اعتبر بعض المشاركين في ندوة «ثم ماذا بعد العولمة؟»، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ40 أن أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة شكّلت «نقطة تحوّل» في مسار العولمة، فيما رأى الإعلامي الهندي رودرونيل غوش أن نقطة التحول الحقيقية كانت في الواقع دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية والذي حدث خلال السنة نفسها.
وقال غوش في كلمته في الندوة إن «الحدث الذي قلب الوضع رأساً على عقب هو التحاق الشرق بالغرب في ركاب العولمة، ووضع العالم الغربي في مأزق وولّد لديه شعوراً بالدوار وفقدان البوصلة»، مشيراً إلى أن الغرب لم ير في انضمام الصين سوى وسيلة لتسريع الانتقال إلى الديمقراطية وهو أمر لم يتحقق.
وأضاف غوش أنه على مدى 50 سنة كانت العولمة تحت سيطرة الغرب من دون منازع، وتولدت لديه قناعة وهمية باستحالة تكرار نمط العيش الأوروبي في بقاع أخرى، وأن الرفاهية الحديثة حكر على الغرب وحده. غير أن الوضع انقلب بفضل تطور التربية والتعليم ووسائل الاتصال في بلدان العالم الثالث، والتي تمكنت من دخول مجال النمو الاقتصادي القوي وتسريع مسلسل خلق الثروة والاندماج في التجارة العالمية، الشيء الذي لم يكن بإمكانها تحقيقه قبل 30 سنة.
وأشار غوش إلى أن الغرب لم يعر لحدث دخول الصين لمنظمة التجارة العالمية الاهتمام الذي يستحق، بل سلّط إعلامه الضوء على هجمات 11 سبتمبر واتخذها ذريعة لتبرير نزوعه إلى الهيمنة وتدخلاته العسكرية التي زادت الأوضاع سوءاً، بحسب رأيه.
ورأى غوش أن الخطأ الثاني في تعامل الغرب مع انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية تجلى في اعتقاده أن الصين ستكون وحدها غير أنه اكتشف متأخراً أنها كانت تتحرك في إطار سياق متعدد الأطراف، فالتوجّه الجديد يشمل الهند وتركيا وإندونيسيا، وهذه المجموعة وحدها تضم 40 في المائة من سكان العالم و22 في المائة من الإنتاج العالمي، وتتجه هذه الحصة نحو الارتفاع. وتابع غوش أن على الغرب أن يعيد النظر في استراتيجياته وأساليبه، مشيراً إلى أن الغرب بدأ أخيراً يتحدث عن مخطط مارشال لصالح أفريقيا كرد فعل أمام جحافل الهجرة التي بدأت تقض مضجعه. وتساءل: «لماذا لم يطرحوا هذا المخطط من قبل؟».
واستفز خطاب الإعلامي الهندي وزير الخارجية الإسباني السابق ميغيل أنخيل موراتينوس الذي تدخّل ليحذّر من الحديث عن الغرب بهذه الطريقة. وقال موراتينوس: «مرحباً بعالم متعدد الأطراف ومرحباً بآسيا والشرق. لكن لا تقترفوا نفس الخطأ وتقولوا إن الغرب هو العدو». وأضاف: «يجب أن ننتهي من مواجهات الغرب والشرق والشمال والجنوب وأن نتحدث كمنتمين لكوكب واحد».
أما الباحث المغربي في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، المختار بنعبد لاوي، فرأى أن العولمة «فقدت الروح قبل أن تفقد الجسد» لأن الأعمدة الفكرية والثقافية التي قامت عليها انهارت، في إشارة إلى المدارس الفكرية والفلسفية التي هيأت لها المجال خلال القرنين الماضيين. وأشار إلى أن العولمة بخست الهويات القومية والوطنية ومهّدت بذلك الطريق للدين والقبلية لتأخذ مكانها، كما مهدت للتيارات الشعبوية، فأصبحت نتائج الانتخابات غير متلائمة مع روح الديمقراطية ومبادئها، إضافة إلى التسبب في اختلال التوازنات الديمغرافية وصعود العنصرية، ناهيك من عودة الحمائية وتراجع حرية التجارة والأسواق. وتابع أن الغرب خسر في سياق ذلك موقعه كمركز في العالم وظهرت قوى جديدة منافسة. وقال: «ما نعيشه ليس نهاية العولمة وإنما إعادة تنظيمها والخروج من الأحادية القطبية إلى التعددية».
من جانبها، تناولت ماريا روجيينا بروزويلا دي أفيلا مايو، وزيرة العلاقات الخارجية السلفادورية السابقة رئيسة المنظمة غير الحكومية «فوسي فيتال»، تداعيات العولمة من الجانب الحقوقي، مشيرة على الخصوص إلى التمييز في مجال التشغيل والأجور. وقالت إن العولمة فتحت فرصاً جديدة أمام النساء إلا أنها طرحت عليهن تحديات جديدة وفاقمت التمييز ضدهن في الكثير من المجالات.
وفي السياق نفسه، أبرز الإعلامي المغربي علي باحيجوب، مدير المركز الأورو - متوسطي للدراسات الأفريقية، دور العولمة في تفاقم الفجوات الاجتماعية والمجالية، مشيراً إلى أن عدداً قليلاً من الأشخاص يحتكرون حصة الأسد من الثروة العالمية. وقال إن هذا الوضع غير مقبول وإنه لا بد من إعادة النظر في توزيع الثروة بشكل منصف وعادل على المستوى العالمي. وأشار إلى وجود شبكة من المناطق التي تشكل ملاذات ضريبية، والتي تقدر الأموال المهربة إليها بنحو 6 تريليونات دولار. وقال إن جزءاً يسيرا من هذه الأموال يعتبر كافياً للقضاء على الفقر في العالم.
أما دون الترنان، مدير قسم الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، فرأى أن مقاربة العولمة بمنطق الضعفاء والأقوياء مقاربة خاطئة لأن العولمة، في نظره، أقوى من ذلك وأوسع نطاقاً وتتجاوز حدود جميع البلدان. وقال إن البلدان النامية كافة جنت نتائج من العولمة، سواء في مجال التعليم أم الصحة.
أما الدبلوماسي الفرنسي غوي دو لا شوفالري، فرأى أن الحكومات تهمّش الثقافة والمثقفين، في حين أن هؤلاء هم من يتولى مهمة صناعة المستقبل، وليس الساسة الذين تنحصر مهمتهم في التدبير اليومي للبيت. وقال إن العولمة تستفز الهوية، وأنها فتحت فضاءات جديدة للحرية والتعبير في العالم الافتراضي.
أما رفائيل روا، عضو مجلس إدارة بنك الاحتياط المركزي المكسيكي، فقال إن خلاص الإنسانية هو في العودة إلى قيم الخير والشر والدين والأخلاقيات. وقال إن هذه القيم، خلافاً لبعض الآراء، لا تحول دون الحريات الفردية.
المغرب: منتدى أصيلة يبحث عن «نقطة التحوّل» في مسار العولمة
المغرب: منتدى أصيلة يبحث عن «نقطة التحوّل» في مسار العولمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة