الفتيان غادروا الكهف... ماذا عنّا؟

الفتيان غادروا الكهف... ماذا عنّا؟
TT

الفتيان غادروا الكهف... ماذا عنّا؟

الفتيان غادروا الكهف... ماذا عنّا؟

انتهت قصة «فتية الكهف» في تايلاند بنهاية سعيدة.. بعد أن حبس العالم أنفاسه على مدى 17 يوماً يراقب مأساتهم. كانت القصة نموذجاً لقوة الإعلام وقدرة الصورة، على التأثير، وحشد التضامن الدولي، القصة كانت إنسانية ومثيرة، ولكن حضور الكاميرا والمراسلين ساهم في إعطائها بعداً درامياً، أسهم في لفت الاهتمام نحوها. تولى عملية الإنقاذ 90 غواصا محترفا، 40 من تايلاند، و50 غواصا أجنبيا، وبدأوا العملية في سلسلة الكهوف الغارقة في مياه الفيضانات، حتى تمكنوا من إنقاذ الفتيان جميعاً، كان العالم يشاهد ويتابع باهتمام محنة الفتيان، حتى خروجهم من الكهف.
للكهف رمزيته، وللفتيان تعبيرهم العاطفي، وللقصة بعد ملحمي: لقد مكثوا في الكهف 17 يوماً مستيقظين، يتضورون جوعاً، ويرقبون الموت البطيء، مأسورين بالعجز وقلة الحيلة وطغيان الماء، وانسداد السبل، والخوف من الفيضان القادم لاجتياحهم، أول ما بدر للجهات التي أسعفتهم أن يتم «تأهيلهم» جسدياً ونفسياً، حتى يتأقلموا مع عالمهم الجديد..
قصة الفتيان هذه تذكرنا بأهل الكهف، وهم مجموعة من المؤمنين المسيحيين الذين تعرضوا للاضطهاد الديني في زمن الإمبراطور الروماني المتعصب «دقيانوس» الذي حكم بين 249 - 251 ميلادية، هؤلاء لجأوا إلى كهف ناموا فيه ثلاثمائة وتسع سنوات، تغير خلالها العالم الذين تركوه، وعندما استيقظوا في عصر الإمبراطور المسيحي الصالح «تيدوسيوس» الثاني، كانت البلاد قد عادت للتوحيد، وأعيد الاعتبار للمسيحية، ولكنهم وجدوا أنفسهم خارج سياق الزمن الذي يعرفونه، بما يمثل من وشائج نفسية وعاطفية، لقد انتصرت نظريتهم الدينية وأصبحوا آمنين بعد خوف، ولكنهم لم يتمكنوا من العيش في زمان متقدم عن عصرهم مئات السنين، كانوا مشدودين للماضي الذي لا يعرفون سواه، وإلى نسيج العلاقات العاطفية التي تربطهم بعالمهم القديم، وحين وجدوا أنفسهم في زمان آخر استوحشوا منه واسترهبوا البقاء فيه وهيمنت عليهم مشاعر الغربة وسريعاً استسلموا للموت.
شكلت قصتهم مثالاً لصراع الإنسان مع الزمن، هذا الصراع كان الثيمة التي اشتغل عليها توفيق الحكيم في مسرحيته «أهل الكهف» التي عرضت عام 1933، فالأديب المصري الكبير يركز في سرده المسرحي لقصة أهل الكهف على أن الفتيان الذين عادوا للحياة بعد ثلاثة قرون وجدوا أنفسهم في زمن لم يألفوه، تقطعت فيه أوصال العلاقات التي تربطهم بالناس والمجتمع، وقد كانت حياتهم مرتبطة بالعالم الذي كانوا ينتمون إليه، وقد انقضت أعمارهم فعلاً يوم غادروا ذلك العالم، وانتابهم في عالمهم الجديد الشعور بالغربة والوحشة رغم قوة السلطة التي أصبحوا يتمتعون بها، ففضلوا مغادرة المشهد والرحيل..
الفتيان التايلانديون ذكرونا بأهل الكهف الذين نعرف سيرتهم، أعادوا لنا التساؤل من جديد: هل يمكن للإنسان أن يعيش خارج زمانه..؟، أن يتقدم عصره أو يتأخر..؟ فالزمان مسرح كوني تدور على خشبته الأحداث. وبالنسبة لأهل الكهف فإن المرحلة التي استيقظوا فيها كانت هي «المستقبل» للعالم الذي غادروه، ومع ذلك لم يتأقلموا معه، فما بالك بأولئك المشدودين طوعاً للماضي والذين جعلوا من أنفسهم ضيوفاً دائمين على موائد التاريخ، كيف يمكنهم أن ينتجوا وعياً صحيحاً منسجماً مع عالمهم ومحيطهم وهم مقيدون بسلاسل الماضي يعيشون في كهوفه ويتوارثون إشكالاته وتصوراته.. لقد غادر الفتية الكهف بعد عناء، فكيف يختار أحد أن يعود للكهف من جديد..؟!.



التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
TT

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لوكالة «ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة غامرة. وقالت عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، البروفيسورة كاثرين هيمانز، لـ«بي بي سي»: «أحبُّ المجرّة البراقة والمتألِّقة بأضواء عيد الميلاد، كأنّ هذه ما كان عليه الكون وهو يبلغ من العمر 600 مليون عام فقط». تُظهر الصورة 10 كرات من النجوم بألوان مختلفة، تبدو مثل زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون. وهذه المرّة الأولى التي شاهد فيها العلماء كتلاً من النجوم تتجمَّع لتُشكل مجرّة مثل «درب التبانة»، فأطلقوا على المجرّة البعيدة اسم «اليراعة المتألّقة»، لتشابُهها أيضاً مع سرب من اليراعات متعدِّد اللون.

من مداره في الفضاء، من دون عوائق من الغلاف الجوّي للأرض، أظهر لنا أقوى تلسكوب على الإطلاق، مزيداً من المجرّات الأبعد، وبالتالي الأقدم؛ لكنها ليست مثل مجرّتنا في المراحل المُبكرة من التشكيل. ووفق الدكتورة لاميا ماولا، من كلية «ويليسلي» في ماساتشوستس، المُشاركة في قيادة البحث، فإنّ «البيانات الخاصة بما حدث في هذه المرحلة من الكون ضئيلة جداً». وأضافت: «هنا نُشاهد مجرّة وهي تتشكَّل حجراً بحجر. فالمجرّات التي نراها عادة حولنا تشكَّلت بالفعل، لذا فإنها المرّة الأولى التي نشهد فيها هذه العملية».

ووصفت البروفيسورة هيمانز، عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، والمستقلّة عن فريق البحث، الاكتشاف بأنه «رائع، ومهمّ علمياً وبالغ الاحتفاء»؛ وقالت: «مدهش أن يبني البشر منظاراً يتيح التطلُّع إلى الماضي البعيد جداً، فنرى هذه المراحل الوليدة جداً من المجرّة بطريقة احتفالية جميلة كهذه».

لغز الكون وعجائبه (ناسا)

وتختلف ألوان العناقيد النجمية باختلاف مراحل تكوينها، وفقاً للدكتورة ماولا: «إنها جميلة لأنّ الحياة الباكرة للمجرّة نشطة جداً. نجوم جديدة تولد، ونجوم ضخمة تموت، وكثير من الغاز والغبار حولها، وكثير من النيتروجين والأكسجين... بسبب الحالة التي هي فيها، تتراءى هذه الألوان الجميلة». عندما صادفت ماولا المجرّة، لم ترَ قط كتلاً من النجوم بمثل هذه الألوان الزاهية والمتنوّعة. قادها ذلك للاعتقاد بأنّ ثمة شيئاً مختلفاً حول هذا النظام، لذا تحقّقت من مدى بُعد ذلك. لدهشتها تبيَّن أنه يبعد أكثر من 13 مليار سنة ضوئية.

النور الآتي من «اليراعة المتألّقة» استغرق أكثر من 13 مليار سنة ليصل إلينا. صغير جداً وبعيد جداً، حدَّ أنه لم يكن بإمكان تلسكوب «جيمس ويب» رؤيته، لولا حظوظ المصادفة الكونية. وكان هناك تجمّع من المجرّات بين «اليراعة المتألّقة» وتلسكوب «جيمس ويب»، شوَّهت الزمكان لتمدُّد الضوء من المجرّة البعيدة، وتعمل بفعالية مثل عدسة مكبرة عملاقة.

يٌسمّي علماء الفلك هذه العملية «عدسة الجاذبية»، التي، في هذه الحالة، مكَّنت الباحث المُشارك الدكتور كارثيك أيير من جامعة «كولومبيا» في نيويورك، وأعضاء آخرين من الفريق، من أن يروا للمرّة الأولى، تفاصيل مذهلة لكيفية تكوُّن المجرّات الأولى مثل مجرتنا «درب التبانة». وقال: «إنها تأخذ الضوء الآتي من اليراعة وتثنيه وتضخّمه حتى نتمكن من رؤيته بتفاصيل رائعة».