«الانغماسيون»... بقايا «داعش» في العراق

700 عنصر يستقرون في مضافات ويتنقلون شمال شرقي سوريا

مدينة الموصل العراقية قبل سيطرة «داعش» وبعد تحريرها (أ ف ب)
مدينة الموصل العراقية قبل سيطرة «داعش» وبعد تحريرها (أ ف ب)
TT

«الانغماسيون»... بقايا «داعش» في العراق

مدينة الموصل العراقية قبل سيطرة «داعش» وبعد تحريرها (أ ف ب)
مدينة الموصل العراقية قبل سيطرة «داعش» وبعد تحريرها (أ ف ب)

في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 2017، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الانتصار العسكري على تنظيم «داعش» بعد 3 سنوات على إعلان زعيم هذا التنظيم أبو بكر البغدادي ما سماه «الدولة الإسلامية» واحتلال التنظيم مدينة الموصل ثاني كبرى مدن العراق في التاسع من يونيو (حزيران) عام 2014.
جاء إعلان العبادي عن نهاية «داعش» في العراق بعد عودة آخر المدن والبلدات التي كان يحتلها هذا التنظيم المتشدد إلى حضن الوطن بعد قتال مرير شارك فيه تحالف دولي من نحو 60 دولة كانت المؤسسة الأمنية العراقية رأس الحربة فيه.
في «خطاب النصر»، بدا العبادي واثقاً مما يقول حين أعلن أمام العالم أجمع أن «المقاتلين العراقيين وصلوا إلى آخر معاقل (داعش) وطهّروها ورفعوا عَلم العراق فوق مناطق غربيّ الأنبار التي كانت آخر أرض عراقية مغتصبة... وأن عَلم العراق يرفرف اليوم عالياً فوق جميع الأراضي العراقية وعلى أبعد نقطة حدودية».
وأعلنت الحكومة العراقية وقتها أن القوات المسلحة العراقية أمّنت الصحراء الغربية والحدود العراقية - السورية بالكامل بما يشكل نهاية الحرب على إرهابيي «داعش» الذين تم دحرهم تماماً وطردهم من العراق.
هذا كله، كان أواخر العام الماضي حين بدا أن العراق قد طوى صفحة «داعش» وانتقل إلى مرحلة جديدة مما اصطُلح على تسميته «المصالحة الوطنية» أو «المجتمعية».
بعد سنة تقريباً، برز ما يمكن التوقف عنده. قوات إسرائيلية قصفت مقراً لقوات «الحشد الشعبي» قرب البوكمال على الحدود العراقية - السورية التي كان يفترض طبقاً لخطاب العبادي العام الماضي أن تكون مؤمَّنة من قِبل القوات العراقية التي وصلت إلى آخر نقطة. الضربة أدت إلى مقتل 22 عنصراً وأثارت جدلاً وخلافاً قوياً بين قيادة العمليات المشتركة وبين قيادة «الحشد الشعبي» رغم أن كلا الطرفين يُفترض أنهما يتوليان حماية الحدود من تنظيم «داعش».
بالتزامن مع ذلك قام تنظيم «داعش» وفي مكان يبعد مئات الكيلومترات عن الحدود العراقية - السورية لكنه لا يبعد أكثر من 100 كلم أو أقل عن العاصمة بغداد قبل أقل من أسبوعين باختطاف 8 مواطنين من محافظتي الأنبار وكربلاء. وبعد 5 أيام من البحث والتقصي عثرت القوات الأمنية على جثثهم. بين حادثتي القصف لقوات «الحشد» على الحدود واختطاف المواطنين الثمانية كان تنظيم «داعش» قد شكّل تهديداً جدياً في العديد من المرات عبر قيامه بالعديد من العمليات العسكرية بدءاً من الحويجة حيث نصب كميناً أوائل هذا العام أدى إلى مقتل 27 عنصراً أمنياً، اضافة إلى نصب العديد من حواجز التفتيش الوهمية سواء على طريق بغداد - كركوك أو في محافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين، وانتهاءً بالعملية التي قام بها قبل نحو شهرين في منطقة التاجي التي لا تبعد أكثر من 30 كم عن بغداد حين هاجم إحدى القرى مما أدى إلى مقتل وجرح العشرات.
أثيل النجيفي، الذي كان آخر محافظ لنينوى عشية احتلالها من قبل تنظيم «داعش» عام 2014، وفي سياق تفسيره لظاهرة «داعش» التي أخذت تمثل قلقاً من جديد في العراق، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعلومات الاستخبارية تشير إلى وجود ما يقارب 700 مقاتل من (داعش) مستنفَرين للقتال داخل الأراضي العراقية في محافظتي نينوى وصلاح الدين فقط، ويعيشون بصورة مستقرة في (مضافات) موزعة داخل حدود هاتين المحافظتين ويقومون بأنشطة إرهابية بالتواصل مع قواتهم من داخل سوريا». ويضيف النجيفي: «هناك عدد آخر من الخلايا النائمة داخل المدن». ويرى النجيفي أن تنظيم «داعش»، ومثلما هو معلوم، يعيش على الأزمات، وينتعش في ظلالها، وهو بانتظار تنامي أي نوع من الصراع داخل العراق سواء كان هذا الصراع إدارياً أم مذهبياً أم صراعاً قومياً أو سياسياً أو دولياً، حيث لا يهمه نوع الصراع ولا أهدافه بل المهم أن يجد لنفسه بيئة تمكِّنه من العمل.
وبالنسبة إلى قيادات «داعش»، يقول الشيخ نايف الشمري، أحد مشايخ قبيلة شمر، إن «عناصر (داعش) يوجدون حالياً في منطقة الجزيرة الواقعة بين محافظات صلاح الدين والأنبار ونينوى ويتنقلون بعجلات بيك أب»، مشيراً إلى أنهم «قاموا قبل فترة بخطف 30 من رعاة الأغنام». وطبقاً لرواية أحد الناجين يقول الشيخ الشمري: إن «الدواعش نقلونا مسافة تقدر بـ200 كلم في منطقة نائية جداً تسمى سحول راوة، حيث يتنقل الدواعش بين سوريا والعراق، وعندما تُشن عمليات في الأراضي العراقية يتجهون إلى الجانب السوري، وعندما يزداد الضغط عليهم من الجانب السوري يدخلون الأراضي العراقية، وهكذا».

