«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية

التنظيم استغل مقتل نجل البغدادي في الترويج لمزيد من الفكر المتطرف

«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية
TT

«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية

«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية

إعلان «داعش» مؤخراً مقتل حذيفة البدري، نجل زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، يؤكد استمرار التنظيم في الترويج لتجنيد الأطفال واستغلال ابن رمز مؤسس للتنظيم لإبراز مدى تفانيه وتضحيته من أجل تحقيق الرسالة الداعشية. وقد نشر خبر مقتل البدري عبر بيان بمسمى «قوافل الشهداء» نشر عبر تطبيق «تلغرام»، وحوى البيان صورته بملامح يافعة لطفلٍ يحمل سلاحاً، بمشاركته في هجوم انغماسي في حمص، وعلى الرغم من أن سياسة تجنيد الأطفال تمثل إفلاساً استراتيجياً، فإن غالبية الميليشيات والتنظيمات المتطرفة طبقته، ليس فقط لتعويض نقص المقاتلين في صفوفهم، لكن أيضاً لتعويض خسائرهم المتتالية، وإنما أيضاً من أجل تجييش كل المتواجدين في مناطق النزاع في محاولة للتخويف وإظهار مدى انخراط الأهالي في رسالة التنظيم واستنفارهم أجمع.
مثل هذا التوظيف للأطفال ليس بالأمر الجديد؛ إذ لوحظ عبر ميليشيات متطرفة على مر التاريخ، مثل ما حدث في سريلانكا سواء من خلال نمور تاميل الذين شرعوا في تجنيد الأطفال، وتبعتهم فيما بعد جماعة كارونا في سريلانكا، حيث كان يتم اختطاف الأطفال وتجنيدهم قسراً في التنظيم. أو ما حدث مع ميليشيات الحوثيين في اليمن، حيث جُنّد عدد كبير من الأطفال يصعب حصرهم. ففي عام 2015، نشرت الأمم المتحدة تقريراً بأن هناك نحو 2369 طفلاً يمنياً تم تجنيدهم، إلا أن هذا العدد ليس دقيقاً، ويتوقع أن الأعداد تفوق ذلك بكثير، في حين ذكرت السلطات اليمنية أن أعدادهم تتجاوز ستة آلاف طفل. الأمر الذي يزداد تعقيداً نتيجة اعتياد أهالي اليمن وأطفالهم استخدام الأسلحة جزءاً من عاداتهم وتقاليدهم؛ مما يعطي شيئاً من الشرعية لمثل هذه الممارسات التي تظهر جزءاً متأصلاً داخل المجتمع دون إدراك لخطورة ما يقترفونه.
من جهة أخرى، يعيد إلى أذهاننا قرار المحكمة المركزية في بغداد في 22 مايو (أيار) 2018، الحكم بإعدام المغربي طارق جدعون الملقب بأبي حمزة البلجيكي حقبة غابرة شاع فيها برنامج «أشبال الخلافة» بتجبره على الأطفال وإرغامهم خوض عمليات إرهابية ضارية، إذ لم يقتصر جدعون على تجنيد المقاتلين الأجانب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج التواصل الاجتماعي مثل «سكايب»؛ إذ تجاوز ذلك من خلال إدارته وتنظيمه لبرامج تدريبية للأطفال ضمن «أشبال الخلافة» وقد تكثفت جهود هذا البرنامج التدريبي في مطلع عام 2015؛ إذ انضم في حينه ما تجاوز 400 طفل ممن هم دون الثامنة عشرة، بما هو أشبه بمعسكر لتدريب من انضم إليهم من الأطفال من خلال تجنيدهم من يسكن منهم قريباً من معقل التنظيم، أو من يرتاد المدارس أو المساجد، وإغرائهم بالمال أو حتى بالدمى والألعاب وأعلام «داعش» السوداء، أو إبهارهم بالأسلحة والقتال، وذلك في الفترة التي كان «داعش» فيها في أوج نشاطه كخلافة مزعومة في سوريا في مناطق كثيرة أبرزها الميادين والبوكمال.
