«القاعدة» يحيي أبوابه الخلفية لاستعادة «الزعامة الزائفة»

هدد شركات غربية في أفريقيا... ولوّح مجدداً باستهداف دبلوماسيين

عناصر من «القاعدة» في الشريط الحدودي ما بين باكستان وأفغانستان («الشرق الأوسط»)
عناصر من «القاعدة» في الشريط الحدودي ما بين باكستان وأفغانستان («الشرق الأوسط»)
TT

«القاعدة» يحيي أبوابه الخلفية لاستعادة «الزعامة الزائفة»

عناصر من «القاعدة» في الشريط الحدودي ما بين باكستان وأفغانستان («الشرق الأوسط»)
عناصر من «القاعدة» في الشريط الحدودي ما بين باكستان وأفغانستان («الشرق الأوسط»)

ما بين تهديد فرع تابع لتنظيم «القاعدة» الإرهابي بشن هجمات على شركات غربية في شمال وغرب أفريقيا باعتبارها «أهدافاً مشروعة»، إلى تلويح «القاعدة» مجدداً عبر منابرها الإعلامية باستهداف السياسيين والدبلوماسيين في عدد من الدول. بات التنظيم يطرق أبواباً خلفية للعودة من جديد لصدارة مشهد «المتشددين» ولو بشكل مؤقت، عقب خسائر تلقاها خصمه «داعش» في سوريا والعراق.
وقال خبراء في شؤون التنظيمات الإرهابية لـ«الشرق الأوسط»، إن «ثمة مخاوف بدأت تبرز على الساحة الإعلامية والسياسية في سوريا والعراق من عودة (القاعدة) مجدداً؛ كونه واحداً من أقدم التنظيمات الإرهابية التي انتشرت في تسعينات القرن الماضي بصورة هائلة». وأكدوا أنه «لا يجب التقليل من تهديدات «القاعدة» في أي وقت، خصوصاً أنه أم التنظيمات الجهادية، ورغم حالة التراجع الذي يعانى منها التنظيم في الخطط والأدوات، فإن هذا لا يقلل من قدرته على تنفيذ خطط على أرض الواقع».
ويقدم تنظيم «القاعدة» نفسه بصفته طليعة الجهاد ضد أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا، وأصحاب منهج صحيح على خلاف «داعش» الذي يصفهم بـ«الخوارج الغلاة والتكفيريين». ويرى مراقبون، أن «كثيراً من الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تلقت تدريبات على يد عناصر (القاعدة) انفصلت عن التنظيم خلال السنوات الماضية وانضمت لتنظيمات أخرى مثل (داعش)... وتسعى (القاعدة) لضم هؤلاء (الدواعش) عقب الهزائم التي لحقت بهم في سوريا والعراق خلال الأشهر الأخيرة».
وبخلاف تفجيرات برج التجارة العالمي في الحادي عشر من ديسمبر (كانون الأول) عام 2001، فإن «القاعدة» يمتلك سجلاً أسود في العمليات الإرهابية، أبرزها في عام 1998 عندما قام التنظيم بعملية تفجير مبنى سفارتي الولايات المتحدة الأميركية في نيروبي ودار السلام بكينيا؛ مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.
وهدد فرع لتنظيم «القاعدة» بشن هجمات على شركات غربية في شمال وغرب أفريقيا، ودعا إلى مقاطعتها. واستهدف مقاتلو التنظيم فنادق يرتادها أجانب في مالي وبوركينا فاسو وساحل العاج، وقال التنظيم في بيان له، إن «هذا يأتي منابذة لكل الشركات والمؤسسات الغربية - وبدرجة أولى الفرنسية منها - العاملة في المغرب الإسلامي (من ليبيا إلى موريتانيا) ومنطقة الساحل، وإخطار لها بأنها هدف مشروع لعناصره».
