لقاء «القوات» و«التيار» يمهد لمصالحة على أسس جديدة

جعجع مستعد للتنازل في مطلبه الحكومي... والنائب عون: يحق لهم ثلاثة وزراء فقط

خلوة المصالحة التي دعا إليها البطريرك الماروني بطرس الراعي وحضرها وزير الإعلام ملحم الرياشي والنائب إبراهيم كنعان (موقع البطريركية)
خلوة المصالحة التي دعا إليها البطريرك الماروني بطرس الراعي وحضرها وزير الإعلام ملحم الرياشي والنائب إبراهيم كنعان (موقع البطريركية)
TT

لقاء «القوات» و«التيار» يمهد لمصالحة على أسس جديدة

خلوة المصالحة التي دعا إليها البطريرك الماروني بطرس الراعي وحضرها وزير الإعلام ملحم الرياشي والنائب إبراهيم كنعان (موقع البطريركية)
خلوة المصالحة التي دعا إليها البطريرك الماروني بطرس الراعي وحضرها وزير الإعلام ملحم الرياشي والنائب إبراهيم كنعان (موقع البطريركية)

نجح لقاء البطريركية المارونية، الذي جمع كلاً من وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم رياشي، ممثلا لـ«حزب القوات اللبنانية»، والنائب في التيار الوطني الحر إبراهيم كنعان، في التأكيد على ترسيخ «المصالحة المسيحية»، مع الإقرار بسقوط «اتفاق معراب»، لتنطلق بعدها مرحلة جديدة، يكون عنوانها إعادة النظر في العلاقة السياسية بين الطرفين، وخلط أوراق المطالب الوزارية، التي أبدى «القوات» استعداده للتنازل بشأنها ضمن المنطق.
وأعلن كل من رياشي وكنعان، بعد اللقاء، حرصهما على المصالحة، التي جاءت عنوانا رئيسيا للرسالة التي سلّمها البطريرك الماروني بشارة الراعي إليهما؛ لإيصالها إلى كل من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيسي «التيار» و«القوات» وزير الخارجية جبران باسيل وسمير جعجع.
ووصفت مصادر مطلعة على اللقاء الأجواء بـ«الممتازة» لجهة المصالحة، لكنها غير حاسمة بالنسبة إلى العلاقة السياسية والعقدة المسيحية العالقة بين الطرفين في تأليف الحكومة.
وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «المصالحة غير قابلة للنقاش بالنسبة إلى كل الأطراف، ولا عودة إلى الماضي، أما الاتفاق السياسي فسيكون قيد البحث انطلاقا من قناعة الطرفين، وما نصت عليه أيضا رسالة الراعي الذي طلب وضع آلية للتواصل عبر لجنة مشتركة، مع تأكيده على أهمية الإسراع في تشكيل الحكومة وتسهيل مهمة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري».
وفي هذا الإطار، لفتت المصادر إلى أن رياشي نقل إلى البطريرك أجواء اللقاء، الذي جمع مساء أول من أمس جعجع والحريري، حيث أبدى رئيس «القوات» استعداده للتنازل في مطلبه الحكومي، ضمن الحد الأدنى الذي يعكس حجم القوات النيابي، مع تأكيدها على أن المعطيات الحالية لا تشير إلى قرب تأليف الحكومة، في ظل التباينات المستمرة والعقد العالقة، وأهمها المسيحية والدرزية.
في المقابل، يرى النائب في «التيار» ماريو عون، أن سقوط اتفاق معراب يجب أن يسهّل مهمة تأليف الحكومة، منطلقا في ذلك من ضرورة أن يكون «القوات» منذ الآن واقعيا في مطالبه، وأن يتراجع عن مطلب المساواة في حصته مع «التيار» بما يتوافق مع حجمه النيابي، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «من هنا، لا بد أن تكون حصة (التيار) مضاعفة لحصة (القوات) الذي لا يحق له الحصول على أكثر من ثلاثة وزراء، أما إذا طالبوا بأكثر، فعليهم أن يأخذوا من حصة غيرنا، وليس من حصتنا».
وحول اتفاق معراب الذي يُجمع الطرفان على الإقرار بسقوطه، قالت المصادر المطلعة على اللقاء: «بدا واضحا أن العلاقة السياسية بين الطرفين تحتاج إلى قراءة جديدة بعد كل ما حصل». وأضافت: «لا تراهن القوات على أي اتفاق جديد، حتى أي محاولة لإعادة ترميم الاتفاق، بعدما تنصل منه التيار، إضافة إلى عدم التزام باسيل بتوقيعه، وهو ما سيصعّب المهمة في المرحلة المقبلة».
وعن هذه المرحلة التي ستركز على إعادة قراءة الاتفاق، يرى النائب عون أنها لن تبدأ قبل تشكيل الحكومة، محملا من جهته «القوات» مسؤولية إسقاط الاتفاق وإعادة الأمور إلى نقطة البداية، مضيفا: «لا شك أننا بتنا أمام واقع جديد، لكن هناك رغبة في ترميم الاتفاق أو التوصل إلى اتفاق جديد، شرط أن تكون هذه المرة مبنية على أسس صلبة وواضحة».
وبعد الانتهاء من الاجتماع الذي عُقد بدعوة وحضور البطريرك الراعي، أعلن الوزير رياشي أنه تم إطلاع الأخير على تفاصيل المرحلة الماضية، من حيث الخلاف والمفاوضات الجارية، «وأكدنا على أهمية المصالحة باسم باسيل وجعجع والرئيس ميشال عون»، مضيفا: «المصالحة تعني لبنان والاغتراب، وهي أكبر من أي تنافس سياسي مهما بلغ».
من جهته، قال كنعان: «الراعي استمع إلينا، ونحن استمعنا إلى توجيهاته وحرصه الكبير على المصالحة والتوافق الوطني الشامل»، وأكد «المصالحة تمت، ولكننا لسنا حزبا واحدا، لذلك يجب ألا نخاف من الاختلاف الذي لن يتحول إلى خلاف، والحكومة ستقطع، والمصالحة باقية».
وكان الراعي قد حمّل في ختام اللقاء رسالة إلى ضيفيه لتسليمها إلى المعنيين بالعلاقة بين التيار والقوات، أكد فيها على «المصالحة التاريخيّة الأساسيّة التي تمّت بين الحزبين»، وضرورة «عدم تحويل أي اختلاف سياسي بينهما إلى خلاف، والتشديد على أن تستكمل بالتوافق الوطني الشامل». كما تضمنت دعوة إلى «وقف التخاطب الإعلامي الذي يشحن الأجواء ويشنّجها على مختلف المستويات السّياسيّة والإعلاميّة، بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي كافّة»، ودعوة «الطّرفين إلى وضع آليّة عمل وتواصل مشترك لتنظيم علاقة سّياسيّة بينهما، تدوم، وتكون غير آنية ومرهونة ببعض الاستحقاقات، على أن تشمل جميع الأفرقاء، من دون استثناء». كما طالب الراعي بـ«الإسراع في تشكيل الحكومة وفق المعايير الدّستوريّة، لما يُشكّل التأخير في ذلك من ضررٍ فادح، يطال عمل المؤسّسات العامة والخاصّة كافّة، والأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.