فنون الأوبرا تجمع بين لبنان وإيطاليا برعاية سعودية

على خلفية النّجاح الذي حققته أوبرا «عنتر وعبلة» في لبنان وكذلك على مسرح مركز المؤتمرات في الرياض، وقّع وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري على اتفاقية تعاون مشترك مع دار أوبرا روما ممثلاً برئيسها كارلو فيورتيس. وتأتي هذه المبادرة التي جرت بالتّعاون مع الجمعية السعودية للمحافظة على التّراث ممثلة بمديرها عبد الرحمن العيدان لتكون بمثابة الخطوة الأولى في طريق الألف ميل.
أطلقت هذه المبادرة في مؤتمر صحافي عقد في وزارة الثّقافة في بيروت بحضور النائبة في البرلمان الإيطالي سيمون دي فارتينو وعدد من المستشارين بالوزارة. وأكد الوزير خوري خلاله أنّ وزارة الثّقافة شريك أساسي في هذا العمل وراع لهذا النشاط. وأمل بأن يصبح في لبنان يوما ما مسرح أوبرالي ومدرسة لتعليم الأوبرا فيكون رائدا في هذا الفن.
وعلى مدى السنوات الثلاث المقبلة سيطبق هذا التّعاون على الأرض من خلال تبادل الثّقافات الأوبرالية بين البلدين لا سيما وأنّ لبنان يعد أول بلد يقدّم أوبرا بالعربية. وانطلاقا من اتفاقية أخرى كان وقعها كل من «أوبرا لبنان» و«الجمعية السعودية للمحافظة على التّراث» سيتم التحضير لعرض نحو 10 أعمال أوبرالية بدعم من الهيئات الثّقافية في السعودية ابتداء من العام المقبل وليوزّع الباقي منها على السنوات التسع المقبلة (عمل أوبرالي كل عام).
«لقد لفتنا لبنان بهذه الخطوة السباقة المتعلقة بفنون الأوبرا، فكان أول من ارتأى تقديم عمل من هذا النّوع بالعربية». يقول كارلو فيورتيس رئيس دار أوبرا روما خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «تعاوننا هذا سيشمل تعزيز القدرات التقنية والاحترافية المستخدمة في هذه الأعمال لتنعكس إيجاباً على الجانب اللبناني. ولقد وضعنا خبراتنا في الفنون التّعبيرية بخدمة أوبرا لبنان وسنفتح أمامها أبواب معارض تضم ما يزيد عن 60 ألف زي أوبرالي محفوظة فيها. كما سيجري تبادل الخبرات بيننا وبين لبنان بحيث تُعقد حلقات خاصة نطلع فيها من الجانب اللبناني على طبيعة المهارات التي استخدمها الخبراء الفنيون اللبنانيون وكذلك على القواعد والأسس التي اتّبعوها في تنفيذ أوبرا (عنتر وعبلة) وجميع الأعمال اللاحقة في المستقبل». وحسب كارلو فيورتيس فإنّ دار أوبرا روما مهتمة جداً بهذه المحطة الفنية الثقافية الفريدة من نوعها في العالم ليحوّلها إلى نموذج للتّدريب يرتكز على التميز والالتزام الفني يؤخذ به في إيطاليا ويُطوّر في لبنان.
وعمّا إذا سبق هذه الخطوة خطوة أخرى في بلدان عربية مجاورة يجيب: «لقد وقّعنا على اتفاقية مماثلة مع دار أوبرا عمان تتعلّق بالأعمال الأوبرالية من نوع (وسترن) المعروف بها زيفيريللي». وعن رأيه بأوبرا «عنتر وعبلة» يرد: «لم يتسن لي مشاهدتها على المسرح بل فقط من خلال شريط مصوّر وهي برأيي رائعة وتستحق التّعمق بعناصرها اللغوية والفنية والثّقافية ككل».
