الإنجليزية في سيلز شاعرا فذا استطاع أن يجعل للشعر العربي الكلاسيكي مصدر جذب وإمتاع واستكشاف لآفاق جديدة ذات آصرة قوية بالتجربة الحياتية الإنسانية وتمثلها شعرياُ. وإذا كان موضوع محاضرة سيلز عن تقنيات الترجمة التي اتبعها في نقل ديوان ترجمان الأشواق إلى الإنجليزية المعاصرة والأسلوب الشعري المعاصر، فإن ستيفان شبَيرْل، أستاذ الأدب العربي في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن، قدم عرضا شيقا عن إحدى القصائد البارزة في ديوان ابن عربي، والتي مطلعها:
ألا يا حمامات الأراكة والبان
وفي هذه القصيدة التي تضم ستة عشر بيتاً يأخذنا شْبَيرْل خطوة خطوة لاستكشاف مكامنها، وهو يسلط الضوء على بعض الأفكار التي تضمنتها القصيدة مع مقارنتها ببعض أفكار الفيلسوف المصري - الإغريقي، إفلوطين (204 - 270م) الذي أطلِق على حركته الفلسفية بالإفلاطونية الجديدة. وكانت فصول من كتابه «التساعات» ترجمها عبد المسيح بن عبد الله ناعمة الحمصي عن السريانية للخليفة المعتصم نحو عام 220هـ (835م) وراجعه الفيلسوف الكندي. وبرز الكتاب تحت عنوان اثولوجيا أرسطو. وظل هذا الاعتقاد الخاطئ بأن الفيلسوف الإغريقي هو الذي ألفه حتى أوائل القرن العشرين، وخلال القرون السابقة التي أعقبت صدوره تأثرت أعداد كبيرة من المفكرين والفلاسفة العرب والمسلمين به وساهم بشكل كبير في تأسيس الفكر العرفاني الإسلامي.
كذلك يقف المحاضر عند معرفة «الواحد» الذي نادى به إفلوطين والتي لا تتحقق إلا عبر القلب فهو يقول: «إن الواحد هو في الحقيقة وراء كل البيانات، ووراء كل تأكيد... وإن العقل حين يواجه الرب لا يفهم إلا القليل عنه».
ويحلل البروفسور شبيرل تركيب القصيدة فهو يرى أنها تتبع تقاليد القصيدة الجاهلية حيث البداية تكون بالأسى على فراق الحبيب ثم تأتي الرحلة الروحية للشاعر وهي حالة الانفصال عن قبيلته ونقل تجربته الحياتية التي يمر بها خلال تلك الفترة ثم تليها العودة إلى حضن القبيلة والتوحد بها والتغني بأمجادها.
أما ابن عربي فشأنه مختلف في القصيدة. إنه يبدأ بالتعبير عن فقدان الحبيبة في هذين البيتين:
ألا ياحمامات الأراكة والبان
ترفقن لا تضعفن بالشجو أشجاني
ترفقن لا تظهرن بالنوح والبكا
خفي صباباتي ومكنون أحزاني
لكن القصيدة كما يشير المحاضر تضع في مسار بنائها تلك الثنائيات: الحب المخفي أمام الحب المعلن؛ الأسى أمام الفرح؛ الانفصال الذي تشير إليه الحمائم أمام اتحاد المحبين. وهذا ما يقود الشاعر في رحلته إلى اكتشاف الحب الروحي حين يقول:
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
وكأن هذا البيت صدى لما يقول إفلوطين في كتابه «التساعات»: «النفس في توجهها لله تكون في غاية الاندهاش لكونها تحمل شيئا ما منه، فلديها إدراك حميم له، وتصل إلى حالة من الشوق، مثل أولئك الذين تهزهم صورة المحبوب فيتمنون رؤية ذلك المحبوب نفسه».
تضيء الورقة التي قدمها البروفسور ستيفان شبيرل القدرة التي تمتلكها هذه القصيدة في التأثير على المتلقي رغم أن كل بيت شعري قائم في ذاته ويترك أثرا لوحده، فرغم غياب الخيط السردي للقصيدة تنجح في التأثير على المتلقي عبر الطريق الذي تختطه بيتا بعد بيت، ولعل هذا بفضل اللغة العربية نفسها، وبفضل الموروث الشعري الكلاسيكي الذي ما زال الأكاديميون المستعربون والمستشرقون المعنيون بالأدب العربي منجذبين إليه وحريصين على إعادة نقله بمعالجات عصرية بينما يكرس آخرون جهودهم لتفكيك السحر الذي يجدونه في الموروث الشعري العربي الكلاسيكي وتسليط الضوء عليه كما وجدنا في هذه الندوة.



الببغاوات لا تمتلك الخبرة الكافية للعيش في البرية

التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
TT

الببغاوات لا تمتلك الخبرة الكافية للعيش في البرية

التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)

يعمل الباحثون في كلية الطب البيطري والعلوم الطبية الحيوية في جامعة تكساس إيه آند إم بالولايات المتحدة مع خبراء الطيران الحر للببغاوات والشركاء في البرازيل، في محاولة لزيادة معدّل نجاح إطلاق الببغاوات الأسيرة في البرية.

