نصر الحريري... مفاوض الثورة «البراغماتي»

نصر الحريري... مفاوض الثورة «البراغماتي»
TT

نصر الحريري... مفاوض الثورة «البراغماتي»

نصر الحريري... مفاوض الثورة «البراغماتي»

يتابع نصر الحريري، الطبيب السوري الأربعيني، بحسرة وخيبة المستجدات الواردة من مسقط رأسه في مدينة درعا. فمنذ توليه رئاسة هيئة التفاوض في عام 2017 خسرت فصائل المعارضة تباعاً القلمون وريف حمص والغوطة، ومؤخراً درعا المعروفة بـ«مهد الثورة». يتحدث الحريري عن «صفقة خبيثة» أدت لغياب الرد الأميركي على هجوم قوات النظام السوري المدعومة من روسيا في جنوب غربي البلاد بعد أن استخدمت واشنطن القوة العسكرية ضد هجمات على حلفائها في مناطق أخرى بسوريا.

لكن الخيبة شيء والاستسلام شيء آخر بالنسبة إلى الحريري الذي انضم إلى صفوف الثورة السورية مع انطلاقتها، فعُيّن عضواً بالهيئة السياسية للائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية ممثلاً عن الحراك الثوري، قبل أن تختاره المعارضة لرئاسة وفدها إلى مفاوضات جنيف، فرئيس الوفد المفاوض المعارض أكد بالتزامن مع رفع النظام علمه في درعا، المضي في المعركة، مشدداً على أنه «واهم من يعتقد أن معركتنا مع النظام يمكن أن تحددها جغرافياً أو يمكن لها أن تنتهي بسهولة». ورغم توقف المفاوضات في جنيف منذ سعي موسكو لاستبدال المسار السويسري بمسار «سوتشي» الذي كان يعارضه الحريري، فإن هيئة التفاوض سلمت مطلع الشهر الحالي قائمة مرشحيها للجنة الدستورية التي خلص إليها آخر اجتماع في سوتشي للمبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا. وقد اعتبر رئيس الهيئة أنها «خطوة للمضي في تطبيق بيان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254 وإيماناً منها بضرورة مواصلة العمل والصمود في كل الجبهات بما فيها السياسية».
ويبدو أن الحريري يتقن الصمود. فابن درعا الذي ولد في الأول من يناير (كانون الثاني) 1977، تخرج في كلية الطب وحصل على الماجستير في الأمراض الباطنية والقلبية، وشغل مناصب عدة، أبرزها رئيس الأطباء في مستشفى الأسد الجامعي بدمشق، ثم رئيس الأطباء في مستشفى درعا الوطني، بعد أن تخصص طبيب القسطرة القلبية في مستشفى الشفاء وعدد من المستشفيات الخاصة في دمشق. وعمل الحريري أيضاً محاضرا في شركة للصناعات الدوائية ومديرا طبيا للعيادات السعودية في مخيم الزعتري، ثم مديراً للمكتب الإقليمي للهيئة الطبية السورية.
لم تكن المسيرة المهنية للحريري محصورة بالتحديات الكبيرة التي يواجهها أي طبيب، إذ تعرض للملاحقة الأمنية منذ 2003 وحتى 2009 بتهمة «بث أفكار تضعف الشعور القومي». وفي عام 2011 انضم إلى «الحراك الثوري السلمي» مع انطلاقة الثورة السورية، وشارك في تنظيم أول اعتصام نقابي، وألقى بياناً قال فيه إن «قوات الأمن مجرمة وهي من ارتكبت المجازر» وإن «الإعلام السوري كاذب يسعى إلى الفتنة، ويجب محاسبته». وقدم هو والمعتصمون استقالات جماعية من حزب «البعث». واعتقل بعد ذلك أكثر من 20 مرة بتهم تمويل الثورة، وإضعاف الشعور القومي، وتصوير الشهيد حمزة الخطيب وبث صوره على القنوات، والتواصل مع قنوات إعلامية معادية للنظام، والتحريض والتأجيج على التظاهر ضد النظام ومعالجة الثوار.
وأسس ابن درعا نقابة الأطباء الأحرار في مدينته عام 2011، وأعلن عن عملها رسمياً في الأردن بعد عامين. وهو عضو مؤسس في المنتدى الوطني للحوار الديمقراطي في الأردن، وفي اللجنة الطبية السورية في الأردن، وفي اللجان المحلية في مدينة درعا، ونقيب الأطباء والصيادلة الأحرار.
