لبنان: تفاقم أزمات القطاع العقاري... ومبادرات سياسية لحل مشكلة السكن

التزامه تخفيض العجز يعقد الدعم الحكومي للقروض السكنية

لبنان: تفاقم أزمات القطاع العقاري... ومبادرات سياسية لحل مشكلة السكن
TT

لبنان: تفاقم أزمات القطاع العقاري... ومبادرات سياسية لحل مشكلة السكن

لبنان: تفاقم أزمات القطاع العقاري... ومبادرات سياسية لحل مشكلة السكن

سلكت أزمة السكن اتجاهاً سياسيا، بعد 4 أشهر على توقف الدعم الحكومي للقروض السكنية المدعومة الذي فاقم مشكلة القطاع العقاري، في استمرار لمبادرات سياسية تدعو الحكومة اللبنانية لإعادة تفعيل الدعم للقروض السكنية، وهو ما تراه مصادر مواكبة «صعباً»، بالنظر إلى أن الالتزام اللبناني أمام المجتمع الدولي بتخفيض العجز.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن المقترحات الحكومية التي تحدثت في أبريل (نيسان) الماضي عن إمكانية أن تغطي وزارة المالية فرق فوائد قروض إسكان جديدة بقيمة ألف مليار ليرة، لم تسلك طريقها في الحكومة التي تحولت إلى حكومة تصريف أعمال، ويستحيل الآن أن تقر في قبل تشكيل حكومة جديدة.
وأوضحت المصادر: «الحكومة اللبنانية قدمت التزامات دولية لتخفيض العجز، وآخرها التزاماً في مؤتمر (سيدر 1) لتخفيضه» علما بأن العجز سجل في العام 2017 ما يقارب 3.7 مليار دولار، وكان 5 مليارات دولار في 2016. وأضافت المصادر: «بالتالي، فإن دعم القروض السكنية يستوجب أن توقف الحكومة الإنفاق في مواقع أخرى كي تستطيع أن تغطي الدعم للإسكان، وهذا ما يبدو صعباً».
ولا يقتصر الأمر على التزامات الحكومة اللبنانية، بالنظر إلى أن أي إجراء حكومي، يحتاج إلى موافقة البرلمان، ما يعني أن كل الحلول المقترحة، تنتظر تشكيل حكومة، واجتماع مجلس النواب المنتخب مرة أخرى. وفي سياق عرضه آخر المستجدات المتعلقة بالملف، قال المدير العام لوزارة الإسكان روني لحود في حديث إذاعي يوم السبت الماضي إنه «لا شيء تغيّر بانتظار صدور قانون عن المجلس النيابي لدعم الفوائد من قبل وزارة المالية»، لافتاً إلى أن خروج هذا القانون إلى الضوء مرتبط بمباشرة عمل المجلس النيابي المنتخب حديثاً وبتحويل هذا القانون إلى المجلس من قبل الحكومة التي لم تتشكل بعد.
وتصاعدت الدعوات من قبل الكتل السياسية خلال الأسبوع الحالي لحل أزمة الإسكان التي تفاقمت على خلفية توقيف الحكومة للقروض المدعومة للإسكان، ما فاقم الأزمة العقارية في البلاد، وانعكست على ثلاث شركات عقارية تعاني أزمة مع زبائنها، كما طالت العقار بأكمله الذي تقدر الاستثمارات فيه بنحو 20 مليار دولار.
وتحرك نواب لبنانيون يمثلون «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» و«المردة» للتوقيع على اقتراح قانون معجل مكرر قبل أيام يرمي إلى إضافة مادة وحيدة إلى قانون الموازنة العامة لسنة 2018. ويقضي بـ«تخصيص مبلغ مائة مليار ليرة لبنانية لدعم الفوائد على القروض السكنية، المندرجة ضمن المؤسسة العامة للإسكان ومصرف الإسكان، وجهاز الإسكان العسكري وضمن شروط كل من المؤسسات المذكورة»، على أن يعمل به فور نشره في الجريدة الرسمية.
وفي السياق نفسه، رأى رئيس «حزب الكتائب» النائب سامي الجميّل أن «هذه مسؤولية الدولة حين توقف عملية دعم القروض الإسكانية، ويجب أن تتحمّل مسؤوليتها تجاه الناس، لا سيما ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون أن يشتروا شقة بدون القروض المدعومة بنسبة 3 في المائة، وبالتالي لا يمكن المحافظة على الاستقرار الاجتماعي في لبنان».
وبدأت أزمة الإسكان تتفاقم في شهر مارس (آذار) الماضي، حين أوقف مصرف لبنان حزم الدعم للقطاع العقاري، والتي بدأها منذ 2011 بمبلغ يتراوح بين 500 و600 مليار دولار سنوياً، علما بأن السياسة الإسكانية هي من مهام الحكومة، وتدخل ضمن صلاحياتها لأنها ذات بعد اجتماعي، وتحديد الشروط للقروض المدعومة.
ويقول الباحث الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة إن مصرف لبنان أوقف الحزم التحفيزية عندما لاحظ أن الموازنات المخصصة للعامين 2017 و2018، استهلكتها المصارف في أواخر 2017. وتفاجأ بحجم الطلب، علما بأن مصرف لبنان، ومنذ مارس (آذار) 2017، «قدم دعماً بقيمة 2.3 مليار دولار على رزم تحفيزية للقطاع العقاري».
وقال عجاقة: «إثر استهلاك الرزمتين، فتح مصرف لبنان تحقيقاً وأرسل استمارات للمصارف لمعرفة وجهات استهلاك الأموال»، مشيراً إلى أنه «من المفروض أن المعلومات تخضع للتحليل الآن ليُبنى على الشيء مقتضاه».
وتمثلت آلية الدعم التي توقفت، بتكفل مصرف لبنان بدفع القروض مع فارق الفوائد، بينما تسلمها المصارف الخاصة.
وقال عجاقة: «ريثما ينتهي تحليل المعلومات لدى مصرف لبنان، عرض حاكم مصرف لبنان على المصارف آلية جديدة للعمل، تتمثل في تغطية حكومية لفرق الفوائد، بينما تدفع المصارف القروض السكنية، وهو ما رفضته المصارف». وقال عجاقة: «أثني على التحقيق الذي يجريه مصرف لبنان لتقصي مواقع الخلل»، لافتاً إلى أن الخلل «لا يقع الآن على مصرف لبنان، ولا يمكن تحميله مسؤولية، لأن دعم الإسكان هو سياسة حكومية وليس من مهام مصرف لبنان».
وأقرت الحكومة في الموازنة العامة مبلغ 100 مليار ليرة (نحو 65 مليون دولار) لدعم القروض السكنية، وهو رقم صغير مقارنة بحزم الدعم من مصرف لبنان التي كانت تبلغ سنوياً 500 مليون دولار.
ويرى عجاقة أن الحل لا يمكن إلا أن يكون بفرض ضرائب على الشقق الشاغرة، أو باتباع آلية «التمويل التأجيري» لحل أزمة السكن والخروج من الأزمة، مضيفاً: «أما الضغط الحكومي على المصارف، فهو يعرض القطاع المصرفي للخطر، لأن لبنان سوق حر، ما يعني أن هناك استحالة فرض قيود، كيلا يتحول النظام الاقتصادي إلى اقتصاد موجه يؤدي إلى سحب المودعين من الخارج لأموالهم من المصارف اللبنانية».



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»