بروكسل: قاضٍ فرنسي يستمع إلى مهدي نموش في قضية احتجاز صحافيين في سوريا

محاكمة بلجيكي لتجنيده عناصر للقتال بصفوف منظمات إرهابية

عناصر من الجيش في شوارع بروكسل عقب هجمات 2016 (تصوير: عبد الله مصطفى) - في الإطار مهدي نموش
عناصر من الجيش في شوارع بروكسل عقب هجمات 2016 (تصوير: عبد الله مصطفى) - في الإطار مهدي نموش
TT

بروكسل: قاضٍ فرنسي يستمع إلى مهدي نموش في قضية احتجاز صحافيين في سوريا

عناصر من الجيش في شوارع بروكسل عقب هجمات 2016 (تصوير: عبد الله مصطفى) - في الإطار مهدي نموش
عناصر من الجيش في شوارع بروكسل عقب هجمات 2016 (تصوير: عبد الله مصطفى) - في الإطار مهدي نموش

أدلى المتشدد الفرنسي مهدي نموش، المنفذ المفترض لمجزرة المتحف اليهودي في بروكسل، أمس، بإفادته في العاصمة البلجيكية، أمام قاض باريسي متخصص في قضايا الإرهاب، لدوره المفترض في احتجاز أربعة صحافيين فرنسيين في سوريا في 2013 – 2014، بحسب ما علم من محاميه.
وأوضح المحامي فرنسيس فويلمين، إثر الجلسة التي استمرت 45 دقيقة: «طرح القاضي ستين سؤالا واجهها (نموش) متحصنا بحق الصمت».
وهو أول استجواب لنموش (33 عاما) في هذه القضية، منذ توجيه قضاة باريسيين في مكافحة الإرهاب إليه تهم «الخطف والاحتجاز في إطار عصابة منظمة على علاقة بشبكة إرهابية»، و«الانتماء إلى عصابة إرهابية إجرامية» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.
وكان نموش قد رفض كذلك حينها الرد عن أسئلة بشأن دوره المفترض كسجان للصحافيين الفرنسيين الرهائن في سوريا، الذين مثل ثلاثة منهم الأطراف المدنية في القضية.
وتم الاستماع أمس للمتهم في إطار التعاون القضائي الفرنسي – البلجيكي، بحضور قاضية التحقيق في محكمة البداية الفرنكوفونية في بروكسل برتا برتاردو منديز، وبناء على طلب القاضي الباريسي برتران غران.
وأضاف المحامي: «سيدلي بأقواله أمام محكمة الجنايات، إذا اعتبر القضاء أن هناك ما يكفي من القرائن لمحاكمته، وذلك بدلا من الرد على سلسلة من الأسئلة المكررة، وتتعلق جميعها تقريبا بتصريحات الصحافيين الأربعة».
وتابع: «بعد خمس سنوات من الوقائع، لا يزال الملف ضعيفا جدا، ولا يتضمن سوى تصريحات. ومنذ توجيه الاتهام إليه لم يتم تحرير أي محضر ولم يفتح أي تحقيق إضافي».
ونموش مسجون حاليا في بلجيكا، وينتظر محاكمته في الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسل في 2014، على أن تبدأ نهاية 2018 أو بداية 2019 ببروكسل.
وبحسب الادعاء البلجيكي، يشتبه في أن يكون مهدي نموش الذي أصبح متشددا في السجن وتوجه إلى سوريا، أطلق النار في مدخل المتحف في 24 مايو (أيار) 2014، ما أدى إلى مقتل سائحين إسرائيليين ومتطوعة فرنسية وموظف بلجيكي. وكان قد أوقف بعد ستة أيام في فرنسا في محطة النقل البري بمرسيليا.
وبعد استماع أجهزة الاستخبارات إلى أقواله، تعرف الصحافيون ديدييه فرنسوا، وبيار توريس، وإدوار إلياس، ونيكولا هينان، إليه كأحد السجانين، وكانوا قد خطفوا في سوريا في يونيو (حزيران) 2013، وأفرج عنهم في 18 أبريل (نيسان) 2014.
وكانت صحيفة «لوموند» الفرنسية قد كشفت وجود نموش مع الصحافيين الأربعة في سوريا في سبتمبر (أيلول) 2014. وكان بعضهم قد تحدث علنا، وقال هينان لمجلة «لوبوان» إنه تعرض «لسوء معاملة» على يد نموش، عندما كان محتجزا في مستشفى العيون في حلب، الذي حوله تنظيم داعش إلى سجن.
