باكستان: حكم غيابي بالسجن 10 سنوات لنواز شريف

منافسه المعارض عمران خان يحقق تقدماً في استطلاعات قبل الانتخابات

نواز شريف رئيس وزراء باكستان السابق في لندن بعد صدور الحكم من قبل محكمة الفساد في باكستان أمس (أ.ف.ب)
نواز شريف رئيس وزراء باكستان السابق في لندن بعد صدور الحكم من قبل محكمة الفساد في باكستان أمس (أ.ف.ب)
TT

باكستان: حكم غيابي بالسجن 10 سنوات لنواز شريف

نواز شريف رئيس وزراء باكستان السابق في لندن بعد صدور الحكم من قبل محكمة الفساد في باكستان أمس (أ.ف.ب)
نواز شريف رئيس وزراء باكستان السابق في لندن بعد صدور الحكم من قبل محكمة الفساد في باكستان أمس (أ.ف.ب)

يعزز حكم المحكمة العليا الباكستانية بالسجن عشر سنوات لرئيس وزراء باكستان السابق موقف حزب المعارضة الرئيسي بقيادة عمران خان لاعب «الكريكيت»، الذي تحول إلى ناشط سياسي، ويثير التساؤلات حول ما إذا كان نواز شريف سيعود إلى باكستان من لندن حيث تتلقى زوجته العلاج من مرض السرطان.
وقال شقيقه شهباز شريف في مؤتمر صحافي متلفز في لاهور عقب صدور الحكم: «نحن نرفض هذا القرار... فهو مبني على الظلم». وأضاف: «هذا القرار سيكتب في التاريخ بحروف سوداء». أما عمران خان فقد رحب بالقرار في تجمع انتخابي في وادي سوات شمال غربي باكستان. وقال وسط ابتهاج آلاف من أنصاره: «اليوم يجب أن يؤدي الباكستانيون صلاة الشكر لأن اليوم هو بداية عهد جديد لباكستان. الآن لن يتوجه اللصوص إلى البرلمانات بل إلى السجون». ويبين استطلاعان للرأي زيادة الميل تجاه حزب «حركة الإنصاف»، الذي يقوده خان مقارنة باستطلاعات أجريت عام 2017 وتراوح الفارق فيها بينه وبين الحزب الحاكم بين ثماني وتسع نقاط مئوية.
ويهدد الحكم الذي صدر غيابيا على شريف، 68 عاما، بإنهاء الحياة السياسية لأحد أبرز السياسيين خلال العقود الأربعة الأخيرة في باكستان والذي شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات.
وقال محامي الادعاء سردار مظفر عباسي إن مريم ابنة شريف والتي تعتبر على نطاق واسع خليفته السياسية عوقبت بالسجن سبع سنوات وعوقب زوجها محمد سافدار النائب عن حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية - جناح نواز بالسجن عاما. وأضاف عباسي، كما نقلت عنه رويترز، أن المحكمة قضت بتغريم شريف ثمانية ملايين جنيه إسترليني (10.6 مليون دولار) وغرمت ابنته مليوني جنيه وأمرت بمصادرة شقق لندنية لصالح الحكومة الباكستانية. وقال عباسي للصحافيين «الحكم الذي صدر اليوم يثبت أن الشقق تم شراؤها باستخدام أموال ناتجة عن فساد». ويوجد شريف وابنته في لندن برفقة زوجته كلثوم التي تعالج من السرطان وترقد في غيبوبة منذ إصابتها بنوبة قلبية الشهر الماضي. ونفى شريف وابنته ارتكاب أي خطأ.
وقال المحلل رفعت حسين لوكالة الصحافة الفرنسية «مهما قال حزب الرابطة الإسلامية - نواز، فإن القرار سيضر بقاعدة أصواته»، مرجحا ألا يعود شريف إلى باكستان. وقال حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، الذي يتزعمه شريف، إنه (شريف) سيعود على الفور وسيسلم نفسه للسلطات.
وكانت المحكمة العليا قد أمرت العام الماضي بعزل شريف عقب تحقيق في تهم فساد، كما حظرت عليه ممارسة السياسة طوال حياته. إلا أنه يظل رمزا لحزبه الحاكم، حزب الرابطة الإسلامية - نواز.
ويقول شريف إنه ضحية مؤامرة وراءها الجيش المتنفذ الذي حكم باكستان لنحو 35 عاما منذ استقلالها قبل 70 عاما.
