دبلن... مُلهمة الأدباء ومصممي الجسور

غنية بالتاريخ والأحداث ومكتبتها وحدها تضم أكثر من مائتي ألف من المجلدات النفيسة

دبلن... مُلهمة الأدباء ومصممي الجسور
TT

دبلن... مُلهمة الأدباء ومصممي الجسور

دبلن... مُلهمة الأدباء ومصممي الجسور

«عندما أكتب، أجد نفسي دائما أكتب عن دبلن، لأنك إذا أتيح لك الولوج إلى قلب دبلن، تمكّنت من الولوج إلى مدن العالم كلها». هذا ما كتبه قبل أسابيع من وفاته جيمس جويس صاحب الرائعة العالمية (أوليس) وابن العاصمة الآيرلندية الأشهر الذي خلّدها في أعماله التي أصبحت جزءا أساسيا من التراث الوطني الآيرلندي ومدماكاً راسخاً في صرح الآداب العالمية.
دبلن هي مزيج مختصر من لندن ونيويورك، أو قرية في شكل مدينة عريقة لا تشبه أي مدينة أخرى أعرفها. لن تجد فيها معالم العظمة التي تطالعك كيفما اتجهت في العاصمة البريطانية، ولا البذخ الذي يسري في العروق المتورّمة لغابة ناطحات السحاب الأميركية. لكن دبلن، التي تتنفس الأدب والموسيقى وليست جميلة بالمعنى التقليدي المتعارف عليه للجمال، تعرف كيف تستحوذ على أفئدة زوّارها الذين يحّنون دائما للعودة إليها.
العائد إلى دبلن كمن يعود إلى قراءة حكاية جذبته بداياتها، أو لسماع أغنية تتردد في ذاكرته، يتوق مشتاقاً إلى دماثة أهلها ودفء معشرهم كمن يشتاق إلى مطارح الألفة ومرابع الذكريات الجميلة.
الطقس غريم دبلن الأول، مثلها كمثل مدن الشمال الأوروبي، لكن مطرها لا قسوة فيه ونادراً ما يهطل بغزارة، بل ينزل ناعماً ليزيد من سحرها ويُسدل عليها خِماراً من الرومانسية والكآبة يذكّر بكيوتو العاصمة اليابانية القديمة. أما إذا صادفتك الشمس في زيارتك، فإن دبلن ستتفتح أمامك كزهر الحقول، بكل بهجتها وحرارة أهلها المضيافين الموصوفين بلطفهم وسهولة التواصل معهم بصدق وعفوية.
كثيرة هي المعالم التي تستحق الزيارة في عاصمة هذه الجزيرة التي عاشت قرونا في ظل جارتها الكبرى وتحت وطأة تاريخها الثقيل. تاريخ يعيه الآيرلنديون بعمق، ويستمدون منه عناصر هوية أبيّة وسَمِحة لا تبالغ في المفاخرة والاعتزاز.
- جامعة ترينيتي
المحطة الأولى في جولتنا الكاشفة لروح هذه المدينة، هي جامعة ترينيتي Trinity College التي تقع في قلب دبلن وأسستها الملكة البريطانية إليزابيث الأولى عام 1592 عندما كانت آيرلندا مستعمرة إنجليزية. تعتبر من المفاخر التي يعتزّ بها الآيرلنديون لما كان لها من تأثير على الحياة الثقافية والعلوم الإنسانية في البلاد، إذ تخرّج منها معظم قادة حركة التحرر في وجه الاستعمار البريطاني، والزعماء السياسيين الآيرلنديين إلى اليوم، إضافة إلى أعلام الشعر والأدب والمسرح مثل أوسكار وايلد وصامويل بيكيت وإدموند بروك.
وتحتل هذه الجامعة مساحة تزيد على 220 ألف متر مربع تضم مجموعة من المباني العريقة والحدائق الجميلة، إضافة إلى أكبر مكتبة خاصة في أوروبا تضم أكثر من مائتي ألف مجلد من المجلدات النفيسة والمخطوطات القديمة، وهي مفتوحة أمام الزوّار معظم أيام السنة.
- متاحف دبلن
على بُعد خطوات من الجامعة يقوم المبنى الجميل للمصرف المركزي الذي كان المقرّ السابق للبرلمان، وحوله تتشعّب شوارع التسوّق الرئيسية التي يقتصر معظمها على المشاة ويكثر فيها المطربون والعازفون على شتى الآلات الموسيقية طوال النهار.
ودبلن مدينة تعجّ بالمتاحف التي تقع كلها في وسط المدينة أو على مقربة منه، مثل متحف الهجرة الحديث الذي يحكي تاريخ الهجرات الآيرلندية التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من تاريخ الآيرلنديين وهويتهم، ومتحف العلوم الطبيعية الذي يحوي مجموعات نادرة من العيّنات الأثرية التي ما زال العلماء ينكبّون على دراستها لإعادة كتابة تاريخ شعوب أوروبا الشمالية.