لكن مشواره الثوري من الداخل السوري انتهى في عام 2012، بعد أن قرر مغادرة درعا متوجهاً إلى الأردن في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، فأقام في مخيم الزعتري وهناك عمل مديراً طبياً للعيادات السعودية في المخيم، كما كان مديراً للمكتب الإقليمي للهيئة الطبية السورية.
وبعدها انضم الحريري إلى الائتلاف المعارض وتولى الأمانة العامة فيه في 2014 قبل أن يُنتخب رئيساً لهيئة التفاوض خلفاً لرياض حجاب في مؤتمر «الرياض 2» في فبراير (شباط) 2017. وترأس ابن درعا وفود المعارضة في اجتماعات جنيف 4 و5 و6 و7 و8 و9. ورغم توقف الاجتماعات، فإن هيئة التفاوض تواصل اجتماعاتها في الرياض بشكل دوري (كل شهر أو كل شهر ونصف تقريباً)، وهي عقدت آخر اجتماع في الرابع والعشرين من الشهر الماضي وبحثت خلاله المشاركة في اللجنة الدستورية التي تم التفاهم عليها في اجتماعات «سوتشي». وتم فعلياً إرسال مجموعة من الأسماء المقترحة إلى دي ميستورا.
وأعلن الحريري مؤخراً أن اللجنة الدستورية التي ستشكلها الأمم المتحدة من أجل الحل السياسي في البلاد، تتكون من النظام والمعارضة والخبراء بنسبة الثلث لكل طرف، لافتاً إلى أن اللجنة الدستورية «تم الحديث عنها في جنيف، وازداد زخمها بعد مؤتمر سوتشي (الحوار السوري)، وخف الحديث عنها لاحقاً لرفض النظام لها». وأوضح أنه «بعد قرار إرسال الأسماء للأمم المتحدة زاد الزخم، والدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران) يتم التشاور معها للوصول إلى 150 عضواً، وهناك سعي أممي للتواصل مع دول آستانة، والتواصل مع الدول الغربية للتوصل إلى تصور بشأن اللجنة».
ويأخذ معارضو الحريري عليه أنه كان في عام 2014 من أبرز المعارضين للمفاوضات مع النظام السوري ولمسار الحل السياسي باعتباره جمّد إلى جانب 43 عضواً عضويتهم في الائتلاف المعارض بعد قرار القيادة المشاركة في مفاوضات جنيف، وأنه تحول اليوم إلى رئيس الوفد المفاوض.
ولم تشارك هيئة التفاوض بشكل رسمي في المفاوضات التي أفضت إلى انضمام درعا إلى «مناطق المصالحات» وإن كان 3 من أعضائها أبرزهم بشار الزعبي جلسوا مع الروس على طاولة واحدة، وكانوا شركاء بالاتفاق الذي تم توقيعه مؤخراً. وتؤكد مصادر مطلعة أن الحريري لم يكن له أي دور بالتواصل المباشر مع المفاوضين الروس، وكان فقط على اتصال بقادة الفصائل في الجنوب، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه ركز جهوده على تكثيف الاتصالات مع السعودية والأردن وتركيا، «وحين تم توقيع الاتفاق بخصوص درعا لم يكن للهيئة أي دور أو قرار».
ويأخذ مدير «مركز جسور للدراسات» محمد سرميني على الحريري أنه «براغماتي بطريقة مبالغ فيها»، لافتاً إلى أنه «كان من المجموعة التي قاطعت مؤتمر جنيف 2 وعلقت مشاركتها في الائتلاف، لكن الآن هو المسؤول الأول عن التفاوض». ويرى سرميني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الحريري لم ينجح في ملء الفراغ الذي تركه رئيس الوزراء الأسبق رياض حجاب»، مشيراً إلى أن «الأداء الذي قدمته الهيئة في درعا مؤخراً كان مخيباً باعتبارها ظلت متفرجة على تسليم المنطقة للنظام والروس».
