غارات جوية على معاقل لـ«داعش» في شرق أفغانستان

مقتل جندي أميركي وجرح اثنين برصاص مجندين أفغان

احتجاجات في ميمنة عاصمة ولاية فارياب الأفغانية عقب محاصرة قائد شرطة المنطقة الحليف لنائب الرئيس عبد الرشيد دوستم (رويترز)
احتجاجات في ميمنة عاصمة ولاية فارياب الأفغانية عقب محاصرة قائد شرطة المنطقة الحليف لنائب الرئيس عبد الرشيد دوستم (رويترز)
TT

غارات جوية على معاقل لـ«داعش» في شرق أفغانستان

احتجاجات في ميمنة عاصمة ولاية فارياب الأفغانية عقب محاصرة قائد شرطة المنطقة الحليف لنائب الرئيس عبد الرشيد دوستم (رويترز)
احتجاجات في ميمنة عاصمة ولاية فارياب الأفغانية عقب محاصرة قائد شرطة المنطقة الحليف لنائب الرئيس عبد الرشيد دوستم (رويترز)

شنت القوات الأميركية المتمركزة في أفغانستان غارات جوية على معاقل لتنظيم داعش الإرهابي في إقليم نانجرهار بشرق البلاد، ما أدى إلى سقوط 4 قتلى على الأقل.
وذكر المكتب الإعلامي التابع للإقليم، في بيان له نقلته وكالة أنباء «خامة برس» الأفغانية أمس، أن هذه الغارات استهدفت منطقة آشين في إقليم نانجرهار، وأنها أودت بحياة 4 مسلحين تابعين لـ«داعش». في غضون ذلك، ذكرت حكومة الإقليم أن 3 متمردين تابعين لتنظيم طالبان قتلوا أيضاً خلال عملية نفذتها القوات الخاصة التابعة للاستخبارات الأفغانية في حي خوجياني. وقال المكتب الإعلامي للحكومة الإقليمية، في بيان، إنه تم تنفيذ القصف الجوي، الليلة الماضية قرب منطقة آشين. وذكر البيان أنه تم استهداف مخبأ الجماعة الإرهابية في منطقة باندار، ونتيجة لذلك قتل 4 مسلحين على الأقل من الجماعة. وتم تدمير العديد من الأسلحة والذخائر، التي تخص مسلحي الجماعة، خلال القصف الجوي، حسب البيان. وفي الوقت نفسه، ذكرت الحكومة الإقليمية أن 3 متمردين على الأقل من «طالبان» قتلوا خلال عملية نفذتها القوات الخاصة، التابعة للاستخبارات الأفغانية في منطقة خوجياني. وطبقاً لمكتب الحاكم في إقليم ننكارهار، فإن مسلحي «طالبان» الثلاثة، الذين قتلوا خلال العملية كانوا خبراء متفجرات، وتم تدمير كمية كبيرة من المتفجرات أيضاً خلال العملية. إلى ذلك قتل جندي أميركي، وأصيب اثنان آخران أول من أمس، في جنوب أفغانستان، في هجوم شنه «على ما يبدو» مجندون أفغان، كما أعلنت قوة حلف شمال الأطلسي. وقالت القوة، في بيان، إن «الجنديين الجريحين حالتهما مستقرة ويتلقيان العلاج حالياً»، مشيرة إلى أن «الحادث موضع تحقيق».
وتطلق القوات الأميركية على الهجمات التي يشنها جنود أو شرطيون أفغان على العسكريين الأميركيين الذين يؤازرونهم أو يدربونهم اسم «هجمات من الداخل» أو هجمات «من الخضر على الزرق»، وهو تعبير عسكري يرمز فيه اللون الأزرق إلى طرف حليف والأخضر إلى طرف محايد والأحمر إلى طرف معاد.
وعلى جاري عادته لم يعلن الحلف الأطلسي اسم الجندي الأميركي القتيل، كما أنه لم يذكر أين وقع الهجوم، لكنه وعد بالإدلاء في وقت لاحق بمزيد من التفاصيل. من جهته، قال ضابط في الشرطة الأفغانية لوكالة الصحافة الفرنسية إن الهجوم وقع في مطار تارينكوت في ولاية أوروزغان.
ولكن هذه المعلومة لم يؤكدها أي مسؤول في الحكومة الأفغانية أو الحلف الأطلسي. من ناحيتها قالت حركة طالبان، في تغريدة على «تويتر»، إن «جندياً أفغانياً (وطنياً) أطلق النار على الأميركيين في مطار أوروزغان فقتل وجرح ما لا يقل عن أربعة من الغزاة الأميركيين».