من الزيارات الأخرى التي تكشف للسائح إشراقات من الهوية الثقافية والاجتماعية لسكان دبلن هو مركز جيمس جويس الذي يستعرض حياة وأعمال أديب العاصمة الآيرلندية بامتياز، وواضع المؤلف الشهير The Dubliners الذي يروي في خمس عشرة قصة قصيرة وقائع حياة سكان دبلن مطالع القرن الماضي. وللشغوفين بأعمال هذا الاديب، ينظّم المركز رحلات إلى الأماكن التي تدور فيها أحداث تلك القصص والتي كان يرتادها الكاتب. ولدبلن حكايات أيضا مع الجسور التي تربط بين رئتيها فوق نهر ليفاي الذي ينساب بين أحيائها حتى مصّبه في بحر آيرلندا. معظـم هذه الجسور مقصورة على المشاة، وأقدمها جسر H’apenny (نصف درهم) الذي يعود إلى أواخر القرن السابع عشر والذي كان يفصل بين الأحياء الميسورة وتلك الفقيرة، ويُبعد سكان هذه الأخيرة عن جيرانهم الأثرياء لأن عبوره كان يقتضي دفع رسم قدره نصف درهم. وليس مستغربا أن يطلق سكان دبلن على جسور المدينة أسماء الأدباء المشهورين مثل صامويل بيكيت الذي يُضاء جسره بالأنوار الملونة ليلا، وجسر جيمس جويس الذي يقع في منطقة بعيدة عن وسط المدينة، وكلاهما من تصميم كالاترافا المهندس الإسباني الذي ذاع صيته في العالم لهندسة الجسور المعدنية. ولا ننسى جسر شون أوكاسي، الكاتب القومي الذي ألهم حركات التحرر من الاستعمار البريطاني، والذي اعتاد سكان دبلن على زيارته وترك باقات من الزهر فوقه في المناسبات الوطنية.
ولمن اتسّع وقته وزاد فضوله ثمة زيارات شيقة أخرى إلى متحف الفايكينغ الذي يعرض تاريخ التلاقي بين سكان آيرلندا القدامى والقبائل التي نزلت إليها من البلدان الاسكندينافية، أو مبنى إدارة الجمارك الجميل الذي يعود لأواخر القرن الثامن عشر. وإذا تعذّر على السائح أن يزور المناطق الساحلية الساحرة أو الأرياف الجميلة المحيطة بالمدينة، فما عليه سوى أن يدخل حديقة سان ستيفن ليتمتع بالهدوء الساكن بين مساحاتها الخضراء المزهرة وتحت أشجارها الظليلة الباسقة.
تكفي إقامة قصيرة في دبلن لتدرك أن زيارة بعض المدن كمثل عمل أدبي طور الاكتمال، وأن البيت أيضا هو كل مكان تحلّ فيه ولا ترغب في مغادرته.
- فنادق
> Shelbourne: من أعرق الفنادق في العاصمة الآيرلندية، يقع مقابل حديقة سان ستيفن ويتميّز بهدوئه وقربه من معظم المتاحف وشوارع التسوّق. شهد أحداثا تاريخية وأدبية كثيرة وما زال ملتقى الكثير من الأدباء والفنانين في مطعمه الراقي وقاعة الشاي التقليدية.
> Merrion: يقوم في مبنى أرستقراطي من القرن الثامن عشر، يزيـّن الرخام القاعات الفسيحة عند مدخله وتتميّز غرفه الفسيحة بالأثاث الكلاسيكي والتحف الفنية القديمة. يقع على مقربة من الحدائق العامة التي يحلو التنزه فيها أيام الصحو.
> Westbury: من أفخم فنادق دبلن وأحدثها تجهيزا. مشهور بمطاعمه الثلاثة التي تقدّم وجبات محلية وأوروبية وآسيوية تجذب الهواة العارفين والراغبين في الاحتفال بمناسبات خاصة أو عائلية راقية. تجربة شاي الساعة الخامسة في هذا الفندق لا نظير لها في دبلن.
- مطاعم
> Chapter One: مشهور بأطباقه المبتكرة والجريئة للوجبات الآيرلندية التقليدية. يقصده السيّاح الذين يرغبون في التعرّف على المطبخ الآيرلندي الحديث خصوصا
> Mulberry Garden: يقدّم أطباقا آيرلندية وأوروبية في جو هادئ خاصة في حديقته الغنّاء خلال موسمي الربيع والصيف. يشتهر بأطباق الأسماك والمحار.
> Dax: محجّة الساعين إلى تذّوق أطباق اللحوم الآيرلندية الشهيرة من مزارع التربية العضوية في الأرياف الآيرلندية الخضراء. الحلويات أيضا هي من الأطايب المشهورة التي تجذب الزبائن إلى هذا المطعم.
> Forty One: قمّة الابتكار في المطبخ الآيرلندي الحديث. معظم روّاده من الشباب وأنصار التجديد والمأكولات الخفيفة. يُنصح أصحاب الشهية الواسعة، إذا قرروا زيارة هذا المطعم، أن يفكّروا لسدّ الجوع بمحطة تالية بعد زيارته.



دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
TT

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

أعربت الفنانة اللبنانية دياموند بو عبود عن سعادتها لفوز فيلم «أرزة» بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مؤكدةً أنّ سعادتها تظلّ ناقصة جرّاء ما يشهده لبنان، ولافتةً إلى أنّ الفيلم عبَّر بصدق عن المرأة اللبنانية، وحين قرأته تفاعلت مع شخصية البطلة المتسلّحة بالإصرار في مواجهة الصعوبات والهزائم.

وقالت، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الوضع في لبنان يتفاقم سوءاً، والحياة شبه متوقّفة جراء تواصُل القصف. كما توقّف تصوير بعض الأعمال الفنية»، وذكرت أنها انتقلت للإقامة في مصر بناء على رغبة زوجها الفنان هاني عادل، وقلبها يتمزّق لصعوبة ظروف بلدها.

وفازت بو عبود بجائزة أفضل ممثلة، كما فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، وتشارك في بطولته بيتي توتل، والممثل السوري بلال الحموي، وهو يُعدّ أول الأفلام الطويلة لمخرجته ميرا شعيب، وإنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، وقد اختاره لبنان ليمثّله في منافسات «الأوسكار» لعام 2025.

في الفيلم، تتحوّل البطلة «أرزة» رمزاً للبنان، وتؤدّي بو عبود شخصية امرأة مكافحة تصنع فطائر السبانخ بمهارة ليتولّى نجلها الشاب توصيلها إلى الزبائن. وضمن الأحداث، تشتري دراجة نارية لزيادة دخلها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تُسرق، فتبدأ رحلة البحث عنها، لتكتشف خلالها كثيراً من الصراعات الطائفية والمجتمعية.

دياموند بو عبود والمؤلّف لؤي خريش مع جائزتَي «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم في فخّ «الميلودراما»، وإنما تغلُب عليه روح الفكاهة في مواقف عدة.

تصف بو عبود السيناريو الذي جذبها من اللحظة الأولى بأنه «ذكي وحساس»، مضيفة: «حين عرض عليَّ المنتج المصري علي العربي الفيلم، وقرأت السيناريو، وجدت أنّ كاتبيه لؤي خريش وفيصل شعيب قد قدّماه بشكل مبسَّط. فالفيلم يطرح قضايا عن لبنان، من خلال (أرزة) التي تناضل ضدّ قسوة ظروفها، وتصرّ على الحياة». وتتابع: «شعرت بأنني أعرفها جيداً، فهي تشبه كثيرات من اللبنانيات، وفي الوقت عينه تحاكي أي امرأة في العالم. أحببتها، وأشكر صنّاع الفيلم على ثقتهم بي».

