مخاوف من «صورة قاتمة» لمستقبل الدين السيادي الأميركي

مكتب الميزانية في الكونغرس حذر من أن خدمة الدين السيادي الأميركي قد تعادل بعد ثلاثة عقود نفقات الضمان الاجتماعي (رويترز)
مكتب الميزانية في الكونغرس حذر من أن خدمة الدين السيادي الأميركي قد تعادل بعد ثلاثة عقود نفقات الضمان الاجتماعي (رويترز)
TT

مخاوف من «صورة قاتمة» لمستقبل الدين السيادي الأميركي

مكتب الميزانية في الكونغرس حذر من أن خدمة الدين السيادي الأميركي قد تعادل بعد ثلاثة عقود نفقات الضمان الاجتماعي (رويترز)
مكتب الميزانية في الكونغرس حذر من أن خدمة الدين السيادي الأميركي قد تعادل بعد ثلاثة عقود نفقات الضمان الاجتماعي (رويترز)

في الوقت الذي كشف فيه الكونغرس الأميركي أن الدين السيادي الأميركي على وشك بلوغ أعلى مستويات تاريخية، محذرا من «صورة قاتمة» للوضع المالي للولايات المتحدة.. أبقت وكالة ستاندارد آند بورز للتصنيف الائتماني على تصنيفها «إيه إيه +» للدين السيادي الأميركي، معتبرة أن متانة الاقتصاد الأول في العالم ما زالت تعوض عن تزايد العجز والدين. وحذر مكتب الميزانية في الكونغرس مساء الثلاثاء من أن خدمة الدين السيادي الأميركي ستعادل بعد ثلاثة عقود نفقات الضمان الاجتماعي، مع ارتفاع معدلات الفائدة وتزايد الحاجات المالية للبلد.
ورسمت التقديرات السنوية للهيئة المستقلة في الكونغرس صورة قاتمة للوضع المالي للولايات المتحدة، متوقعة أن ترتفع نفقات الفائدة بمقدار الضعف خلال السنوات العشر المقبلة، من 1.6 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي هذا العام، إلى مستوى 3.1 في المائة في 2028. وتابع التقرير أنه في عام 2048، ستصل نفقات الفائدة إلى مستوى قياسي تاريخي يمثل 6.3 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، مشيرا إلى أنه في هذه الحالة «سيكون تسديد الفائدة موازيا لإنفاق الدولة على النظام التقاعدي، والتي تشكل حاليا أعلى نفقات تتحملها الدولة».
وينطلق تقرير مكتب الميزانية من مبدأ أن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل في الوقت الحاضر رفع معدلات الفائدة على ضوء تسارع النمو والتضخم ومستوى البطالة المتدني. ورأى أن الدين الفيدرالي الذي يصل حاليا إلى 78 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، وهو أعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية، سيقارب 100 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي بعد عشر سنوات، و152 في المائة عام 2048، وهو «أعلى مبلغ بفارق كبير في تاريخ البلاد».
أما النفقات الفيدرالية الإجمالية، عدا خدمة الدين، فسترتفع من 19 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي حاليا، إلى 23 في المائة عام 2048، ولا سيما بسبب تزايد كلفة البرامج الاجتماعية من نظام التقاعد والضمان الصحي للأكثر فقرا وللمسنين.
وتوقع مكتب الميزانية أن تراوح عائدات الدولة في مستواها خلال السنتين المقبلتين، نتيجة التخفيضات الضريبية الكبرى التي أقرتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمطبقة لثماني سنوات بالنسبة لضريبة الدخل، على أن ترتفع العائدات بصورة طفيفة بعد ذلك لتحقق زيادة عالية عام2026، عند رفع ضريبة الدخل على الأفراد مجددا.
وعلى صعيد متصل، أبقت وكالة ستاندارد آند بورز للتصنيف الائتماني على تصنيفها «إيه إيه +» (ثاني أعلى درجة)، للدين السيادي الأميركي، معتبرة أن متانة الاقتصاد الأول في العالم ما زال يعوض عن تزايد العجز والدين. وكتبت الوكالة في تقريرها أن إبقاءها على تصنيف «إيه إيه +» مع توقعات مستقرة يعود إلى قوة الاقتصاد الأميركي والبنية السياسية للبلد، إضافة إلى المخاطر الضعيفة على التجارة في الأمد القريب؛ على الرغم من تزايد التوترات على هذا الصعيد.. لكنها حذرت من أن «الدين العام الحكومي المرتفع والعجز المتزايد وعملية وضع السياسات القريبة الأجل نسبيا والغموض بشأن صياغة السياسات، كل ذلك يلقي بظله على التصنيف». وإذ رأت أن الخلافات التجارية وتبادل فرض رسوم جمركية مشددة مع شركاء تجاريين أساسيين «لن تنعكس بصورة كبيرة على الاقتصاد الأميركي في الأمد القريب»، حذرت في المقابل بأن الغموض المخيم قد يعيق الاستثمارات ويبطل مفعول العائدات الناجمة عن التخفيضات الضريبية التي أقرت العام الماضي.
وتوقعت ستاندارد آند بورز أن يحقق الاقتصاد الأميركي نموا بحوالي 3 في المائة هذه السنة، و2.5 في المائة العام المقبل، بعد تسجيل مستوى 2.3 في المائة عام 2017، مدعوما من استهلاك مرتفع وسوق عقارية قوية.. لكنها لفتت إلى أن الانقسامات السياسية أعاقت قدرة الحكومة على إقرار القوانين الضرورية. وخسرت الولايات المتحدة عام 2011 تصنيفها الائتماني الأعلى عند مستوى «إيه إيه إيه» نتيجة معارك داخل الكونغرس بشأن رفع سقف الدين الأميركي، ما أوصل البلاد إلى شفير التعثر في السداد وإغلاق الإدارات.
وقالت الوكالة بهذا الصدد إنها تتوقع تسوية النقاشات حول الميزانية وسقف الدين في اللحظة الأخيرة كما هي الحال في السنوات الأخيرة. وكتبت: «إن الخلافات بين الأحزاب السياسية وداخل كل حزب أدت برأينا إلى تباطؤ في عملية وضع السياسات، وحدت من قدرة الحكومة على وضع تشريعات بعيدة الأمد، وخصوصا على صعيد السياسة الضريبية». وتابعت الوكالة بأن «هذه العوامل - إضافة إلى مستوى ديون الحكومة المرتفعة، تؤثر على التصنيف».
ولفتت «ستاندارد آند بورز» إلى أن الانتخابات التشريعية التي تجري في نوفمبر (تشرين الثاني) في منتصف الولاية الرئاسية والانتخابات الرئاسية عام 2020، «تقلص على ما يظهر هامش المفاوضات في واشنطن»، في وقت يواجه واضعو السياسة تحدي النمو الاقتصادي البعيد الأمد الذي تراجع إلى أقل من 2 في المائة.
ولم تستبعد الوكالة رفع التصنيف «إذا رأينا بوادر سياسة عامة أكثر فاعلية واستباقية، تعكس تنسيقا أكبر مشتركا للحزبين بين السلطة التنفيذية والكونغرس».


