«سوق عكاظ» يواكب عصر تقنية الثقافة

على الرّغم من اهتمامه بالماضي والإرث الحضاري والتاريخي في معظم مناشطه، لم يغفل «سوق عكاظ» العريق الذي يمضي نحو يومه السابع، أهمية مواكبة العلوم المعاصرة التي تشهدها الحقبة الحالية في شتى المجالات، لا سيما في العصر الرّقمي للثّقافة في استخدام أدوات الإنترنت. وقد شهد السّوق الذي تجري فعالياته هذه الأيام في مدينة الطائف غرب السعودية، انعقاد ندوتين ثقافيتين ضمن محور «نحو معرفة تفاعلية»، ضمن البرنامج الثّقافي الذي تشرف عليه جامعة الطائف، بهدف إثراء زوار السوق في كافة المناحي التاريخية والمعاصرة.
عرضت الندوة الأولى نماذج لمشاريع ثقافية شابة متعلقة بترجمة المعرفة الإنسانية وبثها إلكترونياً، بينما تناولت الثانية موضوع «الأدب الرّقمي ورقمنة اللغة... تطلعات ومعوقات». وفي الندوة الأولى فاجأ الباحث الشاب أنس حسين اللهبي الحضور بمشروع أطلق عليه اسم «ساندويتش ورقي»، يهدف إلى الحثّ على القراءة. وأرجع اللهبي في الندوة التي أدارها سلطان الثبيتي تحت عنوان «المشاريع الثقافية الشابة»، الأسباب التي دعته لابتكار المشروع إلى انشغال المجتمع عن القراءة، وكثرة عدد الساعات التي يمكن استغلالها في الاستماع.
وعن «ساندويتش ورقي» يقول اللهبي: «هو مشروع ثقافي يدير منصة صوتية تقدم كتباً سمعية باللغة الإنجليزية، هي عبارة عن وجبات ثقافية تهمّ القارئ والمستمع العربي». وترجم المشروع 100 كتاب من الإنجليزية إلى العربية، وقريباً، هناك نسخة موجهة للأطفال.
وكانت دولة الكويت حاضرة في المشاريع الشبابية ممثّلة بالروائية الشّابة بثينة العيسى، من خلال تأسيسها مشروع «تكوين» وهو منصة للكتابة الإبداعية في الكويت. ويضم مكتبة ودار نشر وبرنامجاً مخصصاً للأطفال. وتحوّل المشروع من حساب على «إنستغرام» ينقل اقتباسات عن الكتابة وينشرها إلى مدونة تضمّ فريقاً متطوعاً من المترجمين لنقل المؤلفات إلى العربية، ويوفر الكتابة الإبداعية بالإضافة إلى 52 محاضرة في العام، بواقع محاضرة أسبوعياً، إضافة إلى ساعة الحكاية للأطفال.
لم يتوقّف الشّباب العربي في «سوق عكاظ» عند حدود معينة، فقد أذهلوا الحضور بهممهم العالية في ترجمة المعرفة الإنسانية بشتى فروعها. وكشف عن ذلك الشاب سليمان السلطان مؤسس مبادرة «عُلِمنا» التي تهتم بإثراء المحتوى العربي على الإنترنت من خلال الترجمة. وأفاد السلطان بأنّ المبادرة نشرت أكثر من 500 مقال مترجم بواقع 3 مقالات يومياً، بجهود تطوعية لأكثر من 500 متطوع.
وعن الأدب واللغة العربية سيدة الإرث الحضاري في «سوق عكاظ» منذ القدم، شعراً ونثراً، واكب المنظمون أهميتهما بتنظيم ندوة ثقافية تحت عنوان «الأدب الرقمي ورقمنة اللغة... تطلعات ومعوقات».
افتتحت الدكتورة صلوح السريحي أستاذة الأدب والنقد في جامعة الملك عبد العزيز، الحديث في الندوة التي أدارتها رحاب أبو زيد، بتعريف الأدب الرقمي بأنّه ذلك النّوع من الأدب الذي لا يمكن تلقيه إلّا عبر وسيط إلكتروني من خلال الشّاشة الزّرقاء المتصلة بالإنترنت. موضحة: «لهذا نمدّ جسور التواصل بينهم وبين أدبنا العربي، من خلال تقنية تجعل النّص متاحاً بشكل رقمي، ولا يظهر بشكل واضح إلّا من خلال تفعيل دور المتلقي وتفاعله مع النص». وانتقدت السريحي وجود فجوة بين الشّباب وبين الأدب العربي بسبب اهتمامات الشباب المتعلقة بالتقنية.
يرى الدكتور عبد الرحمن المحسني أستاذ اللغة العربية بجامعة أم القرى في مداخلته أنّ «الأدب الرّقمي لم يعد ترفاً، بل أصبح طرفاً مهماً في العملية التكوينية للمعرفة والثّقافة، إذ إنّ آلاف النّصوص تتحرك يومياً على منصات التواصل الاجتماعي، ولا بد من رصد لهذا الحراك الثقافي، من خلال مشروع وطني يهتمّ بجمع هذه النصوص». كما طالب بإضافة مقررات الأدب الرقمي إلى مناهج الجامعات، معللاً ذلك بأنّنا أمام منتج أدبي جديد يمثل هذا العصر، وما لم نواكبه سنخرج من هذه الحقبة بلا ذاكرة، وهي مسؤولية الجامعات في المقام الأول.
ولربط الحضور بواقع الفكرة، قدّم الدكتور محمد السناجلة مؤسس مدرسة الواقعية الرّقمية في الأدب العربي، عرضاً مرئياً للرواية الرّقمية «التاريخ السري لكموش»، كأنموذج يؤكّد من خلاله أنّنا ما زلنا نتلمس هذا النوع من الأدب في عالمنا العربي، مشدّداً على أن: «الصوت والحركة والوسائط والكلمة، أجزاء أساسية في الرواية الرقمية، ولا يمكن فهم النّص بشكل واضح من دونها، كما أنّها تمكّن القارئ من التفاعل مع النّص بشكل أكثر إيجابية». فيما شرح أستاذ الهندسة اللغوية الدكتور محمد الحناش، مفهوم «الهندسة اللغوية الطبيعية» مقدماً تعريفاً مبسّطاً له بأنّه «نقل الكفاية البشرية إلى الحاسوب»، مبيناً أنّ هذا النقل يتطلب مجموعة من الآليات تبدأ من اللغة وتنتهي بها. وأضاف «أن اللغة العربية لغة انصهارية، ولها خصائص مميزة تجعلها أكثر اللغات قابلية للرقمنة التي نهدف من خلالها إلى إيجاد نوع من المعادلة بين الذكاء الصّناعي والذكاء البشري».