«مقبرة العظماء» في بغداد؟

«مقبرة العظماء» في بغداد؟
TT

«مقبرة العظماء» في بغداد؟

«مقبرة العظماء» في بغداد؟

في السابع والعشرين من هذا الشهر من عام 1997، أراح محمد مهدي الجواهري ركابه في مقبرة السيدة زينب بدمشق. وكان قد أوصى أن يدفن هناك، ليس فقط ليكون إلى جانب رفيقة حياته، التي رحلت قبله بخمس سنوات، ولكن رفضاً لأن يعود جثة إلى وطن نفاه حياً معظم حياته المديدة. ومن المعروف أن شاعر العرب الأكبر، ومتنبي القرن العشرين، كان قد رفض في أثناء حياته دعوات نظام صدام وإغراءاته للعودة للعراق. كان يعرف جيداً كيف سيوظفون اسمه، ويستخدمون شهرته في تجميل وجوههم السوداء، وفوت عليهم فرصة أن يفعلوا ذلك وهو جثة. موقف حتى في الموت.
اختار أبو فرات أن يدفن هناك، في تلك المقبرة التي سماها الصحافي العراقي عامر بدر حسون «مقبرة الغرباء»، في بداية التسعينات حسبما نتذكر، فاشتهرت التسمية حتى غطت على تسميتها الرسمية. لا يزال الجواهري هناك بعد مرور 21 عاماً على رحيله.
سقط الطغاة الذين «أعمارهم قصار» دائماً، وتغير الوطن، أو هكذا تصورناه، الذي غنى الجواهري لنخله وترابه وسمائه أجمل قصائده، وتشرد في المنافي الطويلة حتى يولد العراق المشتهى، وحتى يفيض دجلة بالخير فعلاً، وليس مجازاً. لم يحصل شيء. لا يزال الجواهري ملقى هناك، يجاوره البياتي، ومصطفى جمال الدين، وعشرات المنفيين العراقيين، حياة وموتاً.
لكن مقبرة الغرباء العراقيين واسعة جداً، بل إنها منتشرة في كل عواصم الأرض؛ تجدها في القاهرة، وعمان، وبرلين، واستوكهولم، وموسكو، ولندن. موتى من أجمل الأموات، ومن أفضل من أنجبه العراق في القرن العشرين، رواية وشعراً وعمارة ورسماً ومسرحاً وفكراً، يرقدون هناك قلقين. إنهم عصيون على العد: محمد مكية، وغائب طعمة فرمان، ومحمود صبري، ونازك الملائكة، وبلند الحيدري، ونجدة فتحي صفوة، وفؤاد التكرلي، وزينب، وفالح عبد الجبار... وعذراً للموتى الجميلين إن لم نعدهم كلهم. ألم نقل إنهم عصيون على العد؟ إنها أكبر مقبرة ثقافية في عصرنا، فاقت حتى مقابر المثقفين الألمان الذين شردهم هتلر. حسناً، لدينا نحن أيضاً مقبرة عظماء جاهزة. باريس ليست باريس من دون مقبرة العظماء الذين أنجبتهم على مدى قرون، ولا تزال تحتضنهم ويحتضنونها. إنها ليست معلمهما الأكبر فقط، بل هي تاريخها نفسه.
لم يعد أحد من عظمائنا بعد؛ ما زالوا في المنفى قلقي الأرواح. من يعيدهم؟
منذ سنوات والمثقفون العراقيون يطالبون بعودة رفات الجواهري وزملائه، وأطلقوا فكرة إنشاء «مقبرة العظماء» في بغداد. ويبدو لحد الآن أنها فكرة ساذجة. من يفكر بالجواهري وبرفات تلك الدرر النادرة؟ أوحوش سرقوا الحياة من الأحياء، ولصوص يمارسون ليل نهار أكبر عملية سرقة في التاريخ منذ نبوخذنصر حتى الآن، ليس على مستوى العراق فقط، بل على مستوى العالم كله، من دون أدنى مبالغة. إنهم لم يبقوا للعراق شيئاً يكفي ليس لبناء مقبرة، دعك أن تكون مقبرة عظماء، بل حتى لإقامة حفل صغير. فآخر الأخبار يقول إن رئيس الوزراء العراقي رفض، بحجة التقشف، كما كتب الزميل علي حسين في جريدة «المدى» العراقية، أن يمنح اتحاد الأدباء مبلغاً لتنظيم مهرجان الجواهري، تزامناً مع انعقاد مؤتمر اتحاد الكتاب العرب في بغداد.
مقبرة العظماء في بغداد؟ لننس. لننتظر أجيالاً أخرى. لا بأس. تعودنا على الانتظار الطويل.