مقالات ذات صلة

المستثمرون الأميركيون ينسحبون من صناديق الأسهم

الاقتصاد متداولون في بورصة نيويورك (رويترز)

المستثمرون الأميركيون ينسحبون من صناديق الأسهم

انسحب المستثمرون الأميركيون من صناديق الأسهم وانتقلوا إلى صناديق أسواق المال الآمنة خلال الأسبوع المنتهي في 8 يناير (كانون الثاني).

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد سبائك ذهبية في غرفة صناديق الودائع الآمنة في دار «برو أوروم» للذهب في ميونيخ (رويترز)

الذهب يسجل مكاسب ملحوظة مع تزايد المخاوف حول سياسات ترمب

ارتفعت أسعار الذهب يوم الجمعة مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مما زاد من الطلب على السبائك.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

«الفيدرالي» بين خيارين صعبين في ظل اضطرابات سوق السندات

وضعت الاضطرابات الهائلة في سوق السندات بنك الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب للغاية، حيث يواجه خيارين حاسمين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الولايات المتحدة​ سفينة شحن تَعبر قناة بنما في سبتمبر الماضي (أ.ب)

«قناة بنما»: ما تاريخها؟ وهل يستطيع ترمب استعادة السيطرة عليها؟

يستنكر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الرسوم المتزايدة التي فرضتها بنما على استخدام الممر المائي الذي يربط المحيطين الأطلسي والهادئ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (أ.ب)

