«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية

التنظيم استغل مقتل نجل البغدادي في الترويج لمزيد من الفكر المتطرف

«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية
TT

«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية

«داعش» يصعّد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية

إعلان «داعش» مؤخراً مقتل حذيفة البدري، نجل زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، يؤكد استمرار التنظيم في الترويج لتجنيد الأطفال واستغلال ابن رمز مؤسس للتنظيم لإبراز مدى تفانيه وتضحيته من أجل تحقيق الرسالة الداعشية. وقد نشر خبر مقتل البدري عبر بيان بمسمى «قوافل الشهداء» نشر عبر تطبيق «تلغرام»، وحوى البيان صورته بملامح يافعة لطفلٍ يحمل سلاحاً، بمشاركته في هجوم انغماسي في حمص، وعلى الرغم من أن سياسة تجنيد الأطفال تمثل إفلاساً استراتيجياً، فإن غالبية الميليشيات والتنظيمات المتطرفة طبقته، ليس فقط لتعويض نقص المقاتلين في صفوفهم، لكن أيضاً لتعويض خسائرهم المتتالية، وإنما أيضاً من أجل تجييش كل المتواجدين في مناطق النزاع في محاولة للتخويف وإظهار مدى انخراط الأهالي في رسالة التنظيم واستنفارهم أجمع.
مثل هذا التوظيف للأطفال ليس بالأمر الجديد؛ إذ لوحظ عبر ميليشيات متطرفة على مر التاريخ، مثل ما حدث في سريلانكا سواء من خلال نمور تاميل الذين شرعوا في تجنيد الأطفال، وتبعتهم فيما بعد جماعة كارونا في سريلانكا، حيث كان يتم اختطاف الأطفال وتجنيدهم قسراً في التنظيم. أو ما حدث مع ميليشيات الحوثيين في اليمن، حيث جُنّد عدد كبير من الأطفال يصعب حصرهم. ففي عام 2015، نشرت الأمم المتحدة تقريراً بأن هناك نحو 2369 طفلاً يمنياً تم تجنيدهم، إلا أن هذا العدد ليس دقيقاً، ويتوقع أن الأعداد تفوق ذلك بكثير، في حين ذكرت السلطات اليمنية أن أعدادهم تتجاوز ستة آلاف طفل. الأمر الذي يزداد تعقيداً نتيجة اعتياد أهالي اليمن وأطفالهم استخدام الأسلحة جزءاً من عاداتهم وتقاليدهم؛ مما يعطي شيئاً من الشرعية لمثل هذه الممارسات التي تظهر جزءاً متأصلاً داخل المجتمع دون إدراك لخطورة ما يقترفونه.
من جهة أخرى، يعيد إلى أذهاننا قرار المحكمة المركزية في بغداد في 22 مايو (أيار) 2018، الحكم بإعدام المغربي طارق جدعون الملقب بأبي حمزة البلجيكي حقبة غابرة شاع فيها برنامج «أشبال الخلافة» بتجبره على الأطفال وإرغامهم خوض عمليات إرهابية ضارية، إذ لم يقتصر جدعون على تجنيد المقاتلين الأجانب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج التواصل الاجتماعي مثل «سكايب»؛ إذ تجاوز ذلك من خلال إدارته وتنظيمه لبرامج تدريبية للأطفال ضمن «أشبال الخلافة» وقد تكثفت جهود هذا البرنامج التدريبي في مطلع عام 2015؛ إذ انضم في حينه ما تجاوز 400 طفل ممن هم دون الثامنة عشرة، بما هو أشبه بمعسكر لتدريب من انضم إليهم من الأطفال من خلال تجنيدهم من يسكن منهم قريباً من معقل التنظيم، أو من يرتاد المدارس أو المساجد، وإغرائهم بالمال أو حتى بالدمى والألعاب وأعلام «داعش» السوداء، أو إبهارهم بالأسلحة والقتال، وذلك في الفترة التي كان «داعش» فيها في أوج نشاطه كخلافة مزعومة في سوريا في مناطق كثيرة أبرزها الميادين والبوكمال.
