طالبتان من سيناء: أحلام الدراسة تقاوم «ظلام الإرهاب»

استئناف العمل في جامعة العريش بعد توقف لـ 5 أشهر

الطالبتان في جامعة العريش آية رشاد وخلود أيمن («الشرق الأوسط»)
الطالبتان في جامعة العريش آية رشاد وخلود أيمن («الشرق الأوسط»)
TT

طالبتان من سيناء: أحلام الدراسة تقاوم «ظلام الإرهاب»

الطالبتان في جامعة العريش آية رشاد وخلود أيمن («الشرق الأوسط»)
الطالبتان في جامعة العريش آية رشاد وخلود أيمن («الشرق الأوسط»)

على مقاعد الدراسة في جامعة العريش بشمال سيناء، جمعت الصدفة وأحلام المستقبل بين طالبتين، أولاهما آية رشاد ابنة مدينة «الطور» الواقعة على ساحل البحر الأحمر في محافظة جنوب سيناء التي تمتاز بالهدوء الذي يليق بها كوجهة سياحية بارزة، أما الثانية فهي زميلتها خلود أمين، من مدينة العريش على ساحل البحر المتوسط بمحافظة شمال سيناء المضطربة أمنياً بفعل «العمليات الإرهابية». الطالبتان القادمتان من بيئتين مختلفتين من حيث الاستقرار الأمني، والقريبتين جغرافياً من الناحية النظرية، التحقتا بجامعة العريش لاستكمال حلم الدراسة والتفوق، أملاً في مستقبل أفضل يتجاوز مرارات خلّفها المسلحون المتطرفون، وغير عابئتين بمحاولات «إرهابيين» تعطيل الدراسة في جامعتهما «العريش» التي استؤنفت الدراسة في كلياتها مطلع يوليو (تموز) الجاري، بعد توقف استمر 5 أشهر بالتزامن مع حملة عسكرية موسعة شنتها قوات الجيش والشرطة في فبراير (شباط) الماضي، لمطاردة العناصر المسلحة التي تدين في أغلبها بالولاء لتنظيم «داعش الإرهابي». ما يعانيه شمال سيناء من توتر وعنف لم يثنِ الطالبة «آية» ابنة المدينة السياحية الهادئة، عن استكمال طريقها لتحقيق حلمها بعد اجتياز دراستها الثانوية، والتحقت بقسم الجغرافيا بكلية التربية بجامعة العريش.
تقول آية لـ«الشرق الأوسط»: إن «حلمي الكبير في العمل كأستاذة جامعية للجغرافيا، دفعني إلى أن أغمض عيني عن مصاعب كثيرة قائمة تتمثل في التحاقي بجامعة يقع مقرها في شمال سيناء»، وأضافت: «اعتبرت أن التحدي هو الانتصار لحلمي الخاص». وأشارت إلى أنها تقطع «مسافة أكثر من 500 كيلومتر من منزلها في مدينة الطور إلى حيث تقيم في المدينة الجامعية بالعريش، رغم أن المسافة الفعلية المباشرة تبلغ نحو 300 كيلومتر، لكان الفارق ينجم عن المرور عبر طرق التفافية تمر من غرب سيناء نظراً إلى وجود مخاطر أمنية على الطرق المارة من وسطها تهدد سلامة السائرين عليها».
وتلتقط ابنة مدينة العريش «خلود»، طرف الحديث من زميلتها، لتشرح أن «استئناف الدراسة في جامعة العريش، أعاد إليها وإلى مدينتها روحاً افتقدتها بسبب الحرب على الإرهاب».
وتقول خلود لـ«الشرق الأوسط»: «أنا وكل جيلي في الجامعة من أبناء عائلات وعشائر وقبائل وموظفين يقيمون في شمال سيناء، فضلاً عن أبناء المحافظات الأخرى»، وتتابع: «أكبر من يساعدنا على هذا التحدي عائلاتنا، رغم الصعوبات التي نواجهها والتي من بينها التنقل عبر الطرق ومخاطر السير عليها وصولاً إلى الجامعة، والخوف من تهديدات قد تلاحقنا من إرهابيين يعتبرون أن خروج الفتاة وتعليمها جريمة».
وبموجب قرار أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل عامين، اكتسبت جامعة العريش صفة «الجامعة المستقلة» بعد أن ظلت تابعة لسنوات طويلة لجامعة قناة السويس التي تتخذ من محافظة الإسماعيلية مقراً لها، ويدرس في الجامعة نحو 7 آلاف طالب من محافظات مختلفة وموزعون بين 6 كليات ومعاهد.
وتعد الطالبة خلود أن «تحسناً ملحوظاً تشهده مدينة العريش، أعطاها مزيداً من الطمأنينة وهي تتنقل ما بين منزلها في وسط المدينة وصولاً إلى الجامعة في حي ضاحية السلام شرق مدينة العريش، إذ تتمكن من اللحاق بحافلات عامة خصصتها الجامعة للطلبة، وكذلك أصبحت سيارات الأجرة متاحة وإن ظلت محدودة».
حال المدينة الآخذ في التحسن نسبياً من الناحية الأمنية، وفق ابنة شمال سيناء، دفع زميلتها آية المنتمية إلى الجنوب الهادئ، إلى القول: «شتان بين مدينتي الطور حيث تقيم عائلتها، ومدينة العريش حيث تدرس، حيث تتمتع الأولى بالهدوء الأمني التام والحياة الطبيعية وتدفق الزوار من السائحين على شواطئ المحافظة»، لكنها استدركت: «هذه المقارنة تجاوزتها الآن في سبيل أن أنتهي من دراستي دون عقبات (نفسية) على الأقل».
وخففت الحكومة المصرية خلال الشهر الماضي جزئياً من إجراءات صاحبت العمليات الأمنية الدائرة حالياً، وقررت فتح محطات وقود تم إغلاقها، لتضييق الخناق على المسلحين ومنع تزويدهم به، كما فتحت طريق السفر من شمال سيناء إلى بقية المحافظات.
ويبدو أن الخوف من الأوضاع في شمال سيناء، والذي كان يصاحب الطالبة آية، في أيامها الأولى بالجامعة كان هو الدافع وراء بناء الصداقة بين الزميلتين اللتين تعرّفتا للمرة الأولى في حرم جامعة العريش.
وتشرح ابنة شمال سيناء، أن «نعمة الأمان الكلّي الذي تعيشه صديقتها في بلدتها بجنوب سيناء، وانتقالها إلى منطقة مضطربة، كان سبب قربهما، وأنها في أول لقاء حاولت التخفيف عليها من صعوبة الوضع، وسرد حكايات واقعية، تشير إلى صعوبات يقابلها الجميع في العريش بتحدٍّ بمن فيهن الفتيات في أعمارهن».
وأكدت خلود لصديقتها أنه «في وقت غير بعيد كانت مدينتها العريش لا تختلف كثيراً عن مدينة الطور، وكانت وجهة صيفية للآلاف من أبناء محافظات مصر، إلى حد إغلاق الشارع الرئيسي وسط المدينة أمام السيارات ليتحول إلى ممر للمشاة فقط نظراً إلى كثافة أعدادهم».
وبدوره يؤكد الدكتور حبش النادي رئيس جامعة العريش، أن الجامعة التي عادت للعمل تضم 6750 طالباً، يدرسون في كليات الجامعة وهي «الآداب والعلوم الإنسانية»، و«الاستزراع السمكي والمصايد البحرية»، و«الاقتصاد المنزلي»، و«التجارة»، و«التربية الرياضية»، و«العلوم»، و«العلوم الزراعية»، و«التربية».
وشرح أن «القوات المسلحة المصرية، وافقت على عودة العمل بعد استقرار الأوضاع الأمنية في شمال سيناء، وجاء القرار متضمناً الالتزام بأن تكون مدة الفصل الدراسي 3 أشهر، وكذلك قررت إدارة الجامعة تقديم تيسيرات للطلبة بينها توفير وسائل نقل داخل مدينة العريش، وفتح المدينة الجامعية مجاناً أمام المغتربين من أبناء المحافظات الأخرى».


