«القاعدة» يحيي أبوابه الخلفية لاستعادة «الزعامة الزائفة»

هدد شركات غربية في أفريقيا... ولوّح مجدداً باستهداف دبلوماسيين

عناصر من «القاعدة» في الشريط الحدودي ما بين باكستان وأفغانستان («الشرق الأوسط»)
عناصر من «القاعدة» في الشريط الحدودي ما بين باكستان وأفغانستان («الشرق الأوسط»)
TT

«القاعدة» يحيي أبوابه الخلفية لاستعادة «الزعامة الزائفة»

عناصر من «القاعدة» في الشريط الحدودي ما بين باكستان وأفغانستان («الشرق الأوسط»)
عناصر من «القاعدة» في الشريط الحدودي ما بين باكستان وأفغانستان («الشرق الأوسط»)

ما بين تهديد فرع تابع لتنظيم «القاعدة» الإرهابي بشن هجمات على شركات غربية في شمال وغرب أفريقيا باعتبارها «أهدافاً مشروعة»، إلى تلويح «القاعدة» مجدداً عبر منابرها الإعلامية باستهداف السياسيين والدبلوماسيين في عدد من الدول. بات التنظيم يطرق أبواباً خلفية للعودة من جديد لصدارة مشهد «المتشددين» ولو بشكل مؤقت، عقب خسائر تلقاها خصمه «داعش» في سوريا والعراق.
وقال خبراء في شؤون التنظيمات الإرهابية لـ«الشرق الأوسط»، إن «ثمة مخاوف بدأت تبرز على الساحة الإعلامية والسياسية في سوريا والعراق من عودة (القاعدة) مجدداً؛ كونه واحداً من أقدم التنظيمات الإرهابية التي انتشرت في تسعينات القرن الماضي بصورة هائلة». وأكدوا أنه «لا يجب التقليل من تهديدات «القاعدة» في أي وقت، خصوصاً أنه أم التنظيمات الجهادية، ورغم حالة التراجع الذي يعانى منها التنظيم في الخطط والأدوات، فإن هذا لا يقلل من قدرته على تنفيذ خطط على أرض الواقع».
ويقدم تنظيم «القاعدة» نفسه بصفته طليعة الجهاد ضد أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا، وأصحاب منهج صحيح على خلاف «داعش» الذي يصفهم بـ«الخوارج الغلاة والتكفيريين». ويرى مراقبون، أن «كثيراً من الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تلقت تدريبات على يد عناصر (القاعدة) انفصلت عن التنظيم خلال السنوات الماضية وانضمت لتنظيمات أخرى مثل (داعش)... وتسعى (القاعدة) لضم هؤلاء (الدواعش) عقب الهزائم التي لحقت بهم في سوريا والعراق خلال الأشهر الأخيرة».
وبخلاف تفجيرات برج التجارة العالمي في الحادي عشر من ديسمبر (كانون الأول) عام 2001، فإن «القاعدة» يمتلك سجلاً أسود في العمليات الإرهابية، أبرزها في عام 1998 عندما قام التنظيم بعملية تفجير مبنى سفارتي الولايات المتحدة الأميركية في نيروبي ودار السلام بكينيا؛ مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.
وهدد فرع لتنظيم «القاعدة» بشن هجمات على شركات غربية في شمال وغرب أفريقيا، ودعا إلى مقاطعتها. واستهدف مقاتلو التنظيم فنادق يرتادها أجانب في مالي وبوركينا فاسو وساحل العاج، وقال التنظيم في بيان له، إن «هذا يأتي منابذة لكل الشركات والمؤسسات الغربية - وبدرجة أولى الفرنسية منها - العاملة في المغرب الإسلامي (من ليبيا إلى موريتانيا) ومنطقة الساحل، وإخطار لها بأنها هدف مشروع لعناصره».
