أوسع غارات إسرائيلية على غزة منذ صيف 2014... و«حماس» تردّ

الهدنة في القطاع تترنح... ومصر تسارع إلى التدخل لإبعاد شبح الحرب

TT

أوسع غارات إسرائيلية على غزة منذ صيف 2014... و«حماس» تردّ

ترنحت الهدنة في قطاع غزة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وظهرت نذر حرب جديدة، بعد يوم طويل من القصف المتبادل بين الطرفين، يعدّ الأوسع منذ نهاية حرب صيف 2014 التي استمرت 51 يوماً.
وشنت إسرائيل سلسلة طويلة من الهجمات العنيفة ضد قطاع غزة، مستهدفة مواقع عسكرية للفصائل الفلسطينية، وردت الفصائل بعشرات الهجمات الصاروخية ضد بلدات ومستوطنات إسرائيلية في محيط القطاع. واستمر القصف المتبادل منذ الفجر، وطيلة يوم أمس (السبت)، على الرغم من مسارعة مصر للتدخل لإنقاذ الهدنة.
وقالت مصادر فلسطينية مطلعة إن مصر تدخلت بقوة من أجل وقف التصعيد في قطاع غزة، ونجحت إلى حد كبير في نزع فتيل الانفجار بعد ساعات مضنية من الوساطة التي دخل على خطها كذلك مبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ميلادينوف.
وبحسب المصادر، توصلت مصر إلى اتفاق بوقف متبادل للقصف من قبل إسرائيل والفصائل، بعدما رفض كل طرف البدء بذلك. وأصرت إسرائيل على قصف غزة، وهددت بتوسيع دائرة النار، إذا استمرت الفصائل بإطلاق صواريخ من القطاع، وقابل ذلك إصرار فلسطيني على الرد على كل قصف بقصف، قبل أن تنجح مصر في تبريد الرؤوس، والاتفاق على خفض حجم النار حتى وقفه، وهو ما لم يترجم حتى ساعات المساء الأولى. وبحسب المصادر المطلعة على طبيعة المفاوضات، فإن مصر تحركت بناء على قناعة بأن الاتفاق الذي رعته سابقاً أصبح مهدداً ويترنح، وأن على الطرفين أن ينقذاه أو يذهبا إلى مواجهة جديدة مفتوحة.
وتدهورت الأوضاع الأمنية في قطاع غزة ومحيطها بعد منتصف الليل، عندما شن الطيران الإسرائيلي سلسلة من الغارات على مواقع تابعة للفصائل الفلسطينية، رداً على إصابة ضابط إسرائيلي بجروح بعد إلقاء قنبلة يدوية على قوات للجيش في محيط السياج الحدودي يوم الجمعة. وقتل الجيش الإسرائيلي يوم الجمعة فلسطينيين اثنين، وأصاب أكثر من 200 جريح بالرصاص، في المظاهرات الأسبوعية هناك.
وارتفع إلى 139 عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل عند حدود قطاع غزة منذ بداية مسيرات العودة نهاية مارس (آذار) الماضي. وأغارت إسرائيل بداية على نفق هجومي وعدة مواقع عسكرية، بينها معسكر تدريب تابع لحركة حماس، ومواقع يتم فيها تجهيز البالونات الحارقة، فردت الفصائل الفلسطينية بإطلاق صواريخ تجاه المستوطنات والبلدات الإسرائيلية القريبة، قامت القبة الحديدية بالتصدي لبعضها، قبل أن يعود الجيش الإسرائيلي لقصف غزة، وترد الفصائل بصواريخ.
واستمر هذه الوضع منذ فجر وطيلة نهار السبت، لكن في جولة ثانية، وسعت إسرائيل من حجم المناطق المستهدفة، وكثفت الفصائل من عدد الصواريخ.
وبعد قليل من تهديدات الجيش الإسرائيلي بتوسيع رقعة النار، وطلب الناطق باسم الجيش من أهالي قطاع غزة «الابتعاد كلياً عن كلّ مبنى أو بنية تحتية تخدم العناصر الإرهابية، ومن كلّ شخص يُعرف كإرهابي، وكلّ منطقة تعمل فيها المنظمات الإرهابية»، هاجمت إسرائيل مواقع أكثر حساسية.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، البريغادير رونين مانيليس، إن الغارات انصبت على مقر كتائب القسام في بيت لاهيا، شمال القطاع، حيث تم استهداف معسكرات تدريب ومخازن أسلحة ومنشأة لإنتاج الوسائل القتالية، بعضها تابع للقوة البحرية «الحمساوية».
وأضاف مانيليس: «إن الغارات جاءت رداً على الأعمال الإرهابية لحركة حماس ضد مواطني الدولة وسيادتها قرب السياج الأمني، من خلال تسيير الطائرات الورقية الحارقة، وفي أعقاب إطلاق النار من أراضي القطاع باتجاه التجمعات السكانية في الجنوب».
ووصف مانيليس هذه الغارات بأنها «تعبر عن القدرات الاستخبارية والعملياتية القادرة على التوسع وفق الحاجة وتقدير الموقف»، وأضاف: «يتابع الجيش خطورة نشاطات حماس الإرهابية، وهو جاهز لسيناريوهات متنوعة، ومصمم على مواصلة حماية مواطني إسرائيل».
وأصيب 6 فلسطينيين على الأقل بقصف الطائرات الإسرائيلية لغزة، ولم يصب إسرائيليون بإطلاق صواريخ من القطاع.
كانت «حماس» وفصائل أخرى قد قامت بإطلاق ما يقارب 70 صاروخاً وقذيفة هاون على مستوطنات وبلدات إسرائيلية، وسمع دوي صفارات الإنذار في كثير من المدن والقرى المحيطة بالقطاع، كما تم إصدار التعليمات لسكان المنطقة بالبقاء قرب الملاجئ والغرف الآمنة مسافة 15 ثانية.
ويعد هذا أوسع تصعيد منذ نهاية حرب عام 2014. وأكدت حركة حماس أنها لن تسمح للاحتلال بأن ينفرد بقصف الشعب الفلسطيني وقتله. وورد في بيان للناطق باسم الحركة، عبد اللطيف القانوع، أن «ارتفاع وتيرة التصعيد لدى الاحتلال لن يغير المعادلة، أو يفرض واقعاً جديداً، أو يوقف زحف مسيرات العودة والمقاومة»، وأضاف: «لن تسمح للاحتلال بأن ينفرد بقصف شعبنا وقتله، وردها سيكون حاضراً على كل تصعيد، والاحتلال يتحمل نتائج ذلك».
ومع نهاية يوم السبت، أجرى رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال غادي أيزنكوت، جلسة لتقدير الموقف، بمشاركة قائد المنطقة الجنوبية العسكرية، ورئيس هيئة العمليات، وقائد فرقة غزة، وقادة آخرون، وقال إن «الجيش يتحرك ضد النشاطات الإرهابية التي تقودها حماس في منطقة السياج الأمني، وضد إطلاق القذائف الصاروخية باتجاه بلدات الجنوب، وإرهاب الحرائق. وسيقوم جيش الدفاع بتوسيع وتيرة غاراته في قطاع غزة، طالما ستكون حاجة لذلك»، وزاد: «سنواصل التحرك لتحسين الواقع الأمني، ولتعزيز حالة الأمان لدى سكان الجنوب».
وربط في بيان توقف إسرائيل عن القصف بتوقف الفصائل عن ذلك، لكن أطلقت رشقة صواريخ لاحقة، ردت عليها إسرائيل بقصف استهدف مبنى الكتيبة غرب غزة، وخلف مزيداً من الإصابات في القطاع.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.