المغرب: منتدى أصيلة يبحث عن «نقطة التحوّل» في مسار العولمة

جانب من الجلسة الختامية لندوة أصيلة الثالثة «ثم ماذا بعد العولمة؟» (تصوير: أسامة محمد)
جانب من الجلسة الختامية لندوة أصيلة الثالثة «ثم ماذا بعد العولمة؟» (تصوير: أسامة محمد)
TT

المغرب: منتدى أصيلة يبحث عن «نقطة التحوّل» في مسار العولمة

جانب من الجلسة الختامية لندوة أصيلة الثالثة «ثم ماذا بعد العولمة؟» (تصوير: أسامة محمد)
جانب من الجلسة الختامية لندوة أصيلة الثالثة «ثم ماذا بعد العولمة؟» (تصوير: أسامة محمد)

اعتبر بعض المشاركين في ندوة «ثم ماذا بعد العولمة؟»، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ40 أن أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة شكّلت «نقطة تحوّل» في مسار العولمة، فيما رأى الإعلامي الهندي رودرونيل غوش أن نقطة التحول الحقيقية كانت في الواقع دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية والذي حدث خلال السنة نفسها.
وقال غوش في كلمته في الندوة إن «الحدث الذي قلب الوضع رأساً على عقب هو التحاق الشرق بالغرب في ركاب العولمة، ووضع العالم الغربي في مأزق وولّد لديه شعوراً بالدوار وفقدان البوصلة»، مشيراً إلى أن الغرب لم ير في انضمام الصين سوى وسيلة لتسريع الانتقال إلى الديمقراطية وهو أمر لم يتحقق.
وأضاف غوش أنه على مدى 50 سنة كانت العولمة تحت سيطرة الغرب من دون منازع، وتولدت لديه قناعة وهمية باستحالة تكرار نمط العيش الأوروبي في بقاع أخرى، وأن الرفاهية الحديثة حكر على الغرب وحده. غير أن الوضع انقلب بفضل تطور التربية والتعليم ووسائل الاتصال في بلدان العالم الثالث، والتي تمكنت من دخول مجال النمو الاقتصادي القوي وتسريع مسلسل خلق الثروة والاندماج في التجارة العالمية، الشيء الذي لم يكن بإمكانها تحقيقه قبل 30 سنة.
وأشار غوش إلى أن الغرب لم يعر لحدث دخول الصين لمنظمة التجارة العالمية الاهتمام الذي يستحق، بل سلّط إعلامه الضوء على هجمات 11 سبتمبر واتخذها ذريعة لتبرير نزوعه إلى الهيمنة وتدخلاته العسكرية التي زادت الأوضاع سوءاً، بحسب رأيه.
ورأى غوش أن الخطأ الثاني في تعامل الغرب مع انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية تجلى في اعتقاده أن الصين ستكون وحدها غير أنه اكتشف متأخراً أنها كانت تتحرك في إطار سياق متعدد الأطراف، فالتوجّه الجديد يشمل الهند وتركيا وإندونيسيا، وهذه المجموعة وحدها تضم 40 في المائة من سكان العالم و22 في المائة من الإنتاج العالمي، وتتجه هذه الحصة نحو الارتفاع. وتابع غوش أن على الغرب أن يعيد النظر في استراتيجياته وأساليبه، مشيراً إلى أن الغرب بدأ أخيراً يتحدث عن مخطط مارشال لصالح أفريقيا كرد فعل أمام جحافل الهجرة التي بدأت تقض مضجعه. وتساءل: «لماذا لم يطرحوا هذا المخطط من قبل؟».
واستفز خطاب الإعلامي الهندي وزير الخارجية الإسباني السابق ميغيل أنخيل موراتينوس الذي تدخّل ليحذّر من الحديث عن الغرب بهذه الطريقة. وقال موراتينوس: «مرحباً بعالم متعدد الأطراف ومرحباً بآسيا والشرق. لكن لا تقترفوا نفس الخطأ وتقولوا إن الغرب هو العدو». وأضاف: «يجب أن ننتهي من مواجهات الغرب والشرق والشمال والجنوب وأن نتحدث كمنتمين لكوكب واحد».
