عودة نازحي تاورغاء إلى ديارهم... رحلة محفوفة بألغام الحرب والقبلية

ليبيون يتمسكون برفض «ميثاق المصالحة»... وآخرون يتساءلون عن مصير مُخصصات جبر الضرر

وفد بعثة الأمم المتحدة والوكالات المعنية بنزع الألغام مع المجلس المحلي بتاورغاء (صفحة البعثة)
وفد بعثة الأمم المتحدة والوكالات المعنية بنزع الألغام مع المجلس المحلي بتاورغاء (صفحة البعثة)
TT

عودة نازحي تاورغاء إلى ديارهم... رحلة محفوفة بألغام الحرب والقبلية

وفد بعثة الأمم المتحدة والوكالات المعنية بنزع الألغام مع المجلس المحلي بتاورغاء (صفحة البعثة)
وفد بعثة الأمم المتحدة والوكالات المعنية بنزع الألغام مع المجلس المحلي بتاورغاء (صفحة البعثة)

رغم مرور قرابة شهر على توقيع «ميثاق المصالحة» مع مصراتة (200 كيلومتر شرق العاصمة الليبية طرابلس)، الذي يقضي بإعادة نازحي مدينة تاورغاء المجاورة إلى ديارهم التي شُردوا منها عقب مقتل الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، فإنه ما زالت هناك كثير من العراقيل على طريق العودة، وفي مقدمتها ما يتردد بكثرة عن وجود ألغام زُرعت في شوارعها وحقولها، فضلاً عن اعتراضات واسعة من مواطنيها الذين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» حول بنود ذلك «الميثاق»، ووصفوه بأنه «يفرض عليهم وصاية»، فضلاً عن تعقبهم من «جيرانهم القدامى» بأوصاف «عنصرية تثير نعرات طائفية».
وفي نهاية الأسبوع الماضي، عقدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والوكالات المعنية بنزع الألغام والشؤون الإنسانية، اجتماعاً في مصراتة، برئاسة عضو المجلس البلدي علي أبو ستة، بهدف مناقشة نزغ الألغام من تاورغاء لضمان عودة «آمنة كريمة للنازحين».
وقالت البعثة، في بيانها، إنها زارت تاورغاء، واجتمعت مع المجلس المحلي ولجنة الحوار، بحضور منظمة «حقول حرة» و«المركز الليبي لنزع الألغام ومخلفات الحروب»، من أجل بحث الإجراءات التي تسهل عودة النازحين.
كان سكان تاورغاء، الواقعة على بعد 200 كيلومتر (جنوب شرقي العاصمة طرابلس)، قد أُجبروا على مغادرة منازلهم بشكل جماعي بعد إضرام النيران فيها عقب ثورة 17 فبراير (شباط) عام 2011 على أيدي ميليشيات مصراتة المجاورة، وأقاموا جبراً في مخيمات بشرق وغرب وجنوب البلاد.
وتواصل لجنة أممية عملية مسح للألغام في تاورغاء هذا الأسبوع، وسط استغراب بعض مواطنيها من الحديث عن وجود ألغام في مدينتهم، وقولهم إن «الواقع والأدلة تنفيان وجود ألغام في بلدتنا».
في هذا السياق، قال حميد الوافي، وهو أحد مواطني تاورغاء الذي اضطر للانتقال إلى طرابلس: «تاورغاء مهجورة منذ قرابة 8 سنوات، ومصراتة تستخدمها في رعي الأغنام كنوع من الإهانة لنا. ومع ذلك، لم نسمع عن انفجار لغم في أي مواطن خلال تلك المدة».
وأضاف الوافي في حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «توجد منذ 2011 عائلات من مصراتة ومدن أخرى، يذهبون بشكل متكرر إلى مدينتنا المهجورة، لكن لم تُسجَل أي حالة انفجار للغم واحد»، واصفاً الحديث عن وجود ألغام هناك بأنه يستهدف «ابتزاز الدولة الليبية، ممثلة في حكومة (الوفاق)، للحصول على أموال طائلة».
في مقابل ذلك، يرى آخرون أن المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق الوطني» في طرابلس، بقيادة فائز السراج، المدعوم من الأمم المتحدة، يبذل جهوداً ملحوظة، تتمثل في إحلال وتجديد البنية التحتية في تاورغاء، فضلاً عن وجود لجان لحصر البنايات المُدمرة، والتحضير لصرف تعويضات مالية، وجبر الضرر، وفقاً لـ«ميثاق المصالحة» الذي وقعه ممثلون للمدينتين في الثالث من يونيو (حزيران) الماضي، ويتضمن 9 نقاط رئيسية للعودة ولمّ الشمل، وهو الميثاق الذي رفضه في حينه مجلس حكماء تاورغاء، وكثير من نازحي المدينة في المخيمات، واعتبروا أنه «لا يرتقي إلى المبادئ والأسس المتعارف عليها في مواثيق الصلح الاجتماعي»، وقد دلل الوافي على ذلك بـ«عدم عودة أي من نازحي مدينته إلى ديارهم، باستثناء أفراد من المجلس المحلي لتاورغاء»، الذي وصفه بـ«الموالي لمصراتة».