عائدات سندات الخزانة الأميركية تسجل أعلى مستوى منذ أبريل

سجلت عائدات سندات الخزانة قفزة كبيرة يوم الأربعاء، حيث سجلت عائدات السندات القياسية لمدة عشر سنوات أعلى مستوى لها منذ أبريل (نيسان) الماضي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الجنيه الإسترليني يواصل الهبوط لليوم الرابع

أوراق نقدية من الجنيه الإسترليني في مقر شركة «خدمة المال النمساوية» في فيينا (رويترز)
أوراق نقدية من الجنيه الإسترليني في مقر شركة «خدمة المال النمساوية» في فيينا (رويترز)
TT

الجنيه الإسترليني يواصل الهبوط لليوم الرابع

أوراق نقدية من الجنيه الإسترليني في مقر شركة «خدمة المال النمساوية» في فيينا (رويترز)
أوراق نقدية من الجنيه الإسترليني في مقر شركة «خدمة المال النمساوية» في فيينا (رويترز)

واصل الجنيه الإسترليني هبوطه يوم الجمعة، لليوم الرابع على التوالي، حيث استمر تأثير العوائد المرتفعة للسندات العالمية على العملة، مما أبقاها تحت الضغط.

وانخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 0.17 في المائة مقابل الدولار إلى 1.2286 دولار، ليتداول بالقرب من أدنى مستوى له في 14 شهراً عند 1.2239 دولار الذي سجله يوم الخميس، وفق «رويترز».

وارتفعت تكاليف الاقتراض العالمية في ظل المخاوف بشأن التضخم المتزايد، وتقلص فرص خفض أسعار الفائدة، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين المتعلقة بكيفية إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، للسياسة الخارجية والاقتصادية.

وقد أدى كل ذلك إلى دعم الدولار، وكان له آثار سلبية على العملات والأسواق الأخرى. ومن بين الأسواق الأكثر تأثراً كانت المملكة المتحدة، حيث خسر الجنيه الإسترليني 1.9 في المائة منذ يوم الثلاثاء.

كما ارتفعت عوائد السندات الحكومية البريطانية هذا الأسبوع، مما دفع تكاليف الاقتراض الحكومية إلى أعلى مستوياتها في أكثر من 16 عاماً، الأمر الذي يضع ضغوطاً على وزيرة المالية، راشيل ريفز، وقد يضطرها إلى اتخاذ قرارات بتخفيض الإنفاق في المستقبل.

وسجلت عوائد السندات الحكومية القياسية لأجل 10 سنوات ارتفاعاً في التعاملات المبكرة يوم الجمعة إلى حوالي 4.84 في المائة، ولكنها ظلت أقل من أعلى مستوى لها الذي بلغ 4.925 في المائة يوم الخميس، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2008. ومع ذلك، استمر الجنيه الإسترليني في التراجع وسط تصاعد المخاوف من الوضع المالي في المملكة المتحدة.

وقال مايكل براون، الاستراتيجي في «بيبرستون»: «لا يزال هناك قلق واضح بشأن احتمال أن يكون قد تم استنفاد كامل الحيز المالي للمستشار نتيجة عمليات البيع في السندات الحكومية، فضلاً عن النمو الاقتصادي الضعيف في المملكة المتحدة».

كما دفع هذا المتداولين إلى التحوط بشكل أكبر ضد التقلبات الكبيرة في الجنيه الإسترليني، وهو الأمر الذي لم يحدث بمثل هذه الكثافة منذ أزمة البنوك في مارس (آذار) 2023. وبلغ تقلب الخيارات لمدة شهر واحد، الذي يقيس الطلب على الحماية، أعلى مستوى له عند 10.9 في المائة يوم الخميس، قبل أن يتراجع قليلاً إلى 10.08 في المائة صباح يوم الجمعة.

ويتطلع المستثمرون الآن إلى البيانات الأميركية الرئيسية عن الوظائف التي ستنشر في وقت لاحق من الجلسة، لتأكيد توقعاتهم بأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قد تظل مرتفعة لفترة أطول، مما قد يعزز من قوة الدولار بشكل أكبر.