في تلك الحقبة المزدهرة للتنظيم التي تواجدت فيها معسكرات تدريبية قبل أن يتم تدميرها من قبل قوات التحالف الدولي، انقسم تدريب الأطفال إلى برامج عدة تضمنت ما هو شرعي وما هو عسكري، بما يماثل معسكرات المجندين الراشدين، بهدف خلق أجواء عنيفة للأطفال وغسل أدمغتهم من خلال إرغامهم على مشاهدة ممارسات للعنف سواء عبر تسجيلات مرئية في المعسكرات أو ممارسات واقعية أمامهم، مثل الإعدام أو حتى جعلهم يشاركون مثل هذه العمليات. وقد انتشر عدد كبير من التسجيلات المرئية التي يظهر فيها أطفال في معسكرات تدريبية بزي عسكري، وقد تضمن ذلك عمليات إعدام لجنود سوريين بوحشية. الأمر الذي يؤدي إلى ترعرعهم على أسس تقدس القتل والعنف والتوحش، دون قدرة على العودة إلى التراجع؛ إذ إن حياتهم كلها نشأت على ممارسات العنف الذي يصبح أمراً طبيعياً لا بد من حدوثه. في حين شكل الأطفال قوة استراتيجية؛ كونه يسهل عليهم الوصول إلى أماكن من الممكن تفجيرها دون الاشتباه بهم. ولم يتوان التنظيم عن تحويل عدد كبير من الأطفال إلى انتحاريين يرتدون الأحزمة الناسفة تعويضاً عن خسارتهم عدداً كبيراً من رجالهم في سوريا والعراق.
ولم تتوقف استراتيجية تجنيد الأطفال بعد إخفاق تنظيم داعش في تكوين خلافته المنشودة. إذ لوحظ مؤخراً في مناطق أخرى فيما بعد كما حدث في سورابايا في إندونيسيا تجنيد الأطفال حين قام عدد من الأطفال بمشاركة أسرهم بخوض عمليات إرهابية في 13 مايو 2018، استهدفت ثلاث كنائس، وقد كان من بين منفذي الهجمات أم وطفلاها. إضافة إلى حادثة هجوم انتحاري على مبنى للشرطة في سورابايا نفذته أسرة مؤلفة من خمسة أفراد من بينهم طفل في الثامنة من عمره، نجا من العملية الانتحارية. وفي 12 يونيو (حزيران) تم تسليم سبعة أطفال من منفذي هجمات سورابايا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل إعادة تأهيلهم قبل أن يتم إعادتهم إلى أسرهم.
خطورة تفشي آيديولوجية التطرف المترف بخطاب الكراهية والسعي نحو إلغاء الآخر ليس من خلال زرع شعارات أشبه «بالفاشية» فحسب، وإنما إتيان عمليات متوحشة من خطف وتعذيب وإعدام، مثل هذا الفكر إن تفشى بالأخص في المناطق التي تعاني انعدام الأمان والاستقرار، وقدرة التنظيم على السيطرة على مؤسساته أو حتى المدارس والمساجد فيها مثل ما حدث في العراق وسوريا. إذ من الصعب إعادة تأهيل أطفال تربوا على مشاهدة القتل والدماء واعتادوا عليها وإقناعهم بأن ممارسات العنف ليست صحيحة. القناعة المفضية إلى الولاء والانصياع للتنظيم. أو تفشي مثل هذه الآيديولوجيا ما بين أولئك المتسمين بالجهل الديني؛ الأمر الذي يجعل أي شخص يصل إليهم ويتحدث باسم الدين بثقة مطلقة مشرعاً لها، يتم تلقف وتصديق كل ما يقوله سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو التسجيلات المرئية والصوتية، حتى بعد زوال فكرة «الخلافة الداعشية»؛ إذ إن مقاتلي تلك حقبة تمكنوا من التباهي ببطولاتهم التي اكتسبوها من خلال خوض تجربة تفردوا بها، ويتم هنا استغلال الجهل الديني والإقناع بضرورة قتل «الكفار» من أجل الرقي وتحقيق متطلبات الشريعة الإسلامية، وذلك على نسق سياسات كتاب «إدارة التوحش» لمؤلفه أبو بكر ناجي، الذي غالباً ما هو اسم مستعار.
