ترحيب فلسطيني واسع بالمقاطعة الآيرلندية لبضائع المستوطنات... وغضب إسرائيلي

السلطة تصفها بخطوة على طريق تجريم الاستيطان... وليبرمان يطالب بغلق السفارة

فلسطينيون وداعمون آيرلنديون في دبلن أمس يرفعون لافتة تطالب بالحرية لفلسطين (أ.ب)
فلسطينيون وداعمون آيرلنديون في دبلن أمس يرفعون لافتة تطالب بالحرية لفلسطين (أ.ب)
TT

ترحيب فلسطيني واسع بالمقاطعة الآيرلندية لبضائع المستوطنات... وغضب إسرائيلي

فلسطينيون وداعمون آيرلنديون في دبلن أمس يرفعون لافتة تطالب بالحرية لفلسطين (أ.ب)
فلسطينيون وداعمون آيرلنديون في دبلن أمس يرفعون لافتة تطالب بالحرية لفلسطين (أ.ب)

رحب الفلسطينيون بشدة بقرار مجلس الشيوخ الآيرلندي، مقاطعة بضائع المستوطنات الإسرائيلية، ووصفوه بخطوة مهمة على طريق تجريم الاستيطان، وذلك مقابل غضب شديد في إسرائيل ترجمه وزير الجيش أفيغدور ليبرمان، بالدعوة إلى مقاطعة آيرلندا وإغلاق السفارة الإسرائيلية فيها.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، إنه يتقدم بكل الشكر والتقدير العميق لمجلس الشيوخ الآيرلندي، الذي صوت لصالح مشروع قانون يحظر استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، آملا أن «يمهد الطريق لدول أوروبية أخرى».
ودعا الحمد الله الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلى «العمل بصورة فردية وجماعية، لمواجهة بناء المستوطنات غير الشرعية التي تشكل تهديدا لحل الدولتين».
وكان مجلس الشيوخ الآيرلندي صوت الأربعاء، على مشروع قانون يجرم كل من يستورد أو يصدر بضائع للمستوطنات الإسرائيلية في حدود 1967. أو يساعد على ذلك.
وسمي المشروع باسم «قانون الأراضي المحتلة»، واقترحته السيناتورة المستقلة فرانسيس بلاك، وتمت مناقشته لأول مرة في يناير (كانون الثاني)، لكنه تأجل بناء على طلب الحكومة الآيرلندية بعد اعتراض إسرائيلي كبير.
وينص القانون، على أن استيراد أو بيع البضائع من المستوطنات الإسرائيلية، يعد جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن خمس سنوات، أو بغرامة مالية قدرها 250 ألف يورو.
وتضمن القرار كل من يشارك أو يساعد على استغلال الموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومياهها الإقليمية. وصوت لصالح القانون، 25 عضوا فيما عارضه 20.
وقالت بلاك، التي تقدمت بالمشروع: «ربما تكون الطريق أمامنا طويلة، ولكنني أعتقد أننا أوضحنا القضية».
وحظي القانون بأوسع ترحيب فلسطيني ممكن. وأعرب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، نيابة عن الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية، عن خالص تقديره وشكره لمجلس الشيوخ الآيرلندي، ووصف القرار بالمنسجم مع قيم ومبادئ آيرلندا التاريخية الداعمة والمصطفة إلى جانب الحق والعدالة.
وقال: «إن مجلس الشيوخ الآيرلندي وجه رسالة واضحة اليوم إلى المجتمع الدولي، وخاصة إلى بقية أعضاء الاتحاد الأوروبي، مفادها أن مجرد الحديث عن حل الدولتين لا يكفي دون اتخاذ تدابير ملموسة لتنفيذه على أرض الواقع». وأضاف عريقات: «إذا كانت بعض دول الاتحاد الأوروبي مستعدة لمواصلة تشجيع إسرائيل في إفلاتها من العقاب، فقد حان الوقت لكي تتخذ الدول الأعضاء الأخرى، إجراءات مشروعة بشكل منفرد، مثل الإجراء الذي وافق عليه مجلس الشيوخ الآيرلندي».
كما رحبت حكومة الوفاق الوطني، بقرار الشيوخ الآيرلندي، وأكدت أهمية هذه الخطوة كونها تؤكد حقيقة الانحياز الفطري الإنساني إلى الحق ونبذ الظلم والباطل.
ودعت الحكومة دول الاتحاد الأوروبي ودول العالم، إلى تغليب الحقيقة والمجاهرة بالتمسك بالحق من أجل هزيمة الباطل، بما يعنيه ذلك من إقامة السلام العادل والدائم، ونشر الأمن وإنهاء الظلم والإرهاب أينما وجد في العالم، وإزالة آخر احتلال في التاريخ عن بلادنا فلسطين.
ووجهت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، التحية لأعضاء مجلس الشيوخ الآيرلندي، داعية الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي عموما، إلى الحذو حذو موقف آيرلندا، وأن يظهروا الشجاعة اللازمة لمحاسبة إسرائيل ومساءلتها، وأن يتصرفوا وفقاً لمبادئهم وسياساتهم المعلنة، بحظر جميع منتجات المستوطنات تمهيدا لإزالة الاحتلال الإسرائيلي وإنهائه.
كما أثنت وزارة الخارجية والمغتربين على قرار مجلس الشيوخ الآيرلندي، قائلة إن الادعاء الإسرائيلي بأن القرار سيضر الفلسطينيين تماما، كما سيضر الإسرائيليين، مجرد هراء وكذب لن يصدقه أحد.
ودعت الخارجية البرلمانات الأوروبية الأخرى أن تحذو حذو مجلس الشيوخ الآيرلندي، لإرسال رسالة واضحة لا لبس فيها حيال هذه المنظومة الاستعمارية غير القانونية. وهي دعوة وجهتها حركة فتح لكل دول العالم.
أما المجلس الوطني فوصف الأمر بخطوة مهمة على طريق تجريم الاستيطان في العالم.
وفي مقابل الترحيب الفلسطيني الواسع، اشتاطت إسرائيل غضبا. وطالب وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، بإغلاق السفارة الإسرائيلية في آيرلندا، في أعقاب إقرار دبلن قانون يحظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية.
وقال ليبرمان معقبا: «لا يوجد أي طعم لاستدعاء السفير الآيرلندي بإسرائيل إلى محادثة توبيخ. مع كارهي إسرائيل لا يمكن التحدث. يجب على إسرائيل أن تغلق سفارتها في دبلن. لن نعطي خدنا الثاني لمن يقاطعنا». وجاء هجوم ليبرمان بعد وقت قصير من هجوم لاذع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، التي اتهمت مجلس الشيوخ الآيرلندي، بوضع يده بيد «المؤامرة»، في إشارة إلى ما وصفه البيان «المقاطعة الشعبوية المعادية لإسرائيل»، مضيفا: «إنها مقاطعة خطرة ومتطرفة وتضر بفرص الحوار بين إسرائيل والفلسطينيين».
وأضافت الخارجية: «إن المبادرة ستتسبب بضرر للعملية السياسية في الشرق الأوسط. كما ستضرّ بإعالة الكثير من الفلسطينيين العاملين في المناطق الصناعية الإسرائيلية الذين سيتأثرون من هذه المقاطعة».
وأعلنت الخارجية أن «إسرائيل ستدرس خطواتها بحسب التطوّرات في هذا القانون».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.