وهذا ثاني جندي أميركي يقتل في أفغانستان هذا العام. إذ إن آخر جندي أميركي سقط في أفغانستان قتل في معارك في ولاية ننغرهار (شرق) في الأول من يناير (كانون الثاني)، فيما أصيب في اليوم نفسه 4 جنود بجروح في إقليم آشين الذي كان معقلاً لتنظيم داعش قبل أن تستعيد القسم الأكبر منه القوات الأميركية والأفغانية.
وفي 2017 قتل ما مجموعه 11 جندياً أميركياً في أفغانستان. وتراجعت في شكل ملحوظ الخسائر البشرية في صفوف القوات الأميركية في أفغانستان منذ انتهت في 2014 المهمة القتالية لقوة حلف شمال الأطلسي التي كانت تقودها الولايات المتحدة في هذا البلد.
وينتشر في أفغانستان حالياً 14 ألف جندي أميركي لدعم القوات الأفغانية في مهام تدريب وإسناد، ويشكلون الغالبية العظمى من عديد قوة حلف الأطلسي التي تضم 16 ألف جندي، ويقودها منذ عامين الجنرال الأميركي جون نيكولسون، الذي يستعد لتسليم منصبه إلى الجنرال سكوت ميلر الذي يرأس حالياً «قيادة العمليات الخاصة المشتركة» في الجيش الأميركي.
ومنذ نهاية 2017 تركّز الاستراتيجية الجديدة التي وضعها الجنرال ميلر على مكافحة تجارة الأفيون، التي تعتبر أحد مصادر الدخل الأساسية لحركة طالبان وتدمير مختبرات تحويل الأفيون وقطع طرق التصدير، لا سيما في جنوب البلاد. وبحسب المسؤولين الغربيين، فإن غالبية «الهجمات من الداخل» التي تحصل في أفغانستان تكون نتيجة أحقاد شخصية، أو بسبب سوء فهم ناجم عن اختلاف في الثقافات أكثر مما هي نتيجة عمليات تخطط لها حركة طالبان وينفذها أنصار لها داخل القوات الأفغانية. والحرب الدائرة في أفغانستان منذ 17 عاماً هي أطول حرب على الإطلاق في تاريخ الجيش الأميركي، وقد قتل خلالها 2400 جندي أميركي، وأصيب نحو 20 ألف آخرين.
ولا تزال القوات الأفغانية تواجه صعوبات في التصدي للتمرد الذي تقوده حركة طالبان، كما أن تنظيم داعش يحتفظ لنفسه بمواطئ قدم عديدة في شرق البلاد وشمالها، على الرغم من الغارات الجوية الكثيفة التي تشنها القوات الأفغانية والأميركية على مواقعه.
وتعتبر حركة طالبان، القوات الأميركية والغربية، جيوش احتلال، وتطالب برحيلها قبل أي تفاوض على حل سلمي للنزاع بينها وبين كابل.
من جهة أخرى، أكد مسؤولون محليون، أمس، أن 16 مسلحاً على الأقل من «طالبان» قتلوا في عملية نفذتها قوات الأمن الأفغانية في إقليم بلخ شمال أفغانستان، في اليومين الماضيين، طبقاً لما ذكرته قناة «تولو نيوز» التلفزيونية الأفغانية أمس.
وتم شن عملية «وليد 9» في منطقة شامتال، وتم تطهير 5 قرى حتى الآن من المتمردين، طبقاً لما قاله قائد الشرطة الإقليمية الجنرال، محمد أكرم سامي.
وأضاف سامي: «قتل 16 فرداً من (طالبان) في العملية، وما زالت جثث ثمانية منهم على الأرض». وذكر المسؤولون أنه تم شن العملية، عندما أغلقت «طالبان» مركز منطقة شامتال. وتابع سامي أن مقاتلي «طالبان» المتورطين في الهجوم جاءوا من أقاليم «سار - إي - بول» وجوزجان وبلخ، وكانوا يخططون للسيطرة على مركز المنطقة.
غير أنهم «تعرضوا لهزيمة من قبل قوات الأمن».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