ومن ناحيته أشار عبد الرحمن العيدان (مدير الجمعية السعودية للمحافظة على التراث) إلى أن الدور الذي ستلعبه المملكة في هذا الموضوع لن يقتصر على النّاحية المادية التي تصبّ في خانة تمويل الأعمال الأوبرالية الجديدة، بل أيضا على إنتاج أعمال أوبرالية عربية من تراث الجزيرة العربية تقدم بالتّعاون مع «أوبرا لبنان»، بمشاركة فنانين سعوديين. ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «علاقتنا مع أوبرا لبنان تتضمّن صناعة المحتوى والكادر الفني معا». ويشير إلى أن أوبرا «عنتر وعبلة» التي قُدّمت في السّعودية وكان لها صدى طيباً في المجتمع السّعودي كما تفاعل معها الإعلام بشكل لافت، ساهم في المشاركة بهذه المبادرة وتبنيها من قبل هيئات ثقافية كثيرة في السعودية وبينها الجمعية السعودية للمحافظة على التراث. وعلمت «الشرق الأوسط» بأن باكورة هذا التّعاون بين الطرفين سيترجم بتنفيذ أوبرا «زرقاء اليمامة» التي تحكي قصة امرأة نجدية من أهل اليمامة كان يُضرب فيها المثل لحدة بصرها وقوة نظرها.
وفي لقاء مع رئيس مجلس إدارة «أوبرا لبنان» فريد الرّاعي أكد أنّ الثقة التي أولتها لهم كل من السعودية وإيطاليا تعود إلى إعجابهما بأوبرا «عنتر وعبلة»، إذ اطّلعا من خلالها على قدرات اللبناني في هذا الإطار. ويضيف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لقد رغبوا في تطوير ما وصلنا إليه في عالم الأوبرا العربية من خلال تقديم الدّعم لنا وهذا الأمر سيتيح لنا كعرب التّعرف على تاريخنا الغني والطويل من خلال أعمال أوبرالية كلاسيكية تحكي عن قصصنا التراثية وعن ثقافتنا». ويتابع: «ممّا لا شكّ فيه أنّ الجزيرة العربية غنية بهذه الحكايات العريقة كما أن اللغة العربية ولدت من هناك». وعن دور إيطاليا في المشاريع المستقبلية من هذا النوع يوضح: «هناك خمس نقاط يرتكز عليها هذا الاهتمام إلى جانب فتح أبوابهم أمامنا. فكما النّاحية المالية والإدارية والتسويقي، هناك الشّق التّنظيمي الذي سيساهمون في تفعيله. فلديهم تاريخ طويل في فنون الأوبرا وقد وضعوا في متناول يدنا مسارح وأزياء وخبراء من أجل تطوير أعمالنا العربية والتّوجه بها إلى العالم».
10 أعمال أوبرالية جُهّز لها منذ نحو أربع سنوات حتى اليوم، فأصبحت حاضرة لإنتاجها، وسيُقدّم عمل أوبرالي واحد كل عام ابتداء من العام المقبل، ومن المتوقع أن يُعلن عن طبيعة الأول منها بعد نحو الشّهر. ويجري من ناحية ثانية تعاون مثمر في هذا الإطار بين «أوبرا لبنان» وبين وزيرة الثّقافة المصرية دكتور إيناس عبد الدايم التي تدعم هذه الفكرة وتساندها.
ويحاول القيّمون على «أوبرا لبنان» عدم التركيز على نوع واحد من الأعمال الأوبرالية ويقول فريد الراعي معلقاً: «ليس لدينا حدود نتّبعها في الأفكار التي سنترجمها على المسرح الأوبرالي، ففي مجال الفن والإبداع خياراتنا مفتوحة أمام باقة من قصصنا العربية شاملة ومختلفة المواضيع وبينها تاريخي وأدبي وتراثي وتعود لأدباء عرب معروفين.
ويستبعد فريد الرّاعي إنشاء دار أوبرا في لبنان قريبا ويقول في هذا السياق: «لقد بدأنا عملنا الأوبرالي الأول مرتكزين على العامل البشري في الناحية الأولى وكل تركيزنا يدور حول إبراز قدراتنا وتطويرها. واعتبر الجهاز البشري الذي نتمتع به في لبنان فيما يخص الأعمال الأوبرالية هو أهم من أي تجهيزات أخرى. فهناك عدد لا يستهان به من البلدان التي افتتحت دور أوبرا، ولكنّها لم تنجح لأنّها لا تملك الجهاز البشري المطلوب لتشغيلها».