تركيا ترفض أي نقاش حول صفقة صواريخ «إس ـ 400» الروسية

الرئيسان التركي والأميركي في بروكسل أمس (أ.ب)
الرئيسان التركي والأميركي في بروكسل أمس (أ.ب)
TT

تركيا ترفض أي نقاش حول صفقة صواريخ «إس ـ 400» الروسية

الرئيسان التركي والأميركي في بروكسل أمس (أ.ب)
الرئيسان التركي والأميركي في بروكسل أمس (أ.ب)

استبقت أنقرة لقاء مرتقبا بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والأميركي دونالد ترمب على هامش قمة قادة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي انطلقت أمس في بروكسل بالتأكيد على أن صفقة شراء تركيا منظومة الصواريخ الروسية «إس - 400» غير قابلة للنقاش. وقال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إن أي نقاش حول شراء تركيا منظومة إس - 400 الروسية لم يعد مجديا، وإن بلاده ستتسلم الدفعة الأولى من بطاريات هذه المنظومة أواخر العام المقبل 2019. وأضاف جاويش أوغلو، الذي يرافق إردوغان في بروكسل في تصريحات أمس (الأربعاء) أن تركيا تتفهم استفسارات بعض شركائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) حول الجانب التقني للمنظومة الروسية، ومدى ملاءمتها للمنظومات الموجودة داخل الحلف. وأكد جاويش أوغلو أن تركيا تبدي الحساسية المطلوبة فيما يخص ملاءمة المنظومة الروسية لنظيرتها في الناتو. وتابع: «كنا بحاجة ماسة إلى مثل هذه المنظومات، ولم نستطع تأمينها من شركائنا في الناتو، لذا توجهنا إلى روسيا، وتركيا دولة مستقلة وحرة، وتتخذ قراراتها بنفسها». ورفض جاويش أوغلو ادعاءات بعض الجهات حول ابتعاد تركيا عن حلف الناتو، لافتا إلى أن أنقرة كانت ستشتري منظومة الدفاع الجوية من شركائها في الناتو «لو وافقوا على ذلك». ويثير الاتفاق التركي مع روسيا على شراء منظومة إس - 400 توترا في العلاقات مع واشنطن، التي لوحت بفرض عقوبات على تركيا ومنع تزويدها بمقاتلات «إف - 35» التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن في إطار مشروع مشترك لتركيا حصة فيه. ومن المتوقع أن يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب إردوغان خلال لقائهما في بروكسل بتجنب الصفقة مع روسيا، لكن إردوغان أعلن مرارا أن تركيا متمسكة بالصفقة وأن توقيعها جاء نتيجة رفض حلفائها في الناتو تزويدها باحتياجاتها. وقال جاويش أوغلو إن أكبر خطر يهدد دول الناتو هو التنظيمات الإرهابية، وإن على الحلف اتخاذ التدابير المطلوبة للكفاح ضد الإرهابيين.
في سياق آخر، أصدرت محكمة ألمانية، أمس، حكما بالسجن المؤبد بحق المتهمة الرئيسية في قضية خلية «إن إس يو» اليمينية المتطرفة، إثر اتهامها بالتورط في عدة قضايا بينها قتل 8 أفراد من أصل تركي. وقضت المحكمة الإقليمية العليا في مدينة ميونيخ، جنوبي ألمانيا، بالمؤبد بحق «بياته تشيبه» (43 عاما)، المتهمة الرئيسية في قضية خلية «إن إس يو» (نازيون جدد)، بعد محاكمة دامت 5 أعوام و450 جلسة تقاض.