وخرجت احتجاجات صغيرة عقب صدور الحكم في إسلام آباد، إلا أن أعدادا كبيرة من قوات الأمن أحاطت بها. كما خرجت احتجاجات في مدن أخرى من بينها مولتان في البنجاب، وهي ولاية عائلة شريف، كما جاء في تقرير الصحافة الفرنسية من إسلام آباد. وكان شريف سلم زعامة الحزب إلى شقيقه شهباز الذي يقود حملة الحزب استعدادا لانتقال السلطة الديمقراطي الثاني في تاريخ باكستان.
كما حكمت المحكمة على شريف بدفع غرامة ثمانية ملايين جنيه إسترليني (10 ملايين دولار) لشرائه عقارات فاخرة في لندن، بحسب ما صرح محامي الدفاع محمد اورانغزيب لوكالة الصحافة الفرنسية. وذكر ممثل النيابة سردار مظفر أن المحكمة أمرت بأن تصادر الحكومة الفيدرالية الممتلكات في منطقة «ماي فير» الفاخرة في وسط لندن. وقال محللون إن الحكم سيضر بحملة حزب شريف وسط محاولة شهباز الذي يفتقر إلى الكاريزما لمواجهة حزب خان «حركة العدالة» وغيره من الأحزاب.
وأظهرت استطلاعات أجريت مؤخرا أن ما يصل إلى 22 في المائة من الناخبين الباكستانيين لم يحسموا رأيهم بعد، بحسب المحلل رفعت حسين، الذي أضاف أنه بعد توجيه تهم الفساد إلى قيادة حزب الرابطة الإسلامية - نواز فإن فرص شريف ضعيفة في استخدام «عامل التعاطف» لاستقطاب الأصوات. ورأى المحلل رسول بوخش رايس أن الحكم وضع شريف في «موقف صعب». وأضاف: «إذا لم يعد شريف يكون حزبه قد انتهى. وإذا عاد فعليه الطعن في القضايا ضده وسيعاني كثيرا ولكنه سينقذ حزبه». وقال حليف سياسي لشريف إن رئيس الوزراء المعزول سيعود من لندن إلى باكستان لاستئناف الحكم وقد يواجه الاعتقال لدى وصوله.
وشهد حزب نواز شريف كذلك سلسلة من الانشقاقات بين مسؤوليه البارزين في الأسابيع التي سبقت الحملة الانتخابية، وهو ما دفع الحزب إلى القول أنه مستهدف من المؤسسة الأمنية. وظهرت اتهامات الفساد العام الماضي بعد نشر 11.5 مليون وثيقة من شركة «موساك فونسكا» البنمية تكشف تعاملات خارج البلاد للكثير من أثرياء العالم وشخصياته السياسية البارزة. ودانت تلك الوثائق ثلاثة من أبناء شريف الأربعة هم مريم التي كان من المفترض أن تكون وريثته السياسية، وولداه حسن وحسين. والجمعة حكمت المحكمة على مريم بالسجن سبع سنوات.
وواجه شريف الكثير من التحديات في الماضي إلا أنه تمكن من تجاوزها. ففي عام 1993 أقيل من منصبه رئيسا للوزراء أثناء ولايته الأولى بتهم فساد، وفي 1999 تم الحكم عليه بالسجن المؤبد بعد ولايته الثانية التي انتهت بانقلاب عسكري. وعقب الانقلاب سمح له بالتوجه للعيش في المنفى، وعاد منها في 2007 ليصبح رئيسا للوزراء لولاية ثالثة في 2013.
يحقق حزب عمران خان «حركة الإنصاف الباكستاني» تقدما قبل الانتخابات العامة، إذ أظهر استطلاع للرأي تفوقه على الحزب الحاكم المنتهية ولايته بينما أظهر استطلاع آخر تخلفه عنه بفارق ضئيل. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة (بالس كونسالتنت) أن 30 في المائة من
المشاركين من أنحاء باكستان يؤيدون حزب حركة الإنصاف بينما حصل منافسه الرئيسي حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية على 27 في المائة من الأصوات وحزب الشعب الباكستاني على
17 في المائة من الأصوات. وأظهر استطلاع آخر أجرته مؤسسة (غالوب باكستان) بأنحاء البلاد
أيضا تقدم الحزب الحاكم بنسبة 26 في المائة من الأصوات ويليه حزب حركة الإنصاف بنسبة 25 في المائة ثم حزب الشعب بنسبة 16 في المائة.