في دراستهم المَنشورة في مجلة «بيردز» (Birds)، أطلق الفريق بنجاح قطيعاً صغيراً من ببغاوات المكاو الزرقاء والصفراء، بهدف التّعرض التدريجي للبيئة الطبيعية، من أجل إعداد هذه الببغاوات للبقاء على قيد الحياة في البرية.

وبعد عامين، لا تزال جميع الطيور الستة قيد الدراسة على قيد الحياة، كما أنها نجت حتى من حريق غابات كان قد حدث في المنطقة.

قال الدكتور دونالد برايتسميث، أستاذ في قسم علم الأمراض البيطرية في جامعة تكساس إيه آند إم: «الببغاوات هي واحدة من أكثر مجموعات الطيور المهددة بالانقراض في العالم».

وأضاف في بيان صادر الثلاثاء: «بالنسبة للعديد من الأنواع، فإن أفضل أمل لدينا لزيادة أعدادها هو تربيتها في الأسر ومن ثَمّ إطلاق سراحها. لكن بعض البرامج تنفق آلاف، بل وملايين الدولارات على تربية الببغاوات في الأسر، فقط لتكتشف أن هذه الطيور غير قادرة على البقاء على قيد الحياة في البرية لأنها لا تمتلك ما يكفي من «الخبرة في العالم الحقيقي».

وتستخدم الطريقة الجديدة استراتيجية «تدريب الطيران الحر» الواعدة لأنها تستفيد من التّطور الطبيعي للببغاوات مع السّماح للباحثين بالتحكم في متغيرات معينة مثل الموقع، على سبيل المثال.

«نحن نسهل على الببغاوات الصغيرة تعلّم الطيران والانضمام إلى القطعان والهرب من الحيوانات المفترسة من خلال تعريضها بعناية للمواقف التي قد تواجهها عادةً على أي حال، ويجري كل ذلك بما يتناسب مع كل مرحلة من مراحل النمو»، كما قال كريس بيرو من منظمة «أجنحة الحرية» (Liberty Wings).

وشدّد الدكتور كوني وودمان، مدير برنامج منح الابتكار في مجال الحفاظ على البيئة التابع لوزارة الزراعة الأميركية في جامعة تكساس إيه آند إم، على أن «هذه الطريقة فعالة بشكل لا يصدق لأنها لا تتطلّب أجيالاً من النوع نفسه تعلم كيفية البقاء في بيئة معينة عن طريق التجربة والخطأ».

وأوضح: «من خلال التحليق في بيئة الإطلاق ومشاهدة البالغين المدربين، يمكن لطيورنا التي أُطلق سراحها أن تتعلّم بسرعة مهارات البقاء الأساسية وزيادة فرص بقائها بشكل كبير».

يبدأ إعداد طيور الببغاوات الأسيرة للبقاء في البرية عندما تكون الطيور صغيرة، في الوقت الذي تبدأ فيه النظر بفضول حول العالم خارج العش.

«قبل أن يبدأ الببغاء الصغير في التحليق يبدأ بالتسلق والنظر إلى العالم الخارجي»، كما قال بيرو. «بالفعل، يقوم هذا الفرخ بإنشاء قاعدة بيانات ذهنية لما هو طبيعي في عالمه. إذا رأى حيواناً مفترساً، فسيكون ذلك خارجاً عن المألوف، لذا على الفرخ أن يتعلّم كيفية الرد على التهديدات».

في مرحلة لاحقة من النمو، تُشجّع الفراخ على المشي على عصي مصمّمة لهذا الغرض، ثم القفز إلى عصي أخرى قريبة. ومن هناك، تبدأ في تعلّم الطيران.

«لمساعدة الفراخ على تعلّم الطيران سرباً، نُدرّبها حتى مع الفراخ الأخرى والطيور البالغة المدربة، حتى تتعلّم الانتقال من (النقطة أ) إلى (النقطة ب) معاً وفي أسراب»، كما قال برايت سميث.

وفي الليل وبين جلسات التدريب، تستريح الببغاوات بأمان في القفص، حيث تتلقى الطعام والماء. ولكن مع مرور الوقت، تقضي الطيور الصغيرة وقتاً أقل فأقل في القفص ومع الطيور البالغة، كما تتعلم كيفية العثور على الطعام والماء بنفسها.

قال برايتسميث: إن «جزءاً رئيسياً من هذه العملية هو في الواقع كسر الرابط بين الببغاوات والبشر الذين كانوا يطعمونها».

وأوضح أنه في عمله مع الببغاوات، اكتشف كريس بيرو أنه عندما يبلغ عمر الكتاكيت الصغار نحو 8 أشهر، فإنها تبدأ بالابتعاد عن والديها وتصبح مستقلة. نتأكد من فطام الطيور عن التغذية اليدوية بحلول هذا الوقت حتى تنتقل إلى أن تكون طيوراً برّية مستقلة، تماماً كما تفعل مع والديها».