تزامن ذلك مع تقرير مصري كشف عن أن «القاعدة» يلوّح عبر أدواته الإعلامية باستهداف السياسيين والدبلوماسيين، وقال التقرير التي أعده باحثون في دار الإفتاء المصرية، إن «المخاطر التي رصدها عن مساعي (القاعدة) لاستهداف السياسيين والدبلوماسيين تعود إلى تاريخ تنظيم «القاعدة» الذي يعتبر من أكثر التنظيمات الإرهابية احترافية في تنفيذ الاغتيالات السياسية واستهداف المقرات الدبلوماسية، منذ بداية التسعينات بتفجير السفارة المصرية بباكستان عام 1995».
وقال المراقبون، إنه «رغم الضربات القوية التي وجهتها بعض القوى الدولية والإقليمية إلى التنظيمات الإرهابية الموجودة في منطقة الساحل والصحراء خلال الفترة الماضية، فإن ذلك لا ينفي أن الجهود التي تبذلها تلك القوى من أجل تكريس حالة الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، تواجه تحديات كثيرة لا تبدو هينة، وبخاصة أن تلك التنظيمات ما زال لديها القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية».
وأكد المراقبون في هذا الصدد، كان لافتاً أنها بدأت تركز على استهداف القوات الدولية والإقليمية، على غرار الهجوم الأخير الذي نفذته جماعة تدعى «نصرة الإسلام والمسلمين» الموالية لتنظيم «القاعدة» على دورية تابعة لقوة «بارخان» الفرنسية في مدينة غاو بشمال مالي مطلع يوليو (تموز) الحالي، وأدى ذلك إلى مقتل 4 مدنيين، وإصابة 31 آخرين، منهم 8 جنود فرنسيين... وتلى الهجوم الذي تعرض له مقر قيادة قوة مجموعة الساحل والصحراء في مدينة سيفاري بوسط مالي.
وأضاف التقرير المصري، أن زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي أيمن الظواهري قد وضع لأتباعه دستوراً في الإرهاب والإجرام وإراقة الدماء وأطلق عليه «شفاء صدور المؤمنين»، يهدف من خلاله إلى إضفاء شرعية دينية وسياسية على عمليات الاغتيالات لأفراد البعثات الدبلوماسية وتفجير مقراتها... متجاهلاً احتمالية سقوط ضحايا من المدنيين أو الأبرياء أثناء تنفيذهم تلك الهجمات الإرهابية؛ حيث برر الظواهري لأتباعه جواز إتلاف النفس من أجل ما أطلق عليه زوراً «مصلحة الدين والمصلحة العامة»... كما أجاز الظواهري لأتباعه قتل المخالفين في العقيدة إذا اختلط بهم من لا يجوز رميه من المسلمين أو غيرهم.
وأشار التقرير إلى أن آراء الظواهري الشاذة كانت بمثابة الأساس الذي انطلق منه تنظيم «القاعدة» وما لحقه وتزامن معه من جماعات إرهابية اشتهرت بالإفراط في تنفيذ العمليات الانتحارية، واستحلال استهداف السياسيين والدبلوماسيين، بغض النظر عن عقد الأمان الممنوح لهم.
من جانبه، قلل الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، من مزاعم وتهديدات تنظيم «القاعدة»، لافتاً إلى أن «الظواهري ما زال يعيش أحلام الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الدموية وما زال يعزف على أوتار الماضي، ويحاول جاهداً الإبقاء على تنظيمه والجماعات التابعة له كحركة متماسكة، رغم أنها بالفعل تفككت». مضيفاً أن «القاعدة» لا يزال يجد صعوبة في قبول انشقاق مزيد من الجماعات التابعة له، وبخاصة بعد انشقاق تنظيم داعش ومنافسته له؛ مما يؤكد مخاوفه من ظهور منافسين آخرين لقيادة حركة الجهاد العالمي - المزعومة - وسحب البساط من تحت قدمه، ويكون في آخر قائمة التنظيمات التي تدعي أنها - جهادية على حد زعمهم.