تحليل: المصالح الأميركية في مرمى أسلحة روسيا «المضادة للفضاء»

قمر اصطناعي يدور حول الأرض (أرشيفية- رويترز)
قمر اصطناعي يدور حول الأرض (أرشيفية- رويترز)
TT

تحليل: المصالح الأميركية في مرمى أسلحة روسيا «المضادة للفضاء»

قمر اصطناعي يدور حول الأرض (أرشيفية- رويترز)
قمر اصطناعي يدور حول الأرض (أرشيفية- رويترز)

منذ أوائل العام الحالي بدأ مسؤولون أميركيون يتحدثون عن رصد تحركات روسيا لنشر أسلحة في الفضاء تستهدف الأقمار الاصطناعية، ليصبح السؤال الأهم الآن لماذا تريد روسيا تطوير أسلحة فضاء يمكنها أن تجعل أجزاء من الفضاء غير قابلة للاستخدام لمدة تصل إلى عام.

في تحليل نشره موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي قال كلايتون سوب نائب مدير مشروع أمن الفضاء والزميل الكبير في برنامج الأمن الدولي بالمركز، وماكينا يونغ الزميلة في مشروع أمن الفضاء إن الوصول إلى الدوافع الحقيقية والكاملة لروسيا وراء مثل هذا التحرك أمر صعب للغاية، مشيرين إلى مقولة رئيس وزراء بريطانيا الراحل وينستون تشرشل إن عملية صناعة القرار في روسيا عبارة عن «لغز ملفوف في لغز داخل لغز».

ومع ذلك يمكن القول إن رغبة روسيا في تطوير أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية ومركبات الفضاء يعني أن أحد أهداف الرئيس فلاديمير بوتين هو إضعاف مكانة ونفوذ الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الأولى عالمياً في مجال تكنولوجيا الفضاء واستخداماته حالياً، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية».

ويقول سوب ويونغ إنه في ضوء التباين الشديد في نظرة كل من روسيا والولايات المتحدة للفضاء، فإن هناك القليل من الخيارات المتاحة لمنع روسيا من الحصول على أسلحة فضاء أشد تدميراً. وهل يمكن الضغط على روسيا للتخلي عن هذه الخطط؟ وإذا كان ذلك ممكناً فما هو نوع الضغط الذي يمكن أن تستجيب له؟

ويقول المحللان الأميركيان إن الولايات المتحدة والغرب لم تعد لديهما أوراق ضغط اقتصادية قوية على روسيا، ولذلك فالأمل هو إقناع الهند والصين بممارسة مثل هذا الضغط بعد أن تزايدت أهميتهما للاقتصاد الروسي منذ فرض العقوبات الغربية عليه رداً على غزو أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

والحقيقة أن هناك الكثير من الأسلحة التي يطلق عليها اسم «أسلحة مضادة للفضاء» وتستطيع تدمير أو تعطيل أو إحداث اضطراب في استخدامات الفضاء المختلفة.

وبعض هذه الأسلحة مثل تلك التي تسهل تداخل إشارات الأقمار الاصطناعية أو تشتيتها لها تأثير مؤقت. وهناك أسلحة أخرى تستهدف أنظمة توجيه الطاقة في الأقمار الاصطناعية وهي يمكن أن تسبب تدميراً دائماً لمكونات رئيسية في هذه الأقمار.

كما يمكن أن تؤدي بعض الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية إلى تأثيرات غير محددة من خلال نشر الحطام الفضائي أو الإشعاعات، وتدمير القمر الاصطناعي المستهدف ومعه مئات وربما آلاف الأقمار الأخرى كخسائر جانبية.

والآن فإن روسيا إما نشرت بالفعل أو تطور أنواعاً عديدة مختلفة من الأسلحة المضادة للفضاء. وفي الشهر الماضي اتهم مجلس الأمن القومي الأميركي روسيا بإطلاق قمر اصطناعي يحمل سلاحاً يمكن أن يهاجم الأقمار الاصطناعية الأخرى.

ويعتقد خبراء أن هذا القمر هو فقط الأحدث في سلسلة أقمار مشابهة، إن لم تكن متطابقة أطلقتها روسيا خلال السنوات الخمس الماضية ويمكن أن تحمل بعض أسلحة المقذوفات الحركية. وعند إطلاق مثل هذا السلاح على قمر اصطناعي، فإنه يمكن أن يولد آلاف القطع من الشظايا والحطام ويهدد الأقمار الأخرى الموجودة في المدار المستهدف، وقد تؤدي إلى توليد موجات متتابعة من الحطام.