إلى ذلك تختتم اليوم (الجمعة) جلسات الاستماع، التي انطلقت أول من أمس في باريس، في قضية يحاكم فيها 4 أشخاص، أحدهم بلجيكي من أصل تونسي يدعى فاروق بن عباس، بصفته مسؤولا عن أحد المواقع على الإنترنت، التي كانت تحرض على القتال. كما أن بن عباس كان على اتصال بشخص فرنسي يدعى فابيان كلين ظهر في فيديو يعلن عن تبني هجمات نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 في باريس التي أودت بحياة 130 شخصا وأدت إلى إصابة آخرين.
واهتمت وسائل الإعلام البلجيكية في بروكسل أمس، بمتابعة القضية، وقالت: «يحاكم الأشخاص الأربعة في ملف يتعلق بالدعوة إلى التشدد وتجنيد عناصر للمشاركة في العمليات القتالية ضمن صفوف منظمات إرهابية».
وأضافت أن 3 أشخاص من بينهم بن عباس حضروا إلى مقر المحكمة من دون اعتقال، بينما تغيب الرابع ويدعى ليونارد لوبيز وسافر إلى سوريا منذ عام 2015، وأنه موجود حاليا في أيدي الأكراد السوريين.
وحسب ما ذكر الإعلام البلجيكي، يواجه الأشخاص الأربعة اتهامات تتعلق بالتحريض على التشدد، وتجنيد أشخاص للقتال في صفوف منظمات إرهابية، وذلك خلال الفترة ما بين 2006 و2010، وذلك عبر منشورات على موقع يحمل اسم «أنصار الحق» الذي كان يدعم سفر المقاتلين إلى المنظمات الإرهابية في مناطق الصراعات، قبل أن يتم إغلاق الموقع نهائيا.
وقد نفى عباس أنه كان يدعو إلى المشاركة في العمليات القتالية عبر منشوراته على الإنترنت، وإنما قام فقط بنشر بعض المعلومات. وكانت السلطات المحلية في العاصمة البلجيكية بروكسل قد أعلنت مؤخرا عن وقف سفر الشباب من بروكسل، وبالتحديد انطلاقا من بلدية مولنبيك في بروكسل، والتي اشتهرت في الإعلام الغربي عقب تفجيرات باريس وبروكسل، بأنها بؤرة التطرف في أوروبا، الأمر الذي جعل السلطات المحلية تلجأ إلى كل الوسائل ومنها الأنشطة الثقافية والاجتماعية لمحو هذه الصورة.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قالت سارة تورين، مسؤولة ملف التماسك الاجتماعي وقضايا الشباب في بلدية مولنبيك: «الوضع هادئ الآن، وتوقف سفر الشباب إلى سوريا وغيرها، ولكن يجب أن نظل على حذر، لأنه لا تزال هناك حالة غضب في أوساط الشباب بسبب المشكلات التي يعانون منها وتحتاج إلى حلول، وعلينا أن نعمل على مشروعات تعيد للشباب الثقة بأنفسهم وفي المجتمع».
يأتي ذلك بالتزامن مع صدور قرار من القضاء الفرنسي يتضمن حكما نهائيا بالسجن لمدة 10 سنوات على والدة متطرف أصبح أميرا لجماعة تابعة لتنظيم «داعش» في سوريا، وذلك بتهمة مشاركته في دعم وتمويل الإرهاب، وهذا بحسب ما تم ذكره في وسائل إعلام محلية في فرنسا، واهتم به الإعلام البلجيكي في بروكسل.
وقالت محكمة الاستئناف في باريس إنها قد وقعت العقوبة القصوى على السيدة التي تدعى كريستين ريفيير والبالغة من العمر 52 عاما، والمعروفة إعلاميا بـ«أم الجهاد»، وذلك بعدما تأكدت من أنها قد قامت بتحويل بعض الأموال إلى متطرفين في سوريا أو ربما سعت إلى فعل ذلك.
وقالت التقارير الصحافية إن كريستين ريفيير قد اعتنقت الإسلام في وقت سابق، وذلك بعدما قام ابنها تيلر فيلوس بالانضمام إلى تنظيم «داعش»، وقد نجح في أن يترقى بشكل سريع للغاية إلى أن وصل إلى رتبة أمير في التنظيم، وهو الأمر الذي جعل السلطات تلقي القبض عليها في عام 2014، وبالتحديد في شهر يوليو (تموز) من هذا العام.


