«الجيوش الإلكترونية» التابعة للأحزاب اللبنانية رأس حربة في الحملات السياسية

«الجيوش الإلكترونية» التابعة للأحزاب اللبنانية رأس حربة في الحملات السياسية
TT

«الجيوش الإلكترونية» التابعة للأحزاب اللبنانية رأس حربة في الحملات السياسية

«الجيوش الإلكترونية» التابعة للأحزاب اللبنانية رأس حربة في الحملات السياسية

بدأت معظم الأحزاب السياسية في لبنان تعتمد مؤخرا على مجموعات كبيرة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، معظمهم من الحزبيين، باتوا يشكلون ما يشبه «الجيوش الإلكترونية» التي باتت فعليا «رأس حربة» في الحملات السياسية باعتبار أنها قادرة على إطلاق حملة ما أو تفعيلها أو شن حملات مضادة، ما يجعل منها عنصرا أساسيا مستجدا في تركيبة أي حزب يسعى للعب دور فاعل في الحياة السياسية اللبنانية.
ورغم اعتقاد كثيرين أن المجموعات الحزبية الناشطة سواء على موقع «فيسبوك» وبالأخص على موقع «تويتر» هي مجموعات تتلقف مواقف رئيس الحزب أو الزعيم تلقائيا وتحاول الترويج لها، فإن الحقيقة أن القسم الأكبر من هذه المجموعات منظم وبات جزءا من الهيكلية الحزبية ويتبع معظم الأوقات أجهزة الإعلام والتواصل في حزب ما. وهو ما يؤكده مفوض الإعلام في الحزب «التقدمي الاشتراكي» رامي الريس، وكذلك مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانية» شارل جبور. وإن كان الأول لا يحبذ تسمية «جيش إلكتروني» لاعتباره أن الفضاء الإلكتروني بطبيعته واسع وفيه كثير من الحرية والمرونة بعكس الجيوش المنظمة، ويتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن «مجموعة كبيرة من أعضاء الحزب والمناصرين والأصدقاء الذين ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وتكون مفوضية الإعلام على تواصل دائم معهم»، أما جبور فيؤكد «وجود جيش إلكتروني قواتي منظم يتبع لجهاز الإعلام والتواصل ويلتزم التوجهات الحزبية والسياسة التي ينتهجها الحزب»، لافتا إلى أن «القوات من أول الأحزاب التي تعاطت باحترافية مع هذا الملف لاعتبارها أنه من الطبيعي أن تخلق (جيوشا) مماثلة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وخلق معظم الحزبيين حسابات خاصة بهم عليها». ويضيف جبور في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كان يمكن أن نتجاهل هذا الموضوع، لكننا اعتبرنا أنه أمر غير قابل للتجاوز على الإطلاق وإن كنا لا يمكن أن نتحدث عن تنظيم بما نسبته مائة في المائة لهذا الجيش لعدم قدرتنا على ضبط الأمور تماما خاصة أن بعض من في هذا الجيش يدور في الفلك القواتي لكنه لا يحمل بطاقة حزبية».
ويتعاطى الحزب «التقدمي الاشتراكي» مع ملف «الجيوش الإلكترونية» على أساس أنه «جانب جديد من عمل مفوضية الإعلام بعدما باتت وسائل التواصل إحدى أدوات العمل السياسي والإعلامي المباشر، ولها تأثير كبير على شرائح الرأي العام، ولا سيما الشباب». ويشير الريس إلى أن لحزبه «تجربة ناجحة في هذا المجال»، لافتا إلى أنهم يحاولون قدر الإمكان «إبقاء السجالات التي يخوضها الناشطون التابعون للحزب في إطارها السياسي والابتعاد قدر الإمكان عن التهجم الشخصي على أي رمز سياسي».
ولعل ما يدفع الأحزاب إلى الاعتماد أكثر من أي وقت مضى على «الجيوش الإلكترونية» هو قدرتها على التنصل منها ومن مواقف عناصرها عند الحاجة. وهو ما يلمح إليه جبور مؤكدا أن حزب «القوات» «لا يتحمل تبعات أي تغريدة أو موقف باعتبار أن كثيرا من هذه المواقف تصدر عن أشخاص يدورون في فلكنا ولكنهم غير ملتزمين حزبيا».
وإلى جانب حسابات المناصرين والحزبيين، تستخدم الأحزاب وبعض الشخصيات السياسية حسابات وهمية للتسويق لنفسها ولسياستها، كما تعتمد على هذه الحسابات بشكل أساسي عندما تريد بعث رسالة ما إلى حزب أو شخصية أخرى من دون أن تتبناها رسميا ومن دون أن تتحمل تبعاتها.
ومؤخرا، تجندت الجيوش الإلكترونية الحزبية فخاضت أكثر من مواجهة، سواء تلك العونية - القواتية مع احتدام الخلاف بين قيادتي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» على خلفية الملف الحكومي، أو تلك العونية - الاشتراكية التي لا تنفك تلتزم نوعا من التهدئة حتى تعود إلى التراشق وبخاصة عبر موقع «تويتر».
ويشير المحامي طوني مخايل، المستشار القانوني لجمعية «مهارات» التي تُعنى بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير إلى أن مفهوم «الجيوش الإلكترونية» في لبنان يختلف تماما عما هو عليه في دول العالم حيث تتبع هذه الجيوش عادة جهات رسمية وأجهزة مخابرات وتعمل بشكل أساسي على القيام بهجمات إلكترونية وتعطيل شبكات معينة، لافتاً إلى أنه في لبنان «يقتصر في معظم الأحيان دورها على البروباغندا الإعلامية والتسويق».
ويضيف مخايل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «قد يختلف الأمر حين يتعلق الموضوع بحزب الله باعتبار أن جزءاً من عمله عسكري وأمني وبالتالي قد يكون لجيشه الإلكتروني مهام مختلفة عن جيوش باقي الأحزاب اللبنانية»، مرجحا أن تكون إحدى مهامه «المشاركة في شن حرب نفسية على عدو ما».
وقد درجت العادة مؤخرا على ملاحقة الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي قضائيا وبالتحديد في شكاوى لها علاقة بالقدح والذم والتشهير والترويج لأخبار كاذبة أو الإساءة لسمعة شخص معين. وفي هذا السياق، يوضح مخايل أنه «بمعظم الحالات يتم رفع دعوى جزائية أمام النيابة العامة التي تحيلها إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية للتحقيق فيها، أو مباشرة إلى محكمة المطبوعات علما بأن محكمة التمييز فسخت مؤخرا حكما صادرا عن المطبوعات معتبرة أنه ليس من صلاحيتها البت فيه، ودعت لتنفيذ قانون العقوبات». ويضيف: «صحيح أن النصوص القانونية بحاجة للتطوير في مجال التعاطي مع المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لكن الخوف في حال الخوض في هذا المجال من أن يؤدي ذلك إلى تقييد أكبر للحريات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.