في المقابل، تؤكد مصادر قريبة من الهيئة أنها «لم تقف أبدا متفرجة على ما يحصل في درعا وحاولت ممارسة كل الضغوط اللازمة سواء من خلال الاتصالات والمشاورات المفتوحة مع سفراء الدول الكبرى، أو من خلال محاولة الحد من خسارة المعارضة بالصفقة التي تم بالنهاية فرضها بعد قرار واشنطن تسليم المنطقة للروس»، مذكرة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «دورها يبقى إلى حد بعيد محصوراً بالعمل الدبلوماسي ولا سلاح بين يديها إلا التمسك بالقرارات الأممية».
ورغم بعض الأصوات المعارضة أو المنتقدة لأداء الحريري والمطالبة باستقالته من منطلق أن أعضاء الهيئة يجلسون على طاولة المفاوضات لإيجاد حل سياسي، فيما النظام يطبق عملياً الحل العسكري، فإن مصادر الائتلاف المعارض تنفي تماماً وجود أي نية حالياً لانتخاب بديل عن الحريري أو عن أحد أعضاء الهيئة.
وصوّب ابن درعا بوضوح نهاية الشهر الماضي باتجاه الولايات المتحدة، فشجب ما سماه «الصمت الأميركي» على هجوم قوات النظام السوري على درعا في جنوب غربي سوريا، واصفاً ما يحصل بأنه «صفقة». وقال الحريري في مؤتمر صحافي في الرياض إن وجود «صفقة خبيثة» هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفسر غياب الرد الأميركي على هجوم القوات الحكومية المدعومة من روسيا في جنوب غربي سوريا بعد أن استخدمت واشنطن القوة العسكرية ضد هجمات على حلفائها في مناطق أخرى من سوريا. ورأى أن واشنطن تحافظ فقط على المناطق التي تريدها في سوريا. كما وصف تحرك المجتمع الدولي حيال جنوب سوريا بـ«الوهمي والفارغ»، معتبراً أن المجازر التي ترتكب بحق المدنيين «عار وعيب بحق المجتمع الدولي».
ولعل أبرز ما يسبب نوعاً من الخيبة للحريري في الأشهر الماضية، بحسب مقربين منه، هو إمعان النظام بالحل العسكري مقابل قرار أميركي واضح تم إلزام حلفاء واشنطن به لجهة وقف تقديم الدعم المسلح لمقاتلي المعارضة. وقد تحدث مؤخراً لوكالة «رويترز» عن قرار دولي اتُخذ نهاية السنة الماضية، بوقف الدعم العسكري، «ما يعني أنه قرار للولايات المتحدة». وأضاف: «نحن نعرف، والشعب السوري يعرف، أن أميركا لا ترغب جدياً في الوصول إلى الحل السياسي ووضع ثقلها الحقيقي في المفاوضات، وهي قادرة على إحداث تغيير ما».
وبعد الإقرار بتخلي واشنطن عن المعارضة السورية، يسعى الحريري إلى إقناع الاتحاد الأوروبي بعدم سلوك المسار الأميركي، مشدداً على أنه «ينبغي للاتحاد الأوروبي ألا يمنح أي شرعية للحكومة السورية، لأنه على رغم المكاسب العسكرية الأخيرة التي حققها النظام، فإنه لن يتمكن من السيطرة الكاملة على البلاد». ولا تزال هيئة التفاوض تعتبر الاتحاد الأوروبي أحد أهم شركاء المعارضة، وترى أنه «لإحراز تقدم في العملية السياسية في جنيف، علينا أن نمارس ضغوطاً على روسيا والنظام وحلفائه، خصوصاً أن لدى الأوروبيين كثيرا من الأدوات للضغط على روسيا والنظام».
وخلال زيارته لندن في مايو (أيار) الماضي، تحدث الحريري في مقابلة مع «الشرق الأوسط» عن ثمانية إجراءات تقوم بها طهران لتثبيت بقائها في سوريا هي «أولاً، عرقلة الحل السياسي، وثانياً، تجنيس ميليشيات والسيطرة على ممتلكات، وثالثاً، جلب عشرات آلاف الميليشيات الأجانب، ورابعاً، السيطرة على القرار، وخامساً، بناء قواعد عسكرية إيرانية، وسادساً، إقامة مستودعات ومصانع أسلحة، وسابعاً، إبرام عقود اقتصادية لثروات استراتيجية، وثامناً، تجييش وتعبئة طائفية». واعتبر أن «كل هذا جعل من رئيس (فيلق القدس) في (الحرس الثوري) الإيراني قاسم سليماني حاكماً في سوريا».


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.