وأدينت تشيبه بالتورط مع آخرين، في جرائم قتل وسرقة وتفجير، بينها قتل 8 أفراد من أصل تركي، وآخر من أصل يوناني، وتفجير متجر لعائلة إيرانية، في الفترة بين عامي 2000 و2007. وفي أول رد لها، قالت الخارجية التركية إن قرار القضاء الألماني بسجن المدانة غير مرضٍ. ولفتت إلى أن تركيا وجاليتها في ألمانيا تتابعان عن كثب منذ البداية القضية المتعلقة بأكبر عمل إرهابي عنصري في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية على مدى المحاكمة التي استمرت 5 سنوات. وأضافت الخارجية التركية: «قمنا بتدوين حكم السجن المؤبد الصادر بحق المتهمة الرئيسية، والسجن لفترات متفاوتة بحق المتهمين الـ4 الآخرين، في نهاية القضية المذكورة». وشددت على أن القرار الصادر اليوم (أمس) لم يكشف خلفية الجرائم التي ارتكبها تنظيم النازيين الجدد «إن إس يو»، وصلاته بالدولة العميقة والاستخبارات، من جميع الجوانب.. و«في هذا الصدد، فإننا لا نجد القرار مرضيا من حيث تحقيق العدالة وطمأنة الرأي العام». وأشار البيان إلى تعرض أسر الضحايا والجالية التركية بألمانيا لأحكام مسبقة وأضرار منذ بدء التحقيقات، مؤكدا أن الشعب التركي يشاطرها المشاعر والألم الذي لم يهدأ بعد.
وأوضح أن الهجمات العنصرية المشابهة التي تعرض لها الأتراك في كل من المدن الألمانية هامبورغ عام 1985، ومولن عام 1992، وزولينغن عام 1993، ما زالت ماثلة في الأذهان.
ودعت الخارجية التركية إلى تسليم جميع مرتكبي الجرائم إلى العدالة، في إطار الوعد الذي قطعته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عام 2012، موضحة أن هذا الأمر يشكل أهمية بالنسبة إلى تعزيز ثقة الجالية التركية بمؤسسات الدولية الألمانية الأمنية والقضائية. وقال السفير التركي في برلين علي كمال آيدن، إن القرار لم يبعث الطمأنينة في قلوب الجالية التركية بألمانيا، وإن المحكمة المعنية بالقضية عجزت عن كشف ملابسات الأحداث بجميع جوانبها.
على صعيد آخر، اعتقل 4 من حديثي التخرج من جامعة تركية بارزة لعرضهم رسم كاريكاتير يسخر من الرئيس رجب طيب إردوغان خلال حفل تخرجهم في 6 يوليو الجاري. ورفع الطلاب، وهم من جامعة «الشرق الأوسط التقنية»، في الحفل، لافتة طويلة عليها رسم كاريكاتيري لحيوانات تتشابه وجوهها مع وجه الرئيس التركي، وعنونوها بـ«عالم طيب»، في إشارة لاسم الرئيس. ونشرت مجلة ساخرة، واسعة الانتشار، الرسم الكاريكاتيري من قبل، وكان محور دعوى قذف رفعها إردوغان قبل 12 عاما عندما كان رئيسا للوزراء. لكن محكمة في أنقرة رفضت الدعوى وقالت إن الرسم لا يتعدى حدود حرية التعبير.
وألقي القبض على الخريجين الأربعة في إطار تحقيق بشأن لافتة تتضمن إهانة رئيس الجمهورية.
وتقول منظمات حقوق الإنسان إن عدم تساهل الحكومة التركية مع الأصوات المعارضة تزايد منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو (تموز) 2016. وقال وزير الداخلية سليمان صويلو في مارس (آذار) الماضي إن السلطات اعتقلت ووجهت اتهامات رسمية إلى 77 ألف شخص تشتبه في أن لهم علاقة بالانقلاب الفاشل. كما أغلقت السلطات نحو 130 وسيلة إعلامية. وأصدرت محكمة يوم الجمعة الماضي حكما بسجن 6 صحافيين لإدانتهم بصلات بمحاولة الانقلاب، وهي اتهامات قالت منظمة العفو الدولية إنها مبنية فقط على مقالاتهم التي تنتقد الحكومة. كما نددت جماعات حقوقية أيضا بسجن الفنانة والصحافية التركية زهرة دوغان التي صدر حكم في 2017 بسجنها حوالي 3 سنوات لرسمها الدمار الذي لحق بمدينة في جنوب شرقي البلاد حيث اشتبكت قوات تركية مع مقاتلين من حزب العمال الكردستاني في 2016.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