كما لـ«القاعدة» تاريخ حافل في استهداف الدبلوماسيين، فسبق أن أعلن عام 2005 استهداف رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية في العراق السفير إيهاب الشريف الذي تم اختطافه من أحد شوارع بغداد. وفي أبريل (نيسان) عام 2010 تبنى التنظيم ثلاث عمليات انتحارية استهدفت كلاً من السفارة المصرية وسفارات عربية وأجنبية في العاصمة بغداد؛ مما أسفر عن 30 قتيلاً. وفي مارس (آذار) من العام نفسه أعلنت جماعة تدعى «نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة لـ«القاعدة» في مالي، مسؤوليتها عن سلسلة هجمات بالعاصمة بوركينا فاسو وأغادوغو، واستهدفت السفارة والمعهد الفرنسيين ومقر القوات المسلحة في البلاد؛ مما أسفر عن مقتل 28 شخصاً على الأقل وجرح العشرات.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2015، اختطف تنظيم «القاعدة» في مدينة المكلا شرق اليمن، خمسة أشخاص، بينهم صحافيون وناشطون وسياسيون.
وفي مارس 2016، اختطف مسلحون من «القاعدة» وكيل محافظة أبين في اليمن حيدرة دحة قرب مدينة زنجبار.
وفي فبراير (شباط) 2017، اختطف عناصر من «القاعدة»، العقيد عبد الله الخضر حسين، أحد قيادات الحماية للرئيس هادي، في منطقة الخديرة إحدى قرى مديرية لودر بمحافظة أبين.
وفي يونيو (حزيران) 2017، اقتاد مسلحون مرتبطون بتنظيم «القاعدة» الإرهابي، عدداً من أعضاء بعثة الأمم المتحدة في ليبيا رهائن، وذلك بمنطقة الزاوية، وتم احتجاز سيارة تابعة للبعثة، في منطقة الحرشة غربي طرابلس التابعة لبلدية الزاوية، وقاد عملية الاختطاف شعبان هدية، المعروف بأبو عبيدة الزاوي التابع لـ«القاعدة».
وقال عمرو عبد الرحمن، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إنه «لا يجب التقليل من تهديدات «القاعدة» في أي وقت، خصوصاً أنه أم التنظيمات الجهادية، ورغم حالة التراجع الذي يعاني منها التنظيم في الخطط والأدوات، فإن هذا لا يقلل من قدرته على تنفيذ خطط على أرض الواقع».
في غضون ذلك، رجحت مصادر أمنية مصرية أن يتولى «القاعدة» زمام المرحلة الجهادية المقبلة، معتمداً على الاستفادة من القوة البشرية المدربة النازحة من «داعش» وتحالفه القائم مع جماعة «الإخوان»، والتمويل الذي لا يزال يتلقاه من قطر.
وتحدثت المصادر عن طفرة في مستويات تنظيم «القاعدة» القتالية، إثر اكتسابه خبرات ميدانية واسعة خلال سنوات الحرب السورية، لافتة إلى أن التنظيم الذي يهتم أكثر من ذي قبل بزعزعة الأنظمة العربية، يضم مقاتلين على قدر كبير من الاحترافية، ودربت عناصره على استخدام أسلحة متطورة... وربما العملية الإرهابية التي شهدتها مصر في أكتوبر عام 2017 بالواحات بالصحراء الغربية دليل على هذا التكتيك، الذي ظهرت فيه بصمات تنظيم «القاعدة» بوجهه الجديد.
بينما قال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن ثمة مخاوف بدأت تبرز على الساحة الإعلامية والسياسية في سوريا والعراق من عودة «القاعدة» مجدداً على الساحة؛ كونه واحداً من أقدم التنظيمات الإرهابية التي انتشرت في تسعينات القرن الماضي بصورة هائلة ولديه قدرة على جذب فلول وبقايا التنظيمات الميتة الأخرى، التي لاذت بالفرار من الهزائم المتتالية.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».