قمة أفريقية في نواكشوط تهيمن عليها ملفات الفساد والإصلاح المؤسسي

أول قمة أفريقية تستضيفها موريتانيا منذ تأسيس الاتحاد الأفريقي تنطلق أشغالها اليوم الأحد في العاصمة نواكشوط (أ.ف.ب)
أول قمة أفريقية تستضيفها موريتانيا منذ تأسيس الاتحاد الأفريقي تنطلق أشغالها اليوم الأحد في العاصمة نواكشوط (أ.ف.ب)
TT

قمة أفريقية في نواكشوط تهيمن عليها ملفات الفساد والإصلاح المؤسسي

أول قمة أفريقية تستضيفها موريتانيا منذ تأسيس الاتحاد الأفريقي تنطلق أشغالها اليوم الأحد في العاصمة نواكشوط (أ.ف.ب)
أول قمة أفريقية تستضيفها موريتانيا منذ تأسيس الاتحاد الأفريقي تنطلق أشغالها اليوم الأحد في العاصمة نواكشوط (أ.ف.ب)

تنطلق أشغال القمة الواحدة والثلاثين للاتحاد الأفريقي اليوم (الأحد) في العاصمة الموريتانية نواكشوط، وذلك بمشاركة ما يزيد على أربعين رئيس دولة وحكومة، بالإضافة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي أول قمة أفريقية تستضيفها موريتانيا منذ تأسيس الاتحاد الأفريقي.
وتطرح على طاولة القمة الكثير من الملفات الاقتصادية، وقضايا الفساد في القارة، وداخل هيئات الاتحاد الأفريقي نفسه، خصوصاً أن هذا اللقاء جاء بعد أسبوعين فقط من استقالة دانيال باتيدام، نائب رئيس مجلس مكافحة الفساد في مفوضية الاتحاد، الذي احتج على تفشي الفساد في الهيئات، وقال المسؤول الغاني في تصريحات صحافية أدلى بها عقب استقالته إن المؤسسة «تعد أكبر وكر للفساد في العالم».
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال ألبير موشانغا، مفوض الاتحاد الأفريقي لشؤون التجارة والصناعة، إن «الاتحاد الأفريقي كلف لجنة بالتحقيق في تصريحات دانيال باتيدام، ومن المنتظر أن تصدر هذه اللجنة تقريراً سيحال إلى مفوضية، وبعد ذلك سندلي بالنتيجة النهائية للصحافيين. وحتى الآن، لا وجود لدليل على الفساد في الاتحاد الأفريقي؛ هي مجرد تصريحات».
وأضاف موشانغا أن «مثل هذه الاتهامات تحدث دائماً، ولكن هذه المرة اختلف الوضع لأنها تصدر عن مسؤول رفيع المستوى، وبالتالي كان من الضروري فتح تحقيق، ولكن علينا أن نتريث وننتظر نتائج التحقيق قبل الحكم النهائي».
موشانغا أكد أن الاتحاد الأفريقي يدرك مدى خطورة الفساد على القارة الأفريقية، وعلى سير العمل في هيئات الاتحاد الأفريقي، وأضاف: «لهذا قررنا عقد هذه القمة تحت شعار القضاء على الفساد، ولكن هنالك مواضيع كثيرة يجب التركيز عليها بدل الانشغال بالحديث عن تهم الفساد».
من بين المواضيع التي يشير إليها موشانغا ملف الإصلاح المؤسسي الذي سيخضع له الاتحاد الأفريقي، وهو إصلاح أشرف على إعداده لجنة من الاتحاد الأفريقي، يقودها رئيس رواندا بول كاغامي، الذي سيعرض تقريراً عن التقدم الحاصل في تنفيذ هذا الإصلاح أمام القادة الأفارقة المجتمعين اليوم في نواكشوط.
وتقوم خطة كاغامي لإصلاح الاتحاد الأفريقي على جملة من الإجراءات ستضمن للمؤسسة القارية الاستقلالية المالية سبيلاً لتحقيق أقصى قدر ممكن من الاستقلالية في اتخاذ القرار السياسي، على حد تعبير مسؤول أفريقي رفيع تحدث لـ«الشرق الأوسط» على هامش الاجتماعات التحضيرية لقمة نواكشوط.
وتشير الأرقام إلى أن أكثر من 50 في المائة من ميزانية الاتحاد الأفريقي يتم توفيرها من طرف ممولين خارجيين، من الاتحاد الأوروبي والصين، كما أن برامجه التنموية تمول من طرف جهات خارجية بنسبة تزيد على 97 في المائة، ويسعى قادة دول الاتحاد الأفريقي إلى تقليص هذا الارتباط بالتمويلات الخارجية، وتقترح الإصلاحات الجديدة اقتطاع نسبة 0.2 في المائة من واردات كل دولة أفريقية، وهو الإجراء الذي وقعت عليه كثير من الدول وتعهدت بتطبيقه.
كما تتضمن الإصلاحات الجديدة أيضاً إقامة منطقة للتبادل الحر في أفريقيا، في محاولة لاستغلال السوق الكبير الذي تمثله القارة، بحجم سكاني يتجاوز المليار نسمة، وقد وقعت 44 دولة على الاتفاقية المنشأة لهذه المنطقة مارس (آذار) الماضي في قمة انعقدت في العاصمة الرواندية كيغالي، فيما بقيت 11 دولة قررت التأني قبل التوقيع على الاتفاقية، ومن ضمن هذه الدول نيجيريا وجنوب أفريقيا، القوتان الاقتصاديتان في القارة.
