الأسواق تتحسب لتبعات الحرب التجارية الكبرى

لا مؤشرات أميركية للتراجع... ولا نية صينية للاستسلام

العلاقات التي يصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ«الطيبة» مع نظيره الصيني شي جينبينغ لم تمنع التهديدات المتبادلة (رويترز)
العلاقات التي يصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ«الطيبة» مع نظيره الصيني شي جينبينغ لم تمنع التهديدات المتبادلة (رويترز)
TT

الأسواق تتحسب لتبعات الحرب التجارية الكبرى

العلاقات التي يصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ«الطيبة» مع نظيره الصيني شي جينبينغ لم تمنع التهديدات المتبادلة (رويترز)
العلاقات التي يصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ«الطيبة» مع نظيره الصيني شي جينبينغ لم تمنع التهديدات المتبادلة (رويترز)

حبس العالم أنفاسه طوال يوم أمس انتظارا للحظات الأخيرة قبيل «ساعة الصفر» لانطلاق المعركة الجمركية الكبرى بين أكبر اقتصادين في العالم، أميركا والصين، والتي هدد الطرفان ببدء سريانها مع انتصاف ليل الأمس، مستهدفة واردات كل طرف من الآخر بما يقدر بمليارات الدولارات.
وخلال الساعات الأخيرة أمس، ومع استعداد الرئيس الأميركي دونالد ترمب للضغط على الزناد لإطلاق شرارة الحرب التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، حذرت الصين من أن الولايات المتحدة «تفتح النار» على العالم برسومها الجمركية التي تهدد بفرضها، وقالت إنها سترد فور دخول الإجراءات الأميركية حيز التطبيق، في إطار تشديد بكين لهجتها في نزاعها التجاري المرير مع واشنطن.
وكان من المقرر أن تبدأ إدارة الرئيس ترمب تطبيق رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على أكثر من 800 صنف من الواردات الصينية قيمتها 34 مليار دولار اعتبارا من الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش اليوم الجمعة (منتصف الليل في واشنطن)، وهو ما يوافق بعد قليل من منتصف النهار في بكين. وتدرس الولايات المتحدة حاليا إضافة حزمة ثانية تضم 284 منتجا بقيمة 16 مليار دولار.
وكان ترمب هدد بتصعيد النزاع التجاري بفرض رسوم جمركية على سلع صينية بقيمة 450 مليار دولار إذا ردت الصين، وهز النزاع الأسواق المالية بما فيها الأسهم والعملات وتجارة السلع العالمية من فول الصويا إلى الفحم. وفي حين تعهدت الصين بالرد «فورا»، حذر خبراء من أن الإجراءات الانتقامية بين البلدين ستشكل هزة للاقتصاد العالمي وتضرب النظام التجاري العالمي في الصميم.
وبالأمس، قال مصدر صناعي أميركي لـ«رويترز» إن «هناك احتمال بنسبة 99 في المائة لبدء فرض الرسوم الجمركية الجمعة». وأضاف المصدر: «بصراحة، لا أعلم ما الخطوة التي قد تقدم عليها الصين الآن وتحول دون فرض الولايات المتحدة للرسوم»، مشيرا إلى أنه لا توجد دلائل على أن هناك تواصلا حقيقيا بين الحكومتين في الوقت الراهن قد يؤدي إلى إلغاء فرض الرسوم.
وأكدت مصادر متعددة أمس لعدد كبير من الوسائط الإخبارية الدولية أن التواصل يبدو مقطوعا بين واشنطن وبكين لمحاولة إيجاد حل منقذ في اللحظات الأخيرة. وأنه يبدو أن هناك إصرارا من جانب الإدارة الأميركية على المضي قدما في الإجراءات وعدم التراجع في اللحظات الأخيرة، بينما تؤكد الصين أنها لن تستسلم من جانبها. وفي هذا الإطار، صرح دبلوماسي غربي كبير لـ«رويترز» بأنه لا توجد مؤشرات على إجراء أي محادثات في الوقت الراهن بين البلدين، ولا حتى عبر قنوات سرية.
وقال المصدر الصناعي إن الصين عجزت عن تبديد مخاوف إدارة ترمب بشأن السياسات التجارية الصينية، على الأقل في خمسة مجالات رئيسية، تشمل النقل الإجباري للتكنولوجيا وطاقة الإنتاج الصناعي الفائضة بالصين والدعم الحكومي وإصلاح الشركات الصينية المملوكة للدولة والقيود التي تفرضها بكين في قطاع الحوسبة السحابية.
وبحسب المعلن من الإدارة الأميركية، فإن الرسوم الأميركية ستفرض على واردات صينية مثل رقائق أشباه الموصلات وقطع غيار الآلات، في حين تستهدف الرسوم الصينية المنتجات الزراعية والطائرات والسيارات الأميركية بالإضافة لبضائع أخرى.