في تلك الحقبة المزدهرة للتنظيم التي تواجدت فيها معسكرات تدريبية قبل أن يتم تدميرها من قبل قوات التحالف الدولي، انقسم تدريب الأطفال إلى برامج عدة تضمنت ما هو شرعي وما هو عسكري، بما يماثل معسكرات المجندين الراشدين، بهدف خلق أجواء عنيفة للأطفال وغسل أدمغتهم من خلال إرغامهم على مشاهدة ممارسات للعنف سواء عبر تسجيلات مرئية في المعسكرات أو ممارسات واقعية أمامهم، مثل الإعدام أو حتى جعلهم يشاركون مثل هذه العمليات. وقد انتشر عدد كبير من التسجيلات المرئية التي يظهر فيها أطفال في معسكرات تدريبية بزي عسكري، وقد تضمن ذلك عمليات إعدام لجنود سوريين بوحشية. الأمر الذي يؤدي إلى ترعرعهم على أسس تقدس القتل والعنف والتوحش، دون قدرة على العودة إلى التراجع؛ إذ إن حياتهم كلها نشأت على ممارسات العنف الذي يصبح أمراً طبيعياً لا بد من حدوثه. في حين شكل الأطفال قوة استراتيجية؛ كونه يسهل عليهم الوصول إلى أماكن من الممكن تفجيرها دون الاشتباه بهم. ولم يتوان التنظيم عن تحويل عدد كبير من الأطفال إلى انتحاريين يرتدون الأحزمة الناسفة تعويضاً عن خسارتهم عدداً كبيراً من رجالهم في سوريا والعراق.
ولم تتوقف استراتيجية تجنيد الأطفال بعد إخفاق تنظيم داعش في تكوين خلافته المنشودة. إذ لوحظ مؤخراً في مناطق أخرى فيما بعد كما حدث في سورابايا في إندونيسيا تجنيد الأطفال حين قام عدد من الأطفال بمشاركة أسرهم بخوض عمليات إرهابية في 13 مايو 2018، استهدفت ثلاث كنائس، وقد كان من بين منفذي الهجمات أم وطفلاها. إضافة إلى حادثة هجوم انتحاري على مبنى للشرطة في سورابايا نفذته أسرة مؤلفة من خمسة أفراد من بينهم طفل في الثامنة من عمره، نجا من العملية الانتحارية. وفي 12 يونيو (حزيران) تم تسليم سبعة أطفال من منفذي هجمات سورابايا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية من أجل إعادة تأهيلهم قبل أن يتم إعادتهم إلى أسرهم.
خطورة تفشي آيديولوجية التطرف المترف بخطاب الكراهية والسعي نحو إلغاء الآخر ليس من خلال زرع شعارات أشبه «بالفاشية» فحسب، وإنما إتيان عمليات متوحشة من خطف وتعذيب وإعدام، مثل هذا الفكر إن تفشى بالأخص في المناطق التي تعاني انعدام الأمان والاستقرار، وقدرة التنظيم على السيطرة على مؤسساته أو حتى المدارس والمساجد فيها مثل ما حدث في العراق وسوريا. إذ من الصعب إعادة تأهيل أطفال تربوا على مشاهدة القتل والدماء واعتادوا عليها وإقناعهم بأن ممارسات العنف ليست صحيحة. القناعة المفضية إلى الولاء والانصياع للتنظيم. أو تفشي مثل هذه الآيديولوجيا ما بين أولئك المتسمين بالجهل الديني؛ الأمر الذي يجعل أي شخص يصل إليهم ويتحدث باسم الدين بثقة مطلقة مشرعاً لها، يتم تلقف وتصديق كل ما يقوله سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو التسجيلات المرئية والصوتية، حتى بعد زوال فكرة «الخلافة الداعشية»؛ إذ إن مقاتلي تلك حقبة تمكنوا من التباهي ببطولاتهم التي اكتسبوها من خلال خوض تجربة تفردوا بها، ويتم هنا استغلال الجهل الديني والإقناع بضرورة قتل «الكفار» من أجل الرقي وتحقيق متطلبات الشريعة الإسلامية، وذلك على نسق سياسات كتاب «إدارة التوحش» لمؤلفه أبو بكر ناجي، الذي غالباً ما هو اسم مستعار.