وحول تأخر نيجيريا وجنوب أفريقيا في التوقيع على اتفاقية إنشاء منطقة للتبادل الحر في أفريقيا، قال موشانغا إن مفوضية الاتحاد الأفريقي «ليست قلقة» حيال ذلك، وأضاف: «نيجيريا وجنوب أفريقيا، ودول أخرى كثيرة، طلبت منحها مهلة قبل التوقيع، وذلك من أجل إجراء مشاورات داخلية، وعرض الملف على البرلمان، ونحن لسنا قلقين لأن هذه الدول لم ترفض التوقيع على الاتفاقية، ونعلم أن جميع الدول ستوقع في النهاية».
وأوضح موشانغا أن 11 دولة حتى الآن لم توقع على اتفاقية إنشاء منطقة للتبادل الحر، ولكنه أكد أن 4 دول ستوقع خلال قمة نواكشوط، فيما ستوقع 7 دول أخرى فيما بعد، من دون أن يكشف تفاصيل أكثر حول هوية الدول التي ستوقع في قمة نواكشوط، ولا موعد توقيع الدول المتبقية، وما إن كانت نيجيريا وجنوب أفريقيا من ضمن الدول التي ستوقع خلال قمة نواكشوط، خصوصاً أن الرئيس النيجيري محمدو بخاري وصل إلى نواكشوط للمشاركة في القمة، رغم التقارير التي تتحدث عن مرضه.
والمشروع الذي ينص على الإعفاء التدريجي للرسوم الجمركية عن 90 في المائة من المنتجات بين البلدان الأفريقية، سيدخل حيز التطبيق في 2019، مع فترة 10 سنوات لتعميم تدابير معاهدة كيغالي، فيما لا تشكل التجارة بين البلدان الأفريقية إلا 16 في المائة من مبادلات البلدان المعنية، كما تفيد الإحصاءات الرسمية. وسيدافع رئيس توغو فور غناسينغبي عن مشروع السوق الموحدة والمحررة للنقل الجوي، الذي يضم 23 بلداً.
الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي سبق أن عبر عن رغبته في الضغط من أجل الحصول على دعم نظرائه الأفارقة في ملف ترشيح وزير خارجية بلاده لمنصب رئيس منظمة الفرانكفونية الدولية في الانتخابات التي ستجري شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو الملف الذي تدعمه فرنسا من أجل إعادة هذا المنصب إلى أفريقيا بعد 4 سنوات قضاها في يد الكندية ميشيل جان التي ترشحت لخلافة نفسها.
ملفات أخرى كثيرة على طاولة قادة دول الاتحاد الأفريقي، من أبرزها الأزمات التي تهز القارة الأفريقية، وخصوصاً الحرب الأهلية في جنوب السودان، وتقرير عن قضية الصحراء سيقدمه مفوض الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد.
ورغم غياب أزمة الهجرة غير الشرعية، التي يروح ضحيتها عشرات آلاف الشبان الأفارقة، عن الأجندة الرسمية للقمة، فإن مسؤولاً أفريقياً رفيع المستوى قال لـ«الشرق الأوسط»: «الهجرة ليست غائبة، لأن كل هذه الإصلاحات الاقتصادية ومحاربة الفساد من شأنها أن تنعكس إيجاباً على الشباب في أفريقيا، ما يعني توفير فرص عمل ستحد من الرغبة في الهجرة».
أما في ما يتعلق بالملفات السياسية، فكان لافتاً غياب الرئيس الكونغولي جوزيف كابيلا عن القمة، وهو المشغول بالأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها بلاده منذ عدة أشهر، في ظل احتمال ترشحه لولاية رئاسية ثالثة، تقول المعارضة إنها «غير دستورية». وكانت مظاهرات قد خرجت في الكونغو الديمقراطية تطالب الاتحاد الأفريقي بأن «يتدخل بشكل أكثر» في الأزمة، ولكن لم يصدر أي تعليق رسمي من الاتحاد الأفريقي حيال أزمة الكونغو.
من جهة أخرى، سيحاول بول كاغامي، الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي، الحصول على دعم نظرائه في أفريقيا لترشيح وزيرته للشؤون الخارجية لويز موشيكيابو لرئاسة المنظمة الدولية للفرانكفونية في أكتوبر المقبل، وهي المرشحة التي تدعمها فرنسا لأن انتخابها على رأس المنظمة الفرانكفونية من شأنه أن يعيد المنظمة إلى أفريقيا، بعد 4 سنوات من ولاية الكندية ميشيل جان، المرشحة لولاية جديدة.
وعلى هامش قمة نواكشوط، سيناقش الرئيس الفرنسي مع نظرائه الخمسة في دول مجموعة الساحل (موريتانيا، وبوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد)، بطء عملية تشكيل القوة المشتركة التي أنشأتها هذه المنظمة الإقليمية من أجل التصدي للجماعات الإرهابية الناشطة في الساحل، ولكن هذا النقاش ستهيمن عليه التطورات الأخيرة على الأرض، حيث تعرض مركز قيادة هذه القوة العسكرية المشتركة في دولة مالي، مساء الجمعة، لهجوم بسيارة مفخخة خلف 3 قتلى، وهو أول هجوم يستهدف هذه القوة.
وتدعم فرنسا بقوة تشكيل هذه القوة العسكرية المشتركة، وتعتبرها نموذجاً يمكن الاحتذاء به من طرف الدول الأفريقية، لتأخذ على عاتقها وضعها الأمني، بدل الاستعانة بقوة دولية، إلا أن مشروع إنشاء قوة عسكرية مشتركة في الساحل الأفريقي لا يزال يواجه الكثير من العراقيل، أغلبها يتعلق بالتمويل.



تونس: إيقاف متهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي»

وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)
وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)
TT

تونس: إيقاف متهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي»

وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)
وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)

كشفت مصادر أمنية رسمية تونسية عن أن قوات مكافحة الإرهاب والحرس الوطني أوقفت مؤخراً مجموعة من المتهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي» في محافظات تونسية عدة، دون توضيح هوية هذا التنظيم، وإن كان على علاقة بالموقوفين سابقاً في قضايا إرهابية نُسبت إلى فروع جماعتي «داعش» و«القاعدة» في شمال أفريقيا، مثل تنظيم «جند الخلافة» و«خلية عقبة بن نافع».

وحدات مكافحة الإرهاب التونسية ترفع حالة التأهب (صورة من مواقع وزارة الداخلية التونسية)

ووصف بلاغ الإدارة العامة للحرس الوطني في صفحته الرسمية الموقوفين الجدد بـ«التكفيريين»، وهي الصيغة التي تُعتمد منذ سنوات في وصف من يوصفون بـ«السلفيين المتشددين» و«أنصار» الجهاديين المسلحين.

من محافظات عدة

وأوضح المصادر أن قوات تابعة للحرس الوطني أوقفت مؤخراً في مدينة طبربة، 20 كلم غرب العاصمة تونس، عنصراً «تكفيرياً» صدرت ضده مناشير تفتيش صادرة عن محكمة الاستئناف بتونس بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، ومحكوم غيابياً بالسجن لمدة 6 أعوام.

كما أعلن بلاغ ثانٍ صادر عن الإدارة العامة عن الحرس الوطني أن قواتها أوقفت مؤخراً في منطقة مدينة «مساكن»، التابعة لمحافظة سوسة الساحلية، 140 كلم جنوب شرقي العاصمة، متهماً بالانتماء إلى تنظيم إرهابي صدرت ضده أحكام غيابية بالسجن.

