دراسة الجراثيم... للإيقاع بالمجرمين

يؤدي أكثر السراق تمرسا جريمتهم ويتسللون من موقع الجريمة بخفّة دون أن يشعر بهم أحد، ولكنّهم قي المقابل يتركون خلفهم ملايين الشهود في مسرح الجريمة، كلها من الجراثيم! وقد توصل العلماء إلى وسيلة تتيح تحديد هوية المجرمين بالاعتماد على الجراثيم التي تتساقط من الجلد والأنف.
- «توقيع» جرثومي
وكان جاراد هامبتون - مارسيل وزملاؤه من مختبر «آرجون ناشيونال» في ولاية إلينوي الأميركية قد أثبتوا عام 2014 أن الناس يتركون «توقيعاً» جرثومياً فريداً وخاصاً بكلّ واحد منهم في منازلهم. ويسلّط هذا الاكتشاف الضوء على إمكانية الاعتماد على الجراثيم لتحديد هوية المشتبه بهم في جرائم السرقة.
ويتساءل هامبتون - مارسيل: «ماذا لو كان باستطاعتنا العثور على توقيع فريد وخاص بكلّ فرد؟»
وقد تحدث الباحث عن تجربة فريقه العلمي وقدم نتائج دراسته في مؤتمر الجمعية الأميركية للأحياء الدقيقة الذي عقد في مدينة أتلانتا، بولاية جورجيا شهر يونيو (حزيران) الماضي.
استهلّ هامبتون - مارسيل دراسته بزيارة محققين مسؤولين عن أحد مسارح الجريمة في فلوريدا، فشرحوا له كيف يدخل السارقون عادة إلى المنازل وشرحوا له كيف تتفاوت سرعة استجابة الجهات الأمنية المعنية لفترة تمتد بين دقائق وساعات.
في عامي 2016 و2017 عمل الباحث وزملاؤه على ترتيب اختبار يشارك فيه 45 طالبا جامعيا يلعبون دور سراق مزيفين في 10 منازل في إلينوي وفلوريدا. بعدها، أخذ الباحثون عينة من مخلفات الجراثيم التي تركها السراق المزيفون.
كانت الخطوات الأولى في هذا الاختبار مثمرة، وقال هامبتون - مارسيل معلقا على عمل السراق: «سيستخدمون القوّة، ويتحرّكون بشكل يتيح لأجسامهم نثر الميكروبات في المكان».
وأخيراً، عمل الفريق على تحليل الميكروبات التي خلفها كلّ واحد من «السراق المزيفين» من الجلد ومنخاري الأنف بالاعتماد على علامة جينية تختص بسلالة كل جرثومة للتميز بينها وبين غيرها من الجراثيم. وبعد أخذ العينات من المشاركين وجمع البيانات من دراسات أخرى، وجد الباحثون أنّهم يستطيعون جمع آلاف المجموعات الجرثومية التي يمكن استخدامها كبصمات جرثومية فردية.
وكانت النتيجة النهائية أنّهم استطاعوا تحديد هوية كلّ سارق مزيف ودخوله إلى منزل معين ولكن بدقّة تتجاوز نسبتها 70 في المائة. وفوجئ الباحثون بالنتائج واعتبروها تطوّرا شديد الأهمية».
- تقنية رصد جديدة
تقول كلير غوينيت، المتخصصة في علم الأدلة الجنائية الطبية من جامعة «ستافوردشاير» في بريطانيا في حديث لمجلة «نيوساينتست» البريطانية: «حتى أكثر السارقين تمرسا وحذراً يتركون خلفهم أدلّة حيّة». وتضيف أن البيانات الجرثومية، كغيرها من أشكال الآثار الدلالية كالحمض النووي، قد تساعد في إثبات أنّ سارقا ما وجد حول شيء معيّن كصندوق للمجوهرات.
ولكن توجد بعض المعوقات التي تعرقل استخدام هذه التقنية في التحقيقات الجنائية.
فخلال دراسة العام 2014 ترك بعض المشاركين منزلهم فارغاً لبضعة أيام، مما أدّى إلى تلف توقيعهم الجرثومي. لذا، حذّر هامبتون - مارشال، من أنّه وعلى عكس بصمة الإصبع، يبدأ التوقيع الجرثومي الخاص بالمجرم بالتلف بعد مرور 30 دقيقة فقط على مغادرته.
في المقابل، لفتت روث مورغان الباحثة في «يونيفرسيتي كوليدج لندن» إلى أنّه في حال تمّت عملية جمع الأدلّة بالسرعة المطلوبة، قد تساهم هذه الأدلّة الجرثومية في الكشف عن توقيت حصول الجريمة. وأضافت متسائلة: «هل هناك أي وسيلة تساعد في تحديد عمر الأثر المتروك؟ إذ لا شكّ في أنّ هذه الوسيلة ستلعب دوراً شديد الأهمية في إعادة رسم مشهد جريمة معينة».
تحدّث هامبتون - مارسيل عن رغبته برفع نسبة دقّة تحديد المجرمين عن طريق التوقيع الجرثومي إلى 90 في المائة.
ومن جهتها، ترى مورغان أن زيادة نسبة الدقة ستكون مفيدة، ولكنّها تلفت إلى أنّ نسبة الـ70 في المائة أيضاً فعالة إذا ما اجتمعت مع بصمات الأصابع وآثار الحمض النووي. وأخيراً، فإنها تعتقد أن هذه الوسيلة، إلى جانب غيرها من أشكال جمع الأدلّة في قضية معينة، ستشكّل مجموعة من الأدوات الفعالة لحلّ الجرائم.