وقد كان تنظيم القاعدة يعتمد على الكثير من استراتيجياته، وتلاه فيما بعد تنظيم داعش في ذلك، وتتلخص استراتيجيات إدارة «التوحش» في استثمار انعدام الأمن في الدول التي تعاني من اضطرابات سياسية، كما هو الوضع الحالي في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفي مناطق أخرى من العالم مثل أفغانستان، وذلك من أجل خلق المزيد من الفوضى، والسعي نحو تشكيل خلافة للتنظيم والتوسع نحو مناطق أخرى.
والأمر الأصعب في التخلص من آيديولوجية العنف والإرهاب تكمن في طريقة معالجة المتطرفين الأطفال، بالأخص أولئك الذين تأصلت داخلية الكراهية والرغبة في القتل في المناطق التي شاعت فيها الفوضى والدمار، في حين من جهة أخرى ستواجه سلطات الدول التي تستقبل من جديد الأطفال المؤدلجين من أبناء جنسهم، وما عليهم القيام به من أجل إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع؛ إذ تبرز إشكالية كون هؤلاء الأطفال ضحايا لآبائهم أو الظروف القسرية التي دفعتهم لذلك، وصعوبة التعامل معهم كمقاتلين راشدين، على نسق الطفل الشيشاني بلال تاغيروف الذي لاقت عودته إلى بلاده في أغسطس (آب) 2017 هالة إعلامية كبيرة، ويبلغ من العمر الرابعة، حيث كان مع والده الذي انضم إلى تنظيم داعش في الموصل، وقد انتشرت صورة بلال وسط حملة إعلامية تضمنت الرئيس الشيشاني قاديروف وهو يستقبل الطفل بحماسة أثناء عودته إلى والدته في الشيشان. وقد ذكرت السلطات الروسية، أن هناك ما يقارب 400 طفل ممن ينتمي إلى دول الاتحاد السوفياتي سابقاً في كل من العراق وسوريا، وهو ليس بعدد بسيط ممن تستلزم معالجتهم فكرياً ونفسياً.
أما ألمانيا فتتوقع عودة ما يزيد على مائة طفل ألماني ممن ولد لمقاتلين ألمان ينتمون إلأى تنظيم القاعدة. الأمر الذي يثير مرة أخرى قضايا عودة المقاتلين الأجانب وأبنائهم ممن يعدّون أشد خطورة؛ إذ إن هؤلاء الأطفال أكثر راديكالية كونهم تواجدوا في منطقة النزاع فتشبث العنف في أعماقهم. وقد حذرت وزير الداخلية الألمانية هيربت رويل في ولاية الراين الشمالي فستفاليا من المخاطر الناجمة عن عودة الأطفال المقاتلين في مناطق النزاع إلى ألمانيا. كل ذلك يؤكد حتمية معالجة التطرف من خلال توعية المجتمعات بالأخص التي لديها قابلية لاحتضان خطاب الكراهية وذلك عبر سياسة «كسب القلوب والأفئدة» والتحذير من عواقب الإرهاب ومضاره، وذلك من أجل خلق مجتمعات قادرة على رفض خطاب إقصاء الآخر وإرساء معالم السلام والعدالة، من أجل درء ما شهده العالم من تواجد أهالٍ متقبلين الإرهاب غير متوانين عن تحريض الزوجات والأطفال لقتل أنفسهم بأحزمة ناسفة من أجل تحقيق غاية لتنظيم متطرف ينتمون إليه.
فالتنظيمات المتطرفة قد تتلاشى وتظهر أخرى جديدة، وتبقى قدرة المجتمعات على مقاومة الفكر المتطرف واستنكار العنف وحدها هي القادرة على إيقاف التنظيمات والجماعات الإرهابية من التمدد.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.