وحدات مكافحة الإرهاب التونسية ترفع حالة التأهب (صورة من مواقع وزارة الداخلية التونسية)

بالتوازي مع ذلك، أعلنت المصادر نفسها أن الحملات الأمنية التي قامت بها قوات النخبة ومصالح وزارة الداخلية مؤخراً براً وبحراً في محافظات عدة أسفرت عن إيقاف مئات المتهمين بالضلوع في جرائم ترويج المخدرات بأنواعها من «الحشيش» إلى «الحبوب» و«الكوكايين».

في السياق نفسه، أعلنت مصادر أمنية عن إيقاف ثلاثة متهمين آخرين بـ«الانتماء إلى تنظيم إرهابي» من محافظة تونس العاصمة وسوسة وبنزرت سبق أن صدرت ضدهم أحكام غيابية بالسجن في سياق «الجهود المتواصلة للتصدي للعناصر المتطرفة» وتحركات قوات مصالح مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية ووحدات من الحرس الوطني.

المخدرات والتهريب

وفي سياق تحركات خفر السواحل والوحدات الأمنية والعسكرية المختصة في مكافحة تهريب البشر والسلع ورؤوس الأموال، أعلنت المصادر نفسها عن إيقاف عدد كبير من المهربين والمشاركين في تهريب المهاجرين غير النظاميين، وغالبيتهم من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وحجز عشرات مراكب التهريب ومحركاتها.

كما أسفرت هذه التدخلات عن إنقاذ نحو 83 مهاجراً غير نظامي من الموت بعد غرق مركبهم في السواحل القريبة في تونس؛ ما تسبب في موت 27 ممن كانوا على متنهما.

في الأثناء، استأنفت محاكم تونسية النظر في قضايا عشرات المتهمين في قضايا «فساد إداري ومالي» وفي قضايا أخرى عدّة، بينها «التآمر على أمن الدولة». وشملت هذه القضايا مجموعات من الموقوفين والمحالين في حالة فرار أو في حالة سراح، بينهم من تحمل مسؤوليات مركزية في الدولة خلال الأشهر والأعوام الماضية.

وفي سياق «الإجراءات الأمنية الوقائية» بعد سقوط حكم بشار الأسد في سوريا والمتغيرات المتوقعة في المنطقة، بما في ذلك ترحيل آلاف المساجين المغاربيين المتهمين بالانتماء إلى تنظيمات مسلحة بينها «داعش» و«القاعدة»، تحدثت وسائل الإعلام عن إجراءات «تنظيمية وأمنية جديدة» في المعابر.

في هذا السياق، أعلن عن قرار مبدئي بهبوط كل الرحلات القادمة من تركيا في مطار تونس قرطاج 2، الذي يستقبل غالباً رحلات «الشارتير» و«الحجيج والمعتمرين».

وكانت المصادر نفسها تحدثت قبل أيام عن أن وزارة الدفاع الأميركية أرجعت إلى تونس الاثنين الماضي سجيناً تونسياً كان معتقلاً في غوانتانامو «بعد التشاور مع الحكومة التونسية».

وأوردت وزارة الدفاع الأميركية أن 26 معتقلاً آخرين لا يزالون في غوانتانامو بينهم 14 قد يقع نقلهم، في سياق «تصفية» ملفات المعتقلين خلال العقدين الماضيين في علاقة بحروب أفغانستان والباكستان والصراعات مع التنظيمات التي لديها علاقة بحركات «القاعدة» و«داعش».

حلول أمنية وسياسية

بالتوازي مع ذلك، طالب عدد من الحقوقيين والنشطاء، بينهم المحامي أحمد نجيب الشابي، زعيم جبهة الخلاص الوطني التي تضم مستقلين ونحو 10 أحزاب معارضة، بأن تقوم السلطات بمعالجة الملفات الأمنية في البلاد معالجة سياسية، وأن تستفيد من المتغيرات في المنطقة للقيام بخطوات تكرّس الوحدة الوطنية بين كل الأطراف السياسية والاجتماعية تمهيداً لإصلاحات تساعد الدولة والمجتمع على معالجة الأسباب العميقة للازمات الحالية.