طلاب «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا» يحققون حلم «أبو كيمياء الفيمتو» بعد 18 سنة

لم تمنعه أضواء أميركا والشهرة الواسعة التي نالها بعد حصوله على جائزة نوبل في الكيمياء، من العودة إلى جذوره وردّ الجميل إليها. وألهمته زياراته القصيرة التي كان يجلس فيها على ضفاف النيل في القاهرة، لتقديم إنجاز علمي لبلده. خرجت الأفكار من رأسه إلى بعض المقربين منه، وتحولت إلى مشروع حيوي في عام 2000، بعد وضع حجر الأساس لإنشاء مدينة علمية تحمل اسمه، لكن حلمه الأثير تحقق بعد رحيله بما يقرب من عامين.
حلم «أبو كيمياء الفيمتو» الدكتور أحمد زويل، الذي اختراع ميكروسكوباً يصوّر أشعة الليزر في زمن مقداره فيمتو ثانية لرؤية الجزيئات أثناء التفاعلات الكيماوية، وأستاذ الكيمياء والفيزياء في معهد كاليفورنيا للتقنية، توقف منذ بداية الألفية الجديدة لتعقيدات روتينية وسياسية، حتى بزغ نجم ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في عام 2011، حينذاك تجدّد الحلم في نفسه مرة أخرى، وطرح الفكرة من جديد، ولاقت استحساناً وحماساً كبيرين من المسؤولين في مصر، وعلى الرغم من مرور مشروعه العلمي الكبير بتحديات مالية، وأزمات إدارية مع جامعة النيل، فإن حلم الدكتور أحمد زويل، تحقّق أخيراً بتخرج 250 طالباً من شعبتي الهندسة والعلوم. بعد رحيله منذ ما يقرب من عامين.
خبر وفاة العالم المصري الكبير، المولود في محافظة البحيرة (شمالي القاهرة) عام 1946، الذي صدم كل محبيه، كان دافعاً قوياً لكل العاملين في المدينة لاستكمال الحلم. رحل «زويل» عن الدنيا قبل أن يرى أول دفعة من خريجي مدينته، وهم يدينون له بالامتنان والفضل. هذا يتخصّص في النانو تكنولوجي، وذلك يستكمل مشروع الطاقة الشمسية، بعدما تلقوا تعليماً متقناً وسط معامل بحثية ومناهج علمية بمواصفات عالمية في المدينة العلمية التي تبلغ مساحتها 200 فدان، في منطقة حدائق أكتوبر (تشرين الأول)، بمدينة 6 أكتوبر، (غربي القاهرة).
خلال حفل تخرج أول دفعة من المدينة، قالت ديمة الفحام، زوجة العالم الراحل أحمد زويل، «إن حفل التخرج اليوم لأول دفعة، كان حلماً للعالم الراحل، لكنه يعيش به بيننا؛ لأنه كان حريصاً على جمع كل ما استفاد به من علوم من جميع الدول في تلك المدينة الوليدة».
وأضافت ديما: «استقبله المصريون بالأحضان ورحبوا به عقب الحصول على جائزة نوبل، ووجد صعوبات في إنشاء المدينة بمصر عقب حصوله على تلك الجائزة على الرغم من وجود إغراءات خارجية، إلا أنه أصرّ على تحقيق حلمه في مدينة علمية تروى ظمأ كل متعطش للعلم في مصر». موضحة أن «زويل أعاد عدداً كبيراً من أعضاء هيئة التدريس من علماء مصر في الخارج، إلى مسقط رأسهم للعمل في المدينة، وقد تولّت الهيئة الهندسية تنفيذ المشروع في وقت قياسي».
من جانبه، قال الدكتور شريف صدقي، المدير التنفيذي لمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، خلال حفل التخرج في قاعة المنارة بمدينة زويل «نشكر كل أجهزة الدولة على الدعم والمساندة الكبيرين لنجاح المشروع». وأثنى على نجاح المدينة في تسجيل أكثر من 552 بحثاً في مجلات عالمية وإقليمية، وأكثر من 12 براءة اختراع في مجالي العلوم والتكنولوجيا.
وتعمل مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا التي حصل مؤسسها على جائزة نوبل في الكيمياء لسنة 1999؛ لأبحاثه في مجال كيمياء الفيمتو على إعداد خريجين قادرين على مواجهة تحديات العصر الملحة والتصدي لها، باستراتيجية بنّاءة تتوافق مع خطة مصر 2030، لكي تخلق جيلاً قادراً على إيجاد حلول لكل التحديات والمشكلات التي تواجه المجتمع المصري، من خلال ربط مناهج البحث العلمي في العملية التطبيقية.
في سياق منفصل، تسلمت مكتبة الإسكندرية أخيراً، مكتبة العالم الراحل، الغنية بالكتب العلمية والأدبية والتاريخية، وكتب تتناول مشوار حياته بلغات مختلفة، وأخرى تتحدث عن إنجازاته العلمية، بالإضافة إلى بعض الصور الخاصة به خلال احتفاليات التكريم المختلفة، وذلك بعد نقلها من الولايات المتحدة الأميركية.
من جانبه، قال أحمد المسلماني، الكاتب والمستشار الإعلامي السابق للعالم الراحل: «جامعة زويل هي جامعة عامة تمتلكها الدولة المصرية، والدكتور زويل لا يملك فيها شيئاً، وهو أحد أبرز المتبرعين لها». لافتاً إلى أن زويل لم يخطط أبداً لدور سياسي، بل كان يريد دوراً وطنياً، ورفعة بلاده، وعودة الحضارة المصرية، وقد حاول من أجل ذلك التعاون مع النخبة المصرية أكثر من مرة».
ونفى المسلماني شائعات حب زويل للظهور الإعلامي، قائلاً «أنا شاهد على لهاث الإعلام العربي والدولي وراء الدكتور زويل، وإن عدداً من الذين هاجموه من الإعلاميين هم من فشلوا في إجراء حوار معه»، وأضاف أن «الدكتور زويل أسس رؤية للنهضة العلمية لمصر عام 1989 عقب إنجازه العلمي الكبير، لكن الدولة لم تلتفت له إلا في عام 1999، بعد حصوله على جائزة نوبل، وبعد مرور أكثر 27 سنة على الفكرة، تحقق حلم زويل».
وكشف المسلماني في برنامج «الطبعة الأولى» الذي يقدمه على شاشة قناة «دريم» المصرية، عن أن مدينة زويل تجري نحو 42 ألف تجربة معملية سنوياً. موضحاً أن الهدف الرئيسي الذي أنشئت المدينة من أجله، هو تطبيق الأبحاث تحقق بالفعل؛ لأن قاعات التدريس يوجد بجوارها معامل، ويوجد بجوار المعامل مصانع في داخل المدينة.
وتابع المسلماني، أن «الرئيس السيسي اختصر 10 سنوات من عمر إنشاء مدينة زويل، بعد إسناد مهمة التنفيذ إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التي نفّذت معظم منشآت ومباني المدينة في وقت قياسي... التخطيط مذهل ورائع، وأصبح لدينا مدينة علمية نفخر بها وتحتاج إلى دعم مستمر من الجميع... الحلم العظيم الذي تأجّل وانتهى على هذا النحو الرائع ينتظره مستقبل يستحقه الدكتور زويل والعلم في مصر».