أما الباحث المغربي في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، المختار بنعبد لاوي، فرأى أن العولمة «فقدت الروح قبل أن تفقد الجسد» لأن الأعمدة الفكرية والثقافية التي قامت عليها انهارت، في إشارة إلى المدارس الفكرية والفلسفية التي هيأت لها المجال خلال القرنين الماضيين. وأشار إلى أن العولمة بخست الهويات القومية والوطنية ومهّدت بذلك الطريق للدين والقبلية لتأخذ مكانها، كما مهدت للتيارات الشعبوية، فأصبحت نتائج الانتخابات غير متلائمة مع روح الديمقراطية ومبادئها، إضافة إلى التسبب في اختلال التوازنات الديمغرافية وصعود العنصرية، ناهيك من عودة الحمائية وتراجع حرية التجارة والأسواق. وتابع أن الغرب خسر في سياق ذلك موقعه كمركز في العالم وظهرت قوى جديدة منافسة. وقال: «ما نعيشه ليس نهاية العولمة وإنما إعادة تنظيمها والخروج من الأحادية القطبية إلى التعددية».
من جانبها، تناولت ماريا روجيينا بروزويلا دي أفيلا مايو، وزيرة العلاقات الخارجية السلفادورية السابقة رئيسة المنظمة غير الحكومية «فوسي فيتال»، تداعيات العولمة من الجانب الحقوقي، مشيرة على الخصوص إلى التمييز في مجال التشغيل والأجور. وقالت إن العولمة فتحت فرصاً جديدة أمام النساء إلا أنها طرحت عليهن تحديات جديدة وفاقمت التمييز ضدهن في الكثير من المجالات.
وفي السياق نفسه، أبرز الإعلامي المغربي علي باحيجوب، مدير المركز الأورو - متوسطي للدراسات الأفريقية، دور العولمة في تفاقم الفجوات الاجتماعية والمجالية، مشيراً إلى أن عدداً قليلاً من الأشخاص يحتكرون حصة الأسد من الثروة العالمية. وقال إن هذا الوضع غير مقبول وإنه لا بد من إعادة النظر في توزيع الثروة بشكل منصف وعادل على المستوى العالمي. وأشار إلى وجود شبكة من المناطق التي تشكل ملاذات ضريبية، والتي تقدر الأموال المهربة إليها بنحو 6 تريليونات دولار. وقال إن جزءاً يسيرا من هذه الأموال يعتبر كافياً للقضاء على الفقر في العالم.
أما دون الترنان، مدير قسم الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، فرأى أن مقاربة العولمة بمنطق الضعفاء والأقوياء مقاربة خاطئة لأن العولمة، في نظره، أقوى من ذلك وأوسع نطاقاً وتتجاوز حدود جميع البلدان. وقال إن البلدان النامية كافة جنت نتائج من العولمة، سواء في مجال التعليم أم الصحة.
أما الدبلوماسي الفرنسي غوي دو لا شوفالري، فرأى أن الحكومات تهمّش الثقافة والمثقفين، في حين أن هؤلاء هم من يتولى مهمة صناعة المستقبل، وليس الساسة الذين تنحصر مهمتهم في التدبير اليومي للبيت. وقال إن العولمة تستفز الهوية، وأنها فتحت فضاءات جديدة للحرية والتعبير في العالم الافتراضي.
أما رفائيل روا، عضو مجلس إدارة بنك الاحتياط المركزي المكسيكي، فقال إن خلاص الإنسانية هو في العودة إلى قيم الخير والشر والدين والأخلاقيات. وقال إن هذه القيم، خلافاً لبعض الآراء، لا تحول دون الحريات الفردية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.