وتابع الوافي موضحاً أن «بنود الميثاق تمنح مصراتة المسلحة، التي تمتلك ميليشيات، وصاية على مدينتنا المنزوعة السلاح»، مستدركاً بالقول إنه «بعد توقيع الميثاق بيوم واحد، ذهب بعض مواطنينا لزيارة مساكنهم المُهدمة، لكنهم تعرضوا لمضايقات، وتم توقيفهم، والقبض عليهم في أثناء عبورهم بوابة كوبري السدادة (40 كيلومتراً شرق تاورغاء)، الواقعة تحت سيطرة المجلس العسكري لمصراتة».
ونزح قرابة 40 ألف مواطن من تاورغاء، من ذوي البشرة الحنطية، عن ديارهم بعد إضرام النيران فيها بسبب خلافات مع مصراتة المجاورة تعود إلى عصر النظام السابق. وكانت تاورغاء من القوى الداعمة العاملة مع القذافي في أثناء حكمه، لكن فور إسقاطه هاجمت كتائب مصراتة المدينة عقاباً لها على اتهامات سابقة بـ«الاعتداء على مدينتهم، واغتصاب نسائها»، لكن سكان تاورغاء يرون أن هذه الاتهامات باطلة، ويؤكدون أن «شباب تاورغاء كانوا يعملون مع (الشعب المسلح)، وليس مع قوات القذافي».
وفي معرض حديثه عن طبيعة المضايقات التي يتعرض له أهل مدينته خلال تفقدهم منازلهم المُدمرة، قال الوافي إن «هناك تهديدات ونعرات عنصرية تستهدف الزائرين، وتهديدات من قبل ميليشيات مصراتة، فهم يعاقبوننا على بشرتنا السمراء، وينادوننا بالعبيد»، فضلاً عن القبض «على الهوية الذي يتهددنا، إذا ما اقتربنا من مصراتة».
وانتهى الوافي قائلاً: «أهالي تاورغاء طيبون، ويريدون العيش بسلام، لكن بكرامة أيضاً، ولا نقبل أن تكون مدينة متاخمة لنا تفرض عليها وصايتها. أهلنا لا يبغون الإقامة أكثر من ذلك في المخيمات... لأن وضعها مزرٍ للغاية، لقد نقلوا العيادات الطبية وبقينا من دون رعاية صحية، وكلها ممارسات وضغوطات على الناس حتى يرجعوا إلى مدينتهم المُدمرة».
وفي نهاية العام الماضي، أعلن رئيس المجلس الرئاسي أن نازحي تاورغاء سيتمكنون من العودة إلى مدينتهم بدءاً من الأول من فبراير الماضي، وعندما سعى المئات من الذين يقيمون في بنغازي لتفعيل قرار السراج، اعترضتهم مجموعات مسلحة تعارض الاتفاق، فافترشوا صحراء قرارة القطف، شرق بني وليد (شرق غربي البلاد)، إلى الآن.
وبموازة التقليل من وجود ألغام أرضية مزروعة في تاورغاء، يقول المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام، إنه يباشر أعماله بغية عودة النازحين «بشكل آمن». كما بدأت شركة الكهرباء في توصيل الكابلات الأرضية لإيصال التيار لبعض المناطق. ونقل رئيس المجلس المحلي لتاورغاء عبد الرحمن الشكشاك لوسائل إعلام محلية أن «هناك عائلات بدأت تتوافد على تاورغاء لتجهيز مساكنها للإقامة الدائمة»، مبرزاً أن هناك لجنة من وزارة التربية والتعليم، التابعة لحكومة الوفاق، قد قيمت الأضرار التي لحقت بمدارس تاورغاء، ووضعت خطة لبناء ما تهدم منها، وصيانة ما يحتاج لذلك.



إسرائيل تعترض صاروخاً حوثياً عشية «هدنة غزة»

عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تعترض صاروخاً حوثياً عشية «هدنة غزة»

عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)

اعترضت إسرائيل صاروخين باليستيين أطلقتهما الجماعة الحوثية في سياق مزاعمها مناصرة الفلسطينيين في غزة، السبت، قبل يوم واحد من بدء سريان الهدنة بين تل أبيب وحركة «حماس» التي ادّعت الجماعة أنها تنسق معها لمواصلة الهجمات في أثناء مراحل تنفيذ الاتفاق في حال حدوث خروق إسرائيلية.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تشن الجماعة المدعومة من إيران هجمات ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي، وتطلق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، وتهاجم السفن الحربية الأميركية، ضمن مزاعمها لنصرة الفلسطينيين.

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، في بيان متلفز، عصر السبت، بتوقيت صنعاء، إن جماعته نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي من نوع «ذو الفقار»، وإن الصاروخ وصل إلى هدفه «بدقة عالية وفشلت المنظومات الاعتراضية في التصدي له»، وهي مزاعم لم يؤكدها الجيش الإسرائيلي.

وأضاف المتحدث الحوثي أن قوات جماعته تنسق مع «حماس» للتعامل العسكري المناسب مع أي خروق أو تصعيد عسكري إسرائيلي.

من جهته، أفاد الجيش الإسرائيلي باعتراض الصاروخ الحوثي، ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» أن صافرات الإنذار والانفجارات سُمعت فوق القدس قرابة الساعة 10.20 (الساعة 08.20 ت غ). وقبيل ذلك دوّت صافرات الإنذار في وسط إسرائيل رداً على إطلاق مقذوف من اليمن.

وبعد نحو ست ساعات، تحدث الجيش الإسرائيلي عن اعتراض صاروخ آخر قبل دخوله الأجواء، قال إنه أُطلق من اليمن، في حين لم يتبنّ الحوثيون إطلاقه على الفور.

ومع توقع بدء الهدنة وتنفيذ الاتفاق بين إسرائيل و«حماس»، من غير المعروف إن كان الحوثيون سيتوقفون عن مهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر، وخليج عدن؛ إذ لم تحدد الجماعة موقفاً واضحاً كما هو الحال بخصوص شن الهجمات باتجاه إسرائيل، والتي رهنت استمرارها بالخروق التي تحدث للاتفاق.

1255 صاروخاً ومسيّرة

زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي استعرض، الخميس، في خطبته الأسبوعية إنجازات جماعته و«حزب الله» اللبناني والفصائل العراقية خلال الـ15 شهراً من الحرب في غزة.

وقال الحوثي إنه بعد بدء سريان اتفاق الهدنة، الأحد المقبل، في غزة ستبقى جماعته في حال «مواكبة ورصد لمجريات الوضع ومراحل تنفيذ الاتفاق»، مهدداً باستمرار الهجمات في حال عودة إسرائيل إلى التصعيد العسكري.

جزء من حطام صاروخ حوثي وقع فوق سقف منزل في إسرائيل (أ.ف.ب)

وتوعّد زعيم الجماعة المدعومة من إيران بالاستمرار في تطوير القدرات العسكرية، وقال إن جماعته منذ بدء تصعيدها أطلقت 1255 صاروخاً وطائرة مسيرة، بالإضافة إلى العمليات البحرية، والزوارق الحربية.

وأقر الحوثي بمقتل 106 أشخاص وإصابة 328 آخرين في مناطق سيطرة جماعته، جراء الضربات الغربية والإسرائيلية، منذ بدء التصعيد.

وفي وقت سابق من يوم الجمعة، أعلن المتحدث الحوثي خلال حشد في أكبر ميادين صنعاء، تنفيذ ثلاث عمليات ضد إسرائيل، وعملية رابعة ضد حاملة الطائرات «يو إس إس ترومان» شمال البحر الأحمر، دون حديث إسرائيلي عن هذه المزاعم.

وادعى المتحدث سريع أن قوات جماعته قصفت أهدافاً حيوية إسرائيلية في إيلات بـ4 صواريخ مجنحة، كما قصفت بـ3 مسيرات أهدافاً في تل أبيب، وبمسيرة واحدة هدفاً حيوياً في منطقة عسقلان، مدعياً أن العمليات الثلاث حقّقت أهدافها.

كما زعم أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «ترومان» شمال البحر الأحمر، بعدد من الطائرات المسيرة، وهو الاستهداف السابع منذ قدومها إلى البحر الأحمر.

5 ضربات انتقامية

تلقت الجماعة الحوثية، في 10 يناير (كانون الثاني) 2025، أعنف الضربات الإسرائيلية للمرة الخامسة، بالتزامن مع ضربات أميركية - بريطانية استهدفت مواقع عسكرية في صنعاء وعمران ومحطة كهرباء جنوب صنعاء وميناءين في الحديدة على البحر الأحمر غرباً.

وجاءت الضربات الإسرائيلية الانتقامية على الرغم من التأثير المحدود للمئات من الهجمات الحوثية، حيث قتل شخص واحد فقط في تل أبيب جراء انفجار مسيّرة في شقته يوم 19 يوليو (تموز) 2024.

مطار صنعاء الخاضع للحوثيين تعرض لضربة إسرائيلية انتقامية (أ.ف.ب)

وإلى جانب حالات الذعر المتكررة بسبب صفارات الإنذار وحوادث التدافع في أثناء الهروب للملاجئ، تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ حوثي، في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كما أصيب نحو 20 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في الـ21 من الشهر نفسه.

واستدعت الهجمات الحوثية أول رد من إسرائيل، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتَي توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

دخان يتصاعد في صنعاء الخاضعة للحوثيين إثر ضربات غربية وإسرائيلية (أ.ف.ب)

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء، ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر 2024، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.