صاروخ صيني يحمل المركبة الفضائية «شينزو 18» من مركز تشيكوان لإطلاق الأقمار الاصطناعية في مهمة إلى محطة الفضاء الصينية 25 أبريل 2024 (رويترز)

وإلى جانب هذه الأسلحة الفضائية، يقال إن روسيا تطور سلاحاً نووياً مضاداً للأقمار الاصطناعية يمكنه أن يعطل مئات الآلاف من الأقمار الاصطناعية عن العمل من خلال موجات الإشعاع الناتجة عن تفجيره. وقد أصبح هذا التهديد محل اهتمام منذ الكشف عنه في فبراير الماضي.

ويرى سوب المسؤول السابق عن السياسة العامة للأمن القومي والأمن السيبراني في مشروع «كوبير» التابع لشركة التكنولوجيا الأميركية «أمازون»، ويانغ مهندسة الطيران سابقاً في إدارة الطيران الاتحادي الأميركية في تحليلهما المشترك إن روسيا متخلفة للغاية في مجال استخدامات الفضاء مقارنة بالولايات المتحدة والصين.

ففي حين أطلقت الولايات المتحدة خلال العام الماضي 2221 قمراً اصطناعياً، أطلقت روسيا 60 قمراً فقط. كما أن الولايات المتحدة تعتمد على شبكة الأقمار الاصطناعية لتشغيل نظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس» في حين أن النظام الروسي الموازي والمعروف باسم «غلوناس» أقل انتشاراً وأقل فاعلية.

ويعني هذا أن الولايات المتحدة تعتمد بشدة على أقمار الاتصالات في الأغراض العسكرية وهو ما يعني أن نجاح روسيا في تعطيل هذه الأقمار سيجبر الضباط الأميركيين على العودة لاستخدام الخرائط والفرجار لرسم التحركات العسكرية.

في الوقت نفسه فإن روسيا لن تخسر الكثير إذا ما تعرضت منظومات الأقمار الاصطناعية للاضطراب، في حين ستخسر الولايات المتحدة كل شيء تقريباً بسبب اعتمادها المتزايد على هذه المنظومات بدءاً من الأغراض العسكرية وحتى التحكم في منشآت البنية التحتية عن بعد.

جانب من عملية إطلاق صاروخ روسي نحو الفضاء 15 فبراير (شباط) 2024 (أ.ب)

وتبقى الحقيقة وهي أن بوتين لن يتوقف عن محاولات تهديد القدرات الأميركية في الفضاء بسبب الضغوط الدبلوماسية فقط. وإذا نشرت الولايات المتحدة معلوماتها السرية عن التهديدات الروسية المضادة للفضاء، فمن غير الواضح مدى فاعلية مثل هذا التحرك.

فعلى مدى سنوات حكم بوتين الخمس والعشرين، لم يتأثر الرجل في قراراته بالإدانات الدبلوماسية لأي من تصرفات روسيا. فقد غزا جورجيا واستولى على شبه جزيرة القرم ثم غزا أوكرانيا بالكامل، وأخيراً يحاول تدمير البنية التحتية بالتشويش على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي في أوروبا وغير ذلك الكثير بحسب المحللين الأميركيين.

وأخيراً يرى هذان المحللان أن الطريقة المثالية للتأثير على قرارات بوتين في مجال تهديدات الفضاء تمر عبر الصين والهند، وبالتالي على الولايات المتحدة والغرب عموماً تقديم الحوافز التي يمكن أن تجعل البلدين يعيدان النظر في تعميق علاقاتهما الاقتصادية مع موسكو كوسيلة للضغط على الأخيرة، خاصة الصين التي باتت تعتمد بصورة متزايدة على قدراتها في مجال الفضاء اقتصادياً وعسكرياً، وبالتالي من مصلحتها المحافظة على أمن الفضاء العالمي.

أخيراً فإنه لا توجد طلقة ذهبية للحماية من التهديد الروسي للفضاء. ويمكن أن يضحي بوتين بمصالح بلاده الفضائية، وهي التضحية التي لن تكون واضحة بشدة للروس سواء عسكرياً أو مدنياً. كما أن روسيا لن ترضخ للضغوط الدبلوماسية. لكنها ستستجيب فقط إذا تأثرت مصالحها القومية.

وهنا نعود مرة أخرى إلى وينستون تشرشل الذي قال إن هناك مفتاحاً أساسياً لفهم عملية صناعة القرار في موسكو وهو المصلحة القومية الروسية. والمصلحة القومية الروسية اليوم هي «التجارة والأعمال والمال ولكن الغرب لا يستطيع أن يؤثر على هذه المجالات الآن في حين تستطيع نيودلهي وبكين تحقيق ذلك».