نواكشوط تستعد لاستضافة قمة الاتحاد الأفريقي «لمكافحة الفساد»

تسعى لتمويل أنشطته ذاتياً والاستغناء عن الدعم الأوروبي والصيني

TT

نواكشوط تستعد لاستضافة قمة الاتحاد الأفريقي «لمكافحة الفساد»

انطلقت في العاصمة الموريتانية نواكشوط، أمس (الخميس)، الدورة الثالثة والثلاثون للمجلس التنفيذي لوزراء خارجية دول الاتحاد الأفريقي، وهي الدورة المحضّرة للقمة الحادية والثلاثين للاتحاد الأفريقي التي ستنعقد في نواكشوط، يوم الأحد المقبل، بوصفها أولَ قمة أفريقية تحتضنها موريتانيا.
وناقش وزراء خارجية الاتحاد جدول أعمال القمة المرتقبة، كما خصصوا حيزاً كبيراً من نقاشاتهم لقضايا مرتبطة بمكافحة الفساد في أفريقيا، تماشياً مع العنوان الذي تنعقد تحته هذه القمة: «كسب المعركة ضد الفساد: مسار مستدام لتحويل أفريقيا».
وقال وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد إن هذه القمة «تنعقد في ظرفية تاريخية مهمة لمنظمتنا ولقارتنا»، في إشارة إلى جملة من الإصلاحات الهيكلية ستدخلها الدول على منظمتهم القارية، وذلك بعد مرور 17 عاماً على تأسيسها.
وتبرز الإصلاحات الاقتصادية بقوة ضمن الخطة المستقبلية للاتحاد الأفريقي، وفق ما أكدته مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط»، وقالت هذه المصادر إن الاتحاد الأفريقي يسعى لوضع تصور من أجل تمويل أنشطته ذاتياً، والاستغناء على الدعم المقدّم من الاتحاد الأوروبي والصين.
وذلك ما أشار إليه وزير الخارجية الموريتاني، في كلمته خلال افتتاح الاجتماع، حين قال إن «القمة التاريخية التي انعقدت في كيغالي مارس (آذار) 2018، تُوِّجت بتوقيع ما يناهز أربعين دولة أفريقية على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية، وهي المنطقة التي ينتظر أن تنعكس بشكل إيجابي على القارة الأفريقية».
وأوضح ولد الشيخ أحمد أن هذه المنطقة التجارية من شأنها أن «تُسهِم في تعزيز التجارة والمبادلات الاقتصادية، وانسيابية الحركة والتنقل، وهو ما سيكون له الأثر البالغ على حياة المواطنين الأفارقة»، على حد تعبيره.
وبخصوص الملفات المطروحة على طاولة وزراء خارجية أفريقيا، قال ولد الشيخ: «هي مواضيع مهمة تتناول مختلف جوانب الحياة في قارتنا، وفي هذا الإطار يكتسي موضوع العام (كسب المعركة ضد الفساد) أهمية خاصة، نظراً لما لمكافحة الفساد من دور في تعزيز وتطوير منظومتنا الاقتصادية».
وشدد ولد الشيخ أحمد على أن «الفساد يشكل أكبر عائق أمام التنمية المستدامة وتحقيق الرفاه والتقدم»، في إشارة إلى تقارير تتحدث عن انتشار الفساد في القارة، واستقالة كثير من المسؤولين في الاتحاد الأفريقي خلال السنوات الأخيرة على خلفية هذه القضية.
وقال ولد الشيخ أحمد في هذا السياق إن «المعركة ضد الفساد تتطلب القيام بإصلاحات جذرية وخطوات عملية واستراتيجيات جيدة»، وأضاف أنه «من محاسن الصدف أن تكون قمة نواكشوط قمة مكافحة الفساد، فنحن في الجمهورية الإسلامية الموريتانية قد اعتمدنا مقاربة شاملة لمكافحة الفساد والقضاء على أسبابه واقتلاع جذوره».
من جانبها، قالت الأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة، الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لأفريقيا، فرار سونغوا، إن «القضاء على الرشوة والفساد هو السبيل الوحيد والمستديم لتحقيق الازدهار للشعوب الأفريقية»، مشيدة بأن هذه القمة ستُخصَّص لمناقشة هذا الموضوع، وقالت المسؤولة الأممية إن «ظاهرة الفساد تؤثر بشكل سلبي على التنمية في جميع القطاعات».
أما رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي التشادي موسى فقي محمد، فقد أكد أن هذه القمة يجب أن «تعزز القرار الأفريقي والدفع نحو اتخاذ قرارات مصيرية لصالح الأفارقة»، مشيراً إلى أهمية «حرية تنقل الأشخاص والتوقف عن اعتبار الأفارقة أجانب في قارتهم».
وبخصوص الإصلاحات التي سيخضع لها الاتحاد الأفريقي، قال فقي إن «المفوضية تابعت خلال السنوات الماضية العمل في إطار إصلاحات الاتحاد، وإن تقريراً شاملاً في هذا الشأن تم وضعه تحت تصرف قادة الدول والحكومات»، وأكد أن هذه الإصلاحات محل إجماع من طرف قادة دول الاتحاد، إلا أنه لم يكشف تفاصيل هذه الإصلاحات.
ولكن فقي في خطابه أمام وزراء الخارجية عَبَّر عن أسفه لاستمرار النزاعات في مناطق كثيرة من القارة، وقال إنه «قلق» حيال معاناة المدنيين في جنوب السودان ومالي ووسط أفريقيا، وقال إنهم «يدفعون ثمن العنف في بلدانهم».
ومن المنتظر أن يختتم وزراء خارجية الاتحاد الأفريقي نقاشاتهم، اليوم (الجمعة)، وذلك بوضع اللمسات الأخيرة على جدول أعمال القمة، بالإضافة إلى اعتماد تقارير اللجان الفرعية للمجلس التنفيذي واللجان المختصة وتقرير اللجنة الوزارية للترشحات الأفريقية في المنظومة الدولية وتقرير اللجنة الوزارية لجدول الأنصبة المقررة والمساهمات وتقرير المفوضية عن الوضع الإنساني في أفريقيا.
كما سيحدد المجلس التنفيذي آلية انتخاب بعض أعضاء الهيئات في الاتحاد الأفريقي، من ضمنها قضاة المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان وأعضاء لجنة الاتحاد الأفريقي للقانون الدولي، والخبراء الأفريقيين في مجال حقوق الطفل ورئيس مجلس الجامعة الأفريقية.



«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.