أجيال وتسميات
إلى ذلك، دخل الخطاب السياسي المتداول بشأن «داعش» مصطلحان أثارا ولا يزالان يثيران جدلاً سياسياً: «الانغماسيون»، وهم الجيل الرابع من أجيال «داعش»، وأهل «الرايات البيض» الذي شاع استخدامه بعد إعلان الهزيمة العسكرية لهذا التنظيم. ورغم اختلاف الروايات بشأن هذا التنظيم وذلك لجهة نسبته مرة إلى «داعش» ومرة إلى الأكراد فإن أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين الدكتور عبد الحكيم خسرو، يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «(الرايات البيض) تنظيم من بقايا البعثيين وأنصار الإسلام والحركة النقشبندية وغالبية من كان معهم من الكرد، وطبقاً للمعلومات التي بحوزتنا، قُتلوا، ومن بقي منهم عدد قليل جداً لا أهمية له في الوزن التنظيمي لهم».
لكن الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية هشام الهاشمي، فيرى في مقابل ذلك أن «(الرايات البيض) جماعة قومية كردية مسلحة متمردة على أحداث 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 بعد سيطرة الحكومة الاتحادية على كركوك والمناطق المتنازع عليها، وهي ردة فعل انتقامية بالضد من الحشد التركماني بالدرجة الأساس، لذلك تركز عملها في البداية باتجاه طوزخورماتو ذات الغالبية التركمانية». ويضيف الهاشمي أن «هؤلاء لا يطلقون على أنفسهم (أهل الرايات البيض)، بل (المقاومة الكردية المسلحة لتحرير كركوك) كما أنهم لا شأن لهم بالآيديولوجيات الدينية، وبالتالي هم ليسوا (قاعدة) أو (داعش) أو بعثيين أو سلفيين». ويوضح الهاشمي: «ما زالت شبكة التسلل لعصابات (داعش) الإرهابية قائمة من شرق حوض دجلة وحوض حمرين وتلالها ومن العظيم وجبل خانوكة ومكحول والبادية، وهي منطقة واسعة من الثرثار إلى جنوب صحراء الحضر والبعاج وصولاً إلى القائم، بالإضافة إلى أودية جنوب حوض الفرات والقذف وحوران والأبيض». ويبين أن «الإرهابيين الفارين من المعارك فرّوا إلى هذه المناطق وعددهم نحو 800، ما قد يجعلونها قواعد لانطلاقهم للتعرض أو السيارات المفخخة».