تزامن ذلك مع تقرير مصري كشف عن أن «القاعدة» يلوّح عبر أدواته الإعلامية باستهداف السياسيين والدبلوماسيين، وقال التقرير التي أعده باحثون في دار الإفتاء المصرية، إن «المخاطر التي رصدها عن مساعي (القاعدة) لاستهداف السياسيين والدبلوماسيين تعود إلى تاريخ تنظيم «القاعدة» الذي يعتبر من أكثر التنظيمات الإرهابية احترافية في تنفيذ الاغتيالات السياسية واستهداف المقرات الدبلوماسية، منذ بداية التسعينات بتفجير السفارة المصرية بباكستان عام 1995».
وقال المراقبون، إنه «رغم الضربات القوية التي وجهتها بعض القوى الدولية والإقليمية إلى التنظيمات الإرهابية الموجودة في منطقة الساحل والصحراء خلال الفترة الماضية، فإن ذلك لا ينفي أن الجهود التي تبذلها تلك القوى من أجل تكريس حالة الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، تواجه تحديات كثيرة لا تبدو هينة، وبخاصة أن تلك التنظيمات ما زال لديها القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية».
وأكد المراقبون في هذا الصدد، كان لافتاً أنها بدأت تركز على استهداف القوات الدولية والإقليمية، على غرار الهجوم الأخير الذي نفذته جماعة تدعى «نصرة الإسلام والمسلمين» الموالية لتنظيم «القاعدة» على دورية تابعة لقوة «بارخان» الفرنسية في مدينة غاو بشمال مالي مطلع يوليو (تموز) الحالي، وأدى ذلك إلى مقتل 4 مدنيين، وإصابة 31 آخرين، منهم 8 جنود فرنسيين... وتلى الهجوم الذي تعرض له مقر قيادة قوة مجموعة الساحل والصحراء في مدينة سيفاري بوسط مالي.
وأضاف التقرير المصري، أن زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي أيمن الظواهري قد وضع لأتباعه دستوراً في الإرهاب والإجرام وإراقة الدماء وأطلق عليه «شفاء صدور المؤمنين»، يهدف من خلاله إلى إضفاء شرعية دينية وسياسية على عمليات الاغتيالات لأفراد البعثات الدبلوماسية وتفجير مقراتها... متجاهلاً احتمالية سقوط ضحايا من المدنيين أو الأبرياء أثناء تنفيذهم تلك الهجمات الإرهابية؛ حيث برر الظواهري لأتباعه جواز إتلاف النفس من أجل ما أطلق عليه زوراً «مصلحة الدين والمصلحة العامة»... كما أجاز الظواهري لأتباعه قتل المخالفين في العقيدة إذا اختلط بهم من لا يجوز رميه من المسلمين أو غيرهم.
وأشار التقرير إلى أن آراء الظواهري الشاذة كانت بمثابة الأساس الذي انطلق منه تنظيم «القاعدة» وما لحقه وتزامن معه من جماعات إرهابية اشتهرت بالإفراط في تنفيذ العمليات الانتحارية، واستحلال استهداف السياسيين والدبلوماسيين، بغض النظر عن عقد الأمان الممنوح لهم.
من جانبه، قلل الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، من مزاعم وتهديدات تنظيم «القاعدة»، لافتاً إلى أن «الظواهري ما زال يعيش أحلام الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الدموية وما زال يعزف على أوتار الماضي، ويحاول جاهداً الإبقاء على تنظيمه والجماعات التابعة له كحركة متماسكة، رغم أنها بالفعل تفككت». مضيفاً أن «القاعدة» لا يزال يجد صعوبة في قبول انشقاق مزيد من الجماعات التابعة له، وبخاصة بعد انشقاق تنظيم داعش ومنافسته له؛ مما يؤكد مخاوفه من ظهور منافسين آخرين لقيادة حركة الجهاد العالمي - المزعومة - وسحب البساط من تحت قدمه، ويكون في آخر قائمة التنظيمات التي تدعي أنها - جهادية على حد زعمهم.