وقد كان تنظيم القاعدة يعتمد على الكثير من استراتيجياته، وتلاه فيما بعد تنظيم داعش في ذلك، وتتلخص استراتيجيات إدارة «التوحش» في استثمار انعدام الأمن في الدول التي تعاني من اضطرابات سياسية، كما هو الوضع الحالي في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفي مناطق أخرى من العالم مثل أفغانستان، وذلك من أجل خلق المزيد من الفوضى، والسعي نحو تشكيل خلافة للتنظيم والتوسع نحو مناطق أخرى.
والأمر الأصعب في التخلص من آيديولوجية العنف والإرهاب تكمن في طريقة معالجة المتطرفين الأطفال، بالأخص أولئك الذين تأصلت داخلية الكراهية والرغبة في القتل في المناطق التي شاعت فيها الفوضى والدمار، في حين من جهة أخرى ستواجه سلطات الدول التي تستقبل من جديد الأطفال المؤدلجين من أبناء جنسهم، وما عليهم القيام به من أجل إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع؛ إذ تبرز إشكالية كون هؤلاء الأطفال ضحايا لآبائهم أو الظروف القسرية التي دفعتهم لذلك، وصعوبة التعامل معهم كمقاتلين راشدين، على نسق الطفل الشيشاني بلال تاغيروف الذي لاقت عودته إلى بلاده في أغسطس (آب) 2017 هالة إعلامية كبيرة، ويبلغ من العمر الرابعة، حيث كان مع والده الذي انضم إلى تنظيم داعش في الموصل، وقد انتشرت صورة بلال وسط حملة إعلامية تضمنت الرئيس الشيشاني قاديروف وهو يستقبل الطفل بحماسة أثناء عودته إلى والدته في الشيشان. وقد ذكرت السلطات الروسية، أن هناك ما يقارب 400 طفل ممن ينتمي إلى دول الاتحاد السوفياتي سابقاً في كل من العراق وسوريا، وهو ليس بعدد بسيط ممن تستلزم معالجتهم فكرياً ونفسياً.
أما ألمانيا فتتوقع عودة ما يزيد على مائة طفل ألماني ممن ولد لمقاتلين ألمان ينتمون إلأى تنظيم القاعدة. الأمر الذي يثير مرة أخرى قضايا عودة المقاتلين الأجانب وأبنائهم ممن يعدّون أشد خطورة؛ إذ إن هؤلاء الأطفال أكثر راديكالية كونهم تواجدوا في منطقة النزاع فتشبث العنف في أعماقهم. وقد حذرت وزير الداخلية الألمانية هيربت رويل في ولاية الراين الشمالي فستفاليا من المخاطر الناجمة عن عودة الأطفال المقاتلين في مناطق النزاع إلى ألمانيا. كل ذلك يؤكد حتمية معالجة التطرف من خلال توعية المجتمعات بالأخص التي لديها قابلية لاحتضان خطاب الكراهية وذلك عبر سياسة «كسب القلوب والأفئدة» والتحذير من عواقب الإرهاب ومضاره، وذلك من أجل خلق مجتمعات قادرة على رفض خطاب إقصاء الآخر وإرساء معالم السلام والعدالة، من أجل درء ما شهده العالم من تواجد أهالٍ متقبلين الإرهاب غير متوانين عن تحريض الزوجات والأطفال لقتل أنفسهم بأحزمة ناسفة من أجل تحقيق غاية لتنظيم متطرف ينتمون إليه.
فالتنظيمات المتطرفة قد تتلاشى وتظهر أخرى جديدة، وتبقى قدرة المجتمعات على مقاومة الفكر المتطرف واستنكار العنف وحدها هي القادرة على إيقاف التنظيمات والجماعات الإرهابية من التمدد.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».