عملت بو عبود طويلاً على شخصية «أرزة» قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد شغلتها تفاصيلها الخاصة: «قرأتُ بين سطور السيناريو لأكتشف من أين خرجت، وما تقوله، وكيف تتحرّك وتفكر. فهي ابنة الواقع اللبناني الذي تعانيه، وقد حوّلت ظروفها نوعاً من المقاومة وحبّ الحياة».

واستطاعت المخرجة الشابة ميرا شعيب قيادة فريق عملها بنجاح في أول أفلامها الطويلة، وهو ما تؤكده بو عبود قائلة: «تقابلنا للمرّة الأولى عبر (زووم)، وتحدّثنا طويلاً عن الفيلم. وُلد بيننا تفاهم وتوافق في الرؤية، فنحن نرى القصص بالطريقة عينها. تناقشتُ معها ومع كاتبَي السيناريو حول الشخصية، وقد اجتمعنا قبل التصوير بأسبوع لنراجع المَشاهد في موقع التصوير المُفترض أن يكون (بيت أرزة). وعلى الرغم من أنه أول أفلام ميرا، فقد تحمّستُ له لإدراكي موهبتها. فهي تعمل بشغف، وتتحمّل المسؤولية، وتتمتع بذكاء يجعلها تدرك جيداً ما تريده».

دياموند بو عبود على السجادة الحمراء في عرض فيلم «أرزة» في القاهرة (إدارة المهرجان)

صُوِّر فيلم «أرزة» قبل عامين عقب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت و«كوفيد-19»، وشارك في مهرجانات، ولقي ردود فعل واسعة: «عُرض أولاً في مهرجان (بكين السينمائي)، ثم مهرجان (ترايبكا) في نيويورك، ثم سيدني وفرنسا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في إسبانيا. وقد رافقتُه في بعض العروض وشهدتُ تفاعل الجمهور الكبير، ولمحتُ نساء وجدن فيه أنفسهنّ. فـ(أرزة)، وإنْ كانت لبنانية، فهي تعبّر عن نساء في أنحاء العالم يعانين ظروف الحرب والاضطرابات. وقد مسَّ الجميع على اختلاف ثقافتهم، فطلبوا عروضاً إضافية له. وأسعدني استقبال الجمهور المصري له خلال عرضه في (القاهرة السينمائي)».

كما عُرض «أرزة» في صالات السينما لدى لبنان قبل الحرب، وتلقّت بطلته رسائل من نساء لبنانيات يُخبرنها أنهن يشاهدنه ويبكين بعد كل ما يجري في وطنهنّ.

تتابع بتأثر: «الحياة توقّفت، والقصف في كل الأماكن. أن نعيش تحت التهديد والقصف المستمر، في فزع وخوف، فهذا صعب جداً. بقيتُ في لبنان، وارتبطتُ بتدريس المسرح في الجامعة والإشراف على مشروعات التخرّج لطلابه، كما أدرّس مادة إدارة الممثل لطلاب السينما. حين بدأ القصف، أصررتُ على البقاء مع عائلتي، لكن زوجي فضَّل المغادرة إلى مصر مع اشتداده».

وشاركت بو عبود العام الماضي في بطولة فيلم «حسن المصري» مع الفنان أحمد حاتم، وقد صُوّرت معظم المَشاهد في لبنان؛ وهو إنتاج مصري لبناني. كما تكشف عن ترقّبها عرض مسلسل «سراب» مع خالد النبوي ويسرا اللوزي، وبمشاركة زوجها هاني عادل، وإخراج أحمد خالد. وتلفت إلى أنه لم تجمعها مشاهد مشتركة مع زوجها بعد مسلسل «السهام المارقة»، وتتطلّع إلى التمثيل معه في أعمال مقبلة.