كما لـ«القاعدة» تاريخ حافل في استهداف الدبلوماسيين، فسبق أن أعلن عام 2005 استهداف رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية في العراق السفير إيهاب الشريف الذي تم اختطافه من أحد شوارع بغداد. وفي أبريل (نيسان) عام 2010 تبنى التنظيم ثلاث عمليات انتحارية استهدفت كلاً من السفارة المصرية وسفارات عربية وأجنبية في العاصمة بغداد؛ مما أسفر عن 30 قتيلاً. وفي مارس (آذار) من العام نفسه أعلنت جماعة تدعى «نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة لـ«القاعدة» في مالي، مسؤوليتها عن سلسلة هجمات بالعاصمة بوركينا فاسو وأغادوغو، واستهدفت السفارة والمعهد الفرنسيين ومقر القوات المسلحة في البلاد؛ مما أسفر عن مقتل 28 شخصاً على الأقل وجرح العشرات.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2015، اختطف تنظيم «القاعدة» في مدينة المكلا شرق اليمن، خمسة أشخاص، بينهم صحافيون وناشطون وسياسيون.
وفي مارس 2016، اختطف مسلحون من «القاعدة» وكيل محافظة أبين في اليمن حيدرة دحة قرب مدينة زنجبار.
وفي فبراير (شباط) 2017، اختطف عناصر من «القاعدة»، العقيد عبد الله الخضر حسين، أحد قيادات الحماية للرئيس هادي، في منطقة الخديرة إحدى قرى مديرية لودر بمحافظة أبين.
وفي يونيو (حزيران) 2017، اقتاد مسلحون مرتبطون بتنظيم «القاعدة» الإرهابي، عدداً من أعضاء بعثة الأمم المتحدة في ليبيا رهائن، وذلك بمنطقة الزاوية، وتم احتجاز سيارة تابعة للبعثة، في منطقة الحرشة غربي طرابلس التابعة لبلدية الزاوية، وقاد عملية الاختطاف شعبان هدية، المعروف بأبو عبيدة الزاوي التابع لـ«القاعدة».
وقال عمرو عبد الرحمن، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إنه «لا يجب التقليل من تهديدات «القاعدة» في أي وقت، خصوصاً أنه أم التنظيمات الجهادية، ورغم حالة التراجع الذي يعاني منها التنظيم في الخطط والأدوات، فإن هذا لا يقلل من قدرته على تنفيذ خطط على أرض الواقع».
في غضون ذلك، رجحت مصادر أمنية مصرية أن يتولى «القاعدة» زمام المرحلة الجهادية المقبلة، معتمداً على الاستفادة من القوة البشرية المدربة النازحة من «داعش» وتحالفه القائم مع جماعة «الإخوان»، والتمويل الذي لا يزال يتلقاه من قطر.
وتحدثت المصادر عن طفرة في مستويات تنظيم «القاعدة» القتالية، إثر اكتسابه خبرات ميدانية واسعة خلال سنوات الحرب السورية، لافتة إلى أن التنظيم الذي يهتم أكثر من ذي قبل بزعزعة الأنظمة العربية، يضم مقاتلين على قدر كبير من الاحترافية، ودربت عناصره على استخدام أسلحة متطورة... وربما العملية الإرهابية التي شهدتها مصر في أكتوبر عام 2017 بالواحات بالصحراء الغربية دليل على هذا التكتيك، الذي ظهرت فيه بصمات تنظيم «القاعدة» بوجهه الجديد.
بينما قال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن ثمة مخاوف بدأت تبرز على الساحة الإعلامية والسياسية في سوريا والعراق من عودة «القاعدة» مجدداً على الساحة؛ كونه واحداً من أقدم التنظيمات الإرهابية التي انتشرت في تسعينات القرن الماضي بصورة هائلة ولديه قدرة على جذب فلول وبقايا التنظيمات الميتة الأخرى، التي لاذت بالفرار من الهزائم المتتالية.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.