رئيس «فيرجن أوربت» لـ «الشرق الأوسط»: نشهد حالياً «ثورة فضائية» مع انخفاض التكلفة

دان هارت رئيس {فيرجن أوربت}
دان هارت رئيس {فيرجن أوربت}
TT

رئيس «فيرجن أوربت» لـ «الشرق الأوسط»: نشهد حالياً «ثورة فضائية» مع انخفاض التكلفة

دان هارت رئيس {فيرجن أوربت}
دان هارت رئيس {فيرجن أوربت}

يؤكد دان هارت، رئيس شركة «فيرجن أوربت»، أن العالم يشهد حالياً ثورة كبيرة في القدرات الفضائية، خصوصاً بعد انخفاض التكلفة الكبير نتيجة التقدم التكنولوجي... وفي ظل الاهتمام الكبير بالفضاء، من الحكومات إلى الشركات، فإن المستقبل يبدو واعداً جدّاً لهذا القطاع الجديد.
ويرى هارت في حواره مع «الشرق الأوسط» أن هناك قدرات وإمكانات لا نهائية في الفضاء، حيث سيصبح بالإمكان - بالاستفادة من غياب الجاذبية - تخليق مواد صناعية جديدة لم يكن ممكناً الحصول عليها على الأرض، إضافة إلى فتح آفاق التعدين على الكواكب الأخرى، وكذلك مجالات جديدة للحصول على الطاقة من الفضاء.
ويؤكد هارت أن البرنامج السعودي الجديد المتخصص في الدراسات الفضائية والطيران، أمر مثير للاهتمام، خصوصاً أن هناك علماء من المملكة العربية السعودية يعملون في الشركة.
وإلى نص الحوار...
> ما التقنيات الجديدة المستخدمة لإطلاق الأقمار الصناعية وتقليل تكلفة الإطلاق؟
- نحن ننقل الأقمار الصناعية إلى الفضاء، نستفيد من نوعين من التقنيات لنقل الأقمار الصناعية... فنحن نركز على الأقمار الصناعية التي أصبحت أصغر حجماً ونحملها على صاروخ على جناح طائرة «747»، وينطلق الصاروخ إلى الفضاء ومعه القمر الصناعي. وقد تزايدت وانتشرت منصات الصواريخ ولها أنظمة رادار في كل مكان بما يسمح لنا بتحقيق حلم إطلاق الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية باستخدام الطائرات، مثل تشغيل الطائرات دون استخدام مئات الأشخاص، وبما يمكننا من حمل كثير من الأقمار الصناعية إلى الفضاء بسعر أرخص وبأسلوب أسهل.
> ومن هم الزبائن الحاليون والمحتملون؟ وما هي المجالات التي تعمل بها الشركة لإطلاق الأقمار الصناعية؟
- كثير من الشركات التجارية في جميع أنحاء العالم تقوم بتطوير أقمار صناعية صغيرة الحجم، ربما في حجم الثلاجة أو فرن الميكروويف، وبقدرات كبيرة، ثم إطلاقها في الفضاء لأغراض الاتصالات والتصوير وبتكلفة أقل بكثير. فقبل عشرين عاماً كان إطلاق قمر صناعي يتكلف ما يقرب من نصف مليار دولار، والآن التكلفة عُشر هذا المبلغ، وكثير من الشركات تقوم بتطوير أقمار صناعية صغيرة ويحتاجون إلى خدمة متخصصة لإطلاق هذه الأقمار الصناعية إلى الفضاء.
وواحد من أهم المجالات يكمن في إطلاق الأقمار الصناعية أو الاستشعار عن بعد والتصوير، فبعض الأعمال التجارية مثل الزارعة واستخراج النفط والغاز والتقييم البيئي تحتاج إلى استشعار ما يجري في العالم. ولدينا عدد من شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية وشركات تتبع الطائرات والسفن، ولدينا وكالة «ناسا» ووزارة الدفاع الأميركية، ونتوقع أن حكومات أخرى ترغب في إطلاق أنظمتها الخاصة من الأقمار الصناعية، ولدينا كثير من النقاشات حالياً... وانخفاض تكلفة إطلاق الأقمار الصناعية فتح الأبواب للبلدان في جميع أنحاء العالم للدخول في هذا المجال. ونشهد حالياً نوعاً من الثورة في القدرات الفضائية، وما يمكن تحقيقه في مجال الاتصالات والملاحة والطقس، خصوصاً بعد انخفاض التكلفة. وأتذكر خلال مشاركتي في مؤتمر في أغسطس (آب) الماضي أنه جاء إليَّ طالبان مصريان قاما بتصميم قمر صناعي وسألاني عن إمكانية إطلاقه في الفضاء، وهو أمر كان حلماً في الماضي، وربما أثار السخرية إذا صرح طالب بحلمه في بناء قمر صناعي وإطلاقه. وحالياً كثير من الطلبة في أنحاء العالم يقومون ببناء الأقمار الصناعية؛ فهو جيل يمتلك قدرات لم نتخيلها قطّ.
> وبعد هذا التقدم المذهل ما الذي يحمله المستقبل في هذا المجال؟
- بينما نعمل بحرية في الفضاء، سيكون هناك مجال للتصنيع في الفضاء والتعدين واستخراج المعادن في الفضاء، ففي حالة انعدام الجاذبية، هناك كثير من الأشياء التي يمكن القيام بها ولا يمكن القيام بها على الأرض، مثل زراعة البلورات بطرق مختلفة لتكوين هياكل وإلكترونيات ومستحضرات صيدلانية يمكن إنشاؤها في مجال منعدم الجاذبية هناك. هناك أيضاً كواكب تحتوي على معادن وعناصر ثمينة يمكن البدء في استخراجها، وهناك مناقشات منذ سنوات كثيرة حول الطاقة والطاقة الشمسية المتاحة في الفضاء، وكيف يمكن تشغيل مرافق في الفضاء لاستخدام هذه الطاقة وإرسالها إلى كوكب الأرض، لذا فهناك قدرات وإمكانات لا نهائية في الفضاء.
> أطلقت المملكة العربية السعودية أول قمر صناعي محلي الصنع الشهر الماضي... هل تحرض شركة «فيرجن أوروبت» على أن تكون جزءاً من هذه المشروعات؟
- نعم، بالفعل أجرينا نقاشات، وبالتأكيد نريد المشاركة... ولدينا علماء من المملكة العربية السعودية يعملون في الشركة، واعتقد أن أهم شيء في هذه الصناعة هو الإلهام من الجيل القادم من المهندسين والعلماء. وفي السعودية يطلقون الآن برنامجاً متخصصاً في الدراسات الفضائية والطيران، وهذا أمر مثير للاهتمام.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.