مقالات ذات صلة

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

العالم إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

قضت محكمة إسبانية، الجمعة، بالسجن 10 سنوات على زعيم خلية «إرهابية» نشطت في برشلونة، و8 سنوات على 3 آخرين بتهمة التخطيط لهجمات ضد أهداف روسية في المدينة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وذكرت «المحكمة الوطنية» في مدريد، في بيان، أنها أدانت «4 أعضاء في خلية إرهابية متطرفة مقرُّها برشلونة، حدّدوا أهدافاً روسية لتنفيذ هجمات ضدَّها في عاصمة كاتالونيا بشمال شرقي إسبانيا. وأضافت المحكمة، المسؤولة خصيصاً عن قضايا «الإرهاب»، أنها برّأت شخصين آخرين. وجاء، في البيان، أن زعيم الخلية «بدأ تحديد الأهداف المحتملة، ولا سيما المصالح الروسية في عاصمة كاتالونيا، وأنه كان في انتظار الحصول على موادّ حربية». وأوض

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

أعلنت السلطات الألمانية، الثلاثاء، القبض على سوري، 28 عاماً، في هامبورغ للاشتباه في تخطيطه شن هجوم ارهابي. وأعلن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، والمكتب الإقليمي للشرطة الجنائية في ولاية هامبورغ، ومكتب المدعي العام في الولاية أنه يُشتبه أيضاً في أن شقيق المتهم الذي يصغره بأربع سنوات، ويعيش في مدينة كمبتن ساعده في التخطيط. ووفق البيانات، فقد خطط الشقيقان لشن هجوم على أهداف مدنية بحزام ناسف قاما بصنعه.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ)
العالم هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

حكمت محكمة هولندية، اليوم (الخميس)، على أربع نساء، أعادتهنّ الحكومة العام الماضي من مخيّم للاجئين في سوريا، بالسجن لفترات تصل إلى ثلاث سنوات بعد إدانتهنّ بتهم تتعلق بالإرهاب. وفي فبراير (شباط) 2022 وصلت خمس نساء و11 طفلاً إلى هولندا، بعدما أعادتهنّ الحكومة من مخيّم «الروج» في شمال شرقي سوريا حيث تُحتجز عائلات مقاتلين. وبُعيد عودتهنّ، مثلت النساء الخمس أمام محكمة في روتردام، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، حيث وجّهت إليهن تهمة الانضمام إلى مقاتلين في تنظيم «داعش» في ذروة الحرب في سوريا، والتخطيط لأعمال إرهابية. وقالت محكمة روتردام، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ النساء الخمس «قصدن ساحات ل

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
العالم قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

أفادت صحيفة «بيلد» الألمانية بسقوط قتيلين عقب إطلاق نار بمدينة هامبورغ اليوم (الأحد). وأوضحت الصحيفة أنه تم استدعاء الشرطة قبيل منتصف الليل، وهرعت سياراتها إلى موقع الحادث. ولم ترد مزيد من التفاصيل عن هوية مطلق النار ودوافعه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة كارلسروه، اليوم (الخميس)، تحريك دعوى قضائية ضد شابين إسلاميين بتهمة الإعداد لشن هجوم في ألمانيا باسم تنظيم «داعش». وأوضح الادعاء أنه من المنتظر أن تجري وقائع المحاكمة في المحكمة العليا في هامبورغ وفقاً لقانون الأحداث. وتم القبض على المتهمَين بشكل منفصل في سبتمبر (أيلول) الماضي وأودعا منذ ذلك الحين الحبس الاحتياطي. ويُعْتَقَد أن أحد المتهمين، وهو كوسوفي - ألماني، كان ينوي القيام بهجوم بنفسه، وسأل لهذا الغرض عن سبل صنع عبوة ناسفة عن طريق عضو في فرع التنظيم بأفغانستان. وحسب المحققين، فإن المتهم تخوف بعد ذلك من احتمال إفشال خططه ومن ثم عزم بدلاً من ذلك على مهاج

«الشرق الأوسط» (كارلسروه)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