معلومات عن مشاركة أحد منفذي هجمات بروكسل في إعدام الطيار الأردني

تحليل الصور التي بثها «داعش» كشف عن وجوده بين مسلحي التنظيم

أسامة كريم أحد منفذي تفجيرات بروكسل («الشرق الأوسط»)
أسامة كريم أحد منفذي تفجيرات بروكسل («الشرق الأوسط»)
TT

معلومات عن مشاركة أحد منفذي هجمات بروكسل في إعدام الطيار الأردني

أسامة كريم أحد منفذي تفجيرات بروكسل («الشرق الأوسط»)
أسامة كريم أحد منفذي تفجيرات بروكسل («الشرق الأوسط»)

جرى الكشف عن معلومات في بروكسل تشير إلى أن أحد المشتبه في علاقتهم بهجمات باريس وبروكسل، قد شارك في عملية إعدام طيار أردني على يد عناصر إرهابية قبل ثلاث سنوات، ويتعلق الأمر بشخص كان من المفترض أن يشارك بتفجير نفسه في هجمات مارس (آذار) 2016 داخل إحدى محطات القطارات الداخلية في بروكسل بالقرب من مقرات مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ولكنه تراجع في اللحظات الأخيرة.
وكشفت وسائل إعلام محلية النقاب عن توفر معلومات لدى السلطات البلجيكية، تثبت مشاركة المدعو أسامة كريم في عملية إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة عام 2015. ويعد أسامة كريم، أحد المتهمين بالضلوع في تنظيم هجوم باريس 2015، وهو كذلك أحد أعضاء الفريق الانتحاري الذي نفَّذ هجمات بروكسل 2016، إذ كان يُفترض أن يفجِّر نفسه في إحدى محطات مترو الأنفاق في العاصمة البلجيكية قبل أن يتراجع ويتم القبض عليه بعد أيام من الواقعة.
وتفيد المعلومات المتوفرة، المنسوبة إلى مصادر أمنية واسعة الاطلاع، بأن المحققين البلجيكيين التابعين لوحدة مكافحة الإرهاب تمكنوا من التعرف على أسامة كريم والتثبت من وجوده في نفس مكان إعدام الكساسبة، الذي أُحرق حياً وسط جمع من مسلحي تنظيم داعش. وتابعت المصادر أنه «بعد تحليل الصور التي بثها التنظيم لعملية إعدام الكساسبة، تم التعرف على كريم، بين مسلحي التنظيم الذين ظهروا ملثمين، وإثبات وجوده في نفس المكان والتوقيت، ما يعني مشاركته الفعالة في العملية».
وعلى الرغم من أن النيابة العامة الفيدرالية لم تُعلق على هذه المعلومات، فإنها ستؤثر حتماً، في حال ثبوتها، على مسيرة المحاكمة المستقبلية لكريم، وباقي الموقوفين على ذمة تحقيقات هجوم بروكسل.
ووصلت التحقيقات في ملف هجمات بروكسل، التي وقعت قبل ما يزيد على عامين، إلى المراحل الأخيرة، وسيتم الإعلان عن اكتمال التحقيقات قبل نهاية العام الجاري، وبالتالي من المتوقع أن تتم إحالة المتهمين في هذا الملف إلى المحكمة الجنائية في بروكسل خلال العام المقبل 2019، إذا لم تطرأ أي مستجدات قد تؤدي إلى إطالة فترة التحقيقات.
وقال المدعي العام البلجيكي فريدريك فان ليو، إن قاضي التحقيقات البلجيكي يريد الانتهاء قبل أواخر العام الجاري من التحقيقات في ملف التفجيرات، التي أسفرت عن مقتل 32 شخصاً وإصابة أكثر من 250 آخرين، وأضاف المسؤول البلجيكي في تصريحات على هامش الذكرى الثانية للتفجيرات، أن القول بأن التحقيقات سوف تنتهي أواخر العام الحالي ليس كلاماً نهائياً وليس مضموناً بشكل مطلق، لأنه يمكن أن يطرأ أي تطورات ولكن إذا سارت الأمور بشكل طبيعي ستكون جلسات المحاكمة في هذا الملف خلال العام المقبل، وستكون هناك هيئة محلفين شعبية تتكون من 12 شخصاً للتدارس حول مصير الإرهابيين.
ومن المتوقع أن تكون المحاكمة هي الأكبر في تاريخ بلجيكا في ظل توقعات أن يكون هناك ألف شخص من بين المطالبين بالحق المدني خلال المحاكمة. من جهته، قال فان ليو: «ستكون محاكمة مميزة للغاية، حيث سيكون هناك لأول مرة ملف قضائي فيه هذا العدد الكبير من الضحايا والمتضررين مما سيخلق مشكلات عملية ومنها على سبيل المثال عملية تأمين المحاكمات لأنها لن تكون أمراً سهلاً».
وحول عدد المتهمين في هذه القضية قال المدعي العام البلجيكي، إن هناك 10 أشخاص حتى الآن مشتبه في تورطهم في هذا الملف، ولكن لا يعني هذا أنهم جميعاً ستتم إحالتهم إلى المحكمة الجنائية العليا، ولكن المؤكد حتى الآن أن يمثل أمام المحكمة كلٌّ من محمد عبريني، وأسامة كريم، والأول كان من بين الأشخاص الثلاثة الذين توجهوا إلى مطار بروكسل لتنفيذ الهجوم، ولكنه تراجع في آخر لحظة بينما فجر الآخران نفسيهما وجرى اعتقال عبريني بعد أسبوعين من الهجمات في بروكسل.
أما كريم فقد أظهرت كاميرات الفيديو وجوده مع منفذ الهجوم على محطة القطارات الداخلية في مالبيك ويدعى خالد البكراوي، وتبادل معه حديثاً قصيراً قبل أن يغادر المكان وبعدها بوقت قصير وقع الانفجار، وفي نفس الوقت هناك شخص آخر جرى اعتقاله أكثر من مرة للاشتباه في علاقته بالهجمات ومن المتوقع أن يصدر أمر بإحالته إلى المحكمة في هذا الملف.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