الكرملين ينسق الخطوات المقبلة في سوريا بين الإيرانيين والإسرائيليين

تزامن زيارتي نتنياهو وولايتي إلى روسيا أثار تساؤلات

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرحب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصل الى موسكو أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرحب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصل الى موسكو أمس (أ.ف.ب)
TT

الكرملين ينسق الخطوات المقبلة في سوريا بين الإيرانيين والإسرائيليين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرحب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصل الى موسكو أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرحب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصل الى موسكو أمس (أ.ف.ب)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات، في الكرملين أمس، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ركزت على تطورات الوضع في سوريا، خصوصا في منطقة الجنوب، في إطار المطلب الإسرائيلي بخروج القوات الإيرانية والقوات الحليفة لطهران من كل الأراضي السورية ووضع ترتيبات لضمان الالتزام باتفاق فك الاشتباك الموقع مع الحكومة السورية في عام 1974.
وأثار تزامن الزيارة مع وصول مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي إلى موسكو أمس، تساؤلات حول احتمال أن تقوم موسكو بجهود لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، لكن أوساطا روسية أكدت أن المحادثات تجري بشكل منفصل مع كل طرف، رغم أن الأجندة المطروحة للبحث متشابهة، وهي تتمحور مع الجانبين حول تطورات الوضع في سوريا، ومصير الاتفاق النووي الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية منه.
ورغم أن لقاء بوتين مع نتنياهو جرى مساء أمس خلف أبواب مغلقة، فإن المعطيات التي تسربت عنه أشارت إلى أن نتنياهو أصر على طرح «المبدأين الأساسيين للسياسة الإسرائيلية؛ وهما منع الوجود الإيراني في كل الأراضي السورية، وإلزام دمشق بتنفيذ اتفاق فك الاشتباك في الجولان بحذافيره». في حين سعى الكرملين إلى تثبيت التفاهمات الروسية - الإسرائيلية السابقة التي اشتملت على انسحاب القوات التابعة لإيران من المنطقة الحدودية، وتأجيل مناقشة مسألة خروج كل القوات الأجنبية من سوريا إلى حين انطلاق مسار التسوية السياسية الشاملة.
ولم تستبعد مصادر روسية أن يكون بوتين سعى إلى تقديم ضمانات إلى نتنياهو بأن إسرائيل لن تتعرض لهجوم أو استفزاز من جانب القوات الحكومية السورية أو القوات الرديفة لها. كما تطرق البحث إلى دور يمكن أن تقوم به الشرطة العسكرية الروسية لضمان عدم وقوع احتكاكات في الجولان، إلى حين إعادة قوات الفصل الدولية التي انسحبت من المنطقة بسبب الحرب السورية.
وانطلقت أوساط روسية أمس من قناعة بأنه «من دون الاتفاق مع إسرائيل، فلن يكون استمرار عمل الجيش السوري في جنوب البلاد سهلاً».
ورأت أن «مطالب إسرائيل حول الانسحاب الإيراني تتطابق تماما مع الموقف الأميركي، الذي يتم التعبير عنه بانتظام في المفاوضات مع الجانب الروسي، ويلقى دائما ردا مراوغا من موسكو» وفقاً لمصادر صحيفة «كوميرسانت» الروسية الرصينة، التي أشارت إلى أن إمكانية سحب القوات الموالية لإيران من الحدود الإسرائيلية إلى عمق 80 كلم جرت مناقشتها مع إسرائيل. إلا أن الأطراف لم تتوصل إلى اتفاق بعد.
ورأت المصادر أن «التنازل الوحيد لإسرائيل، الذي تسمح به روسيا لنفسها، هو عدم الرد على ضرب المنشآت العسكرية التي تعدها تل أبيب إيرانية في سوريا. كما تواصل روسيا الحوار مع الإسرائيليين حول قضايا تكتيكية، من بينها، عملية الجيش السوري المقبلة لبسط السيطرة على محافظة القنيطرة، المتاخمة لهضبة الجولان المحتلة».
لكن أجواء زيارة نتنياهو التي وصفها في وقت سابق بأنها ستكون بالغة الأهمية، اتخذت بعدا آخر بسبب تزامنها مع وصول ولايتي إلى موسكو. ورغم أن مسؤولين روساً أكدوا عدم وجود خطط للقاء ثلاثي، فإن أوساطا دبلوماسية أشارت إلى جهد تقوم به موسكو لتخفيف الاحتقان بين الجانبين ومحاولة التوصل إلى تفاهمات تقلص من مجالات وقوع احتكاكات، في إشارة إلى سعي روسي لإقناع الإيرانيين بضرورة الانسحاب إلى عمق الأراضي السورية ومغادرة المناطق الحدودية.
وكان لافتا أن المصادر الإيرانية ركزت على أن عنصر البحث الأساسي خلال زيارة ولايتي الذي يحمل رسالة من المرشد الإيراني إلى بوتين، هو الملف النووي الإيراني، وليس الوضع في سوريا.
لكن مدير قسم آسيا في وزارة الخارجية الروسية زامير كابلوف قال إن ولايتي سيجري بالإضافة إلى لقائه مع بوتين عددا واسعا من اللقاءات مع مسؤولين روس في قطاعات مختلفة. وزاد أن اللقاءات التي تجرى اليوم، ستركز على العلاقات الثنائية، والاتفاق النووي، والوضع الإقليمي وبالدرجة الأولى في سوريا. وبالإضافة إلى الملفات السياسية، يشغل ملف صادرات إيران النفطية حيزا مهما في أعمال الزيارة؛ إذ من المقرر أن يلتقي ولايتي، اليوم أيضا، وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك لبحث ملف صادرات النفط الإيراني في إطار مواجهة التحركات الأميركية للتضييق عليها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.