وكانت الصين قالت إنها لن «تطلق الرصاصة الأولى»، لكن الجمارك الصينية أوضحت أمس الخميس أن الرسوم الجمركية الصينية على سلع أميركية ستطبق فور بدء تطبيق الرسوم الأميركية على السلع الصينية. وقال المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية غاو فنغ في مؤتمر صحافي أسبوعي إن «الولايات المتحدة هي التي تسببت بهذه الحرب التجارية، نحن لا نريد أن نخوضها، ولكن حفاظاً على مصالح البلاد والناس، ليس أمامنا من خيار سوى أن نقاتل».
وحذر غاو من أن الرسوم الأميركية المزمعة ستضر سلاسل الإمداد العالمية التي تشمل الشركات الأجنبية في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. مشيرا إلى أنه ضمن قائمة المنتجات البالغة قيمتها 34 مليار دولار والمدرجة على القائمة الأميركية، هناك بضائع بقيمة نحو 20 مليار دولار، أي ما يعادل ثلثي المنتجات المدرجة، من صنع شركات استثمارية أجنبية تمثل الشركات الأميركية «قسماً مهماً» منها. موضحا أنه «إذا طبقت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية، فإنها ستفرض في الواقع رسوما على شركات من جميع البلدان بما فيها الشركات الصينية والأميركية». وأضاف أن «الإجراءات الأميركية تهاجم بشكل أساسي سلاسل الإمداد والقيمة العالمية. ببساطة، تفتح الولايات المتحدة النار على العالم بأسره بما في ذلك هي نفسها».
وتعليقا على أنباء تحدثت عن احتمال فرض ضرائب أميركية على كل منتج صادر من الصين، قال غاو إن «استخدام عصا الرسوم الجمركية كأداة تخويف في التجارة يتعارض مع روح العصر»... وأضاف أن «الصين لن تنحني في وجه التهديد والابتزاز، ولن تتراجع عن عزمها الدفاع عن التجارة العالمية والنظام المتعدد الأطراف».
وردا على سؤال عما إذا كانت هناك «إجراءات نوعية» ستستهدف الشركات الأميركية في الصين في إطار حرب تجارية، قال غاو إن الحكومة ستحمي الحقوق القانونية لجميع الشركات الأجنبية العاملة بالبلاد. وقال: «سنواصل تقييم الأثر المحتمل للحرب التجارية التي بدأتها الولايات المتحدة على الشركات وسنساعد هذه الشركات في تخفيف الصدمات المحتملة».
وتخطط الصين لفرض رسوم جمركية على مئات السلع الأميركية تستهدف بعض أهم الصادرات الأميركية، ومنها فول الصويا والسرغوم والقطن، مما يهدد المزارعين الأميركيين في الولايات التي دعمت ترمب مثل تكساس وأيوا.
• ظهور مبكر للتأثيرات:
وفي أحدث مؤشر على تأثير الرسوم على التجارة، غيرت سفينة تحمل فحما أميركيا وجهتها من الصين إلى سنغافورة أول من أمس الأربعاء. وزادت التوترات بعدما منعت محكمة صينية مؤقتا شركة مايكرون تكنولوجي الأميركية من بيع منتجاتها من أشباه الموصلات في أكبر سوق عالمية للرقائق بدعوى انتهاك براءات الاختراع الخاصة بشركة يونايتد مايكروإلكترونيكس كورب التايوانية.
وتتزايد المؤشرات بأن النزاع التجاري المتصاعد يؤثر على أكبر قوة اقتصادية في العالم حيث تم فرض رسوم عقابية على الحديد الصلب والألمنيوم في وقت يهدد البيت الأبيض بفرض رسوم على واردات السيارات، خاصة أن إدارة ترمب استهدفت كذلك شركاء تجاريين تقليديين آخرين للولايات المتحدة على غرار الاتحاد الأوروبي واليابان والمكسيك وحتى كندا، تحت شعار «أميركا أولا». وبدأت الأسعار بالارتفاع خاصة بالنسبة للحديد الصلب والألمنيوم، في وقت بدأت الشركات تتحفظ بشأن الاستثمارات أو تخطط لنقل خطوط الإنتاج إلى الخارج لتجنب الإجراءات الانتقامية التي تستهدف الصادرات الأميركية.
وأدى ارتفاع أسعار الصلب إلى خسارة وظائف في أكبر شركة مصنعة للمسامير في الولايات المتحدة «ميد - كونتينينت نيل كوربوريشن» وسط تحذيرات بأن الشركة قد توقف عملياتها بشكل كامل. وأعلنت شركة «هارلي - ديفيدسون» الأميركية العريقة لصناعة الدراجات النارية عن خطط لنقل خط إنتاجها إلى الخارج لتجنب الرسوم الانتقامية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، ما كلفها انتقادات شديدة من قبل ترمب.
من جانبها، حثت غرفة التجارة الأميركية النافذة ترمب هذا الأسبوع على إعادة النظر في إجراءاته مشيرة إلى أن الرسوم الانتقامية باتت تؤثر على صادرات أميركية بقيمة 75 مليار دولار وتهدد الوظائف.
وبينما يتباهى ترمب بالإعلان عن فرص العمل التي باتت متاحة في مصانع الحديد الصلب جراء الرسوم، تحذر الجهات المصنعة من أنه سيتم فقدان الكثير من الوظائف في الشركات المنتجة للسيارات وقطعها والمعدات وغيرها من المنتجات التي تعتمد على المكونات المستوردة. ورجحت دراسة خسارة ما يقارب من 400 ألف وظيفة.



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.