الثقافات المصرية تحصد تفاعلاً في «حديقة السويدي» بالرياض

الفعاليات تنوّعت ما بين مختلف الثقافات المصرية (الشرق الأوسط)
الفعاليات تنوّعت ما بين مختلف الثقافات المصرية (الشرق الأوسط)
TT

الثقافات المصرية تحصد تفاعلاً في «حديقة السويدي» بالرياض

الفعاليات تنوّعت ما بين مختلف الثقافات المصرية (الشرق الأوسط)
الفعاليات تنوّعت ما بين مختلف الثقافات المصرية (الشرق الأوسط)

شهدت فعاليات «أيام مصر» في «حديقة السويدي» بالعاصمة السعودية الرياض، حضوراً واسعاً وتفاعلاً من المقيمين المصريين في السعودية، عكس - وفقاً لعدد من الزوّار - غنى الموروث المصري وتنوّعه من منطقة إلى أخرى.

فرق فنيّة أدت رقصات «التنورة» و«الرقص النوبي» و«الدبكة السيناوية» (الشرق الأوسط)

الفعاليات التي انطلقت، الأحد، في إطار مبادرة تعزيز التواصل مع المقيمين التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية بالشراكة مع الهيئة العامة للترفيه تحت شعار «انسجام عالمي»، وتستمر حتى 30 من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، اشتملت على عدد من العروض والحفلات الغنائية واستعراض للأزياء التقليدية، والأطعمة الشهية، والفلكلور الشعبي، واللهجات المحلية، لترسم لوحة فنية تعبر عن جمال التنوع المصري.

وتحولت أركان «حديقة السويدي» إلى عرض للأزياء التقليدية من مختلف مناطق مصر، حيث عكست أزياء النوبة، والصعيد، وسيناء، والدلتا، تفردها في الألوان والتصاميم، وتميّز كل زي بطابع جغرافي واجتماعي فريد، مما منح الزوار من المواطنين السعوديين أو المقيمين، فرصة للتعرف على جمال التراث المصري الذي يعبر عن الحرفية والإبداع الفني.

طفل مصري يؤدي وصلة غنائية خلال «أيام مصر» (الشرق الأوسط)

وعلى صعيد المطبخ المصري، أتيحت للزوار فرصة تذوق أشهر الأطباق المصرية التي تعبر عن غنى المطبخ المصري بتنوعه، وبرزت أطباق المطبخ المصري الشهيرة على غرار «الكشري»، و«الملوخية»، و«المسقعة»، و«الفطير المشلتت»، لتقدم تجربة فريدة جمعت بين الطعم التقليدي وطرق الطهي المتنوعة التي تميز كل منطقة.

وتضمّنت فعاليات «أيام مصر» عروضاً موسيقية حيّة ورقصات شعبية مستوحاة من التراث المصري، وأدّت فرق فنية رقصات مثل «التنورة»، و«الرقص النوبي»، و«الدبكة السيناوية»، التي عكست أصالة الفلكلور المصري وفرادته، وسط تفاعل كبير من الجمهور.

وأبدى عدد من الزوّار لـ«الشرق الأوسط» سعادتهم بفعالية «أيام مصر»، وأعرب بعضهم عن شعوره بأجواء تعيدهم إلى ضفاف النيل، وواحات الصحراء، وسحر الريف المصري، واستكشف عدد منهم تنوع الثقافة المصرية بكل تفاصيلها، وأكّد المسؤولون عن المبادرة أن الفعالية شكّلت فرصة لتقارب الشعوب والمجتمعات في السعودية وتبادل التجارب الثقافية.

جانب من الفعاليات (الشرق الأوسط)

وتأتي هذه الفعالية ضمن مبادرة لتعزيز التفاعل بين المقيمين والزوار من مختلف الجنسيات، حيث تهدف إلى تسليط الضوء على الثقافات المتنوعة التي يحتضنها المجتمع السعودي، وتشكل «أيام مصر» نموذجاً حياً لرؤية السعودية نحو مجتمع غني بتعدد الثقافات ومتسق مع قيم التسامح التي اشتملت عليها «رؤية السعودية 2030».