مقالات ذات صلة

مقتل 3 جنود و19 إرهابياً بعملية أمنية شمال غربي باكستان

آسيا أفراد من الجيش الباكستاني (أرشيفية)

مقتل 3 جنود و19 إرهابياً بعملية أمنية شمال غربي باكستان

قُتل 3 جنود من رجال الأمن الباكستاني، كما قُضي على 19 مسلحاً من العناصر الإرهابية خلال عمليات أمنية واشتباكات وقعت في المناطق الشمالية من باكستان.

«الشرق الأوسط» ( إسلام آباد)
أفريقيا استنفار أمني صومالي في العاصمة مقديشو (متداولة)

مقتل 10 من عناصر حركة «الشباب» بغارة أميركية في الصومال

نفّذت الولايات المتحدة ضربة جوية في جنوب الصومال أسفرت عن مقتل عشرة من عناصر حركة «الشباب»، وفق ما أفاد الجيش الأميركي، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شؤون إقليمية صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)

إردوغان تحت ضغط المعارضة لصمته تجاه الحوار مع أوجلان

يواجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضغوطاً من المعارضة لتوضيح موقفه من الاتصالات مع زعيم حزب «العمال» الكردستاني عبد الله أوجلان في مسعى لحل المشكلة الكردية

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان مستقبلاً رئيس وزراء إقليم كردستاني العراق مسرور بارزاني (الرئاسة التركية)

تركيا: استضافة لافتة لرئيس وزراء كردستان ورئيس حزب «حراك الجيل الجديد»

أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مباحثات مع رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، بالتزامن مع زيارة رئيس حزب «حراك الجيل الجديد»، شاسوار عبد الواحد

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا جنود ماليون خلال تدريبات عسكرية على مواجهة الإرهاب (أ.ف.ب)

تنظيم «القاعدة» يهاجم مدينة مالية على حدود موريتانيا

يأتي الهجوم في وقت يصعّد تنظيم «القاعدة» من هجماته المسلحة في وسط وشمال مالي، فيما يكثف الجيش المالي من عملياته العسكرية ضد معاقل التنظيم.

الشيخ محمد (نواكشوط)

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.