«الانغماسيون»... الجيل الرابع
في معارك تحرير صلاح الدين التي خاضها الجيش العراقي ضد تنظيم «داعش» عام 2015، زج هذا التنظيم الإرهابي ولأول مرة بما بات يسمى في ما بعد «الجيل الرابع» من الانتحاريين أو «الانغماسيين»، وهم في أبسط تعريف لهم الذين إذا ذهبوا وتمنطقوا بالحزام الناسف لن يعودوا. وهم بذلك يختلفون عن باقي الأجيال الأخرى من الانتحاريين ممن يحملون أحزمة ناسفة ويتحركون بها إلى أهدافهم سواء كانوا راجلين أو راكبي السيارات التي تنفجر بهم طبقاً للأهداف التي يحددها التنظيم لهم.
وطبقاً للوقائع والحيثيات التي رافقت مسيرة «داعش» في العراق منذ احتلاله الموصل وكل محافظة نينوى في العاشر من يونيو عام 2014، ومن ثم تمدده نحو محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار واقترابه من العاصمة بغداد (على بعد 40 كم)، بالإضافة إلى تحقيقه أخطر خرق باتجاه محافظة كربلاء (110 كلم جنوب بغداد) التي تضم مرقدَي الإمامين الحسين وأخيه العباس من خلال سيطرته على ناحية جرف الصخر (60 كم جنوب بغداد) ونحو (40 كم شمال كربلاء)... طبقاً لذلك كله فإن التنظيم، لا سيما بعد إعلانه «الخلافة»، عمل على تطوير أدواته وأدائه معاً. أما أدواته فقد تمثلت في نوعية المواد التي يستخدمها في عمليات التفجير والتفخيخ للأماكن والمنازل، بالإضافة إلى الأسلحة التي كان قد غنمها في أثناء هزيمة الجيش العراقي في معركة الموصل (استسلام نحو أربع فرق عسكرية بكامل أسلحتها الثقيلة)، تضاف إلى ذلك الأموال التي بات يتحصل عليها من سيطرته على مئات آبار النفط في العراق وقبلها في سوريا والتي جعلته يضمن موارد مالية هائلة شهرياً من خلال بيع النفط بالسوق السوداء (سعر البرميل لدى «داعش» 25 دولاراً في وقت كانت فيه أسعار النفط العالمية لا تزال في حدود 90 دولاراً).
العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد الكربولي، يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «الانغماسيين يمثلون حروب الجيل الرابع من الإرهاب وهي حرب نفسية بامتياز، حيث يلعب فيها الإعلام الدور الأكبر والأخطر»، مشيراً إلى أن «الإعلام هو أحد الأسلحة الرئيسية في الجيل الرابع، حيث يدعم أحداث الفوضى الاستباقية وتوجيه الأنظار وصناعة الخبر وتضخيم الأحداث وزعزعة الاستقرار والتحريض على الفتنة بين طبقات الشعب الواحد وإثارة المذهبية والعقائدية بحيث يسهل تمزيق الوطن الواحد وإفشال الدولة في النهاية».
ويضيف الكربولي أن «تزايد العمليات الانتحارية تنوعاً بطرق وأساليب مختلفة، ومنها الانغماسيون، يؤكد من جديد الحاجة إلى مقاربة صحيحة لمحاربة الإرهاب لكن ليس بالطرق التقليدية التي عفا عليها الزمن بل الحاجة باتت ماسّة إلى العمل على تجفيف منابع الإرهاب من خلال إحكام سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية حيث يتدفق الإرهابيون، والعمل على استيعاب أبناء المناطق التي يحاول الإرهاب استخدامها للتمدد، مستفيداً من الأخطاء التي تمارسها السلطات هناك سواء كانت أمنية أم عسكرية، بالإضافة إلى تغيير النظرة إلى أبناء تلك المناطق ومحاولة استيعابهم وزجّهم في مختلف ميادين العمل والحياة».



طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».